غزوة أحد نصر في البداية وابتلاء تمحيص النهاية
د. محمد زيتون
بعد انتصار المسلمين في بدرٍ حاول أبو سفيان أن يَشُنَّ غارة سريعة على المدينة، يعلن فيها عن قوة قريش، ويَبَرُّ بقَسَمه أن يغزوَ المسلمين، ولكنَّ المسلمين عندما شعروا به، خرجوا سراعًا لرَدِّه، ففَرَّ ولم يدركوه، وتخفَّف أثناء فراره من السَّويق الذي يحمله الجند، فسمِّيت تلك غزوة السَّويق.
وقد قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك ببعض الحملات الناجحة؛ لتفريق تجمُّعات القبائل من غَطفان وسُلَيم، التي كانت تراود نفسها بالإغارة على المدينة، كما استطاعت حملةٌ أخرى بقيادة زيد بن حارثة أن تصادر عِير قريش، التي حاولت الوصول إلى الشام عن طريق العراق دونَ المرورِ بالمدينة، وكان ذلك إمعانًا من المسلمين في إحكام الحصار الاقتصادي على قريشٍ.
وقد زاد ذلك من حَنَق قريش وغَيظِها على المسلمين؛ مما جعلها تُسارع في استعداداتها، وإحكام خطَّتها؛ للأخذ بثأر المشركين في بدر، ومحاولة الحدِّ من قوة المسلمين التي تُحكم الحصار من حولهم.
من أجل هذا حاولت قريش أن تَبذل كل جهدها وطاقتها ماديًّا ومعنويًّا، في سبيل حشْد جيش كبير تستطيع به أن تنتقم من المسلمين الذين هَزَموها في بدر، وكانت أُولى الخطوات هي جمع الأموال ورصدها؛ للإنفاق منها على هذا الجيش، وقد وَجَدَتْ ذلك المورد في العِير التي نجا بها أبو سفيان، وكانت سببًا من أسباب غزوة بدر، وكانت ما تزال موقوفةً في دار الندوة، فذهب أشراف قريش إلى أبي سفيان، فقالوا: نحن طيِّبو أنفس أن تجهز بربح هذه العِير جيشًا إلى محمد.
فقال أبو سفيان: وأنا أول مَن أجاب إلى ذلك وبنو عبدمناف معي، فباعوها، فصارت ذهبًا، فكانت ألف بَعير، والمالُ خمسين ألف دينار، فسلم إلى أهل العِير رؤوس أموالهم، وأخرجوا أرباحهم، وكانوا يربحون للدينار دينارًا"[1]، فحَصَل لهم من ذلك أموال كثيرة، رُصِدت كلُّها للإنفاق على هذا الجيش.
وقد أنزل الله في شأن هذا الإنفاق للصدِّ عن سبيل الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36].
وكانت الخطوة الثانية هي استنفار العرب؛ لمشاركتهم في حرب المسلمين ومساعدتهم على الأخذ بثأرهم، فخرج صفوان بن أُميَّة ومعه أبو عَزَّة الشاعر- الذي مَنَّ عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بدر بدون فِدْية - إلى تِهامة، وخرج مُسافع بن عبدمَناف إلى كِنانة يُحرِّضانهما ويُثيران فيهما النَّخْوة لمحاربة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وحرَّض بعض رجال قريش عبيدَه، فجعل ثَمَن عتقه أن يغتال بعض فرسان المسلمين، كما حَدَث مع وحشي.
وكانت الخطوة الثالثة حشدًا معنويًّا، فعَمِلوا على حمل أفراد الجيش على الثبات وعدم الفرار، وأثاروا فيهم الحَمِيَّة والنَّخْوة بالدفاع عن الحُرُمات والأعراض، فخرجت كرائم نساء قريش اللاتي أُصبنَ في أَحِبَّتهن في بدر؛ ليُحَمِّسْنَ الرجال على القتال، ويَدْفَعْنَهم إلى الأخذ بالثأر.
وعندما تم استعداد قريش، خرجت بحَدها وجَدِّها، وحديدِها وأَحابِيشها، ومَن تابعها من بني كِنانة وأهل تِهامة[2]، ومعهم أبو عامر الفاسق " أحد بني ضُبيعة من الأوس -بخمسة عشر رجلاً منهم- مؤمِّلاً أن تخذل قبيلة الأوس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتصاحبهم من الظَّعن خمس عشرة امرأة، وبلغ عدد الجيش ثلاثة آلاف رجل، فيهم سبعمائة دارع، ومائة رامٍ[3]، ومعهم مائتا فرس، وثلاثة آلاف بَعير.
وبعد أن دفع اللواء إلى حَمَلته من بني عبدالدار، تحرَّك هذا الجيش الضخم الذي يغلي بحب الانتقام متوجِّهًا إلى المدينة، حتى نزلوا -يوم الأربعاء الثاني عشر من شوال من السنة الثالثة من الهجرة- بعَيْنين ببطن السَّبْخة من قناةٍ على شفير الوادي، قريبًا من جبل أُحد، وأرسلوا إِبِلَهم وخيلَهم ترعى زروع المدينة بالعريض، حتى لم يتركوا منها عودًا أخضر.
2 - الرسول يستشير أصحابه:
يذكر ابن سعد أن العبَّاس بن عبدالمطلب أرسل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كتابًا يُخبره بتعبئة قريش وخروجها تقصد المدينة، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن الربيع بذلك، ثم أرسل أنسًا ومُؤْنسًا ابني فَضالة، فأتياه بخبر قريش وقُرْبهم من المدينة، وإطلاقهم لخيلهم وإبلهم ترعى زروع المدينة.
ثم بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحُباب بن المنذر، فتمكَّن من الدخول في معسكر قريش، ثم رجع فقدَّم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- تقريرًا واقعيًّا عنهم، عند ذلك بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستشير أصحابه.
وتذكر كتب السيرة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى رؤيا جعلته يميل إلى المُكْث في المدينة وقتال قريش منها، ولكنه أَحَبَّ أن يأخذ رأي أصحابه في ذلك، فقرار الحرب أمرٌ خطير، يجب أن يكون لكبار القواد والمقاتلين رأي فيه.
وقد رأى أكابر المهاجرين والأنصار موافقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قتال العدو وهم في المدينة، ووافقهم عبدالله بن أُبي، وقال: يا رسول الله، أَقِم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله ما خرَجنا منها إلى عدوٍّ لنا قطُّ إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصَبنا، فدَعْهم يا رسول الله، فإن أقاموا، أقاموا بشَرِّ مَحبس، وإن دخلوا، قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا، رجعوا خائبينَ كما جاؤوا[4].
ولكن الشباب الذين لم يشهدوا بدرًا ورجالاً ممن شهِدوها وذاقوا حلاوة النصر، حبَّذوا الخروج إلى العدو؛ حتى لا يُظَنَّ بهم الجُبْن عن لقائه، ولئلاَّ تتخذَ قريش وغيرها ذلك ذريعةً للنَّيل من المسلمين، قال الذين لم يشهدوا بدرًا: كنا نتمنَّى هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه الله إلينا وقبَّب المسير، وقال رجل من الأنصار: متى نقاتلهم يا رسول الله إذا لم نقاتلهم عند شِعبنا؟"[5].
وقال النعمان بن مالك الأنصاري: يا رسول الله، لا تحرمني الجنة، فوالذي بعثك بالحق، لأَدْخُلَنَّ الجنة، فقال له: ((بِمَ؟))، قال: بأني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأني لا أَفِرُّ يوم الزحف، قال: صدقت[6]، فقُتِل يومئذٍ".
وظهر من هذه المشاورة أن الكثرة تحبِّذ الخروج إلى العدو، فصلَّى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين الجمعة، ووعَظهم وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن النصر لهم ما صبروا، وأمرهم بالتهيُّؤ لعدوِّهم، ففَرِح الناس بالشُّخوص.
ثم دخل الرسول -عليه الصلاة والسلام- بيته، فلَبِس لأْمَتَه، وأظهر الدرع واعتمَّ، وتقلَّد السيف، وألقى التُّرس على ظهره، ولكن المحبِّذين للخروج شعروا أنهم استكرهوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- للنزول على رأيهم، فقالوا: بئس ما صنعنا، نشير على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والوحي يأتيه، فقاموا واعتذروا إليه، وقالوا: اصنع ما رأيتَ.
ولكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- حسم الأمر، وقد رأى أن الأغلبية كانت ترى الخروج، وقال: ((لا ينبغي لنبي إذا لبِس لأْمَتَه أن يضعها؛ حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، فانظروا ما أمرتُكم به، فافعلوه، وامضوا على اسم الله، فلكم النصر ما صبَرتم))[7].
3- المسلمون يستعدون ويخرجون إلى أُحد:
قبل أن يستقرَّ أمر الخروج أو الإقامة، أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذَره، فأمر بحراسة المدينة، وبات بعض المسلمين في المسجد يحملون السلاح، وفيهم كبراء الأنصار.
وعندما استقر الرأي على الخروج، عقد الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أَلْوِية: الأول للأَوْس، والثاني للخَزْرج، والثالث للمهاجرين، ورَكِب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فرسه، وتنكَّب القوس، وأخذ قناة بيده، وخرج في ألفٍ من المسلمين يحيطون به، وعليهم السلام، وانطلق "سعد بن معاذ" و"سعد بن عُبَادة" يَعْدُوَان أمامه بدرعيهما حتى إذا كان بالشَّيْخَيْنِِ -وهما أُطْمَانِ- نظر فرأى كتيبة لا يعرفها فسأل عنها.
فقيل حلفاء عبدالله بن أُبي من يهود، فقال -عليه السلام-: ((لا تَستنصروا بأهل الشرك على أهل الشرك))[8].
وقد صلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع المسلمين المغرب بالشيخين، ثم استعرض المقاتلين، فأجاز مَن رأى فيهم القدرة من الشباب على القتال، وردَّ مَن استصغر سنَّه، وقد حدث أثناء العرض أمثلة رائعة من الشباب الحريص على الجهاد والاستشهاد في سبيل الله لنصرة دينه، فقد استصغر الرسول -صلى الله عليه وسلم- رافع بن خُدَيج، وسَمُرَة ابن جُنْدُب -وعمرهما خمسة عشر عامًا - فقام رافع على خفَّين له فيهما رقاعٌ، وتطاول على أطراف أصابعه، وزكَّى بعض المسلمين رافعًا بأنه رامٍ، فأجازه الرسول -عليه السلام- فذهب سَمُرَة لرَبيبه مُرِّي بن سِنان، وقال يا أبتِ: أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رافع بن خُدَيج، ورَدَّني وأنا أَصْرَع رافعًا، فقال مُرِّي بن سِنان: يا رسول الله، رددتَ ابني وأَجزت رافع بن خُدَيج وابني يَصْرَعه!
فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لرافع وسَمُرة: ((تَصارَعا))، فصرع سَمُرَة رافعًا، فأجازه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فشهِد أُحدًا مع المسلمين[9].
بالله، أي حبٍّ للجهاد، وإقبال على القتال، والاستشهاد بعد ذلك؟!
وما أحرى شباب المسلمين أن يَعْرِفوا هذه الفدائية؛ حتى يتسابقوا إلى ميادين الجهاد، ولا يكون الذهاب لتأدية الخدمة العسكرية أمرًا تُتَّخَذ وسائل وتَعِلاَّت شتَّى للفرار أو الإعفاء منه بأي سبيل.
قضى المسلمون الليل بالشيخين، وكلَّف الرسول -صلى الله عليه وسلم- خمسين رجلاً عليهم "محمد بن مَسلمة بحراسة المعسكر والطواف حوله، وأدلج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالجيش في السَّحَر متجهًا إلى أُحُد، حتى إذا كانوا بالشط بين المدينة وأُحد، انخذل عبدالله بن أُبَي المنافق بثُلث الناس من أهل النفاق والريب، ورجع وهو يقول: عصاني وأطاع الولدان ومَن لا رأي له، علامَ نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس؟ .
إن رجوع ذلك العدد الكبير مع ابن أُبَي في ذلك الموقف الدقيق يوم أُحد، يدل على وجود كثير من المنافقين في المدينة آنذاك، وهو أمر خطير ومخيف حقًّا أن يصل العدد إلى نسبة الثُّلث من الجيش، ولكن ذلك لم يؤثِّر في معنويات المؤمنين الصادقين، فقال عبدالله بن حرام -بعد أن ذكَّر المنافقين بألا يخذلوا قومهم ونبيَّهم، فأصرُّوا على الرجوع-: سيُغني الله عنكم نبيَّه.
ومضي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيمن بَقِي معه وهم سبعمائة رجل، فيهم مائة دارعٍ، وخمسون راميًا، وفرس له، وفرس "لأبي بُرْدة بن نِيار .، حتى وصل أحدًا، فجعله خلف ظهره واستقبل المدينة، وأقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يَصُفُّ أصحابه، وجعل لهم ميمنة وميسرة، وقال لهم: لا يقاتلنَّ أحد منكم حتى نأمره بقتال، فالمسلمون عليهم أن يقاتلوا بنظام وبدقة، ويتحلُّوا بصفة الضبط والربط عند القتال.
وقد أمَّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الرماة "عبدالله بن جبير"، وأمره بالوقوف على شِعب في الجبل؛ ليحمي مؤخرة الجيش، وقال له: ((انضَح الخيلَ عنا بالنَّبْلِ، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نُؤتِيَنَّ من قِبلك))[10].
وبذلك اطمأنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى تأمين مؤخرة الجيش، وإلى حُسن الاستعداد فيه، وقد ظاهر بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بن عُمير.
وأحب -عليه الصلاة والسلام- أن يشحذ رجاله وخاصة الأبطال منهم، فحضَّهم على القتال، ووعدهم النصر ما صبروا، ثم أمسك بيده سيفًا، وقال: مَن يأخذ هذا بحقِّه، فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام "أبو دُجانة: سِمَاك بن خَرَشة" - وكان رجلاً شجاعًا له عصابة حمراء، إذا اعتَصَب بها، عُلِم أنه سيقاتل أشد قتال - فقال: وما حقُّه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به العدوَّ حتى ينحني، قال: أنا آخذه بحقِّه يا رسول الله، فأخذ السيف من يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخرج عصابتَه، فعصَب بها رأسه، وجعل يَتبختر بين الصفين ويقول:
فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين رأى أبا دُجَانة يتبختر: ((إنها لمشية يبغضها الله إلاَّ في مثل هذا الموطن))، وكان ذلك تمام استعداد السبعمائة من المسلمين لقتال ثلاثة آلاف من المشركين.
4- المعركة: وصدق الله وعده بنصر المسلمين في بدايتها:
حاول أبو سفيان أن يستغل كل الطرق؛ ليفرِّق المسلمين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يتمكَّن منه، فأرسل رسولاً إلى الأوس والخزرج؛ ليقول لهم: خلُّوا بيننا وبين ابن عمِّنا؛ فإنه لا حاجة لنا بقتالكم، ولكنَّ مسلمي يثرب ردُّوا رسوله بما يكره"[12].
عند ذلك بدأت محاولة ثانية؛ حيث تقدَّم أبو عامر وكان رأسَ الأوس في الجاهلية، فلما هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، عادى المسلمين، ثم ذهب إلى قريش يؤلِّبهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويحضُّهم على قتاله، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ومالوا معه.
فلما التقى الجمعان، كان أول مَن لقِي المسلمين أبو عامر في الأحابيش، وعُبْدان أهل مكة، فنادى قومه وتعرَّف إليهم، فقالوا له: لا أنعم الله بك عينًا يا فاسق، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر[13]، ثم ترامى مع المسلمين بالحجارة حتى ولَّى أبو عامر وأصحابه.
وهكذا فشِلت كل أساليب أبي سفيان في تفريق أهل المدينة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
عند ذلك أخذ نساء المشركين يضربن بالدفوف خلف الرجال ويُحرضنَهم على القتال ويَصِحْنَ:
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ
نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ
إِنْ تُقْبِلُوا نُعانقْ
أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ
فِرَاقَ غير وَامِقْ
|
ودنا القوم بعضهم من بعض، والرماة يرشقون خيل المشركين بالنَّبْل، فتولي مدبرة، وهنا صاح طلحة بن أبي طلحة حامل لواء قريش: مَن يبارز؟ فخرج إليه علي بن أبي طالب، فصرَعه، فسُرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكبَّر المسلمون وأخذ بنو عبدالدار يتقدمون يحملون اللواء واحدًا بعد الآخر، فيلقي كل منهم مصرعه على يد علي وحمزة وغيرهما من أبطال المسلمين، حتى قُتِل منهم عشرةُ رجال، وسقط اللواء من أيديهم - وظل صريعًا إلى أن أخذته "عَمْرَة بنت عَلْقمة الحارثية"، فرفعته لقريش، فَلاَثَوا به[14]، بعد أن تغيَّر الوضع واشتد القتال بين المسلمين والمشركين، وأبلى المسلمون بلاءً حسنًا، وصدقوا الحملة على المشركين، فلما قُتِل حمَلَة اللواء، ولَّى المشركون منهزمين، لا يلوون على شيء، وفرَّت النساء حتى كِدْنَ يُؤخَذن أسيرات، وتغلَّب المسلمون على جيش المشركين حتى أجلوهم عن المعسكر، وأخذوا يستولون على ما في المعسكر من الغنائم وما أكثرها، وصرفهم ذلك عن اتِّباع عدوِّهم، وحُقَّ لهم قول الله: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ﴾ [آل عمران: 152]، فكان لهم النصر في بداية المعركة، إلا أنهم عصوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فتغيَّر الوضع.
5- ضياع الانتصار بسبب العصيان:
كان الواجب على المسلمين -بعد أن مكَّن الله عددهم القليل من التغلب في بداية المعركة على عدوهم الكثير- أن يستمروا في حملتهم على عدوِّهم؛ حتى تتم الهزيمة كاملة، كما حدث في بدر، ولكن يبدو أن الغنائم الكثيرة جذبتهم إليها عندما فرَّ العدو، فانطلق كثير منهم إلى جمْعها، ورأى الرماة فرار المشركين، وانصراف المسلمين إلى جمع الغنائم، فظنَّ الكثير منهم أن المعركة قد انتهت، وأن لهم أن يحصلوا على الغنائم مثل بقية الجيش، غافلين عن وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: قد انهزم المشركون، فما مقامنا هنا؟ وظنوا أن ليس للمشركين رَجْعة، فذكَّرهم أميرهم "عبدالله بن جُبير" بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: لم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وانطلقوا في طلب الغنيمة، ولم يبق سوى أميرهم في نفر يسير دون العشرة، يحمون ظهور المسلمين.
وهنا اهتبل خالد بن الوليد فرصةَ قلَّةِ الرماة، وكان على خيل المشركين، فَكَرَّ على مَن بقي من الرماة فقتَلهم، وانقض على المسلمين من خلفهم، فأوقع الذُّعْر في صفوفهم، ورأى الفارُّون من قريش تغيُّرَ الوضع في صالحهم، فعادوا أدراجهم يلتفُّون حول لوائهم الذي رفعته ابنة عَلْقَمة الحارثية بعدما مرِّغ في التراب، وأحيط بالمسلمين وصاروا بين شِقَّي الرمي، فتَرَكوا مغانِمَهم، وعادوا إلى سيوفهم يستلُّونها؛ ليدافعوا عن أنفسهم، فاستُشهد كثير منهم، واختلَّ توازن المسلمين حتى قتَل بعضُهم بعضًا، وهم يحاولون النجاة من هذا المأزِق الذي حلَّ بهم.
وشدَّد المشركون الحملة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى وصلوا قريبًا منه، فجَرَحوا وجهَه، وكمَّروا رُباعيَّته، وهَشَموا البَيْضَة على رأسه، ودخلت حَلْقتان من حِلَق المِغْفَر الذي يستر به وجهه في وَجْنَته، وعلاه ابن قميئة بالسيف، فضربه على شِقِّه الأيمن، واتقاه طلحة بن عُبيدالله بيده، فشلَّت إِصْبعه، وادَّعى ابن قميئة أنه قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم [15]، وشاع ذلك بين المسلمين، فتفرَّق بعضُهم حتى وصل المدينة، وألقى بعضهم بيده إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل يدعو الناس: إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله، فاجتمع إليه ثلاثون رجلاً، قاتلوا دونه، وقاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أُحد قتالاً شديدًا، فرَمَى بالنَّبْل حتى فَنِيَ نَبْله، وانقطع طرف قَوْسه.
وفرِح المسلمون بنجاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبكذب دعوى ابن قميئة، فأقبلوا إليه يسيرون معه نحو الشِّعْب مُصَعِّدينَ في الجبل، يحمونه بأرواحهم، ويدفعون عنه بكل ما يملكون، وأقبل أُبَي بن خَلَف من صفوف المشركين، وهو يقول: أين محمد لا نجوتُ إن نجا؟ فأخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله بها، فطَعنه في عنقه طعنة تقلَّب منها على فرسه مرارًا، ثم عاد أدراجه ليموت في طريق عودته إلى مكة.
وقد حاولت قريش أن تجعل المعركة فاصلة، وتُجْهِز على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومَن انضم إليه من صحابته، فصارت السِّهام تَنْثَال عليه من كل جانب، إلا أن المسلمين ضربوا مثلاً عليًّا في حماية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وافتدائه بأنفسهم، فاستشهد بين يديه عدد منهم، وتَرَّس أبو دُجَانة بنفسِه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقع النَّبْل في ظهره وهو مُنْحَنٍ عليه، حتى كَثُر فيه النَّبْل، وجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يناول سعد بن أبي وقاص النَّبْل، ويقول له: ((اِرْمِ فداك أبي وأمي)).
ضَعُفَت قوة قريش أمام شجاعة المسلمين وإصرارهم على حماية الرسول -صلى الله عليه وسلم- والاستِماتة في القتال دونه، وعدم تمكينهم من القضاء عليه، فقَنَعت قريش بما أصابت في الجولة الثانية من شهداء المسلمين ثأرًا لمن قُتِل منها في بدر.
وانطلقت نساء قريش الحانقات على شهداء أبطال المسلمين يمثِّلون بهم، ويقطعون أنوفهم وآذانهم، وبَقَرت "هند زوجة أبي سفيان" بطنَ حمزة، وأخذت كَبِده فَلاَكَتْه ومضغته، إلا أنها لم تستطع أن تُسِيغَه، فلفظته، يشفون بذلك حِقدَهن وغيظَهن مما حدث لهن في بدر.
وعندما شعرت قريش بأنها لن تستطيع أن تجعل المعركة فاصلة، فتقضي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذت في دفن قتلاها، ثم أقبل أبو سفيان على المسلمين، فقال: أفي القوم محمد؟ ثلاثَ مراتٍ، فنهاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجِيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قُحافة؟ ثلاثَ مراتٍ، فلم يُجِيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن الخطَّاب؟ ثلاثَ مراتٍ، فلم يجيبوه، فأقبل أبو سفيان على أصحابه، فقال: أمَّا هؤلاء، فقد قُتِلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله! إن الذي عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك، فقال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدر، والحرب سِجَال، ثم إنكم ستجدون في القوم مُثْلَة لم آمُرْ بها، ولم تَسؤني، ثم جعل يقول: اعلُ هُبَل! اعلُ هُبَل! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجيبوه، فقولوا: ((الله أعلى وأَجَلُّ لا سواه، قتْلانا في الجنة وقتلاكم في النار))، فقال أبو سفيان: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجيبوه: ((الله مولانا ولا مولى لكم))، فلما انصرف أبو سفيان نادى: إن موعدَكم بدرٌ في العام المقبل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجلٍ من أصحابه، قل: نعم هي بيننا وبينكم موعد[16].
وخاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما انصرف المشركون أن يعرجوا على المدينة فيهاجموها، ورأى أن عليه أن يحاربهم دونها ويمنعهم من دخولها، فأرسل علي بن أبي طالب في آثار القوم، وقال: ((انظر ما يصنعون وما يريدون؟ فإن كانوا قد جَنَّبوا الخيل وامتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل، فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده، لئن أرادوها لأَسِيرنَّ إليهم فيها، ثم لأُنَاجِزَنَّهم))، فخرَج علي في آثارهم فرآهم جَنَّبوا الخيل وامتطوا الإبل واتجهوا إلى مكة، فعاد وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما رأى.
عند ذلك أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- بدفن شهداء أُحد في مكان استشهادهم، وعند ما وَقَف الرسول -صلى الله عليه وسلم- على عمه حمزة، ظهر الحزن عليه، وقال: ((لن أُصاب بمثلك أبدًا، ما وقفت موقفًا أغيظ إليَّ من هذا))، ثم قال: ((إن حمزة بن عبدالمطلب مكتوب في أهل السموات السبع: أسد الله، وأسد رسوله))، وكان حمزة أخا الرسول من الرضاعة[17].
وانجلت المعركة عن استشهاد سبعين من المسلمين، وقَتْلِ اثنين وعشرين رجلاً من المشركين، فيهم حملة اللواء[18]، وبعد أن انتهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- من دفن قتلى أُحد، عاد إلى المدينة بعد أن وسَّد في أُحُد سبعين من خيرة شهداء المسلمين، كان استشهادهم نتيجة لعصيان الرُّماة أوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واشتغال بعض المسلمين عن تتبُّع العدو بالاستيلاء على غنائمه؛ ليكون ذلك درسًا ماثلاً دائمًا أمام المسلمين، وصدق الله حيث يقول: ﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].
6 - بطولات في أحد علينا ألا ننساها:
إذا كانت معركة أحد ابتلاءً للمؤمنين وتمحيصًا لهم، أدَّى إلى أن يولي بعض المسلمين من المعركة عندما استزلَّهم الشيطان وقت التقاء الجمعين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 155].
فإن البعض الآخر من المسلمين ثبت في ميدان المعركة، ضاربًا أروع الأمثلة في ميدان البطولة والاستشهاد؛ حفاظًا على الدعوة وصاحبها -عليه الصلاة والسلام- مؤكدًا قول الله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
ذلك أن معركة أُحد فيها نماذج لبطولات فذَّة، تُعَدُّ كل واحدة منها مثلاً عاليًا في الجهاد وحب الاستشهاد.
وسنكتفي هنا بعرض بعض أمثلة من هذه البطولات:
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في البطولة يَثْبُت في بداية المعركة وفي نهايتها، ولا يَفِرُّ عندما أحيط بالمسلمين، وإنما يَثْبُت، ويقول: ((إليَّ عباد الله! إليَّ عباد الله!))، ويتناول الحربة وقت المَعْمَعة، ويرمي بها أُبَي بن خلف عندما أقبل يقول: أين محمد؟ لا نجوتُ إن نجا، فيهلِك من طعنته.
وهذا حمزة يصول صولة الأسد في ميدان المعركة، لا يعرض له أحد إلا قتَله، حتى يلقى مصرعه غدرًا بيد وَحْشي، ومصعب بن عُمير حامل لواءِ المسلمين يُجَالِد العدو حتى يستشهد أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وعندما أحيط بالمسلمين أُصيب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو من ثلاثين رجلاً، كلهم يتقدَّم بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقول: وجهي لوجهك الوفاء، ونفسي لنفسك الفداء، وعليك سلام الله غير مودع[19].
أما سعد بن الربيع، فقد أبى -وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة- إلا أن يدافع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيًّا وميتًا، فقد بَعَث الرسول -عليه السلام- يوم أُحد رجلاً من الأنصار ينظر له سعد بن الربيع، وقال له: إن رأيته، فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف تجدك؟ فطاف الرجل بين القتلى، حتى أتاه وهو بآخر رَمَقٍ، وفيه سبعون ضربة: ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقال: يا سعد، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ فقال سعد: وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قل له: يا رسول الله، أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عُذر لكم عند الله إن خَلَص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيكم عن تَطْرِف، وفاضت نفسُه من وقته[20].
وقد عَرَف المسلمون لسعد بلاءَه وجهاده، فقد دخل رجل على أبي بكر الصديق، وبنت لسعد بن الربيع صغيرة على صدره يقبِّلها، فقال له الرجل: من هذه؟ قال: بنت رجل خير مني: سعد بن الربيع، كان من النُّقباء يوم العقبة، وشهِد بدرًا، واستُشهد يوم أُحد[21].
وكما كانت أُحد مجالاً لإبراز بطولات الرجال، فقد كانت كذلك مجالاً لإظهار بطولات النساء وصِدقهنَّ، فهذه "نَسيبة بنت كعب المازنية" خرجت يوم أُحد تنظر ما يصنع المسلمون، ومعها سِقَاء فيه ماء، حتى انتهت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والنصر للمسلمين،
فلما انهزَم المسلمون، انحازَت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبدأت تباشر القتال، فذبَّت بالسيف، ورمت عن القوس، حتى خَلَصت الجراح إليها، وظلَّ على عاتقها جُرْح أجوف له غور، فلما سُئِلت من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قميئة، أقمأه الله، لما ولَّى الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل يقول: دُلُّونِي على محمد، فلا نجوتُ إن نجا، فاعترَضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبَت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربني هذه الضربة، ولكني ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه دِرْعَان[22].
وهذه صفيَّة بنت عبدالمطلب، أقبلت لتنظر شقيقها حمزة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لابنها الزبير بن العوام: الْقَها، فأرجعها لا ترى ما بأخيها، فقال لها: يا أُمَّه، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن ترجعي: قالت: ولِم وقد بلغني أن قد مثِّل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبنَّ ولأصْبِرَنَّ - إن شاء الله؟
فلما جاء الزبير إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك، قال: ((خلِّ سبيلها))، فأتته، فنظرت إليه، فصلَّت عليه، واسترجعت، واستغفرت له[23].
وتلك امرأة عمرو بن الجموح، تعبِّر بصدق عن نتيجة معركة أحد، وقد أقبلت بأخيها وزوجها شهداءَ على بعير لها، فلما دنَت من المدينة، سُئِلت ما الخبر؟ فقالت: دفع الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتخذ من المؤمنين شهداءَ، ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25][24].
وعندما مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بامرأة من بني دينار، وقد أصيب: زوجها، وأخوها، وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأُحد، فلما بلغها استشهادهم، قالت: فما فَعَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أَرُونِيه حتى أنظر إليه؟ فأُشير لها إليه، حتى إذا رأته، قال: كل مصيبة بعدك جَلل، تريد صغيرة[25].
وثَمَّ غير ذلك كثيرٌ من أمثلة البطولات والصبر، التي تعتبر مثلاً أعلى للمسلمين على مدى تاريخهم الطويل، ومنبعًا للفدائية، عليهم أن يَرِدُوا مَعِينَه، وصدق الله إذ يقول: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140 - 142].
7 - الرسول يسترد للمسلمين هيبتهم:
عاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون إلى المدينة مساءَ يوم السبت، فقضى فيها ليلة الأحد؛ حيث ضمَّد المسلمون جراحهم، ولكنَّ أثر موقعة أحد في المدينة وفي خارجها قد هزَّ من كِيان المسلمين، وكان على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يُعيد للمسلمين هَيبتهم؛ حتى لا يتطاول عليهم يهود ومشركو المدينة، ولا يتعرَّضوا لغارات القبائل حول المدينة، ولاستعلاء قريش وتفكيرها في أن تُعاود الكرَّة لتقضي على المسلمين.
وقد فكَّر الرسول -عليه الصلاة والسلام- بسرعة وحزم؛ لكي يعيد للمسلمين هيبتهم ومكانتهم، وليرهِّب عدوه، ويشعرهم بأنه ما زال بالمسلمين قوة، وأن ما أصابهم في أُحد لا يمنعهم من تتبُّع عدوِّهم والخروج في طلبه، فأمر بلالاً صباح الأحد 16 شوال بعد صلاة الصبح بأن ينادي في الناس بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرهم بطلب عدوِّهم، وألا يخرج إلا من شهِد القتال يوم أُحد، فتجمَّع المسلمون الذين شهدوا أحدًا من أنحاء المدينة، ودَفَع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لواءه الذي ما زال معقودًا ولم يُحَلَّ إلى علي بن أبي طالب، ورَكِب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرسه، وخرج مع الناس وهو مجروح في وجهه، ومشجوج في جبهته، ورُباعِيَّته قد سقَطت، وشفته السفلى قد كلمت في باطنها، ومَنكبه الأيمن متوهنة من ضربة ابن قَميئة، ورُكبتاه مجحوشتان[26].
ولم يخرج -عليه الصلاة والسلام- بمَدَدٍ جديد، وإنما بنفس المقاتلين الذين لقوا عدوَّهم بالأمس، بالشجاعة والبطولة والفدائية التي يتمتع بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ حيث لا يرضى أن يتبعه إلا مَن كان معه في يوم أحد، مع ما بهم من آثار المعركة،
وهنا تظهر بطولة أخرى؛ حيث نرى الجرحى يتحاملون على أنفسهم مع ما بهم من آلام قاسية، ويخرجون مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- تنفيذًا لأوامره، واستردادًا لهيبة المسلمين، ويذكر المؤرخون من ذلك أن رجلاً من بني "عبدالأَشْهل" قد شهِد هو وأخوه أحدًا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجعا جَرِيحين، فلما أذَّن مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخروج في طلب العدو، قال كل منهما للآخر: أَتَفُوتنا غزوةٌ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ والله مالنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان أيسرهما جرحا إذا عجَز أخوه عن المشي، حمله عُقْبَةً، ومشى عُقْبَةً، حتى انتهيا إلى ما انتهى إليه المسلمون[27]، وصدق الله حين يمدح هؤلاء المؤمنين، فيقول: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 172].
سار هذا الجيش الصامد الصابر على ما به من آلام، حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بعث طليعة له، ثلاثة نفر من أَسْلَم، فلَحِق اثنان منهما بقريش، وهي بحمراء الأسد تتشاور في العودة إلى لقاء المسلمين، فقتَلتهما قريش، وقد شعرت بمن خلفهما، ثم مضت حتى نزلت بالرَّوْحَاء، وعسكر المسلمون بحمراء الأسد، ودفنوا الرجلين في قبر واحد -وهما القرينان- ومكث المسلمون ثلاث ليال يوقدون خمسمائة نارٍ تُرَى من المكان البعيد، وانتشر صوتُ معسكرِهم ونيرانُهم في كل جهة[28].
وقد سلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- كل السبل ليُوهِن من شأن قريش، وليقلل مما أصابت في أحد، وليَحْمِلَها على العودة إلى مكة دون معاودة الكرَّة على المسلمين، وقد أقبل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو بحمراء الأسد معبد بن أبي معبد الخزاعي، فأسلم، فأمره الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يَلْحَق بأبي سفيان، فيخذِّله، فلَحِقَه بالرَّوْحاء -ولم يعلم بإسلامه- فقال: ما وراءك يا معبد، فقال: محمد وأصحابه، قد تحرَّقوا عليكم، وخرجوا في جمع لم يخرجوا في مثله، وقد نَدِم مَن كان تخلَّف عنهم من أصحابهم، فقال: ما تقول؟ فقال: ما أرى أن ترتحل حتى يَطْلُع أول الجيش من وراء هذه الأَكَمَة، فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرَّة عليهم لنَستأصلهم، قال: فلا تفعل، فإني لك ناصح، فرجعوا على أعقابهم إلى مكة[29].
وقد حاول أبو سفيان أن يتخذ نفس الأسلوب لإرهاب المسلمين، فأوصى رَكْبًا من عبدالقيس قاصدًا المدينة أن يبلغوا محمدًا بأن قريشًا قد أجمعت السَّير إليه وإلى أصحابه؛ ليستأصلوا بقيَّتهم، فمرَّ الركب برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بحمراء الأسد، فأخبره بما قال أبو سفيان[30]، فلم يزد ذلك المسلمين إلا إيمانًا وثباتًا؛ ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران 173 - 174].
8 - نظرة إلى معركة أُحد:
اختلف المؤرخون حول موقعة أُحُد، هل انتصر المسلمون فيها أو هُزموا؟
ويرى معظم المؤرخين أن المسلمين قد انهزموا فيها؛ حيث استشهد فيها سبعون من أبطالهم، ويرى اللواء "شيت خطاب" أن المسلمين قد انتصروا فيها؛ حيث تمكَّن المسلمون بعد التفاف المشركين حولهم والإحاطة بهم -وهم خمسة أضعافهم- من التخلُّص من هذا الموقف الحرِج، بعد فقد عُشْرِ الجيش شهداءَ.
ولا يمكن أن يعد التفاف قوة متفوقة تفوُّقًا ساحقًا على قوة صغيرة أخرى من جميع جوانبها، ثم نجاة تلك القوة الصغيرة بعد إعطاء خسائر عشرة في المائة -نصرًا، ولا يمكن اعتبار فشل القوة الكبيرة في القضاء على القوة الصغيرة ماديًّا ومعنويًّا في مثل هذا الموقف الحرِج للغاية- إلا فشلاً لها.
إن نجاة المسلمين من موقفهم الحَرِج الذي كانوا فيه بأُحُدٍ، نصرٌ عظيم لهم؛ لأن أول نتائج إطباق المشركين عليهم من كافة الجهات، كانت الفناء التام[31].
والذي يبدو لي أن المعركة لم يكن فيها هزيمة حاسمة، بحيث قُضِي على المسلمين فيها، ولم يكن فيها انتصار حاسم لقريش مكَّنها من القضاء على المسلمين، وحملهم على الفرار من المعركة، فنتيجة المعركة لم تكن فاصلة، من حيث قضاء قوة على أخرى، كما حدث في بدر، وإن كانت قريش قد أدركت ثأرها بقتل سبعين من المسلمين، ولكن المسلمين قد تمكَّنوا مع ذلك، من أن يمنعوا أنفسهم من قريش إلى أن حصل التحاجز بين الفريقين، وما حصل التحاجز بين الفريقين إلا بعد أن شعر المشركون بعدم قدرتهم على القضاء على المسلمين، فاكتفوا بأنهم أدركوا ثأرهم من المسلمين.
ولعل مما يدل على عدم حسْم الهزيمة أو الانتصار في أُحد، أن المشركين لم يأسروا أحدًا من المسلمين كما فعل المسلمون في بدر، بل إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أسر من المشركين في اليوم التالي لأحد - عندما خرج المسلمون إلى حمراء الأسد - اثنين من المشركين؛ هما: معاوية بن المغيرة بن أُمية، وأبو عزة الجُمَحي، وقتلهما[32]، كذلك فإن المشركين لم يتابعوا القتال إلى أن يقضوا على الرسول -عليه الصلاة والسلام- ويتمكَّنوا من قتْله.
وأيضًا فإن المشركين لم يهاجموا المدينة بعد التحاجز؛ لعدم استطاعتهم ذلك، وقد فكر أبو سفيان في مهاجمة المدينة، فقال له صفوان بن أمية بن خلف: لا تفعل؛ فإن القوم قد حربوا، وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان[33].
ولا شك أن المشركين كانوا يعرفون أن رجالاً من المسلمين قد تخلَّفوا في المدينة عن شهود أُحُد، وأنهم سيكونون قوة ستنضم إلى جيش المسلمين؛ مما يزيد من بأس المسلمين وشوكتهم، فحمل ذلك قريشًا على عدم مهاجمة المدينة، كما أننا عندما نعلم أن أبا سفيان وقف في نهاية المعركة، وقال: إن موعدكم بدر للعام المقبل، فيأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- رجلاً من أصحابه، فيقول له: نعم هي بيننا وبينكم موعد[34]؛ فإن ذلك يعطينا دليلاً على أن المعركة لم تكن فاصلة، وأن قريشًا ما زالت تعترف عقب المعركة بقوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين على لقائهم في بدر من العام المقبل.
وقد ذكر ابن القيم رأي قريش في نتيجة معركة أحد، وأنهم لم يحققوا انتصارًا حاسمًا، فقد قال المشركون بعضهم لبعض: "لم تصنعوا شيئًا، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا؛ حتى نستأصل شَأْفَتهم"[35].
وأخيرًا، فإننا نرى في خروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين معه في اليوم التالي لأُحد إلى حمراء الأسد بنفس الجيش دون أن يأخذ مَدَدًا آخر - دليلاً على أن الانتصار في أُحد لم يكن فاصلاً، وأن الخروج إلى حمراء الأسد كان تقليلاً من شأن الأخذ بالثأر الذي حصل عليه المشركون في أحد، ورفعًا للروح المعنوية بين المسلمين، وإظهارًا لقريش بين العرب بعدم القدرة على مواصلة القتال في اليوم التالي للمعركة.
وفي ذلك درس قوي يحرص المسلمون على تلقينه لقريش وغيرهم في المدينة وخارجها من عداء المسلمين؛ حتى يشعروا بمدى القوة الصُّلبة والقدرة الفائقة التي يتمتع بها المسلمون، وأنهم ما أصابهم في أحد من قرحٍ -جراح- فإنهم ما زالوا يتمتعون بنفس القوة والقدرة التي يتحلون بها، والتي يجب على أعدائهم أن يحسبوا لها ألف حساب.
ولعل كل هذا يؤيد ما ذهبنا إليه من أنه لم يكن في معركة أحد نصر حاسم، ولا هزيمة حاسمة، وإنما كان فيها إدراك لثأر قَنَعت به قريش، ولم تجازف بالعودة ثانيًا للقاء المسلمين في اليوم التالي للمعركة، وصدق الله حين يصوِّر الوضع في أحد، فيقول: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 104].
[1] الطبقات 2/ 25.
[2] ابن هشام 3/ 61.
[3] الطبقات 2/ 27.
[4] ابن هشام 3/ 63.
[5] البداية والنهاية 4 / 12.
[6] الطبري 2/ 503.
[7] الطبقات 2/ 26.
[8] الطبقات 2/ 27، ويذكر ابن هشام 3/ 64 أن الأنصار قالوا للرسول: ألا نستعين بحلفائنا من اليهود، فقال: ((لا حاجة لنا فيهم)).
[9] الطبري 2/ 505.
. الطبقات 2/27، الطبري 2/505، في ابن خلدون 2/24، وزاد المعاد 2/92، يذكران أن المسلمين كان معهم خمسون فارسًا، وما نظن أن ذلك صحيح؛ لأن هذا العدد من الفرسان لو كان مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنشب به معركة ضد فرسان المشركين، ولتمكَّن هذا العدد من الفرسان للتصدي لخيل المشركين عندما تمكَّنت من القضاء على مَن بقي من الرماة.
[10] ابن هشام 3/ 65.
[12] الطبري 2/ 511.
[13] زاد المعاد 2/ 92.
[14] لاثوا به: اجتمعوا حوله والتفوا.
[15] طبقات ابن سعد 2/ 29.
[16] ابن هشام 3/ 93، طبقات ابن سعد 2/ 33.
[17] ابن هشام 3/ 90.
[18] ابن هشام 3/ 127 - 129.
[19] الطبقات 2/ 33.
[20] زاد المعاد 2/ 96.
[21] ابن هشام 3/ 95.
[22] ابن هشام 3/ 82.
[23] ابن هشام 3/ 97.
[24] البداية والنهاية 4/ 41.
[25] ابن هشام 3/ 99.
[26] طبقات ابن سعد 2/ 34.
[27] ابن هشام 3/ 101، الطبري 2/ 534.
[28] طبقات ابن سعد 2/ 35.
[29] زاد المعاد 2/ 108.
[30] ابن هشام 3/ 103.
[31] الرسول القائد 119 - 120.
[32] ابن هشام 3/ 104.
[33] ابن هشام 3/ 104.
[34] الطبري 2/ 557.
[35] زاد المعاد 2/ 108.
شبكة الألوكة
تم النشر يوم
الخميس، 5 سبتمبر 2013 ' الساعة