وجوب الزكاة وفوائدها[*]
الشيخ إبراهيم المشهداني
إن الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً. بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه. فصلواتُ ربي وتسليماته عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين أما بعد: فانَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ..
اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد الذي لا ند لك وكل شيء هالك إلا وجهك، اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الرضا إلا فيك، ومن الطلب إلا منك، ومن الصبر إلا بك، ومن الذل إلا لك، ومن الرجاء إلا فيك، ومن الرهبة إلا إليك..
أيها المسلمون:
المال من زينة الحياة الدنيا، تسر له النفوس، تفرح إذا أعطيت، وتحزن إذا منعت منه، وليس العطاء دليل الرضا، ولا المنع علامة الغضب، ومن عباد الله من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقره الله ما صلح له ذلك، ومن عباده من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغناه الله ما صلح له ذلك، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع وهو الحكيم الخبير.
إخوة الإيمان:
المتأمل في النظام الإسلامي الاقتصادي والاجتماعي يتبين له أنه أعدل نظام عرفته البشرية، فالأغنياء الموسرون في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. يؤجرون على البذل، ويبارك لهم في المال مع الصدقة، ويجازون بالإحسان على إحسانهم، يعطيهم الله من رزقه، ويطلب منهم القرض الحسن للمحتاجين من خلقه، تضاعف لهم الأجور في الصدقات، ويحفظ الله أموالهم من الكوارث والنكبات بإخراج الزكاة، وإعطاء الصدقات.
الفقراء يحتاجون فلا يجيبون، ويصبرون فيؤجرون، تضن بهم الحياة وتلاحقهم هجوم الديون وغلته، وقهر الرجال فيشكون الحاجة الى خالقهم وينزلونها به دون خلقه، فيحصل لهم بعد العسر يسرٌ، ومن الهموم فرج، كم لهم من الأجر حين يصبرون على شظف العيش وكفاف الحياة، كم تصفو نفوس الزهاد في الدنيا حين لا يشغل بالهم التجارة في الأسواق، بل يتفرغون للدراسة والتدريس، والعبادة والتزود للآخرة.
إخوة الإيمان:
الزكوات والصدقات والعطايا والهدايا والهبات كلها إنفاق يؤجر عليه المسلم إذا كانت خالصا، تخفف معاناة الفقر، وتذهب شح النفوس، وتجعل في الحياة فرصا للخير والمودة والرحمة، كيف يكون شعور رجل مدين بأموال قد أثقلته أو عاجز عن النفقة على الأهل والعيال، أو بشاب يريد أن يتزوج ويعف نفسه وأظلمت الحياة في وجهه إذ لا يجد ما يغنيه، لابد أن تمتد يد المحسن لينتعش المدينون، ويتزوج الشاب ولينفق صاحب العيال على عياله، ولن ينسى الفقر المحتاج لهذا الغني ما أنفقت يداه، ولأجر الآخرة أعظم) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة "متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
إن الزكاة لها آثار اجتماعية، ولها أساسيات في الإسلام منها:
• تطهر المال، وتزكي النفس، وتسد حاجة الفقير.
• الزكاة مرة واحدة في العام تؤخذ من:
1- بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم.
2- الخارج من الأرض من حبوب وثمار وما في معناه كالعسل الذي يأتي من النحل.
3- عروض التجارة.
4- الثمار بأنواعه حسب ما قاله الفقهاء.
5- الأثاث إلى غير ذلك كالمعادن والركاز، الموجودة في كتب الفقه ومضانها.
والزكاة الواجبة في الذمة، وهي زكاة الفطر التي تجب على كل مسلم في نهاية شهر رمضان. وصدقة التطوع، وهي ما يخرجه المسلم إحساناً إلى غيره؛ طلباً لزيادة الأجر.
ولا زكاة في شيء حتى يبلغ نصابا، ولا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول ,والخارج من الأرض ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
إذا منع المسلم ما يجب عليه تضرر، وإذا أخذ ما لا يستحق أكل حراما، وكان رسول الله يعطي الزكاة إذا علم أن هناك من يحتاج، وإذا سأله أحد يقول (لا حظ فيها لغني أو مكتسب)، والجباة الذين يأخذون الزكاة لا بد لهم ان يكونوا عادلين ففي الحديث (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثمار - يخرص يعني: يقدرها لهم ليستخلص ما وجب عليهم دفعه للرسول صل الله عليه و سلم - فأرادوا أن يرشوه!فقال: يا أعداء الله، تطعمونني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليّ، ولأنتم أبغض إليّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على ألا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض...).
ولا بد من العدل، وإخراج الواجب من المال طيبة به النفس، راضية غير منافقة، ولا ومؤذية، وإذا هالك كثير ما تدفع من مالك للمحتاجين، فانظر إلى كثير ما أعطاك الله, كان من هديه صلى الله عليه وسلم الدعاء لمعطي الزكاة، فتارة يقول له (اللهم بارك فيه وفي إبله) وتارة يقول (اللهم صل عليه) ويشجع المزكين ويفرح يدعوه المحتاج.
ولا محاباة في الزكاة، فهي تدفع للأصناف الثمانية التي جددهم القران الكريم قال تعالى ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
قال ابن القيم: صنفان من الناس:
من يأخذ لحاجته فيأخذ بحسب شدة الحاجة وضعفها وكثرتها وقلتها، وهم الفقراء والمساكين وفي الرقاب وابن السبيل.
والصنف الثاني من يأخذ لمنفعته وهم العاملون والمؤلفة قلوبهم والغارمون، لإصلاح ذات البين، والغزاة في سبيل الله، فإن لم يكن الآخذ محتاجا ولا فيه مصلحة للمسلمين فلا سهم له في الزكاة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، وطوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثيرا، وصلاة على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون:
حذرنا ربنا سبحانه من منع الزكاة، وبين أن الويل الشديد لمانع الزكاة، والعقوبة قد تعجل في الدنيا بحصول الكوارث والنهب والسلب، ومحق البركة، وفي الآخرة أشد العذاب، جاء في الحديث ما من رجل ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما ردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل: يا رسول الله فالإبل، قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم، قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
أيها الكرام:
إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أمواله، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".
وعن أبي هُريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعةُ الله" (رواه مسلم).
وأدِّ زكاة المال واحرص لدفعها
إلى أهلها للعاملين يا صاح تسعدِ
فلو منعوني - قال صدِّيق أمّتي -
عقالَ بعيرٍ جئتهم بالمهند
|
[*] ألقيت في جامع يحيى الطالب بتاريخ 10- رجب - 1424هـ، الموافق 5-9-2003 من السنة الميلادية وتم تفريغها من الكاتب مرشد الحيالي.
المصدر : شبكة الألوكة
تم النشر يوم
السبت، 29 مارس 2014 ' الساعة