الجمعة، 15 ديسمبر 2017

الشيخ مقبل بن حمد المقبل 

الحمد لله رب العالمين ، يرزق من يشاء بغير حساب، فأحكم ، أحمده تعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور التواب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم الوهاب، وأشهد أن نبينا محمدا عبدالله ورسوله المبعوث بخير دين وأعظم كتاب .. صلى الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب، وسلم تسليما كثيرا .. 

أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، اتقوا الله ربكم وابتغوا عنده الرزق واعبدوه واشكروا له إليـه ترجعون ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ). 

أخوة الإسلام: إن من الخصال الفاضلة في الدنيا، والأعمال التي تتجلى فيها عبادة التوكل على الله تعالى، وتفتح للمرء آفاق الأجور، وأبواب الحسنات ممارسةَ التجارة، بيعا وشراء طلبا للكسب، لإعفاف النفس، والإحسان على الخلق ، وخدمة المجتمع والأمة.. التجارة هي رحلة للبحث عن فضل الله تعالى كم نص الله على ذلك في قوله: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) وقال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) وقال سبحانه: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) .وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ما من مكان أحب إلى أن يأتيني فيه أجلي بعد الجهاد في سبيل الله إلا أن أكون في تجارة أبيع وأشتري،. 

عباد الله : إن هذه الحرفة الشريفة متعددةُ المجالات واسعةُ الآفاق ممتدةُ الأطراف، ليست حكرا على غني أو ذكر أو شريف، ولكنَّ جنيَ ثمارها المحمودة، وتحصيلَ فضائلها المعهودة إنما يكون بالتزام أصحابها لحدود الله تعالى صدقا في التعامل، وسماحةً، وحسنَ خلق، وبعدا عن الحرام، وعدمَ انشغال بها عن عبادةٍ وطاعة، فمن فعل فليبشر بخير عاقبة : قال نبينا صلى الله عليه وسلم (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أيُّ الكَسْبِ أطْيَبُ؟ قالَ: (عَمَلُ الرُّجُلِ بِيَدِهِ، وكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ). وفي التجارة عز وترفع عن الدنية فقد قال جبريل عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم:"يَا مُحَمَّدُ، شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ".وفيها مع الصدق والرضا بركة، فقد قال صلى الله عليه وسلم :" فإن صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيعِهما، وإِن كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكةُ بَيعِهما" وقال "إِنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّه لَهُ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ، وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ". 

عباد الله: في التجارة يتجلى التوكل على الله تعالى في أجمل صوره وأبهاها، ومن صدق فيه مع ربه ساق إليه الرزق سوقا ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أنكم تتوكلون على الله حّقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطانا).. وفيها باب لاتقاء عثرات يوم القيامة عندما يقيل التاجر أخاه من بيع لم يقتنع به قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أقال مسلمًا، أقاله الله عثرته).. وفيها باب لمغفرة الذنوب لمن خفف على المعسرين، وأنظر ذوي الحاجة قال صلى الله عليه وسلم: (كان تاجرٌ يداين الناس، فإذا رأى معسرًا، قال لفِتيانه: تجاوَزوا عنه؛ لعل الله أن يتجاوزَ عنا؛ فتجاوز الله عنه). 

عباد الله: التاجر الصدوق الذي ينال شرف هذه المهنة وفضلها لا يكذب، ولا يحلف لمجرد التسويق والترويج لسلعته لأنه يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه يُنَفِّقُ ثم يمحق). ولا يطفف في كيل أو وزن لأنه يسمع قول الله( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ولا يغش بأي نوع من أنواع الغش لأنه يدرك قول نبينا صلى الله عليه وسلم عند مسلم (من غشنا فليس منا). ولا يقتحم مشتبها ، لأنه يعلم قول نبينا صلى الله عليه وسلم فمن اتَّقى الشبهات، استبرَأَ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام) . ويكثر البذل والصدقة، استجابة لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (يا معشرَ التجَّار، إن البيع يحضرُه اللَّغْو والحلف، فشُوبوه بالصدقة). 

عباد الله : يجب علينا أن ندرك هذه المعاني، وأن نعرف لهذه المهنة فضلها وآدابها لنسعد ونُسعد غيرنا في الدنيا، ونرتقي في درجات الجنة في الآخرة بفضل الله ومنته وجوده وكرمه .. أسأل الله أن يوفقنا للصدق والسماحة في شؤوننا كلها إنه سميع مجيب .. أقول ما تسمعون … 


الخطبة الثانية

إخوة الإسلام .. إننا في وقت فتح فيه المجال لنا على مصراعيه للتجارة خاصة من كان بلا وظيفة من الشباب والفتيات .. فلنستغل هذه الفرصة تحصيلا لتلك الفضائل.. وأضحت وسائل التواصل الاجتماعي منصات تسويق رحبة لمن وجد الحافز في نفسه وفي من حوله لدخول هذا المجال.. فلنسشتر ولنستخر، ولنستعن بالله تعالى .. 

عباد الله: ظهرت عبارة الأسر المنتجة كثيرا في السنوات الأخيرة، وراجت مهرجاناتها، ومجالات عرض سلعها للناس في مجامعهم، وهي فرصة للانضمام لهذه المهنة الشريفة، ولكن بعيدا عن رفع الأسعار ، واستغلال عواطف الناس، أو الاستعانة بمخالفي نظام الإقامة والعمل سواء من الرجال أو الخادمات المخالفات إما باستئجارهن أو إيواء الهارب منهن استعانة بهن على زيادة الانتاج وتغطية الطلبات .. فإن باب التجارة المندوب لا بد أن يخلو من محرم أو مشتبه حتى يجني الإنسان ثماره في الدنيا والآخرة .. 

عباد الله: ومن صدق في تجارته ويسر على الناس واتخذ حسن الخلق طبعا وديدنا خلُد ذكره، وشاع الدعاء له، ولم يُنس ولو بعد موته.. وفي الصحابة والتابعين ومن بعدهم سيرٌ خالدة ماجدةٌ في هذا الباب … أسأل الله أن يكتبنا من الصادقين في إيماننا وأعمالنا وتجاراتنا وسائر أحوالنا إنه سميع مجيب
.. هذا وصلوا وسلموا ... 
 تم النشر يوم  الجمعة، 15 ديسمبر 2017 ' الساعة  6:05 م


 
Toggle Footer