الاثنين، 18 مايو 2015

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

أَمَّا بَعدُ، فَــ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، كُلُّنَا مُوقِنُونَ بِأَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلا- قَد خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ، وَكُلُّنَا مُصَدِّقُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنيَا دَارُ مَمَرٍّ وَلَيسَت بِدَارِ مَقَرٍّ، وَجَمِيعُنَا لا يَشُكُّونَ بِأَنَّ بَعدَ الحَيَاةِ مَوتًا، وَأَنَّ بَعدَ المَوتِ بَعثًا، وَأَنَّ بَعدَ البَعثِ جَزَاءً وَحِسَابًا، وَأَنَّ المُنتَهَى إِمَّا إِلى جَنَّةِ المَأوَى، وَإِمَّا إِلى نَارٍ تَلَظَّى؟! أَلا فَمَا بَالُنَا وَنَحنُ نَعرِفُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلا نُنكِرُهُ، وَنُصَدِّقُ بِهِ وَلا نُكَذِّبُ، مَا بَالُنَا نَنحَرِفُ عَن طَرِيقِ العُبُودِيَّةِ الحَقِيقِيَّةِ في بَعضِ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا؟! مَا هَذَا الانتِقَاءُ لِمَا يُوَافِقُ هَوَى النُّفُوسِ مِن أَوَامِرِ اللهِ فَنَفعَلَهُ، وَمَا يُخَالِفُ هَوَاهَا فَنَترُكَهُ ؟! أَيُّ عُبُودِيَّةٍ هَذِهِ وَأَيُّ خُضُوعٍ ؟ وَأَيُّ استِسلامٍ وَأَيُّ انقِيَادٍ؟!

إِنَّ المُسلِمَ الحَقَّ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- يَعلَمُ أَنَّهُ عَبدٌ لِرَبِّهِ وَخَالِقِهِ، وَاجِبُهُ التَّسلِيمُ لأَمرِهِ وَنَهيِهِ، وَالانقِيَادُ في كُلِّ شَأنِهِ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرضَاهُ، وَتَركُ مَا يُبغِضُهُ وَيَأبَاهُ، قَالَ -جَلَّ وَعَلا-: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾[الأنعام: 162، 163] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 208 - 210].

أَجَلْ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّهُ لَيسَ في الاتِّبَاعِ مَنهَجٌ بَينَ بَينَ، وَلا خُطَّةٌ نِصفُهَا مِمَّا تَهوَى النَّفسُ وَنِصفُهَا مِمَّا يُرِيدُهُ اللهُ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ أَو بَاطِلٌ، هُدًى أَو ضَلالٌ، دُخُولٌ في السِّلمِ كَافَّةً، أَوِ اتِّبَاعٌ لِخُطُوَاتِ الشَّيطَانِ، فَأَمَّا مَن أَسلَمَ وَاتَّبَعَ طَرِيقَ اللهِ، فَذَلِكَ الَّذِي هَدَى اللهُ، وَأَمَّا مَن لم يَختَرْ إِلاَّ الغِوَايَةَ، فَهُوَ الَّذِي قَدِ استَجرَاهُ الشَّيطَانُ، وَاللهُ -تَعَالى- حَكِيمٌ لا يَختَارُ لِعِبَادِهِ إِلاَّ مَا هُوَ خَيرٌ لَهُم، وَلا يَنهَاهُم إِلاَّ عَمَّا يَضُرُّهُم، وَهُوَ تَعَالى عَزِيزٌ قَادِرٌ، قَوِيٌّ مَتِينٌ، وَمَا هِيَ إِلاَّ سَنَوَاتٌ كَأَنَّمَا هِيَ في حِسَابِ الزَّمَنِ لَحَظَاتٌ، ثُمَّ يُقضَى الأَمرُ، وَإِلى اللهِ تُرجَعُ الأُمُورُ.

وَلْنَأخُذْ -عِبَادَ اللهِ- قَضِيَّةً وَاحِدَةً مِمَّا ضَلَّت فِيهِ الأَفهَامُ وَاتُّبِعَتِ الأَوهَامُ، ذَلِكُم هُوَ المَالُ وَمَا أَدرَاكُم مَا المَالُ؟! جُزءٌ مِن زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، اتَّخَذَهُ مَن كَفَرُوا بِاللهِ مَعبُودًا، وَجَارَاهُم المُتَشَبِّهُونَ بِهِم فَجَعَلُوهُ مَقصُودًا، فَضَلُّوا في كَسبِهِ وَطَلَبِهِ، فَلَم يُوَفَّقُوا بَعدَ ذَلِكَ في بَذلِهِ وَإِنفَاقِهِ. لَقَد نَسِيَ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ المَالَ ظِلٌّ زَائِلٌ وَعَارِيَّةٌ مُستَرجَعَةٌ، وَغَفَلُوا عَن أَنَّهُ رَاحِلٌ عَنهُم في أَيِّ لَحظَةٍ، وَإِلاَّ فَسَيَرحَلُونَ هُم عَنهُ رَغمَ أُنُوفِهِم يَومًا مَا، وَلأَجلِ هَذِهِ الغَفلَةِ الشَّنِيعَةِ فَقَدِ اتَّجَهَتِ النُّفُوسُ لِلمَالِ، وَصَارَ هَمُّهَا الاستِكثَارَ مِنهُ بِأَيِّ وَجهٍ وَمِن أَيِّ طَرِيقٍ؛ مُتَخَّلِّيَةً عَمَّا في الكِتَابِ والسُّنَّةِ مِن أَوَامِرَ وَنَوَاهٍ وَتَوجِيهَاتٍ، فَأُكِلَ الرِّبَا، وَاستُهِينَ بِتَنَاوُلِ الخَبِيثِ، وَوُلِغَ في السُّحتِ وَالرِّشوَةِ، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ مِن قِلَّةِ العِلمِ بِاللهِ وَكُفرِ النِّعمَةِ، وَإِلاَّ لَو رُزِقَ النَّاسُ مَعَ المَالِ عِلمًا؛ لَتَيَقَّنُوا أَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ، وَأَنَّهُ المُعطِي المَانِعُ، وَأَنَّهُ البَاسِطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ، وَالمُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ المَالَ لا يَكُونُ نِعمَةً بِحَقٍّ، إِلاَّ إِذَا وَقَعَ في يَدٍ صَالِحَةٍ، تَعرِفُ قِيمَتَهُ وَالغَايَةَ مِنهُ، وَمَدَى مُلكِهَا لَهُ، وَأَنَّهُ لا يَبقَى لَهَا مِنهُ إِلاَّ مَا أَنفَقَتهُ في سَبيِلِ اللهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الوَرَثَةِ، وَيَكُونُ نِقمَةً أَيَّ نِقمَةٍ حِينَ تَظفَرُ بِهِ يَدٌ غَيرُ صَالِحَةٍ، يَحسَبُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ يُؤتَى المَالَ عَن عِلمٍ أَو قُوَّةٍ، فَتَرَاهُ لا يُبَالي في جَمعِهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، ثُمَّ هُوَ بَعدُ إِمَّا أَن يَبخَلَ بِهِ وَيَشِحَّ، وَإِمَّا أَن يَضَعَهُ في غَيرِ مَوضِعِهِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 130 - 132] وقال جل وعلا:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279] وقال عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10] وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 5] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35] وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون: 9 - 11] وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤمِنِينَ بما أَمَرَ بِهِ المُرسَلِينَ فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بما تَعمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ وَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172] الحَدِيثَ... وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالمُرتَشِيَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَتبَعُ المَيِّتَ ثَلاثٌ: أَهلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبقَى وَاحِدٌ، يَرجِعُ أَهلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبقَى عَمَلُهُ " وَفي صَحِيحِ البُخَارِيِّ مِن حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيهِ مِن مَالِهِ ؟!" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيهِ، قَالَ: " فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا في صَحِيحِ مُسلِمٍ: " يَقُولُ العَبدُ: مَالي مَالي، وَإِنَّمَا لَهُ مِن مَالِهِ ثَلاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفنَى، أَو لَبِسَ فَأَبلَى، أَو أَعطَى فَأَقنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " لا يَحِلُّ مَالُ امرِئٍ مُسلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفسٍ مِنهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ. وَلْنَأخُذْ هَذِهِ النُّصُوصَ وَأَمثَالَهَا مَنهَجًا لَنَا في المَالِ أَخذًا وَإِنفَاقًا، وَلْنَحذَرْ مِنَ الغَفلَةِ وَالرُّكُونِ إِلى الدُّنيَا، وَالقَصدِ إِلى التَّكَاثُرِ وَالتَّفَاخُرِ وَالتَّنَافُسِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ هُوَ الهَلاكُ، فَي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فَأَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم ؛ فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم، وَلَكِنْ أَخشَى عَلَيكُم أَن تُبسَطَ عَلَيكُمُ الدُّنيَا كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]

•     •    •

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاذكُرُوا نِعمَتَهُ عَلَيكُم وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ؛ فَإِنَّهُ هُوَ المُنعِمُ المُتَفَضِّلُ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53] أَجَلْ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّ الفَضلَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ المُوَفِّقُ وَالمُعِينُ وَالمُيَسِّرُ، وَلَولا فَضلُهُ مَا كَانَ الإِنسَانُ شَيئًا مَذكُورًا، وَلا مَلَكَ قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا، وَإِذَا كَانَ المَالُ نِعمَةً مِنَ اللهِ وَهُوَ لا شَكَّ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا جَزَاءُ النِّعمَةِ الشُّكرُ لا الكُفرُ، وَالحِفظُ لا التَّبدِيدُ، وَالتَّوَسُّطُ في الإِنفَاقِ وَالاعتِدَالُ، لا الإِسرَافُ وَالتَّبذِيرُ، أَلا وَإِنَّ مِمَّا يُنكَرُ وَيُستَنكَرُ، وَلا يُرضَى بِهِ وَلا يُقَرُّ، هَذِهِ الاحتِفَالاتُ الَّتي صَارَت تُقَامُ بَينَ فَترَةٍ وَأُخرَى، بِمُبَالَغَةٍ في الإِعدَادِ لها وَالتَّحضِيرِ، وَتَبدِيدٍ لِلنِّعَمِ فِيهَا وَإِسرَافٍ وَتَبذِيرٍ، وَاستِهَانَةٍ بِالغِنَاءِ فِيهَا وَتَوَسُّعٍ في التَّصوِيرِ، وَتَشَبُّعٍ مِن كَثِيرِينَ بِمَا لم يُعطَوا، وَاشتِغَالٍ بِالمَظَاهِرِ الخَدَّاعَةِ، وَتَصَنُّعٍ لِلكَرَمِ وَالجُودٍ، كُلَّ ذَلِكَ بِزَعمِ إِكرَامِ قَبِيلَةٍ لِقَبِيلَةٍ أُخرَى، أَو لِتَكرِيمِ مُتَقَاعِدٍ مِن عَمَلِهِ، أَو لِتَودِيعِ مُدِيرٍ وَاستِقبَالِ آخَرَ، أَو لِتَخَرُّجِ طَالِبٍ أَو نَجَاحِ طَالِبَةٍ. وَإِنَّ مِمَّا يُؤسَفُ لَهُ أَنَّ مِثلَ هَذِهِ الاحتِفَالاتِ قَد جَعَلَت تَتَنَامَى وَتَكثُرُ لِمُنَاسَبَةٍ وَلِغَيرِ مُنَاسَبَةٍ، وَتَعَدَّدَت فِيهَا صُوَرُ المُبَالَغَةِ، وَأُحرِجَ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِن الفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ، وَأُلزِمَ النَّاسُ بما لا يَلزَمُ مُجَارَاةً وَتَقلِيدًا لِلسُّفَهَاءِ، وَسَعَى بَعضُ المُترَفِينَ أَوِ المُقَلِّدِينَ، لإِقَامَةِ تِلكَ الاحتِفَالاتِ في فَنَادِقَ أَو قَاعَاتٍ، أَو أَمَاكِنَ لا يُؤمَنُ فِيهَا اطِّلاعُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، إِمَّا مُبَاشَرَةً وَإِمَّا عَن طَرِيقِ التَّصوِيرِ الخَفِيِّ، وَاستُؤجِرَتِ الفِرَقُ المُوسِيقِيَّةِ، وَجُعِلَت مَسِيرَاتٌ لِلتَّخَرُّجِ مَصحُوبَةً بِالغِنَاءِ أَوِ الأَنَاشِيدِ ذَاتِ المُؤَثِّرَاتِ الصَّوتِيَّةِ المُشَابِهَةِ، وَجَعَلَت بَعضُ نِسَائِنَا وَبَنَاتِنَا وَفي مَدَارِسِنَا، يَحضُرنَ بِمَلابِسَ لا تَلِيقُ بِالمُسلِمَاتِ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ. وَلا يَستَجْرِيَنَّا السُّفَهَاءُ وَالغَوغَاءُ، وَلا يَسْتَخِفَنَّا الَّذِينَ لا يُوقِنُونُ وَلا يَعقِلُونَ، فَإِنَّ لِلفَرَحِ حُدُودًا مَعقُولَةً، وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ، وَلِلكَرَمِ صُوَرًا مَقبُولَةً، وَاللهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [التغابن: 16 - 18]

 تم النشر يوم  الاثنين، 18 مايو 2015 ' الساعة  1:41 م


 
Toggle Footer