الجمعة، 12 أغسطس 2016


مقبل بن حمد المقبل

الحمد لله رب العالمين ، عظيم الهبات ، واسع المكرمات.. أحمده تعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره من جميع الزلات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسموات ، وأشهد أن نبينا محمدا عبدالله ورسولُه المؤيدُ بالمعجزات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا :


أما بعد : فاتقوا الله عباد الله .. اتقوا الله ربكم و وقروه واعترفوا بفضله واشكروه..فإنه تعالى يحب المتقين.. ويزيد الشاكرين ﴿ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف - 54].


أخوة الإسلام :

إن ربنا لجواد كريم ، ومنعم رحيم .. لا ينقطع عطاؤه ، ولا ينضب معين سخائه ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ[ النحل - 53] . غفلنا عن كثيرٍ من نعمه لأننا فيها نتقلب ، ولظلالها نتفيأ .. فلا نستفيق ونتذكر إلا بعد سلب تلك النعم وحلول الآفات والنقم ..



عباد الله :

ثمت عطاءٌ من ربنا عظيم وهبة جزلة لا يعدلها ثمن .. أُمرنا أن نسألها ربَّنا..بل هي أحب أسئلتنا عند ربنا..قد نكرر سؤالها يومنا وليلتنا، ولكننا نغفل عن فحواها وأثرها.. تلكم هي العافية .. النعمة التي نتسربل بها ونغفل عن أداء حقها.. نعمة العافية في الدين ندين بالإسلام ، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة..ونصوم رمضان بأمن وراحة واطمئنان، ونعبد الله وفق شرعه لا شركَ ولا بدعةَ ولا شبهة ولا فتنة عن ديننا كما هو واقع كثير من البلاد ..ونعمةُ العافية في الجسد نوم واستيقاظ وقيام وقعود ، ونظر وسماع ونطق ، وعقل ، ومشي وأكل وشرب وصحة وغير ذلك..


ونعمة العافية في الولد بانقياده وطاعته وصلاحه ، وسلامته من الآفات ، ونعمة العافية في المال بكسبه ، وإنمائه ، وسلامته من الشبهة المحرمة من ربا ورشوة وسرقة وغيرها..ونعمة العافية في الوطن بالبعد عن القلاقل والحروب والمشاكل والحزبيات ..إنها العافية في كل جوانب الحياة أو أكثرها.. وما أعظمها من نعمة وعطية..لا يعرفها إلا من فقدها..ولا لذة في الحياة بدونها .. روى الترمذي بسند صحيح عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله , قال: (سل الله العافية) فمكثت أياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله , فقال لي: (يا عباس, يا عم رسول الله, سل الله العافية في الدنيا والآخرة) .


وقال الجزري: "لقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم دعاءه بالعافية وورد عنه صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى من نحو من خمسين طريقا" ومن أشهر هذه الأحاديث الصحاح قوله -صلى الله عليه وسلم- (ما سئل الله شيئاً أحب إليه من أن يسأل العافية) وقال صلى الله عليه وسلم(سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية) .



وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم عند منامه (اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها اللهم إني أسألك العافية) وإذا استيقظ قال "الحمد لله الذي رد عليّ روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره". بل لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ... الحديث", وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه يوم الطائف ( إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى غير أن عافيتك أوسع لي ) فلاذ بعافيته كما استعاذ بها في قوله صلى الله عليه وسلم (أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك) واستعاذ النبي صلى اله عليه وسلم من تحولها في قوله "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمك وتحول عافيتك".



عباد الله: في العافية والمعافاة الحصانةُ من الفتن، والوقاية من المحن، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية". العافيةُ بُغيةُ الأحياء والأموات؛ ولهذا يقول الداعي عند زيارة المقبرة: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية" رواه مسلم.

رأيت البلاء كقطر السَّمـاء == وما تنبت الأرض من نامية
فلا تسألنّ: إذا ما سـألـت == إلهك شيئاً سوى العـافـية

لقد كنا في رمضانَ نسأل الله العافية في قيامنا كل ليلة تقريبا، ولو لم يكن في قنوتنا إلا سؤالُ الله العافيةَ لأغنى عن كثير من الدعاء، لقد علمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحسنَ بنَ عليٍّ رضي الله تعالى عنهما أن يقول في دُعائِه وقُنوتِه: "اللهم اهدِني فيمن هدَيت، وعافِني فيمن عافَيت...". الحديث.



أخوة الإسلام : كم من شخص يرتع في محيط العافية المعشِب ، ولكنه كفر نعمةَ ربه بدل الشكر فجعل من عافية البدن والمال سلما لتحصيل حظوظه من شهوات الدنيا ورغائبها المخالفة لأمر الله ورسوله ..ففقد بذلك عافية الدين والاستقامة ..وإذا كان من فقد عافية البدن يعيش قلقا وضيقا ووهنا..فإن فقْدَ عافية الدين يوهنُ الأمة أجمع لأن الأمة إنما هي مجموعة أفراد.. ومتى ما فرَّطَ المرءُ في تحصيلِ العافيةِ في دينه فقد آذَنَ نفسَه بهلاكٍ وتيهٍ، ويشتدُّ الهلاكُ والخُسران حينما يُجاهِرُ المرءُ بما بُلِيَ به من معصيةِ ربِّه؛ فيستُرُه اللهُ ثم هو يفضحُ نفسَه. ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ أُمَّتي مُعافَى إلا المُجاهِرين".


وإنما يكون نُقصانُ العافية في الدين بالانحرافِ عن شِرعةِ الله؛ إما بطُغيانِ شهوةٍ بهيميَّةٍ تردُّ صاحبَها إلى الحضيض، أو بطُغيانِ شُبهةٍ من الدين تنحرِفُ بصاحبِها إلى مصافِّ الذين يُقعُدون بكلِّ صراطٍ يُوعِدون ويصدُّون عن سبيل الله من آمنَ يبغُونَها عِوَجًا. ألا فلنتق الله تعالى ولنقدر لنعمه قدرها ولنشكرها حق شكرها ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[ابراهيم - 7 ] أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ..




الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ..

أخوة الإسلام: إن الابتلاء للمؤمن خير يزيد في درجاته ويحط من سيئاته..ولكن العافية فيها سلامةُ العاقبة لأن المبتلى قد يرسب في ابتلائه.

قال التيمى: "أكثروا من سؤال الله العافية فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء, وما المبتلَون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس, وما المبتلَون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم, .." نعم أيها المسلمون من ذا الذي يضمن للعباد دوام الأمن والرخاء إن لم يكن سؤالُنا العافيةَ من ربنا حاضرا فينا قولا وفعلا ..وإن من أعظم العافية أن يتجنب المسلم سبيل المنافقين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويضعُون لبِنات الفتن و إفسادِ الدين و الخُلُقِ ، فيحمِلون بذلك أوزارَهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يُضِلُّونَهم بغير علمٍ.

وإن مما ولغ فيه أولئك الفسقةُ المنافقون الوقوفَ مع اليهود ضد إخواننا المجاهدين في غزة، ومناصرةَ الصهاينة على المسلمين الموحدين، نعوذ بالله من حالهم ..ومن مالت عاطفته لليهود ضد المسلمين فإنما هو يلبس بعض لبوسهم كما ذكر الله ذلك عن اليهود ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا[النساء -51]...

عباد الله : إن العافية من أجل نعم الله على عبده وأجزلِ عطاياه وأوفرِ منحِه فحقيق بمن رُزق حظاً من التوفيق مراعاتُها وحفظُها وحمايتُها عما يضادُّها فعن عبد الله بن مِحْصَن الأنصارى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أصبح معافى في جسده آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) .

نسأل الله أن يرزقنا العفو والعافية ..

هذا وصلوا ..
 تم النشر يوم  الجمعة، 12 أغسطس 2016 ' الساعة  4:04 م


 
Toggle Footer