الأربعاء، 28 مايو 2014

فساد الأسواق 

مراد باخريصة

عباد الله:
إننا نعيش واقعاً مريراً وفساداً عظيماً في كافة الجوانب وعلى مختلف المجالات والأصعدة إلا أن هناك نوعاً من الفساد مسكوتاً عنه، وقلما يتكلم أحد فيه لأننا نعيش في أوساطه ونرتمي في أحضان مستنقعاته:
إنه فساد الواقع وكثرة الخبث وشيوع الفساد الاجتماعي والأخلاقي وتزايد المنكرات والرذائل في أوساط مجتمعنا الملتزم المحافظ.

إنه فساد القيم الأخلاقية وسقوط كثير من الآداب الاجتماعية وذهاب المروءة وقلة الحياء إلا ما رحم الله وارتفاع معدلات الجرائم والموبقات واعتياد الناس وإلفهم لكثير من الفواحش التي أصبحت بسيطة سهلة في أنظارنا بسبب كثرة مشاهدتنا لها.

فلا حياء من مشاهدة الأفلام الخليعة ورؤية المسلسلات المثيرة ومشاهدة المقاطع الجنسية.

ولا حياء عند كثير من الأولاد والفتيات في لبس الألبسة الفاضحة المخزية والتفاخر بها واعتبارها نوعاً من التحضر والتقدم.

ولا حياء من استخدام الألفاظ السوقية والكلمات اللوطية والعبارات القذرة أمام الناس في وسط الشوارع.

ولا حياء لدى بعضهم من المجاهرة بالمعاصي وتحديث الناس بما يرتكب ويفعل من الأفعال السيئة والتصرفات الغير لائقة.

ولا حياء عند بعضهم من التعالي على الله سبحانه وتعالى وسب ذاته الشريفة تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

هذا كله يقع في واقعنا وهذه أمور تدور في أوساطنا وتعيش بيننا أما لو ذهبنا قليلاً إلى أسواقنا وحدائقنا ومنتزهاتنا فهناك ما هو أشد وأمر وأقذر وأخطر هناك ما يحترق منه الفؤاد وتتألم من مشاهدته الأكباد هناك بلاء عظيم وفساد عريض وشر مستطير ولا حول ولا قوة إلا بالله.

شباب يتجرؤون على القيام بأفعال قذرة وتصرفات سيئة لا نتوقع أبداً أن يقوموا بها أو يفعلوها ومن آخر ما سمعنا وليس بآخر قيام بعضهم بكتابة رقمه على قطع صغيرة لاصقة والتجرؤ على لصقها في عباءات البنات عند مرورهن عندهم وعبورهن بجانبهم.

وقيام بعضهن بمعاكسة الشباب والبحث عنهم واللهث وراءهم مع أن الأصل هو العكس وهو تنقيب الشباب عن الفتيات وبحثهم عن الفاتنات ولكن الحاصل اليوم هو أن الفتيات يبحثن عن الشباب والمراهقين.

هناك بنات مبتلَيات بمضغ القات يتم مشاهدتهن كثيراً في بعض الأماكن البعيدة عن الأنظار ويخرجن إلى السواحل المهجورة التي لا يأتي الناس في الغالب إليها ويجتمعن فيها على التخزين والتدخين ابتعاداً من الحرج وكلام النساء عليهن وبعضهن متجرئات تمضغ القات في بيتها مع زوجها وأمام أولادها.

أما القهر وقاصمة الظهر فهي الأسواق التي هي أبغض الأماكن إلى الله كما أخبر بذلك المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا».

هناك حدث ولا حرج عن فساد الأخلاق وغياب الحياء وتدمير القيم وذهاب الدين وطمس الفضيلة واغتيال الحشمة.

نساء فاتنات وبنات قاصرات يكثرن التردد على بعض المحلات ويتكررن بشكل شبه يومي على بعض الأماكن لحاجة أو لغير حاجة لهدف التعريف بأنفسهن والتعرف على من تتردد عليهم وإقامة العلاقات معهم حتى أصبحوا يعرفون أسمائهن وأرقامهن والمعلومات الخاصة عنهن ويعرف أنها فلانة بمجرد رؤيتها من بعيد من كثرة مجيئها وترددها عليه.

بل بعضهن لا تتردد في عرض نفسها على هؤلاء وتطلب منهم بعض الطلبات القذرة خاصة إذا أعجبت به أو وثقت فيه.

كما أنهن يتحدثن مع بعض الباعة داخل المحل وكأنه زوجها وتضحك معه وتمازحه وتأتي له بالكلمات العاطفية والأساليب المبهرة وتتعطف أمامه وتتزلف له وتتكسر عنده وكأنها في غرفتها الخاصة وليست في السوق يراها الناس ويسمع كلماتها كل من كان في المحل.

من يصدق أنه يوجد في بعض محلات بيع العباءات وعند بعض أصحاب التطريز والخياطة من تطلب من صاحب المحل أن يُقدر عليها هذا الثوب أو العباءة أو البالطو ويقف خلفها مباشرة ويضع العباءة على أكتافها ويلامس جسدها ويضع يده على بعض المواضع الحساسة من جسمها وهي عادية جداً وكأن من يقدره عليها امرأة وليس رجل أجنبي بل وفي كثير من الأحيان يكون من الباعة الذين هم من خارج البلد والمصيبة أنهم يتعذرون بأنهن هن من يطلبن ذلك أو يطلب منها أن يقدر هذا اللباس عليها فتوافق بكل سرور وانبساط.

وبعضهم خبير في هذا الفن والإجرام فإذا رأى صاحبتها تُقدر هذا الثوب عليها قال لها أنتي لا تعرفين تقدرين وليس هكذا يُقدّرون وقام هو ليقدر فتتحرج منه وتتركه وبعضهن تنهره ولا تسمح له.

وتبلغ الجرأة ببعضهن أنها مباشرة حين تدخل عنده تطلب منه آخر عرض من الألبسة المغرية الجذابة وتصرح له أنها تريد اللباس الذي يلفت أنظار الشباب إليها ويجعلهم يعجبون بها وتقول له أنها فتاة متحررة وبنت غير مطوعة فيعطيها من الألبسة اللامعة والعباءات الخفيفة والبراقع الفتانة والأقمشة المطرزة والضيقة التي غالباً ما تصف وتشف وتخالف المقاييس الشرعية للحجاب الشرعي الصحيح وكأنها تريد عباءة تلبسها لا لغرض الاستتار بها وإنما لغرض التزين بها وإظهار الفتنة وشيوع الفاحشة بلبسها ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].

أما في محلات الجوالات فقل ما شئت وتحدث بما أردت وكل ما قلت فهو موجود وواقع.. والله المستعان.

فهذه تطلب الرقم الخاص لشخص معين في المحل لغرض التواصل معه وأخرى تكتب على جوالها رسالة حب وعشق وتُسلم الجوال له ليقرأها ويطلع عليها والثالثة تأتي بالجوال لغرض التصليح وعليه الذاكرة وفيها صورها الخاصة ومقاطع خاصة ببعض المناسبات الخاصة فتتركه عنده إما سذاجة أو تعمداً.

أو تطلب منه صوراً أو أغاني ليضعها لها في ذاكرتها وتسلمه الجوال ليضع فيه ما تريد ويكون فيه غالبا صور أو أشياء خاصة  مما يُسهل عليه نسخها لو أراد.

أو تبيع الجوال له دون أن تقوم بمسح الأرقام والصور منه وغيرها وغيرها من التصرفات القبيحة التي لا تليق والتي تدل على الانفلات الكبير والسقوط المدوي.

وكان من المفترض أن لا تخرج المرأة بنفسها ومفردها إليه خاصة إذا كانت لا تفهم شيئاً في هذه الأمور ومن الواجب على كل شخص أن لا يضع أي شيء خاص على جواله يخشى عليه من الظهور والانتشار كالصور الخاصة مثلاً.

بل لا يليق بمن عنده إيمان وحياء أن يصور النساء بالجوال تحت أي مبرر كان فإنه حتى لو مسح هذه الصور وباع الجوال فإن باستطاعتهم إعادتها عبر برامج خاصة لاستعادة المحذوفات من الذاكرة بعد مسحها منها.

وكم وكم سنتكلم يا عباد الله نسأل الله لنا ولكم ولمجتمعنا الستر والعفاف.

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41].

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 27، 28].

الخطبة الثانية
عباد الله:
هذا غيظ من فيض وهناك أشياء كثيرة وقصص غريبة أعرضت عن ذكرها خشية الإطالة والواجب علينا جميعاً كآباء وأولياء أمور أن نكون على قدر المسئولية وفي أتم اليقظة وأن يكون أهلنا ومن ولانا الله المسئولية عليهم تحت رقابتنا وأن يكون خروجهم خارج البيت بوجودنا وتحت إشرافنا.

وأن لا نسمح للنساء والأطفال الصغار بالقيام ببعض الأشياء التي ربما تخفى عليهن أو يتم الضحك عليهن فيها كشراء الجوالات أو إضافة المقاطع والصور إلى الذواكر وأن لا نسمح لهن أبداً بالخروج بالألبسة الفاتنة التي تكشف جمالها وتجعل الناس ينظرون إليها كالعباءات الضيقة والنقاب القصيرة والبالطوات الخفيفة.

إن المصيبة كل المصيبة حينما تكون الكلمة في البيت للنساء وليس للرجال والتصرف لها وليس له فيراها تعمل وتفعل وتلبس وهو ساكت أخرس لا يستطيع الإنكار عليها ولا يجرؤ على الاعتراض عليها.

أو أنه ديوث يرى الخبث في أهله فيقره ويـراه أمراً حضارياً عادياً فكل الناس في نظره على هكذا ونسائه وأولاده مثل الناس فلماذا يعترض أو يعارض إن لم يكن هو من يشجعهم على ذلك ويحثهم على شرائها والله المستعان.

إن واجبنا عظيم تجاه هذا الفساد المستشري والشر المنتشر وكل واحد منا مسئول عن بيته وأهله فليؤد الأمانة وليبلغ المسئولية فإن الله سبحانه وتعالى سائله عما استرعاه.

كما أن علينا جميعاً أن نتناصح فيما بيننا لو رأى بعضنا من بعض خطأ ولو أن نتناصح بشكل غير مباشر عبر اتصال من محل أو رسالة جوال غير معروفة المصدر إذا تيقنا من وجود الخطأ.

كما أحث أهل الغيرة والفضيلة أن يقوموا بنشر الوعي بين الناس في ذلك بالوسائل المختلفة والأساليب المتنوعة والطرق المباشرة وغير المباشرة ومن ذلك أن يقوموا بنشر اللوحات التثقيفية والعبارات التوعوية والبنرات الدعوية وكتابتها بخط عريض وواضح ثم توضع في الأماكن التي تنتشر فيها مثل هذه البلايا فربما يقرأ أحد هذه العبارة فيستفيد منها أو يتأثر بما فيها.

يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 116].

ويقول: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164].



يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
 تم النشر يوم  الأربعاء، 28 مايو 2014 ' الساعة  2:56 م


 
Toggle Footer