لا يستوي الخبيث والطيب
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد ، أحمده سبحانه ، خلق الجنة دارًا طيبة وجعلها للطيبين ، وخلق النار دارًا خبيثة وجعلها للخبيثين . فالحمد لله على حكمته ، وعلى عدله ، والحمد لله على فضله وبِرِّه وإحسانه بأوليائه ، فهو المحمود على كل حال ، وهو المحمود الذي بنعمته تتم الصالحات .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله ، نشهد أنه
بلَّغ الرسالة ، وأدَّى الأمانة ، ونصح الأمة وتركنا بعده على بيضاء نقية
لا يزيغ عنها إلا هالك ، تركنا وقد أوضح لنا كل خير ، وقد نهانا عن أصول
الشر ، فله – عليه الصلاة والسلام – منا الدعاء والصلاة عليه أول النهار
وآخره . اللهم صلِّ عليه كَفَاء ما أرشد ، وعلَّم وجاهد ، اللهم صلِّ وسلم
عليه ما تتابع الليل والنهار ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد
كلما صلى عليه المصلون ، وغفل عن الصلاة عليه الغافلون .
أما بعد :
فيا أيها المؤمنون ، اتقوا الله
حق التقوى ، واعلموا – رحمني الله وإياكم – أن الله – جل وعلا – طيِّب لا
يقبل إلا طيبًا ، طيِّب يُحب الطيبين ، طيِّب خلق الجنة وجعلها دارًا طيبة
وجعلها مأوى للطيبين ، طيب – جل وعلا – يحب الطيب من الأقوال ، ويحب الطيب
من الأفعال ، ويحب الطيب من الكسب ، ويحب الطيب من التصرفات . ويكره – جل
وعلا – الخبيث من الأشخاص ، ومن الأحوال ، ومن الأقوال ، والأعمال والأموال
.
قال عليه الصلاة والسلام : « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا »[1]، وقال جل وعلا : ﴿ يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [ المؤمنون : 51 ] وقال – جل وعلا – أيضا في سورة المائدة : ﴿ قُل
لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ
الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ﴾ [ المائدة : 100 ] .
في هذه الآيات يُبيِّن الله –
جل وعلا – أن الخبيث لا يستوي مع الطيب ، وأنه سبحانه يُحِب الطيب ويحب
الطيبين ، وأمر رسله – صلوات الله عليهم – أن يعملوا صالحًا ، وأن يأكلوا
من الطيبات . فالخبيث ولو علا مناره ، ولو ظهر فإنه لا يساوي الطيب ، ولا
يوزن بالطيب ، ولو كان الطيب قليلاً مستخفيًا ، فإن الطيب يُحبه من بَرَأ
السموات والأرض ، وإن الخبيث يكرهه من برأ السموات والأرض .
فقد قال لنا جل وعلا : ﴿ قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ﴾ الخبيث
ولو كثر فإنه لا يساوي الطيب . ويكون الخبث في أشياء : يكون في الأقوال ،
ويكون في الأعمال ، ويكون أيضا في اعتقادات القلوب ، ويكون الخبث أيضا في
المكاسب ، ويكون الخبث في التصرفات .
الاعتقاد الطيب والاعتقاد الخبيث :
وفي مقابل ذلك تكون العقائد
طيبة ، وتكون الأقوال طيبة ، وتكون الأعمال طيبة ، وتكون المكاسب طيبة ،
فإنه لو أَعْجَب المعجبين كَثْرَةُ الاعتقاد الخبيث ، وظهور بعض أهله ،
فإنه لا يساوي الاعتقاد الطيب ، وطِيب رِفْعة أهله ؛ لأن الله – جل وعلا –
معهم .
وقد قال عليه الصلاة والسلام : «
لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ
يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِى أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ
كَذَلِكَ »[2] .
فالاعتقاد
الطيِّب في الله – جل وعلا – بأنه – سبحانه – هو الواحد الأحد في ربوبيته ،
وهو المستحق أن تتوجه القلوب إليه بالرغبة والرهبة ، وأن تتوجه الألسنة
إليه بالدعاء والاستغاثة وبطلب ما عنده . وأن يكون اعتقاد المرء بالله أنه –
جل وعلا – ذو الأسماء الحسنى الكاملة ، وذو الصفات العلا ، ويتعبد الله –
جل وعلا – بأسمائه وصفاته ، بالتذلل له بأسمائه وصفاته ، ومعرفته جل وعلا .
فإن من كانت هذه حاله ، طابت
عقيدته وطاب قلبه ، ولا يصدر عن الطيب إلا طيبًا ؛ لأن تصرفاته إذًا ستكون
لله ؛ ولأن قوله سيكون لله ؛ ولأن محبته ستكون محبة عبادة لله جل وعلا ؛
لأنه سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبا .
وكذلك أيها المؤمنون ، الخبيث
من الاعتقادات ، فإنه خبيث ، ومأوى أهله إن لم يتوبوا إلى الله – جل وعلا –
الدارُ الخبيثة ، إما أبدًا ، وإما حِينًا بحسب حالهم من الكفر والبدعة .
فإن الله – جل وعلا – جعل من اعتقد فيه غير الحق ، خبيثا خَبُث قلبه ، ولو
كَثُرت جموعهم ، فإنهم خبثاء ؛ لأنهم ليسوا على الحق .
فمن اعتقد في أسماء الله ، وفي
صفاته ، أنها كأسماء وصفات المخلوق فقد خُبث اعتقاده ، ومن عطَّل الرحمن –
جل وعلا – عن أن يكون له الأسماء الحسنى على ما دل عليه ظاهرها ، فقد خبث
اعتقاده ، وكذلك من عطَّله عن الاتصاف بصفاته ، وتأوَّل ما ورد في ذلك
وأخرجه عن ظاهره فقد خَبُث اعتقاده ، ويكون مُبتدِعًا بذلك ؛ لأنه خالف ما
أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وما وَصَف به ربَّه ، بل ترك ما وَصَف
به الجبارُ – جل وعلا – نفسه العالية .
كذلك من توجَّه لغير الله
بالعبادة ، بأن يتوجه إلى ولي صالح ، أو توجه إلى نبي فسأله أشياء ودعاه ،
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : « إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ »[3] ، والله – جل وعلا – يقول : ﴿ وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [ الجن : 18 ] .
فمن دعا غير
الله ، فنعلم أنه خبيث خَبُث اعتقاده ، حيث جعل لله شريكًا في الدعاء
والمسألة ، والله سبحانه واحد ، والذي يجيب الدعاء هو الواحد الأحد فمن
توجه لغير الله بأي نوع من أنواع العبادة والدعاء والسؤال فإنه مشرك ، خبث
اعتقاده ، وخبث حينئذ قوله ، وخبث حينئذ عمله .
وكذلك من لم يتوكل على الله
سبحانه ، بل جعل الأسباب هي التي تحكم العباد ، وأنه إذا عمل عملاً فإنه
بجده ونشاطه سيحصل له كسبه ، وسيحصل له نجاحه ، وسواء كان ذلك في الأفراد
أو في المجتمعات ، فإن هذا اعتقاد خبيث ؛ لأن الله – جل وعلا – هو ولي
النعمة ، وهو الذي على كل شيء قدير : ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ﴾ [ الكهف : 45 ] .
والله – سبحانه وتعالى – يحب
المتوكلين عليه ، وعلَّمنا – جل وعلا – أن الأسباب لا تنفع إلا بإذنه ،
فحينئذ صاحب الاعتقاد الخبيث يتكل على الأسباب ، وصاحب الاعتقاد الطيب الذي
طاب اعتقاده في الله يأخذ بالأسباب ، ثم يفوِّض أمر الانتفاع بالأسباب إلى
الواحد الأحد الذي بيده ملكوت كل شيء .
القول الطيب والقول الخبيث :
أيها المؤمنون ، كذلك تنقسم
الأقوال إلى : خبيث وطيب . فالذي خبثت أقواله ، ولو كثرت فإنه مكروه عند
لله – جل وعلا – مُبغَّض لديه . وكذلك يكرهه عباد الله المؤمنون ؛ لأنه إذا
نطق نطق بغير الحق ، وإذا تكلم كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا تكلم تكلم
بالنميمة ، أو تكلم بالغِيبة ، فلسانه ينطق بأنواع من الخبث لا يرعى ولا
يذكر مقامه بين يدي الله جل وعلا ، بل يتساهل في الأقوال ولا يهمه أن يكون
لسانه خبيثًا .
فهذا من الخبثاء الذين إن لم
يغفر الله لهم ، أو لم يتوبوا فإنهم معرضون لعذاب الله جل وعلا ، ولتطهيرهم
في الدار الآخرة حتى يكونوا طيبين .
وهذا أمر صعب شديد ، فهل يستوي
هذا الذي خَبُث لسانه ، مع ذاك الذي طاب لسانه ، فإذا تكلم تكلَّم بذكر
الله ، أو إذا نطق نطق بالعلم والحق ، وإذا تكلَّم صدق ، وإذا وعد وفَّى ،
وإذا تكلم فإنه يحمي نفسه ، ويحمي عِرْض المؤمنين من أن يُنَالوا بسوء ،
هذا الذي طاب قوله ، وهذا هو الذي يحبه الله جل وعلا : ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [ الإسراء : 53 ] ،
وثبت عنه – عليه الصلاة والسلام – أنه قال لمعاذ : «
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ
أَلْسِنَتِهِمْ »[4].
فلا يستوي من طاب لسانه وقوله
ومن خبث لسانه وقوله ، فترى خبيث اللسان واقعًا بلسانه في أنواع من
المحرمات فصار خبيثا ، يتعرض للمحرمات بلسانه ، وربما وقع من جرَّاء كلامه
في أنواع من الفساد ، وأنواع من صد الناس عن الحق ، وأنواع من إبعاد الناس
عن طريق الله جل وعلا ، وأنواع ما يقال في أي مجال من المجالات ﴿ لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ ﴾ .
وإذا تكلم أهل الحق بكلام طيب
فإنه ولو كان ميدانه في الأرض قليلاً فإنه الطيب ، الذي يُحبه الله جل وعلا
، ولا يستوي والخبيث وإن كثر أهل الخبيث ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ ﴾ ؛ لأن الخبيث خبيث وإن العاقبة للطيبين .
العمل الطيب والعمل الخبيث :
كذلك أيها المؤمنون في الأعمال ،
لا تستوي الأعمال الطيبة والأعمال الخبيثة ، فإن الأعمال الطيبة الصادرة
من أهل الإيمان ، أفرادًا كانوا أو مجتمعات طيبة يحبها الله جل وعلا .
فترى أهل الإيمان يسعون في
الطيبات بأعمالهم ، فجوارحهم في طاعة الله ، في صلاة أو في سَعْي إلى مرضاة
الله ، أو يتحركون في صلة أرحام ، أو في أمر بمعروف ، أو نهي عن المنكر ،
أو في كسب معاش يؤجرون عليه ، أو في نحو ذلك من الأعمال الطيبة ، فإنهم
يعملون بالطيب ، ويتقربون إلى الله جل وعلا : ﴿ يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [ المؤمنون : 51 ] .
والعمل الطيِّب هو العمل الصالح
، في أي ميدان من ميادين الحياة ، في التكافل الاجتماعي ، في السعي في
حاجة المسكين الضعيف والأرملة ، وفي الأعمال الخيرة العامة للأمة ، هذه
كلها أعمال طيبة يُحبها الله جل وعلا .
وفي مقابل ذلك الأعمال الخبيثة ،
التي لا تصدر إلا عن قلب خبيث ، كالذين يسعون في إشاعة الفاحشة ، كالذين
إذا تكلموا تكلموا في تفريق المؤمنين ، كالذين إذا عَمِلوا عملوا في تفريق
المؤمنين والوقيعة بينهم ، ولم يتقوا الله في إصلاح ذات البين ، وفي جَمْع
الكلمة ، وكالذين يسعون بأعمالهم في أنواع المحرمات ، فإن هؤلاء وإن كَثُرت
أعمالهم وظنها الناس حسنة ، فإنها خبيثة ، ولا يستوي الخبيث والطيب ولو
كثر الخبيث ، كما قال لنا جل وعلا : ﴿ قُل لاَّ
يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ .
الكسب الطيب والكسب الخبيث :
كذلك أيها المؤمنون في أنواع
المكاسب ، لا يستوي الكسب الطيب والكسب الخبيث ، فدِرْهَمٌ من حلال خير
وأكثر بركة وأعظم فائدة وأنجى بين يدي الله من مئات الألوف أو من الملايين
من كسب خبيث محرم ، من رِبًّا أو من رِشْوة أو من غش أو من خيانة ، أو من
أنواع المكاسب المحرمة .
فالذي نبت جسمه من حرام أو من سحت فالنار أولى به [5] ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : «
الرَّجُل يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى
السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ
حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى
يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ »[6] .
وقد جاء في بعض الآثار الإلهية أن موسى – عليه السلام – قال لربه جل وعلا : « يَا رَبِّ دَعَاكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَلَمْ تَسْتَجِبْ لَهُمْ » فقال الله – جل وعلا – لموسى : «
يَا مُوسَى لَقَدْ مَدُّوا إِلَيَّ أَيْدِيًا سَفَكُوا بِهَا الدَّمَ
الْحَرَامَ ، وَأَكَلُوا بِهَا الْحَرَامَ ، وَعَمِلُوا بِهَا الْحَرَامَ ،
فَأَنَّى أَسْتَجِيبُ لَهُمْ » .
فهذا يُبيِّن لك أن الله – جل
وعلا – لا يستجيب إلا للطيبين ، وأن تَخَلُّصَ العبد من الخبث في أقواله
وأعماله ومكاسبه فرض ، وأن على العباد أن يسعوا إلى أن تكون أجسامهم وأجسام
أولادهم وأهليهم طيبة ، حتى إذا دعوا أُجِيب لهم ، وحتى إذا سألوا الله –
جل وعلا – أعطاهم .
أسأل الله الكريم من فضله وكرمه
، وأسأله سبحانه أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا ، وأن يجعلنا من عباده الذين
إذا قالوا طابت أقوالهم ، وإذا عملوا طابت أعمالهم ، وإذا كسبوا طابت
مكاسبهم . اللهم نسألك أن تجعلنا من الذين رضيت عنهم ، فجعلتهم طيبين ،
وآويتهم إلى الدار الطيبة يا أكرم الأكرمين . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
: ﴿ يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [ المؤمنون : 51 ] .
بارك الله لي ولكم في القرآن
العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا
واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ، ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه
حقا ، وتوبوا إليه صدقًا إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر
له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ، هو الداعي إلى رضوان الله صلى الله وسلم
وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فإن أحسن الحديث كتاب الله ،
وخير الهدي هَدْي محمد بن عبد الله ، وشر الأمور محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ،
وكل بدعة ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ، وعليكم بلزوم
التقوى في سرِّكم وعلانيتكم ، فعظِّموا الله واتقوه ، فإنه سبحانه عليم
بأحوالكم ، ناظِر إليكم ، ثم يجازيكم على أعمالكم ، إن خيرًا فخير ، وإن
شرًا فشر . اللهم إنا أسألك أن تجعلنا ممن راقبك واتقاك حق تقاتك يا أكرم
الأكرمين .
عباد الله إن الله جل وعلا ، أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ، وثنَّى بملائكته ، ليدلكم على عِظَم أمره ، فقال جل وعلا : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [ الأحزاب : 56 ] . اللهم صل
وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر ، وارض
اللهم عن الأربعة الخلفـاءالأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق ، وكانوا به
يعدلون ، وعن سائر الصَّحْب والآل ، ومن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ،
وأذل الشرك والمشركين ، واحمِ حَوْزة الدين ، وانصر عبادك الموحدين ، اللهم
انصر عبادك الذين يقاتلون في سبيلك ، اللهم انصر عبادك الذين يقاتلون
لتكون كلمة الله هي العليا يا أرحم الراحمين ، اللهم قَوِّهم ، اللهم
قَوِّهم وأمددهم بمدد من عندك ، وكن لهم ، وكن على أعدائهم يا أرحم
الراحمين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح
أئمتنا ، وولاة أمورنا ، ودُلَّهم اللهم على الرشاد ، وباعد بينهم وبين
سُبُل أهل البغي والفساد ، يا أرحم الراحمين . اللهم واجعلنا وإياهم من
المتعاونين على البر والتقوى يا أكرم الأكرمين .
اللهم إنا نسألك أن ترفع عن هذه
الديار ، وعن جميع ديار المسلمين الربا والزنا وأسبابهما ، وأن تدفع عنا
الزلازل ، والمحن ، يا أكرم الأكرمين ، يا من يُجير ولا يُجَار عليه ،
نسألك أن تجيرنا من الخزي في الدنيا ، ومن العذاب والخزي في الآخرة ، فأجب
اللهم واغفر جَمًّا .
عباد الرحمن إن الله يأمر
بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم
لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله بألسنتكم وبأعمالكم يذكركم ، واشكروه على
النعم يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
[1] مسلم ( 2/703 ، رقم 1015 ) .
[2] أخرجه البخاري ( 6/2667 ، رقم 6881 ) ، ومسلم ( 3/1523 ، رقم 1921 ) .
[3] أخرجه أحمد ( 1/293 ، رقم 2669 ) ، والترمذي ( 4/667 ، رقم 2516 ) وقال : حسن صحيح . وصححه الألباني في ظلال الجنة 315 .
[4] أخرجه : أحمد ( 5/231 ، رقم 22069 ) ، والترمذى ( 5/11 ، رقم 2616 ) ، وقال : حسن صحيح . وابن ماجه ( 2/1314 ، رقم 3973 ) . [5] في الباب حديث أخرجه الحاكم ( 4/141 ، رقم 7164 ) والبيهقى فى شعب الإيمان ( 5/56 ، رقم 5759 ، 5760 ) . وأبو نعيم ( 1/31 ) وابن قانع ( 2/61 ) ، وابن جرير ( 6/241 ) . وأخرج الحاكم في المستدرك : « إِنَّ اللَّهَ أَبَى عَلَيَّ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمًا نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ » . أخرجه الحاكم ( 4/141 ، رقم 7162 ) وقال : صحيح الإسناد . والخطيب ( 12/109 ) .
[6] أخرجه مسلم : ( 2/703 ، رقم 1015 ) .
المصدر : موقع الشيخ صالح آل الشيخ
تم النشر يوم
السبت، 6 يوليو 2013 ' الساعة