الأربعاء، 6 فبراير 2013

 مباحث في بعض مشاهد القيامة 


خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع

تقــدمة

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين،
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذه بعض المباحث المتعلقة ببعض مشاهدة القيامة، كنت قدمتها ضمن البرنامج الإذاعي (الدار الآخرة: مشاهد وعظات) عبر إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية، ولرغبة بعض الأفاضل؛ فهذه مجموعة أخرى من جملة تلك المباحث، بعد سابقتها (مسائل في عذاب القبر ونعيمه والحياة البرزخية) أقدمها للقرَّاء رجاء النفع بها.
وهذه المباحث تتعلق بالصراط والميزان وحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وليُعلم أني لم أشأ الدخول في التفصيلات المتعلقة بالردود على المخالفين، مع مراعاة الاختصار في العبارات ووضوحها، ولذا فهي نافعة ومفيدة – إن شاء الله – للقراءة في المجالس العامة والخطب ونحوها.
والله المسئول وحده أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، وسببًا للنجاة يوم القدوم عليه.
اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما بياني صغيرًا، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد. 
وكتب: الفقير لعفو ربه
خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
ص.ب 57242
الرياض 11574
فجر يوم الاثنين 30/2/1420هـ


* * *


أولاً: العرض والحساب وتطاير الصحف

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «العقيدة الواسطية»:
«وتنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، كما قال سبحانه: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[الإسراء: 13، 14]، ويحاسب الله الخلائق فيخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة.
وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها، ويقررون بها ويُجزون عليها».اهـ.
ونشر الدواوين وهي صحائف الأعمال: يكون بفتحها وبسطها، واطلاع الناس على ما فيها ليكونَ ذلك رفعةً وسرورًا للمؤمنين وحسرة على المكذبين. ثم إنهم يعطون تلك الصحائف إما بأيمانهم أو بشمائلهم ومن وراء ظهورهم. كما سنذكره بعد قليل.
ويقول الله جلَّ شأنه: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[الإسراء: 13، 14]، طائره ما طار له من عمله المقدر له من خير وشر، وخصَّ العنق بالذكر لكونه عوضًا من الأعضاء لا نظير له في الجسد، وقوله: ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًاأي: نجمع له عمله كله في كتاب يُعطاه يوم القيامة إما بيمينه إن كان سعيدًا أو بشماله إن كان شقيًا، ﴿ مَنْشُورًاأي: مفتوحًا يقرؤه هو وغيره وفيه جميع عمله من أوله إلى آخره، وقوله: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًاأي: أنك لم تظلم ولم يكتب عليك إلاَّ ما عملت، لأنك ذكرت جميع ما كان منك، ولا ينسى أحدٌ شيئًا مما كان منه، وكل أحدٍ يقرأ كتابه من كاتبٍ أو أمي.
قال الحسن البصري رحمه الله:
يا ابن آدم! بسطت لك صحيفتك، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا طويت صحيفتك فجُعِلَت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرجَ يوم القيامة كتابًا تلقاه منشورًا، ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذا من أحسن كلام الحسن رحمه الله([1]).
وأسند الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الرقاق من «صحيحه»([2]) باب من نوقش الحساب عُذِّب – وكذا مسلم في «صحيحه» - عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس أحدٌ يحاسب يوم القيامة إلا هلك»، فقلت: يا رسول الله! أليس قد قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا[الانشقاق: 7، 8]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما ذلك العَرْضُ، وليس أحدٌ يناقش الحساب إلا عُذِّب». 
والمعنى في هذا الحديث: أنَّ مِنَ الناس مَنْ يحاسب محاسبة عسيرة، بحيث يناقش في الحساب، أي يستقصى في المطالبة بالجليل والحقير، والصغير والكبير، ولا يسامح في شيء من ذلك، فيكون مصيره العذاب والهلاك، وهؤلاء هم المكذبون المعرضون. أما المؤمنون المتقون فإن محاسبتهم تكون بعرض أعمالهم عليهم حتى يعرفوا منَّة الله عليهم في سترها عليهم في الدنيا وفي عفوه عنهم في الآخرة. 
نَبَّهَ لهذا المعنى الحافظ القرطبي رحمه الله في كتابه «المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم»([3]).
ومما يوضحه – أيضًا – ما خرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «يدنى المؤمن من ربِّه يوم القيامة، حتى يضع عليه كَنَفَهُ، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف [وفي رواية البخاري: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك] قال: فإني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته. وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الخلائق الذين كذبوا على الله، [وفي رواية البخاري: فيقول الأشهاد: ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ([4]).
وفي «المسند» عن أم المؤمنين – عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: «اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا» فلما انصرف قلت: يا رسول الله! ما الحساب اليسير؟ قال: «أن يُنْظَرَ في كتابه فيتجاوز له عند، إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك». قال الحافظ ابن كثير: صحيح على شرط مسلم([5]).
وفي شأن العَرض وإعطاء الصحف:
روي في «جامع الترمذي» عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضَات: فعرضتان جدالٌ ومعاذير، وعرضة تطاير الصحف، فمن أوتي كتابه بيمينه وحوسب حسابًا يسيرًا دخل الجنة، ومن أوتي كتابه بشماله دخل النار» ونبه الترمذي رحمه الله في جامعه إثر روايته هذا الحديث إلى انقطاعه([6]). ولكن أخرجه البيهقي في البعث بسند حسنه الحافظ في «الفتح»([7]) عن ابن مسعود موقوفًا، ومثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع.
وفي معناه قال الترمذي الحكيم: الجدال: للكفار يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا، والمعاذير: اعتذار الله لآدم وأنبيائه بإقامته الحجة على أعدائه، والثالثة: للمؤمنين وهو العرض الأكبر([8]). 
وفي شأن العرض وإعطاء الصحف، قال الله جل شأنه في سورة الحاقة: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَة[الحاقة: 18]، أي تعرضون على عالم السر والنجوى الذي لا يخفى عليه شيء من أموركم بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر، ثم أخبر عن أخذ العباد صحائفَ أعمالهم فقال: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَه[الحاقة: 19، 20]. 
فهذا خبر من الله تعالى عن سعادة من يؤتى كتابه يوم القيامة بيمينه وفرحه بذلك، وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهأي: خذوا اقرؤوا كتابيه، لأنه يعلم أن الذي فيه خير وحسنات محضة لأنه ممن بدَّل الله سيئاته حسنات. ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهأي: كنت موقنًا في الدنيا أن هذا اليوم كائن لا محالة، ثم أخبر جل شأنه عن عاقبته ومصيره فقال: ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَة[الحاقة: 21]، أي: مرضية ﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَة[الحاقة: 22]، أي: رفيعةٌ قصورها، حسانٌ حورها، نعيمةٌ دُورها، دائم حبورها، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «أن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض». ثم يمتن الله عليهم بقوله: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَة[الحاقة: 24]، وهذا تفضُّلٌ منه سبحانه وامتنان وإنعام.
وأخبر تعالى عن حال الأشقياء إذا أعطى أحدهم كتابه في العرصات بشماله، وأنه يندم غاية الندم، ويتحسر غاية الحسرة، فقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة [الحاقة: 25-27]، يعني: موتة لا حياة بعدها، فتمنى الموت – حينئذ ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه، وأخبر تعالى عن عظم تحسر المكذب المعرض وأنه يقول: ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه[الحاقة: 28، 29]، أي: لم يدفع عني مالي ولا جاهي عذاب الله وبأسه، بل خلص الأمر إليَّ وحدي فلا معين لي ولا مُجِيرَ، وعندها يقول تعالى: ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه[الحاقة: 30، 31]، أي: يأمر بالزبانية أن تأخذه عُنفًا من المحشر فتغله، أي تضع الأغلال في عنقه ثم تورده إلى جهنم فتصليه إياها، أي تغمره فيها.
ومن العذاب الذي يناله: ﴿ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوه[الحاقة: 32]، والسلسلة معروفة، الحلقة فيها تتصل بالحلقة، لكنها في الآخرة عظيمة، الله أعلم بقدرها، لا أرانا الله إياها، فيسلك فيها: أي تدخل من أسفله إلى أعلاه بما يكون به عذابه، نسأل الله السلامة، وبيَّن الله لنا سبب شقاء من كان على تلك الحال الفظيعة، فقال: ﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين[الحاقة: 33، 34]، أي: لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته، ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم، فإن لله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئًا، وللعباد بعضهم على بعض حق الإحسان والمعاونة على البر والتقوى([9]).
ومما أنشده عبد الله بن المبارك رحمه الله([10]):
فكيف قَرَّتْ لأهلِ العِلْمِ أعيُنُهم


أو اسْتَلَذُّوا لذيذَ النَّوم أو هَجَعُوا

والنَّارُ ضَاحِيَةٌ لا بُدَّ مَورِدُها


ولَيسَ يَدْرُونَ مَنْ يَنْجُوا ومنْ يقعُ

وَطَارَتْ الصُّحْفُ في الأيدي منشَّرةً


فيها السرائرُ، والجَبَّارُ مُطَّلِعُ

إمَّا نعيمٌ وعَيشٌ لا انْقضَاءَ لَهُ


أو الجَحِيمُ، فلا تُبقى ولا تَدَعُ

تهوي بساكنها طورًا وترفعه


إذا رَجَوا مَخْرَجًا من غمِّها قُمِعُوا

[طَالَ البُكاءُ فلم يُرحَمْ تَضَرُّعُهم


فيها، ولا رقةٌ تُغْني ولا جَزَعُ]

لَيَنْفَعِ العِلمُ قَبْل الموت عَالِمَهُ


قد سَالَ قومٌ بها الرُّجعى فما رجعوا

نسأل الله الجواد الكريم الرحمن الرحيم أن يلطف بنا يوم العرض عليه، وأن يجعلنا من الآمنين الفائزين السعداء بمنه وكرمه نحن ووالدينا وإخواننا المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


ثانيًا: الحــوض
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «العقيدة الواسطية»([11]).
«وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم ، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر، وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا».اهـ.
وهذا الذي أجمله شيخ الإسلام ابن تيمية دلَّت عليه نصوص كثيرة بما يوجب الإيمان به إيمانًا قاطعًا.
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: والأحاديث الواردة في ذكر الحوض تبلغ حد التواتر، رواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيًا ([12]).
وقد عُني بطرقها الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه «النهاية»([13]).
واستوفى تخريج تلك الطرق وزيادة عليها الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري»([14]) عن أكثر من خمسين صحابيًا، قال: «ولكثير من هؤلاء الصحابة في ذلك زيادة على الحديث الواحد، وأحاديثهم بعضها في مطلق ذكر الحوض، وفي صفته بعضُها، وفيمن يَرِدُ عليه بعضُها، وفيمن يدفع عنه بعضها».
كما عني بطرق أحاديث الحوض الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الرقاق من «صحيحه»، وبوَّب على ذلك بقوله: باب في الحوض، وقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر [الكوثر: 1].
ونحن نورد هنا ما تيسر من تلك الأحاديث مع بعض الفوائد:

ففي «صحيح مسلم» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين أظهرنا في المسجد إذا أغفى إغفاءةً ثم رفع رأسه متبسمًا، قلنا: ما أضحك يا رسول الله! قال: «لقد أنزلت عليَّ آنفًا سورة» فقرأ:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر[سورة الكوثر]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثر؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم في السماء، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدث بعدك»([15]).
والمعنى في هذا الحديث – كما ذكر شارح «الطحاوية» - أن نهر الكوثر – وهو ممتد من الجنة – يشخب – أي يسيل - منه ميزابان ليصبا في الحوض والذي هو في العرصات([16]).
وفي «جامع الترمذي»([17]) بسند حسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: «أنا فاعل إن شاء الله»، قلت: فأين أطلبك؟ قال: «أول ما تطلبني على الصراط»، قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: «فاطلبني عند الميزان»، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: «فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطيء هذه الثلاثة مواطن». 
قال القرطبي في «المفهم»([18]) وكأنه صلى الله عليه وسلم  لا يفارق أصحابه، ولا أمته في تلك الشدائد سعيًا في تخليصهم منها، وشفقة عليهم، جزاه الله خير ما جزى نبيًّا عن أمته صلى الله عليه وسلم ، ولا حال بيننا وبينه في تلك المواطن. 
وفي «صحيح البخاري»([19]) عن عبد الله بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدًا». 
وفي رواية الإمام أحمد: «حوضي كما بين عدن وعَمَّان أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحًا من المسك، أكوابه مثل نجوم السماء» الحديث صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وغيره([20]). 
وفي «صحيح مسلم»([21]) عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية، آنيةُ الجنة، من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة([22])، وماؤها أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل». 
وفي «صحيح البخاري» و «مسلم» والسياق له عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «تَرِدُ عليَّ أمتي الحوض وأنا أذُودُ الناس عنه، كما يذود الرجلُ إبلَ الرجلِ عن إبلهِ، قالوا: يا نبي الله! تعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيمًا ليست لأحدٍ غيركم، تردون غرًا محجلين من آثار الوضوء، وليصدن عني طائفة منكم، فلا يصلون، فأقول: يا رب! هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملك، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك»([23]).
قال شارح «الطحاوية»([24]) الإمام ابن أبي العز الحنفي: «والذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض: أنه حوضٌ عظيم، وموردٌ كريم، يُمَدُّ من شراب الجنة، من نهر الكوثر الذي هو أشد بياضًا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحًا من المسك، وهو في غاية الاتساع، عرضه، وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر».اهـ.
وها هنا تنبيه إلى أن ما جاء من اختلاف الألفاظ في تقدير أبعاد الحوض هو اختلاف زماني راجع إلى نوع السير الذي قدر به الزمن هل هو سير سريع أم بطيء([25]).
وبالنسبة لمكان الحوض من أرض الحساب يقول الحافظ القرطبي في «التذكرة»: «ولا يخطر ببالك أو يذهب وهمك إلى أن الحوض يكون على وجه هذه الأرض، وإنما يكون وجوده في الأرض المبدلة على مساحة هذه الأقطار، أو في المواضع التي تكون بدلاً من هذه المواضع في هذه الأرض، وهي أرض بيضاء كالفضة، لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط. كما تقدم، تطهر لنزول الجبار جل جلاله لفصل القضاء».اهـ([26]).
وهل يكون الحوض قبل الصراط أم بعده؟
وهل هو قبل الميزان أم بعده؟
رجَّح القرطبي في «التذكرة» تبعًا لغيره، أن الحوض يكون قبل الميزان ثم الميزان ثم الصراط.
قال: والمعنى: يقتضيه فإن الناس يخرجون عطاشًا من قبورهم، فهم أحوج ما يكونون لري عطشهم.
واختار العلامة ابن القيم القول بأن الحوض قبل الصراط وبعده، وقال: إذا كان الحوض بهذا الطول والسعة، طوله شهر وعرضه شهر، فما الذي يحيل امتداده إلى وراء الجسر، فيرده المؤمنون قبل الصراط وبعده([27]).
وها هنا مسألة أخرى هي:
هل لأحدٍ من الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم  حوض يوم القيامة؟
بيان ذلك فيما يلي:
روى الترمذي([28]) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن لكل نبي حوضًا ترده أُمَّتُه، وإنهم ليتباهون: أيهم أكثر واردةً، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة».
قال الترمذي: حديث غريب، وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم  مرسلاً، ولم يذكر فيه عن سمرة، وهو أصح([29]).
وقد مال الشيخ العلامة الألباني إلى تحسينه أو تصحيحه بمجموع طرقه في «السلسلة الصحيحة»([30]).
وعلَّق الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري»([31]) على هذا الحديث بقوله: «إن ثبت فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم  الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه، فإنه لم ينقل نظيره لغيره، ووقع الامتنان عليه به في السورة المذكورة».اهـ.
وفي ضوء ما تقدم: نأتي الآن إلى موضع العبرة والتفكر، وهو مَنْ منا يا ترى سيرد حوضه صلى الله عليه وسلم ، ومن سيذاد عنه؟!
أما الواردون لحوضه صلى الله عليه وسلم  الشاربون منه فهم أتباعه صلى الله عليه وسلم  أهل السُّنَّة والأثر المقتفون لهديه، هؤلاء هم أولى الناس بنيل تلك المنقبة العظيمة.
أما من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردًا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم أو آذى نبي الله بسب زوجاته وصحابته كالخوارج على اختلاف فرقهم وتباين ضلالهم، وخاصة الروافض أعداء سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعداء أبي بكر وعمر وعثمان، الروافض الذين غلوا في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم  عليٍّ رضي الله عنه وأرضاه وأحدثوا ما ينكره هو عليهم – كفى الله المسلمين شرورهم ومكائدهم -، وهكذا المعتزلة، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله، وعموم جماعات الزيغ والفساد والأهواء والابتداع([32]).
اللهم انظمنا في سلك أتباع نبيك، وارزقنا من حوضه شربة نروى ونسعد بها أبدًا.
واكتب اللهم ذلك لوالدينا وذرياتنا وإخواننا المسلمين.
وصلِّ اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد.

* * *


ثالثًا: الميــزان([33])  
قال الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين[الأنبياء: 47].
والمعنى: أن الموازين يوم القيامة عدلٌ لا يظلم بها أحدٌ شيئًا. 
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «والأكثر – يعني من العلماء – على أنه ميزانٌ واحد، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه»([34]). 
وجاء النصُّ على الميزان بما يوجب الإيمان به، في قوله تعالى من سورة الأعراف: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُون[الأعراف: 8، 9].
وقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَة[القارعة: 6-11].
وحيث أن المبتدعة من الجهمية والمعتزلة وغيرهم أنكروا الميزان، وزعموا أنه عبارةٌ عن العدل، مخالفين بذلك الكتاب والسُّنَّة، نصَّ أئمة أهل السُّنَّة والجماعة على الميزان في مصنفاتهم، وأوضحوا أنه حقٌ يجب الإيمان به، كما صنع الأئمة أحمد واللالكائي وابن أبي زمنين وابن أبي عاصم وعبد القاهر البغدادي وابن بطة العكبري وابن تيمية وابن ناصرالدين وغيرهم –رحم الله الجميع-.
ومن الأدلة في ذلك - أيضًا – ما رواه الترمذي وابن ماجه([35]) وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلاً، كل سجل بمثل مدِّ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذرٌ؟ فقال: لا يا رب. فيقول: بل إنَّ لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقةٌ فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تُظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء».
وفي هذا التوحيد ما يبين فضل الإخلاص وتحقيق  التوحيد للرب سبحانه، فإن هذه البطاقة لكل مسلم، ومع ذلك فمنهم من يدخل النار لخلل في تكميلهم لها، ولكن لمَّا كان ذلك الرجل المذكور في هذا الحديث قد قام بحقوق التوحيد وحماه من شوائب الشرك عظمت بطاقته، وثقلت بتلك السجلات العظيمة.
ومن فقه الإمام العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إيراده هذا الحديث في كتاب «التوحيد» وبوَّب عليه: بيان فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب.
قال العلامة ابن القيم: الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب ([36]).
وهذا النصُّ في وزن السجلات التي يدون فيها العمل.
وجاء النص على وزن صاحب العمل كما جاء في «صحيح البخاري»([37]) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «وإنها ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا[الكهف: 105]».
وفي «مسند الإمام أحمد»([38]) عن ابن مسعود أنه كان يجنتي سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤُه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مم تضحكون؟» قالوا: يا نبي الله! من دقه ساقيه، فقال: «والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أُحُد».
ووردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها كما في «صحيح مسلم»([39]) عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان..» الحديث.
وفي «الصحيحين»([40]) – وهو خاتمة صحيح البخاري – قوله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».
فدلَّت هذه النصوص على أن الموزون يوم القيامة في الميزان قد يكون الأعمال، وقد يكون كتاب الأعمال وهي السجلات، وقد يكون فاعلها أي صاحب العمل من المكلفين، وإلى هذا نبَّه الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره([41])، والعلامة ابن أبي العز الحنفي في شرحه «العقيدة الطحاوية» السلفية([42]).
وقال سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز([43]): «الجمع بين النصوص الواردة في وزن الأعمال والعاملين والصحائف: أنه لا منافاة بينها، فالجميع يوزن، ولكن الاعتبار في الثقل والخفة يكون بالعمل نفسه لا بذات العامل ولا بالصحيفة»([44]).
قال الحافظ القرطبي رحمه الله في كتابه «التذكرة»([45]): قال العلماء: وإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لإظهار مقاديرها، ليكون الجزاء بحسبها، قال الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا[الأنبياء: 47].
وهل يكون الوزن لكل الناس: السعداء والأشقياء؟ 
هذا هو ظاهر النصوص الواردة كما اختاره الحافظ ابن كثير رحمه الله وقال: «وقد توزن أعمال السعداء وإن كانت راجحةً لإظهار شرفهم على رءوس الأشهاد، والتنويه بسعادتهم ونجاتهم، وأما الكفار فتوزن أعمالهم، وإن لم يكن لهم حسنات تنفعهم ويقابل بها كفرهم، لإظهار شقائهم وفضيحتهم، على رءوس الأشهاد»([46]). 
ومما جاء فيما يبيِّن عظم الميزان: ما رواه الحاكم في «المستدرك»([47]) عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب! لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك...» الحديث. صححه الشيخ الألباني([48]).
وبما تقدم يتبين مشهد من المشاهد التي سيوافيها الناس يوم القيامة، ألا وهو الميزان، والواجب على المسلم والمسلمة الإيمان به وفق ما جاءت به النصوص الشرعية، كما ألمحنا إلى ذلك آنفًا. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فأما الميزان المذكور في يوم القيامة فقد تواترت [به] الأحاديث وهو ظاهر القرآن([49]).
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله بعد أن أورد النصوص الواردة في الميزان: «فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال، وثبت أن الميزن له كفتان، والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات، فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم  من غير زيادةٍ ولا نقصان، ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة، كما أخبر الشارع، لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوَّال!! وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزنًا، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده، فلا أحدَ أحبُّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه»([50]).اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما كيفية تلك الموازين فهو بمنزلة كيفية سائر ما أخبرنا به من الغيب».اهـ([51]).
قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله: ونصبُ الميزان الحق يوم القيامة بين الخلق لفوائد عظيمة، وحِكَم بهية اقتضتها الحكمة الإلهية، مع علم الله العليم الخبير، بمقادير الأعمال الصغير والكبير، لا يغيب عن نظره غائب، ولا يفوته هارب، ولا يؤوده حفظ ما خلق وهو رب العرش العظيم، ولا يَعْزُبُ عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، وإنما الحكمة في وزن أعمال العباد أن ذلك لامتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، وقيل: لإظهار علامة السعادة والشقاوة يوم القيامة، وقيل: ليعرف العباد ما لهم من خير وشر، وقيل: لإقامة الحُجة عليهم، وقيل: للإعلام بأن الله جل جلاله عادلٌ لا يظلم من خلقه أحدًا متفضلٌ يُربي الحسنات لصاحبها ويضاعفها([52]).
والميزان وعرض الناس عليه أمر عظيم يذهل العقول ويفزع النفوس، يوضح هذا ما رواه أبو داود([53]) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ذكرتُ النار فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك؟» قلت: ذكرت النار، فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: «أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدًا: عند الميزان حتى يعلم أَيَخِفُّ ميزانه أم يثقل، وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه: في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذ وضع على ظهرتي جهنم [حتى يجوز]».

* * *


رابعًا: الصــراط

1- نصب الصراط على متن جهنم 
الصراط هو: الجسر المنصوب على متن جهنم حيث يمر الناس عليه. 
فبعد مفارقة الناس للموقف يمرون على ذلك الصراط، وحشرهم وحسابهم يكون قبل الصراط، فإن الصراط عليه ينجون إلى الجنة، ويسقط أهل النار فيها، كما ثبت في الأحاديث([54]).
ومما جاء من الأدلة في إثبات الصراط والمرور عليه: 
قول الله تعالى: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا  *ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: 71، 72]. 
وقد ذكر جمع من المفسرين أن المراد بهذا المرور على النار، فيصدر المؤمنون ويجاوزونها بحسب أعمالهم ويسقط فيها من لم يحمله عمله على الجواز، أما الكفار فيقحمون في النار ويكردسون فيها بعد حشرهم إليها.
قال الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية:
وقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْاأي إذا مَرَّ الخلائق كلهم على النار، وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي، بحسبهم، نجَّى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم، فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا، ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين، فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، فيُخرجون خلقًا كثيرًا قد أكلتهم النار، إلا داراتُ وجوههم – وهي مواضع السجود – وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان، ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ([55]).اهـ.
ومما جاء من الأحاديث في إثبات الصراط: 
ما رواه البخاري رحمه الله في «صحيحه»([56]) عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل في شأن الرؤية، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ويُضْرَبُ جسْرُ جهنم، فأكونُ أولَ من يُجِيز، ودعاء الرسل يومئذٍ اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قَدْرَ عِظَمِها إلا الله، ثم ينجو...» الحديث. 
وبوب عليه البخاري رحمه الله في كتاب الرقاق من صحيحه فقال: بابٌ: الصراط جسر جهنم. 
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة في وصف المرور على الصراط – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وترسل الأمانة والرحم، فتقوم على جَنبَتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمي أي شيء كالبرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كَمَرِّ الريح، ثم كَمَرِّ الطير وشد الرحال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلِّم سلِّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيئ الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا، قال: وعلى حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار»([57]).
وفي ختام هذه الفصل نأتي – أيها القارئ الكريم – على موضع العظة والعبرة التي تمثلت في أحوال السلف الصالح، حيث كانت الآخرة هي همَّهم الأول وشغلهم الشاغل فأسهرت ليلهم وعكَّرت صفو عيشهم، وعلموا ألا راحة إلا بالاستقرار في دار النعيم. 
فها هي أم المؤمنين تبكي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألها، عن بكائها حيث لم ير في ظاهر الأمر ما استدعى بكاءها، فقالت رضي الله عنها: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال «أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدًا: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حتى يجوز» رواه أبو داود([58]) وفي رواية: «الزالُّون والزَّالاَّت يومئذٍ كثير» رواها إسحاق بن راهويه([59]). 
ويروي عبد الرزاق في «مصنفه»([60]) عن قيس بن أبي حازم قال: كان عبد الله بن رواحة واضعًا رأسه في حجر امرأته، فبكى ، فبكت امرأته فقال: ما يبكيك؟ فقالت: رأيتك تبكي فبكيت. قال: إني ذكرت قول الله عز وجل: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم: 71]، فلا أدري أنجو منها أم لا؟
وروى ابن جرير الطبري أن أبا ميسرة العابد كان إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل: ما يبكيك يا أبا ميسرة؟ فقال: أُخبرنا أنَّا واردوها، ولم نُخْبر أنا صادرون عنها([61]).

* * *


2- وصف الصراط 
الصراط هو: الجسر الذي يمر عليه الناسي فوق النار؛ ليعبروا بواسطته من أرض المحشر إلى الجنة([62]).
النصوص الشرعية الدالة على وصف الصراط: 
1- أنه ممر مخوف مرعب، حتى إنه يمنع الناس من الكلام بأي شيء، إلا الرسل عليهم السلام، وكلامهم حينئذ: «اللهم سلم سلم». 
ودليل هذا ما خرجه الشيخان البخاري ومسلم([63]) عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل، عنه صلى الله عليه وسلم  قال: «... ويضرب جسر جهنم»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذٍ: اللهم سلِّم سلِّم...» الحديث.
2- ومن صفات الصراط: أنه حادٌ دقيقٌ جدًا.
يدل على هذا، قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كما في رواية مسلم([64]): «بلغني أنَّ الجسر أدق من الشَّعر وأحدٌّ من السيف».
وهذا له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم  إذ لا مجال للاجتهاد فيه لكونه من أمور الغيب.
وقد يستعظم بعض الناس هذا الأمر، ويقول: هل يعقل أن تلك الأعداد المهولة المتكاثرة من الناس تعبر على الصراط وهذه صفته؟
والجواب عن هذا: 
أن قدرة الله تعالى فوق كل شيء، فالذي أمشى عباده في الدنيا على ما هو معلوم، قادر على أن يجعل مشيهم في الآخرة على نسق آخر. 
ثم إن الآخرة لها أحكامها الخاصة بها، وهذا يدل على عظم شدة ذلك اليوم وكربه العظيمة، والمؤمن الحق يؤمن ويسلم بما دلَّت عليه النصوص الشرعية.
3- ومن صفات الصراط: أنه زَلِقٌ لا تثبت عليه الأقدام، إلاَّ من ثَبَّتَهُ الله.
دلَّ على هذا حديث أبي سعيد المذكور قريبًا، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم  سُئِلَ ما الجسر؟ فقال: «دَحْضٌ مزلة» خرجاه في «الصحيحين»([65]).
4- ومن صفات الصراط: أن عليه كلاليب وخطاطيف وحسك عظيمة تخطف من أمرت به. 
والمعنى: أن الصراط علقت به الكلاليب والخطاطيف، وقد عرَّفها العلماء بأنها الحديدة المعقوفة الرأس ليعلق بها اللحم ونحوه، أما الحسك، وهي جمع، واحدتها حَسَكةٌ وهي شوكة صُلبة معروفة. 
يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم  في وصف الصراط: «فيه خطاطيف وكلاليب وحسَك تكون بنجد فيها شويكة، يقال لها: السَّعْدان» خرجاه في «الصحيحين»([66]) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
غير أن هذه الكلاليب الخاطفة والشوك المستديرة ليست مماثلة في حجمها لما يماثلها في الدنيا، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله» رواه البخاري([67]).
5- ومن صفات الصراط: كونه يموج بمن مشى عليه، إلاَّ من ثَبَّتَهُ الله تعالى.
وهذا من لازم وصفه بالزلل والدحض، ومما يؤيد هذا الوصف ويدل عليه، ما رواه الإمام أحمد في «المسند»([68]) وغيره عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «يُحمَلُ الناس على الصراط يوم القيامة، فتقارَعُ بهم جنبتا الصراط تقارُعَ الفَرَاش في النار، فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء» الحديث.
والمعنى: أن الناس حين مرورهم على الصراط يتهافتون منه سقوطًا في النار، كما تتهافت الفراش على النور أو النار، ويتساقطون فيها إلاَّ من ثبته الله تعالى.
6- ومما جاء في وصف الصراط: أن الأمانة والرحم تُوقفان على جنبتيه يوم القيامة للشهادة على من رعاهما أو ضيعهما.
دلَّ على هذا ما رواه مسلم([69]) عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً...» الحديث.
والمعنى: أن الرحم والأمانة لعظم شأنهما، وكبير موقعهما، وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما، تصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى، وتوقفان هنالك على جنبتي الصراط للأمين والخائن، وللواصل والقاطع، فتحاجان عن المحق، وتشهدان على المبطل([70]).
وجاء في بعض النصوص ما يمكن أن يستدل به على أنَّ الصراط مظلم، وأن قبله ظلمة أيضًا، وهنالك يعطى من في ذلك الموضع نورًا بحسب إيمانه، ومما يمكن أن يستدل به على هذا ما رواه الإمام مسلم في «صحيحه»([71]) عن ثوبان رضي الله عنه أن حَبْرًا من اليهود سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ قال صلى الله عليه وسلم: «هم في الظلمة دون الجسر» الحديث.
وقد جمع الحافظ ابن رجب رحمه الله بين هذا الحديث وما خرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أين يكون الناس يوم تبدل تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ قال: «على الصراط».
قال ابن رجب: ويمكن الجمع بين الحديثين بأن الظلمة دون الجسر حكمها حكم الجسر، وفيها تقسيم الأنوار للجواز على الجسر، فقد يقع تبديل الأرض والسموات، وطي السماء من حين وقوع الناس في الظلمة، وعند ذلك إلى حال المرور على الصراط. والله أعلم. اهـ كلام العلامة ابن رجب([72]).
وبهذا أيها القارئ الكريم نكون قد بيَّنا بعض دلالات النصوص الواردة في وصف الصراط. فنسأل الله الجواز والسلام والنجاة.

* * *


3- من الذين ينصب لهم الصراط 
من هم الذين ينصب لهم الصراط؟ هل هم جميع المكلفين كفارًا ومنافقين ومسلمين؟ أم أن الكفار يُكْفَؤُونَ في جهنم ويدفعون إليها بعد حشرهم دون مرور على الصراط؟
بكل من القولين قال طائفة من أهل العلم.
وللعلامة الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تحرير وجيه في هذه المسألة حيث قال:
«واعلم أن الناس منقسمون إلى مؤمن يعبد الله وحده لا شريك به شيئًا، ومشركٍ يعبد مع الله غيره، فأما المشركون فإنهم لا يمرون على الصراط، وإنما يقعون في النار قبل وضع الصراط، ويدل على ذلك ما في «الصحيحين» عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم   قال: «يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئًا فيتبعه، فيتبع الشمس من يعبدها، ويتبع القمر من يعبد القمر، ويتبع الطواغيت من يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها»، فذكر الحديث إلى قوله: «ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزه»([73]).
وفيهما – أيضًا – عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا كان يوم القيامة أذَّن مؤذِّنٌ لِتَتْبَعْ كل أمةٍ ما كانت تعبد، فلا يبقى أحدُ كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغُبَّرِ أهل الكتاب([74])، فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرَ ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سرابٌ يحطِمُ بعضُها بعضًا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبةٍ ولا ولد، فيقال لهم: فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلاَّ من كان يعبد الله تعالى من بَرٍّ وفاجر، أتاهم ربُّ العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا – مرتين أو ثلاثًا – حتى إنَّ بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آيةٌ فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيُكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقةً واحدةً، كلما أراد أن يسجد خَرَّ على قفاه، ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم...» وذكر الحديث([75])، وعند البخاري في رواية: «ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها السراب، فيقول لليهود: ما كنتم تعبدون؟» وذكر الباقي بمعناه.
فهذا الحديث صريح في أنَّ كُلَّ من أظهر عبادة شيء سوى الله كالمسيح والعزير من أهل الكتاب فإنه يلحق بالمشركين في الوقوع في النار، قبل نصب الصراط، إلاَّ أن عبَّاد الأصنام والشمس والقمر وغيرَ ذلك من المشركين تتبع كل فرقة منهم ما كانت تعبد في الدنيا، فتردُ النار مع معبوديها أولاً، وقد دل القرآن على هذا المعنى في قوله تعالى – في شأن فرعون -: ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُود[هود: 98]، وأما من عبد المسيح والعزير من أهل الكتاب فإنهم يتخلفون مع أهل الملل المنتسبين إلى الأنبياء ثم يُردُّون في النار بعد ذلك.
وقد ورد في حديث آخر أنَّ من كان يعبد المسيح يمثل له شيطان المسيح فيتبعون، وكذلك من يعبد العزير، وفي حديث الصور أنه يمثل لهم ملك على صورة المسيح وملك على صورة العزير ولا يبقى بعد ذلك إلا من كان يعبد الله وحده في الظاهر سواءً كان صادقًا أو منافقًا من هذه وغيرها، ثم يتميز المنافقون عن المؤمنين بامتناعهم من السجود، وكذلك يمتازون عنهم بالنور الذي يقسم للمؤمنين.اهـ كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله([76]).
وتبين بما تقدم أن الأمم الكافرة تُقْحَمُ في الجحيم دون مرور على الصراط، فالصراط إنما ينصب للمؤمنين بما فيهم العصاة، وينصب أيضًا للمنافقين.
والحديث الذي أورده الحافظ ابن رجب رحمه الله هو حديث الشفاعة، وهو متضمن لكثير من الفوائد، وما ورد فيه من صفات الرب سبحانه فإنَّ مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين فيها وفيما جاء في باب الأسماء والصفات هو إثباتها للرب سبحانه كما أثبتها لنفسه وكما أثبتها له نبيُّهُ محمد صلى الله عليه وسلم  على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، كما قال سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير [الشورى: 11].

* * *


4- أول الناس جوازًا على الصراط 
البحث هنا حول مرور الناس على الصراط من جهة سرعتهم والأعمال المهيئة لذلك، والأعمال التي تسبب الحبس على الصراط. 
فأول من يُجيزُ([77]) الصراط هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  لمقامه وقدره وشرفه عليه الصلاة والسلام، وأول الأمم مُضيًّا على الصراط وجوازًا له هي أمته صلى الله عليه وسلم ، دلَّ على هذا ما ثبت في «الصحيحين» عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته» وهذا لفظ البخاري([78])، وفي لفظ آخر له – أيضًا -: «فأكون أول من يُجيزُ»([79]). وفي لفظ آخر – أيضًا -: «فأكون أنا وأمتي أوَّل من يُجِيزُها»([80]). 
أما أول الناس إجازة على الصراط، فهم فقراء المهاجرين، دلَّ على هذا ما رواه مسلم في صحيحه([81]) أن النبي صلى الله عليه وسلم  سئل: من أول الناس إجازة على الصراط؟ فقال: «فقراء المهاجرين».
أما أول زمرة تجوز الصراط وتعبره إلى الجنة ولعلك أخي القارئ الكريم قد تشوقت إلى معرفتهم وتشوفت للعلم بوصفهم، فهاك خبرهم فإن خبرهم عجيب وله شأن عظيم، حدَّث به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، إذ قال: «نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس فيدعى بالأمم بأوثانها وما كانت تعبد: الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا عز وجل بعد ذلك فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا عز وجل، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليه، قال: فيتجلَّى لهم عز وجل وهو يضحك، ويعطي كل إنسان منهم منافق ومؤمن نورًا، وتغشاه ظلمة، ثم يتبعونه معهم المنافقون على جسر جهنم، فيه كلاليب وحسك، يأخذون من شاء، [وفي رواية: تأخذ الكلاليب من شاء]، ثم يطفأ نور المنافقين وينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفًا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك حتى تحل الشفاعة...» الحديث. رواه مسلم والإمام أحمد واللفظ له([82]).
فهؤلاء هم أول الناس إجازة على الصراط يوم القيامة، فلا يحزنهم الفزع ولا يقلقهم أنهم أول الناس جوازًا، وهم سبعون ألفًا على تلك الصفة في النور عند المرور، أما حالهم ووصفهم في الدنيا وكيف كانت سيرتهم، فدونك خبرهم على لسان المعصوم صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة والسلام لمَّا أخبر عن هؤلاء السبعين ألفًا بأنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، صار ذلك حديث الناس رغبةً في اللحاق بهم، ففصل عليه الصلاة والسلام ذلك التباحث مبينًا صفاتهم فقال صلى الله عليه وسلم: «هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» رواه البخاري ومسلم([83]).
والجامع في صفات هؤلاء السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وكونهم قبل ذلك يمرون على الصراط سالمين مسلمين هو أنهم حققوا توحيد الرب سبحانه، فأخلصوا عبادتهم وأعمالهم لله وخلصوا من شوائب الشرك والبدع. 
ولو أردنا أن نقف على موضع العبرة عند هذا المبحث فإن الناظر في مدى تحقيق كثير من الناس للتوحيد فإنه يلحظ إخلالاً كبيرًا لفشو أنواع من الشرك والبدع والمعاصي في كثير من البلاد اليوم. 
وخاصة ظهور كثير من مظاهر الشرك الأصغر وتساهل الناس به ففشا وكثر في مجال الاعتقادات والأعمال والألفاظ نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين، وذلك يوجب على أهل العلم وعموم المسلمين أن يعنوا بمسائل التوحيد ويتدارسوها فيما بينهم لشدة الحاجة إلى ذلك، والله المستعان.
وبعدُ، فلنختم هذا المبحث بشيء من أخبار السلف واستعظامهم للمرور على الصراط.
فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا[مريم: 71]. بكى، ويقول: رب، أنا ممن تنجي أم ممن تذر فيها جثيًا؟! 
وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يقول لامرأته: «يا أم مسلم، شدي رحلك فليس على جسر جهنم معبر» ومراده رحمه الله حثُّها على الاستعداد للمرور على الصراط بالأعمال الصالحة إذ لا طريق غير الصراط لمجاوزة الجحيم، ولا يمكن الجواز إلا بالأعمال الصالحة([84]). 
وأنشد بعضهم:
أمامي موقفٌ قُدِّام ربي


يَسْأَلني ويَنْكَشِفُ الغِطَاءُ

وحَسْبِي أنْ أَمُرَّ على صِرَاطٍ


كَحَدِّ السَّيِفِ أسْفَلُهُ لَظَاءُ
فنسأل الله الجواد الكريم أن ينجينا من النار بفضله وكرمه، وأن يجعلنا ممن يردها سالمًا ويجوزها غانمًا وأن يحلنا دار المقامة من فضله، لا يمسنا قبل بلوغها نصب ولا لغوب. وأن يشمل بذلك والدينا والمسلمين والمسلمات.
* * *


5- تفاوت الناس في المشي على الصراط بحسب أعمالهم 
دلَّت الأحاديث الواردة في شأن الصراط على أن الناس يتفاوتون في مدى سرعتهم ونجاتهم أو هلاكهم عند المرور على جسر جهنم.
ومن ذلك ما جاء في «صحيح البخاري»([85]) رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  [في حديث طويل يصف مرور الناس على الصراط وبعض أحداث الموقف] قال: «ثم يؤتى بالجَسْر فيجعل بين ظهري جهنم» قال الصحابة: يا رسول الله! ما الجَسْر؟ قال: «مَدْحَضةٌ مَزِلَةٌ، عليه خطاطيف وكلاليب، وحسكةٌ مفلطحةٌ لها شكوكةٌ عقيفة، تكون بنجد، يقال لها: السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلَّم، وناجٍ مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يَمُرَّ آخرهم يسحب سحبًا...» إلخ الحديث.
فانقسم الناس بذلك إلى أصناف وطرائق ثلاث([86]):
الصنف الأول: ناج بلا خدش.
الثاني: هلك من أوَّل وهلة.
الثالث: متوسط بينهما، يصاب ثم ينجو.
وكل قسم منها ينقسم أقسامًا.
فالقسم الأول: وهو الناجون بلا خدوش، منهم من يمر مثل طرف العين، وهو أعلى الناس مرتبة، وأشرفهم منزلة، ومنهم السبعون ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ومنهم: من يمر كالبرق وهؤلاء كالذين قبلهم في الأعمال الكثيرة والدرجات العظيمة.
وبعدهم قسم آخر: يمرون كالريح، وهم أقل من السابقين مع عظم أعمالهم ونجاتهم.
وبعدهم قسم آخر: وهم أناس يمرون كأجاويد الخيل، وهؤلاء أقل عملاً وفوزًا ممن سبقهم.
وبعدهم قسم آخر: وهم من يمرون كأجاويد الإبل، وهؤلاء أقل ممن قبلهم أيضًا.
وأهل هذه الأقسام يتفاوتون في تقدمهم وتأخرهم بحسب أعمالهم، كتفاوت ما مُثِّلَ به.
أما الصنف الثاني: وهم الهالكون من أول وهلة.
وهؤلاء لا يُتِمُّونَ المرور على الصراط والعبور منه إلى الجنة، لأن أعمالهم لا تهيئهم لذلك، وتتنوع هلكة هؤلاء، فمنهم من يكفأ في قعر جهنم من حين خَطْوِهِ على الصراط حيث يُنَكَّس على رأسه والعياذ بالله، ومنهم الموبق المخردل الذي تقطعه كلاليب الصراط، وتقشر جلده عن لحمه، ومنهم من تقطعه كلاليب الصراط ثم لا ينجو ولا يقع في النار، نعوذ بالله من ذلك.
ومن وقع في النار من أهل التوحيد والإخلاص بسبب ذنوبه ومعاصيه فإنه يطهر في النار ثم يخرج منها كما تواترت بذلك الأحاديث([87]).
أما الصنف الثالث: فإنهم يعبرون الصراط ولكن بعد جهدٍ ومشقة.
وبعد أن يئسوا من النجاة وظنوا أنفسهم من الهالكين لعظم ما لاقوه، حتى إن منهم من «يحبو على وجهه ويديه ورجليه، يُجَرُّ بيد ويُعَلَّق بيد، ويُجَرُّ برجلٍ ويعلق برجل، وتضرب جوانبه النار، حتى يخلص».
حتى إذا نجا الواحد منهم التفت إلى النار وقال: الحمد لله الذي نجاني منك بعد أن أرانيك، لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدًا من العالمين([88]).
ودلَّت الأحاديث – أيضًا – أن مرور الناس بحسب أعمالهم وبحسب النور الذي يعطونه، واقتسامهم للنور الذي يضيء لهم الصراط هو بحسب إيمانهم وأعمالهم الصالحة، وكذلك مشيهم على الصراط في السرعة والبطء.
وهذا يشير إليه قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير[التحريم: 8].
وقوله: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم[الحديد: 12].
والثبات على الصراط والجواز عليه هو بحسب الاستقامة على دين الله وصراطه المستقيم في الدنيا، فمن استقام سيره على هذا الصراط المستقيم ظاهرًا وباطنًا استقام مشيه على ذلك الصراط المنصوب على متن جهنم، ومن لم يستقم سيره على هذا الصراط المستقيم في الدنيا بل انحرف عنه إما إلى فتنة الشبهات أو إلى فتنة الشهوات، كان اختطاف الكلاليب له على صراط جهنم بحسب اختطاب الشبهات والشهوات المحرمة له عن هذا الصراط المستقيم من دين الله وشرعه، كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «إنها تخطف الناس بحسب أعمالهم»([89]).
فالشهوات المحرمة تحبس أصحابها على الصراط وربما كردستهم على رءوسهم في الجحيم والعياذ بالله، ومن الأدلة على ذلك أيضًا:
ما رواه الإمام أحمد وأبو داود([90]) عن معاذ بن أنس الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «من حمى مؤمنًا من منافق يعيبه بعث الله تبارك وتعالى ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن بغى مؤمنًا بشيء يريد به شينه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال».
وبعد، أخي الكريم! فتلك هي عوارض المرور على جسر جهنم وما يعين على جوازه وحال كثير منا في هذه الدار هي التواني وعدم الاكتراث، أما حال السلف رحمهم الله وما أدراك ما حالهم فاسمع لشيء من حالهم:
جاء عن أبي سليمان الداراني رحمه الله أنه وصف لأخته العبور فوق النار فأقامت يومًا وليلة تبكي، وكلما ذُكر لها ذلك بكت، فقيل لأخيها في ذلك، فقال: إنها مثَّلت نفسها وهي على الجسر يتكفأ بها.
وكان أبو سليمان يقول: إذا سمعت الرجل يقول لآخر: بيني وبينك الصراط، فاعلم أنه لا يعرف الصراط ولا يدري ما هو، لو عرف الصراط أحب أن لا يتعلق بأحد ولا يتعلق به أحد([91]).
فنسأل الله الرحمن الرحيم أن ينجينا من النار بفضله وكرمه وأن يجعلنا ممن إذا ورد على النار صدر عنها ناجيًا سالمًا. إنه سبحانه سميع مجيب.
* * *


خامسًا: القنطــرة 
بحث أهل العلم هذه المسألة ضمن حديثهم عن القنطرة التي يوقف عليها المسلمون قبل دخولهم الجنة([92]).
والقنطرة في اللغة: الجسر([93])، وهي موضع يوقف فيه المؤمنون الذين جاوزوا الصراط ونجوا من النار لأجل أن يقتص لبعضهم من بعض قبل أن يدخلوا الجنة، وهذا بمثابة التطهير الكامل لقولهم عن أن يبقى فيها شيء من الغلِّ أو الحقد أو البغضاء، ومن مقتضى هذا القصاص في هذا الموضوع أن يزيل كل ما في القلوب من غلٍّ وغيره، فيصيرون بذلك متهيئين لدخول الجنة، التي قال الله عن أهلها: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين[الحجر: 47].
ثبت في «صحيح البخاري» وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا»([94]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه هذا الحديث([95]):
قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا خلص المؤمنون في النار» أي نجو من السقوط فيها بعدما جازوا على الصراط، وفي اللفظ الآخر: «إذا خلص المؤمنون من جسر جهنم».
قال الحافظ القرطبي: إن هؤلاء الذين يحبسون في القنطرة هم المؤمنون الذين علم الله أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم.
قال الحافظ ابن حجر – معقبًا على القرطبي – رحمه الله.
ولعلَّ أصحاب الأعراف منهم على القول المرجح آنفًا، وخرج من هذا صنفان من المؤمنين:
الأول: من دخل الجنة بغير حساب.
والثاني: من أوبقه عمله.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار».
قد تقدم أن الصراط جسرٌ موضوع على متن جهنم وأن الجنة وراء ذلك، فيمر عليه الناس بحسب أعمالهم، فمنهم الناجي وهو من زادت حسناته على سيئاته أو استويا أو تجاوز الله عنه، ومنهم الساقط وهو من رجحت سيئاته على حسناته إلاَّ من تجاوز الله عنه، فالساقط من الموحدين يُعذب ما شاء الله، ثم يُخرج بالشفاعة وغيرها، والناجي قد يكون عليه تبعات وله حسنات توازيها أو تزيد عليها فيؤخذ من حسناته ما يعدل تبعاته فيخلص منها. 
واختلف في القنطرة المذكورة، فقيل: هي من تتمة الصراط، وهي طرفه الذي يلي الجنة، وقيل: إنهما صراطان وبهذا الثاني جزم القرطبي([96]). 
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فيتقاصُّون مظالم كانت بينهم في الدنيا» المراد تتبع ما بينهم من المظالم وإسقاط بعضها ببعض، ولذا قال: «حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا أذن لهم بدخول الجنة» والمعنى أنهم إذا خلصوا من الآثام بمقاصة بعضها ببعض، ويشهد لهذا الحديث قوله في حديث جابر: «لا يحل لأحدٍ من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحدٍ قِبَلَه مظلمة».اهـ شرح الحافظ ابن حجر رحمه الله ملخصًا.
ولسماحة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين نفع الله به، لفتة لطيفة عند قوله صلى الله عليه وسلم: «فيقص لبعضهم من بعض» حيث قال:
«وهذا القصاص غير القصاص الأول الذي في عرصات القيامة، لأن هذا قصاصٌ أخص؛ لأجل أن يذهب الغل والحقد والبغضاء التي في قلوب الناس، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير، وذلك لأن ما في القلوب لا يزول بمجرد القصاص، فهذه القنطرة التي بين الجنة والنار، لأجل تنقية ما في القلوب، حتى يدخلوا الجنة، وليس في قلوبهم غل، كما قال الله تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين[الحجر: 47].
انتهى كلام الشيخ من «شرحه للعقيدة الواسطية»([97]) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعليقه على حديث أبي سعيد في القنطرة: «والتهذيب: التخليص، كما يُهَذَّب الذهب فيخلص من الغش، فتبين أن الجنة إنما يدخلها المؤمنون بعد التهذيب والتنقية من بقايا الذنوب فكيف بمن لم يكن له حسنات يعبر بها الصراط».اهـ([98]).
فليرجع كل مسلم ومسلمة إلى نفسه ولينظر في عمله وما قدمه وما أخَّره، ولينظر في علاقتها بالآخرين وليصلح ما بينه وبينهم حتى لا يكون له خصم يوم القيامة.
فنسأل الله الجواد الكريم أن يكتب لنا الأمن يوم الفزع الأكبر.


والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

* * *



الفهــرس
تقــدمة 5
أولاً: العرض والحساب وتطاير الصحف.. 7
ثانيًا: الحــوض.. 14
ثالثًا: الميــزان. 22
رابعًا: الصــراط. 30
1- نصب الصراط على متن جهنم 30
2- وصف الصراط. 34
3- الذين ينصب لهم الصراط. 39
4- أول الناس جوازًا على الصراط. 43
5- تفاوت الناس في المشي على الصراط. 47
خامسًا: القنطــرة 52
الفهــرس. 56

* * *


* صدر للمؤلف *
أولاً: التحقيق: 
1- «مختصر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحابه العشرة»، للحافظ عبد الغني المقدسي.
2- «تهذيب السيرة النبوية»، للعلامة النووي.
3- «شرح ستة مواضع من السيرة النبوية»، لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
4- «القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها»، لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز عبد الله بن باز.
ثانيًا: الإعداد والتأليف: 
1- «استدراك وتعقيب على الشيخ شعيب الأرنؤوط في تأويله بعض أحاديث الصفات».
2- «مقاصد أهل الحسبة والأمور الحاملة لهم على عملهم في ضوء الكتاب والسنة».
3- «أسباب تحقيق العفاف».
4- «امرأة تهفو إلى مثلها القلوب».
5- «النساء والموضة والأزياء».
6- «من أحوال الناس بعد الموت».
7- «مشاهد الاحتضار»، بالاشتراك.
8- «مسائل في عذاب القبر ونعيمه والحياة البرزخية».
9- «لطائف وفوائد من الحياة الزوجية في بيت النبوة».
10- «طهارة بيت النبوة» - دراسة لحادثة الإفك -.



[1] «تفسير ابن كثير» (3/32).
[2] رقم (6537) و (103)، و «صحيح مسلم» (2876).
[3] (7/157-158) وانظر: «فتح الباري» (11/402-403).
 [4]«صحيح البخاري» (2441)، كتاب المظالم، باب: قول الله تعالى: ﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينوشرحه في (7514)، كتاب التوحيد، باب: كلام الربِّ تعالى يوم القيامة مع الأنبياء
وغيرهم، و«صحيح مسلم» (2768)، كتاب التوبة، باب: توبة القاتل وإن كثر قتله.
[5] «تفسير ابن كثير» (4/517).
[6]  «جامع الترمذي» (2427)، كتاب صفة القيامة، باب: ما جاء في العرض، «سنن ابن ماجه» (4277)، كتاب الزهد، باب: ذكر البعث، «المسند» (4/414)، قال الترمذي: ولا يصح هذا
الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي موسى.
[7]  «فتح الباري» (11/403).
[8] المرجع السابق (11/403).
[9] «تفسير ابن كثير» (4/438-440) بتصرف يسير واختصار.
[10] «سير أعلام النبلاء» (8/413)، والبيت قبل الأخير من «شرح الطحاوية» (ص604).
[11] مع شرحها «الروضة الندية» (334) لشيخنا العلامة زيد الفياض رحمه الله.
[12] «شرح العقيدة الطحاوي» (ص277). ط التركي.
[13] (2/29).
[14] (11/467-469).
[15] «صحيح مسلم» (400)، كتاب الصلاة، باب: حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة.
[16] انظر: «شرح الطحاوية» (ص279).
[17] رقم (2435) كتاب صفة القيامة، باب: ما جاء في شأن الصراط.
[18] (6/99).
[19] رقم (6579)، كتاب الرقاق، بابٌ: في الحوض.
[20] «المسند» (9/20) رقم (6162).
[21] رقم (2300)، كتاب الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم  وصفاته.
[22] أيلة – بالفتح -: مدينةٌ على ساحل بحر القُلْزُم [الأحمر] مما يلي الشام. انظر: «معجم
البلدان» (1/292) للحموي.
[23] «البخاري» (6585)، كتاب الرقاق، باب: في الحوض، «مسلم» (247)، كتاب الطهارة،
باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.
[24] (ص280، 281).
[25] انظر: «فتح الباري» (11/472)، و «المفهم» (6/95)، و «التذكرة» (ص370، 37).
[26] انظر: «التذكرة» (ص371).
[27] انظر: «زاد المعاد» (3/683)، و «التذكرة» (ص368).
[28] «الجامع» (3/299-300) رقم (2445) صفة القيامة، باب: ما جاء في صفة الحوض.
[29] في سنده علل ثلاث: الأولى: الإرسال. الثانية: عنعنة الحسن البصري، فإنه كان مدلسًا
ولاسيما عن سمرة. والثالثة: سعيد بن بشير – وهو الأزدي – مولاهم. ضعيف كما قال في
«التقريب». وانظر ما يأتي من كلام الشيخ الألباني.
[30] رقم (1589) (4/120).
[31] (11/467).
[32] انظر: «التذكرة» (ص373).
[33] ينظر: «العقيدة الواسطية» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشرحها لشيخنا العلامة زيد
الفياض رحمه الله (ص324) وما بعدها. وينظر أيضًا: «منهج السلامة في ميزان القيامة» للحافظ ابن
ناصر الدين الدمشقي، المتوفى عام 842هـ رحمه الله بتحقيق الشيخ مشعل بن باني
الجبرين المطيري، ط دار ابن حزم 1416هـ.
[34] «تفسير ابن كثير» (3/200)، ط السلام.
[35] «جامع الترمذي» (2639)، كتاب الإيمان، باب: ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله
إلا الله، «سنن ابن ماجه» (4300)، كتاب الزهد، باب: ما يُرجى من رحمة الله عز وجل يوم القيامة.
وهو حديثٌ صحيح.
[36] انظر: «مدارج السالكين» (1/33).
[37] رقم (4729)، كتاب التفسير، بابٌ ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا، ورواه مسلم (2785) أيضًا، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
[38] «المسند» (1/420)، وجوَّد سنده الحافظ ابن كثير في «النهاية» (2/96).
[39] رقم (223)، كتاب الطهارة، باب: فضل الوضوء.
[40] «صحيح البخاري» (6406) و (6687) و (7563)، كتاب التوحيد، باب: قول الله
تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وأنَّ أعمال بني آدم وقولهم يوزن، و«صحيح مسلم» (2694)، كتاب الذكر والدعاء، باب: فضل التهليل والتسبيح.
[41] (2/22) .
[42] (ص609-611).
[43] بينما كنت أصحح طباعة هذه الرسالة فجعت أمة الإسلام بوفاة شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز
في هذا العام 1420هـ، فجر يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم بمدينة الطائف وله من العمر
تسعة وثمانون عامًا. فنسأل الله له الرحمة وأن يُحله الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يخلف على الأمة
فيه خيرًا، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
[44] تعليق سماحته رحمه الله على «العقيدة الواسطية» بشرح الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه
الله (ص71).
[45] (ص377) .
[46] «النهاية» (2/130)، وقارن بذلك «مجموع الفتاوى» (6/486) حيث نبَّه شيخ الإسلام إلى
وقوع الخلاف في حساب الكفار ثم وضَّح الإشكال بحسب الاعتبار من جهة  الإحاطة بالأعمال
وكتابتها أو وزن الحسنات والسيئات.. إلخ. وينظر أيضًا: «الفصل في الملل والأهواء والنحل» (3/
65) لأبي محمد بن حزم، و «تفسير القرطبي» (11/66).
[47] (4/58) .
[48] «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (2/656) رقم (941).
[49] «النهاية» (2/130).
[50] «شرح الطحاوية» (ص613).
[51] «مجموع الفتاوى» (4/302).
[52] «منهاج السلامة في ميزان القيامة» (ص119-120) بتحقيق الشيخ مشعل بن باني الجبرين
المطيري.
[53] «سنن أبي داود» (4755) في السنة: باب ذكر الميزان.
[54] ينظر: «مختصر فتاوى ابن تيمية» (ص202)، و «الروضة الندية» لشيخنا العلامة زيد الفياض
رحمه الله (ص340).
[55] ينظر «تفسير ابن كثير» (5/256-257) ط سامي السلامة.
[56] رقم (6573) .
[57] «صحيح مسلم» رقم (195)، كتاب الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلةً فيها.
[58] «سنن أبي داود» (4755) كتاب السنة، باب: ذكر الميزان.
[59] «المسند» رقم (1349).
[60] (2/11)
[61] «جامع البيان» (16/110) ط الحلبي.
[62] ينظر: «شرح الطحاوية» (ص605)، و«الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية» (ص340)
لشيخنا العلامة زيد بن عبد العزيز الفياض رحمه الله ط- دار الوطن 1414هـ.
[63] «صحيح البخاري» (6573)، كتاب الرقاق، بابٌ: الصراط جسر جهنم، «صحيح مسلم»
182)، كتاب الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية.
[64] رقم (183)، كتاب الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية.
[65]«صحيح البخاري» (6573)، «صحيح مسلم» (182)، وقد تقدم قريبًا.
[66] «صحيح البخاري» (6573)، «صحيح مسلم» (182). وقد تقدم.
[67] «صحيح البخاري» (6573).
[68] «المسند» (5/43).
[69] «صحيح مسلم» (195)، كتاب الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلةً فيها.
[70] ينظر: «فتح الباري» (11/453).
[71] رقم (315) كتاب الحيض، باب: بيان صفة منيِّ الرجل والمرأة وأن الولد مخلوقٌ منهما.
[72] «التخويف من النار» (ص235). ط دار البيان.
[73] «صحيح مسلم» (194)، كتاب الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلةً فيها.
[74] أي: بقاياهم.
[75] «صحيح البخاري» (7439) كتاب التوحيد، باب: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، «صحيح
مسلم» (183)، كتاب الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية.
[76] «التخويف من النار» (ص235-238)، ط دار البيان.
[77] «شرح صحيح مسلم للنووي» (1/430) حيث ضبطها بضم الياء وكسر الجيم.
[78] رقم (806) كتاب الأذان، باب: فضل السجود، «صحيح مسلم» (182)، كتاب الإيمان،
باب: معرفة طريق الرؤية.
[79] رقم (6573) كتاب الرقاق: باب الصراط جسر جهنم.
[80] رقم (7437) كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
.
[81] (1/252) كتاب الحيض، باب: بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما.
رقم (315).
[82] «صحيح مسلم» (1/177) رقم (199)، كتاب الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلةً فيها،
«المسند» (3/345) رقم (14763). وانظر كلام الحافظ ابن رجب في «التخويف من النار» في
توجيه رواية مسلم عند اللفظة الغربية (على كذا وكذا انظر أي ذلك).
[83] «صحيح البخاري» رقم (6541) كتاب الرقاق: باب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب،
«صحيح مسلم» رقم (420) في الإيمان: باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير
حساب.
[84] ينظر: «التخويف من النار» (ص241-242) للحافظ ابن رجب.
[85] رقم (7439) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة
[القيامة: 22، 23].
[86] ذكر هذا التقسيم ابن أبي جمرة الأندلسي، المتوفى سنة 699هـ رحمه الله في كتابه: «بهجة
النفوس» (2/29) وهو تعليقات على أحاديث من «صحيح البخاري» ونقله عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (11/454).
[87] ينظر: «شرح العقيدة الطحاوية» (ص524) وما بعدها للعلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله،
ط د. التركي، و«الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية» (ص345-351) لشيخنا العلامة زيد
الفياض رحمه الله.
[88] ينظر: «فتح الباري» (11/454) وما بعدها، للحافظ ابن حجر، و «فتح الباري» (5/106)
للحافظ ابن رجب، و «الحياة الآخرة» (3/1255-1256) للشيخ غالب
عواجي، و «شرح سنن ابن ماجه» (4/508) للسندي.
[89] ينظر: «التخويف من النار» (ص240، 243).
[90] «المسند» (3/441) رقم (15687)، «سنن أبي داود» (4883)، وحسَّنه الشيخ العلامة
الألباني.
[91] ينظر: «التخويف من النار» (ص241).
[92] ينظر: «العقيدة الواسطية» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشرحها: «الروضة الندية» (ص340) لشيخنا العلامة زيد الفياض رحمه الله.
[93] انظر: «القاموس المحيط»، و «لسان العرب».
[94] «صحيح البخاري» (2440) كتاب المظالم، باب: قصاص المظالم، وبرقم (6535) في
كتاب الرقاق، باب: القصاص يوم القيامة.
[95] ينظر: «فتح الباري» (11/397)، (5/96).
 [96]ومال إليه الحافظ ابن حجر أيضًا (5/96).
[97] (2/162-164) دار ابن الجوزي بتحقيق سعد بن فواز الصميل.
[98] «مجموع الفتاوى» (14/345) (رسالة الحسنة والسيئة).
 تم النشر يوم  الأربعاء، 6 فبراير 2013 ' الساعة  10:55 ص


 
Toggle Footer