إذا غلب الصمت كثر الخَبَثْ
الشيخ حمود بن ظاهر الشهري
الحق أصل قامت به السماوات والأرض، فمن كان على الحق وصل وإن أصابه ما أصابه فالمهم عواقب الأمور فوصية لقمان لابنه ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) [لقمان:17]
ياأمة الحق والآلام مقبلة متى تَعِين ونار الشر تستعر
أكل يوم يُرى للدين نازلة وأمة الحق لا سمع ولا بصر
الصمت وإن صاحبه سلامة مؤقتة فهو مسمار يُدَقُ في نعش الأمة، عاقبته وخيمة، وكم نتلوا في كتاب ربنا من آيات واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، كيف لُعنت تلك الأرواح المقبورة التي انهزمت بصمتها أمام زحف الخَبَثْ الجارف فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وحلت عليهم اللعنة فأصبحوا خارج نطاق الرحمة والعياذ بالله ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) [المائدة : 78-79 ]
وخلاصة الأمر، أن القوم أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي، فانتشر الخبث في المجتمع فهذا جرم
فقام بعض الصلحاء فانكروا ذلك الخبث، إلا أنه لم يكن لديهم رصيد من
التربية والإيمان العميق بحيث يصمدوا ويستمروا فضعفوا واستكانوا أمام هذا
الطوفان من الخبث والفساد الذي استشرى في المجتمع، لقلة الصبر وتمكن اليأس،
وياليتهم وقفوا عند هذا الحد من الضعف ولكنهم انقلبوا على أعقابهم
فأصبحوا يخالطون أهل الخبث، وهذا جرم آخر فلما حصل هذا ضرب الله قلوب
بعضهم ببعض ولعنهم، وشاهده: ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال صلى
الله عليه وسلم: (إن اول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى
الرجل فيقول: يا هذا إتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من
الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون اكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله
قلوب بعضهم ببعض ثم قال( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ...)
الآية لماذا قص الله تعالى لنا هذه القصة ونحوها ؟ هل ذلك لتتسلى بها
الأمة وتتحدث بها الأجيال جيلاً بعد جيل أم أن الأمر للتذكير والتحذير من
خطورة ذلك الموقف المشين، والصمت المهين، فتكون العاقبة كتلك العاقبة .
إنه
لمن العجب أن نشاهد عبر وسائل إعلامنا من يحتفي بمن ولغت ألسنتهم
وأقلامهم الظالمة بالنيل من قيم الأمة الطاهرة بكتابات مهينة، وروايات
ساقطة، تشجع الفحشاء والمنكر، وتحارب الفضيلة والعفاف، بل ويُكرَمون،
ويهان غيرهم من أهل الغيرة الذين يبذلون النصيحة بكل رفق وحكمة، بل وتعلن
بعض الصحف بالخط العريض وعلى غير استحياء على لسان أحد المسؤولين في
الهيئة أن باب الاحتساب أغلق تماماً . إننا نخشى من عقوبة تعم الجميع
لاسيما ونحن نرى من يُستقبل بل وربما يُواكل ويُشارب ويُقعد معه في جو من
المؤانسة وكأنه لم يجاهر بالخبث، هل نحن في مأمن من عذاب الله والنبي صلى
الله عليه وسلم يقول كما في حديث زينب :( ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح
اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلق بأصبعه الإبهام والتي
تليها-فتقول زينب وهل نهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثُر الخبث )
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرسم في هذا الحديث سنة إلآهية في هلاك
الأمم، وخراب البلدان، وانهيار الدول والحضارات، هذه السنة هي إذا غلب
الخبث وكثر.
فكيف
بزماننا الذي نُحاصَر فيه بالخبث من كل جانب وحتى وأنت تدخل بيت الله
الحرام، فترى ما يتفطر له القلب من السفور المدعوم بمظاهر الفتنة فكيف
بالأسواق وغيرها مما يُحزن القلب. من كان يظن أننا سنرى من يحاضر لبناتنا
وجهاً لوجه في قاعة واحدة من قاعات كليات التمريض، من كان يظن أننا سنرى
ذلك الإختلاط المهين بمعرض الكتاب الدولي بالرياض والذي وافتنا به صحفنا
على صفحاتها المجيدة لكي يتطبَّع هذا المنكر الذي ماكان يخطر ببالنا أنه
سيتم بهذا التسارع المحموم في بلاد الحرمين جزيرة الإسلام ولايمكن أن
نستطيع حصر المنكرات التي تحاصرنا أين اتجهنا والأمر لله من قبل ومن بعد .
الخبث
لابد من وجوده حتى أنه وُجد في عصر المعصوم صلى الله عليه وسلم لكنه خبث
يُعد على الأصابع وحُسم أمره. أما هذا الزحف من الخبث الممنهج فإنا والله
لنخشى من كارثة تحل بالصالح والطالح، وأعظم سبب لهذا الزحف للخبث إنما هو
بسبب من يستطيع النصح والبيان لكنه من الصامتين، وقد صرح صلى الله عليه
وسلم بهذا ومن ذلك مارواه جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه أنه صلى
الله عليه وسلم قال:( ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم يقدرون
أن يغيروا فلا يغيروا إلا أوشك أن يعمهم الله بعقاب) رواه أبو داود وغيره
وهو صحيح، فليس بيننا وبين ربنا سبحانه نسب، الذي بيننا وبين ربنا أن
نقوم بما أوجبه علينا من الأمر والنهي، وفق الضوابط الشرعية التي أعلنها
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (من رأى منكم منكراً فاليغيره بيده،
فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) فالدرجة
الأولى لأهل الولايات، أما الثانية فعليها الرهان، والثالثة لاعذر لأحد .
ولإبن
القيم رحمه الله كلام نفيس كل منا يقف مع نفسه ولينظر ما نسبة قوله إليها
قال: (.. وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه
يترك، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت
شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من
هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكل هم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى للدين،
وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نُوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو
ماله بذل وتبذَّل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه،
وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بُلوا في الدنيا بأعظم
بليه تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم
كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل) إعلام الموقعين.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعار الأمة قدمه الله تعالى على الإيمان في بعض آيات القرآن لأهميته، فهو صمام أمان ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ..) الآية
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد الله تعالى هو منقذ السفينة في هذا الزمن من الغرق وليس الخرق فالخروق كثيرة والله المستعان.
إن
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن تُرك مع القدرة كان ذلك سبباً لحلول
العقاب، وسبباً لرد الدعاء والعياذ بالله، بل أقسم الله على خسارة من تركه
فقال تعالى( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )
(العصر1-3) وأذَكِّر بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( مثل القائم على
حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها
وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم
فقالوا لوخرقنا في نصيبنا ولم نؤذي من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا
جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) رواه البخاري.
فالسفينة هي المجتمع، والأعلى فيها هم الأخيار والصلحاء، والأسفل هم أهل الفسق والخَبَثْ كما هم دائماً وأبداً ( وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ
) [ البقرة 11-12] يقولون: نريد
الحرية المطلقة، نريد المرأة تقود السيارة، نريدها تختلط بالرجال، نريدها
سامراً في بهوات الفنادق باسم الحوار والثقافة، نريدها كما نصت عليه
إتفاقية سيداو.ماقالوا نريد لها حقوقها كما أمر الله، ماقالوا نريد رفع
الظلم عنه، ماقالوا نريد حلاً للعنوسة المروعة في البيوت والمجتمع ....
ألا
نخشى ونحن نتصفح كتاب الله تعالى وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ونرى
زحف الخبث، ونرى مكر المنافقين الكبَّار، وصمت الكثير والكثير من أهل
الحق الذين لو خرجوا من صمتهم لانقلب السحر على الساحر ألاَّنصبح أونمسي
إلاعلى عقاب نبكي معه الدم بعد نضوب الدمع، لأن الله تعالى يغار على
محارمه، وسنة الله في خلقه معلومة، فإنه إذا غلب الصمت كثر الخبث، وإذا
كثر الخبث وقع الهلاك والعياذ بالله.
أسأل
الله تعلى أن يلهمنا رشدن، وأن يقينا شر أنفسنا وأن يرد كيد المفسدين في
نحورهم وأن يوفق ولاة أمرنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلهم داعمين للحسبة
وأهلها الذين بهم يحفظ الله العباد والبلاد.
تم النشر يوم
الاثنين، 5 نوفمبر 2012 ' الساعة