أما بعد:
أيها الناس..
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ففيها سعادة الدنيا والآخرة عباد الله إن
أعداء الله وأعداء الإسلام من اليهود وأعوانهم عليهم لعائن الله والملائكة
والناس أجمعين قد ضرب الله عليهم الذلة في قرون متطاولة بسبب كفرهم ونقضهم
المواثيق وتكذيبهم للرسل فكانوا مشردين محتقرين ممتهنين أينما كانوا سواء
كانوا في شعوب إخوانهم من النصارى أو غيرهم أو بين المسلمين، فهم طوال هذه
الأحقاب يحيكون المؤامرات ويعقدون الندوات العلنية والسرية لكيد المسلمين
ولكن الله ضربهم بالمسكنة إلا بحبل منه فيجعلهم عذابًا يعذب به من عصاه أو
بحبل من الناس ليضرموا فيهم نيران الحروب لمصالحهم الشخصية: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ
﴾ [المائدة: 64]، لأنهم يسعون في الأرض فسادًا ولكن لما زهد المسلمون في
دينهم ولعبت بهم الدعايات المضللة حتى رموا الإسلام بالنقص وأنه لا يكفي في
تنظيم الحياة والحضارة الزائفة واستمدوا نظام حياتهم وشئونهم الدنيوية من
غيره من القوانين الوضعية الفاسقة الفاشلة، وعلم بذلك أعداؤهم من اليهود
والنصارى شمروا عن ساق الجد وناصبوهم العداء غير مبالين بكثرة عددهم لأنهم
يعلمون جيدًا أن العرب قبل ظهور الإسلام لا يقام لهم وزن وإنما ظهروا على
أهل الأرض في مشارقها ومغاربها بفضل الإسلام وصدقهم مع الله وبذل مهجهم
وأموالهم لإعلاء كلمته وإظهار دينه وأنهم متى تضعضعت عقائدهم واختلفت
مبادؤهم يعودون إلى ما هم عليه قبل ذلك من السذاجة والتخاذل والتقاطع، فلا
يقوم لهم سلطان، وقد حصل ذلك في صفوفهم حيث حملوا عليهم ثأرًا لأسلافهم من
يهود المدينة وخيبر وإخوانهم الآخرين الذين نفذ المسلمون فيهم أحكام
الإسلام بالقتل والسلب واستباحة الأموال والأولاد والجلاء، وساعدهم على ذلك
إخوانهم من النصارى وزرعوهم في الأرض المقدسة وأمدوهم بالمال والعتاد
والمناصرة على المسلمين حتى نالوا من المسلمين ما شاء الله أن ينالوا من
قتل وتشريد واستباحة الدماء والأموال وذلك بقدر ما أضاع المسلمون من أوامر
الله ولعل في ذلك من الأسرار الخفية ما لا يعلمه إلا الله وليستشعر
المسلمون من واقعهم ما يصلحون به أحوالهم ويراجعوا دينهم وليعلموا من أين
أتُوا فإنهم إنما آلوا من قبل أنفسهم فليصلحوا ما فسد من أعمالهم، وليرجعوا
إلى ربهم بجد وإخلاص وعزيمة صادقة ويستمدوا منه العون والمدد على عدوهم،
ويقارنوا بين تاريخهم وتاريخ أسلافهم من الصحابة والتابعين وقادة الإسلام
المظفرين الذين حازوا الانتصارات الباهرة على أعداء الإسلام وأعداء الله
رغم قلة عددهم وكثرة عدوهم، حتى أرسوا قواعد الإسلام ثابتة في أنحاء
المعمورة على أنقاض عروش ملوك الكفر والطغيان من أقاصرة الروم وأكاسرة
الفرس، وطهروا البلاد من الشرك والوثنية ولم يكن قتالهم لعصبية أو قومية
ونحوها، ولم يكن هدفهم نهب الأموال واستعباد الشعوب، فعسى ما أصاب المسلمين
من هزيمة تطهيرًا لهم ولافتًا لأنظارهم ودافعًا لهم على الاعتصام بالله
واستمداد نظامهم من كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- والتوجه إليه،
ويوحدوا كلمتهم ويتسلحوا بالإيمان ليستحقوا ما وعد الله المؤمنين في كتابه
بالنصر البين حيث يقول: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51]، وقوله: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
﴾ [الروم: 47]، وقد ظهرت معالم ذلك في مجتمعاتهم ونسأل الله أن يتم عليهم
نعمته ويجمع شملهم على الهدى ويوحد كلمتهم ويرزقهم الاعتماد عليه ويؤيدهم
بما أيد به عباده المؤمنين.
عباد الله.. إن
جهاد اليهود والكفار واجب على كل مسلم حسب قدرته فصاحب المال بماله
والعالم بالتوجيه، وصاحب القلم بقلمه، والقادة بالإقدام والثبات، ومن وصايا
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأخيرة في مرضه الذي مات فيه قوله -صلى
الله عليه وسلم-: (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب)[1]،
جاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم واعلموا أن النفقة في سبيل الله
تضاعف أضعافًا كثيرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من أنفق في سبيل الله
كتبت له بسبعمائة ضعف)[2].
ولما حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النفقة في تجهيز غزوة تبوك
التي سماها في كتابه ساعة العسرة وتصدق الناس بما شاء الله، وتصدق عثمان بن
عفان بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وألف دينار قال -صلى الله عليه
وسلم-: (ما ضر ابن عفان ما فعل بعد اليوم)[3].
يعني أن هذه النفقة تكفر عنه ما سيفعله في المستقبل فلا تحقروا عباد الله
شيئًا تنفقونه في سبيل الله وعليكم بالإخلاص وصدق النية عند النفقة،
واقصدوا بما تنفقونه وجه الله وإظهار دينه والقضاء على اليهود والمشركين،
فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، صوابًا على ما شرعه
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واعلموا أن اليهود وأعوانهم من النصارى
وغيرهم لا يقنعون بما تمكنوا فيه من بلاد المسلمين فإنهم يخططون للاستيلاء
على جزيرة العرب كلها، والقضاء على المسلمين في أنحاء المعمورة فانتبهوا من
غفلتكم واغزوهم قبل أن يغزوكم، ووثقوا الروابط مع الله لتكونوا من جنده
فإنه يقول: ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: 173]، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
احفظوا الله يحفظكم وقوموا بما أوجبه
عليكم من الطاعات، وأقيموا من تحت أيديكم عليها لئلا تكونوا فريسة لأعداء
الله من اليهود والنصارى فإنه لا نصر لكم ولا ظهور إلا بالعون من الله
والله تعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ
﴾ [الفرقان: 77]، فإذا تهاونتم بأوامر الله فقد عصيتم الله وجعلتم بينكم
وبينه حاجبًا ثم تدعونه فلا يستجيب لكم وتستنصرونه فلا ينصركم، واعلموا أن
الصلاة إنما سميت صلاة لأنها صلة بين العبد وبين ربه فإذا أداها العبد كما
أمره الله في اليوم والليلة خمس مرات يناجي فيها مولاه متطهرًا متوجهًا
إليه يثني عليه ويمجده ويستعينه في كل ركعة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
﴾ [الفاتحة: 5]، ويستغفره من ذنوبه ويسبحه ويتضرع بين يديه كان حقًا عليه
أن يستجيب دعاءه إذا دعاه وينصره إذا استنصره، لأنه بذلك يكون مؤمنًا
بالله، والله قد وعد المؤمنين بالنصر في الدنيا والآخرة أما إذا أعرض العبد
عن الله واتبع شهواته وكان إلهه هواه وكله الله إلى نفسه وخلى بينه وبين
أعدائه كما قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ
عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ
يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية:
23]، فإذا خلى بينكم معاشر المسلمين وبين أعدائكم فلا قبل لكم بهم، هم أكثر
منكم عددًا وعدة وأعرف منكم بأساليب الدعاية وأمكن منكم في الصناعة وأجلد
منكم أجسامًا وأكثر أعوانًا.
فالله الله عباد الله اعتصموا بحبل الله
واغضبوا لغضبه وارضوا لرضاه ولا تداهنوا في دينكم وتتقاعسوا عن واجبكم في
ذات الله فإن كلًا منكم مسؤول أمام الله وقد ظهرت المنكرات في مجتمعاتكم
وفعل المنكر فيها شبابكم اعرضوا عن الصلاة وخالطت نساؤكم الرجال في الأسواق
متبرجات، والذنب إذا خفي لم يضر إلا صاحبه وإذا ظهر ولم يغير عمت المصيبة،
هؤلاء الرياضيون في مبارياتهم يعلنون إعراضهم عن الصلاة في الإذاعات آلاف
الآلاف يبرزون قبيل صلاة العصر ويستمرون في لهوهم ولعبهم حتى بعد صلاة
المغرب لا تنقطع أصواتهم وهم عشرات الآلاف فإن كانوا يزكون الصلاة فهم كفار
يجب على المسلمين جهادهم وإن كانوا يصلونها بعد فراغهم فهم من الذين
توعدهم الله بويل بقوله: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5]،، وويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره، أخبر بذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم-[4]،
والسكوت على هذا يقتضي الرضا به فمن السعود عن هذا كله إنما تقع المسئولية
على العلماء أولًا وعلى الولاة ثانيًا وعلى جميع المسلمين ثالثًا يقول
الرسول-صلى الله عليه وسلم-: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم
يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)[5]،
فالتغيير باليد واجب الولاة ولكن على العلماء أن ينبهوهم على ما غفلوا عنه
وتوضيح الحق لهم في كل ما خفي عليهم ويساعدوهم على القيام به وهذا واجب
على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته وهذا من التعاون على البر والتقوى
والسكوت من التعاون على الإثم والعدوان والسكوت يترتب عليه أمران:
الأول: في الدنيا فتعرض لمقت أدته فيسلط علينا من لا يخافه ولا يرحمنا ويسلب عنا نعمته ويبدلها ضيقًا ونكالًا وذلًا وهوانًا.
والثاني: في
الآخرة فإن الراضي بالمنكر كفاعله جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه
قال: (أوحى الله إلى ملائكته أن اقلبوا مدينة كذا قالوا: إن فيها عبدك فلان
العابد فقال تعالى: اقلبها عليه وعليهم فإنها يتمعر وجهه ساعة قط)[6].
فاتقوا الله عباد الله وقوموا لله مثنى
وفرادى كونوا مع الله بالقيام بأوامره مروا بالمعروف ائتمروا به وانهوا عن
المنكر وابتعدوا عنه فإنه لا طاقة لكبح على عذاب الله في الدنيا والآخرة ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].
والحمد لله رب العالمين.
[1] معجم الطبراني الكبير (561).
[2] سنن الترمذي (1625) وسنن النسائي (3186) وصححه الألباني.
[3] سنن الترمذي (3710) وقال: حسن غريب.
[4] صحيح ابن حبان (7467).
[6] المعجم الأوسط ح (7661) وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ح [1904].
شبكة الألوكة