حسن الثواب والمآب
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
الحمد لله الغني الحميد، العزيز المجيد؛ خالق الخلق، وباسط الرزق، ومالك الملك، ومدبر الأمر، نحمده كما ينبغي له أن يحمد، ونشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وفق من شاء من عباده لما يرضيه فكان عملهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بشرنا وأنذرنا، وعلى الخير دلنا وأرشدنا، ومن الشر نفرنا وحذرنا، فهو الناصح المبين، والصدوق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن تقوى الله تعالى منجاة من الفتن، وعون في الشدائد والمحن، وهي ترس المؤمن، يقي بها دينه أن ينهش، ويحفظ بها إيمانه أن ينتقص، وأهل التقوى محفوظون بحفظ الله تعالى لهم ﴿ وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزُّمر:61].
أيها الناس: يرتبط حسن المآب بحسن الثواب، وحسن الثواب مرتبط بحسن العمل. فمن أحسن عملا نال ثواب حسنا، فتبوأ مقعدا حسنا، وكان مآبه حسنا.
ومن تأمل القرآن الكريم وجد الترابط المتين، والصلة الوثيقة بين حسن العمل وحسن الثواب وحسن المآب. وماذا يريد العبد بعد موته إلا أن يكون ثوابه حسنا، وأن يئوب إلى مآب حسن؟!!
والحُسن: عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه. والحسنة كل ما يسر من نعمة تنال الإنسان. وإذا كانت نعمة أبدية كحسنة الآخرة فلا حسنة تعدلها مهما كانت!! فكيف إذا جمعت بين الأبدية والخيرية أو الأفضلية ﴿ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى:17].
إن الدنيا فيها حسن، لكن حسنها مكدر بأوصابها ومصائبها فهو حُسن غير خالص، وهو أيضا ليس باقيا على الدوام، فمن أخذ حسنها وسخره للحسن التام الدائم نال حسن الثواب، وحظي بحسن المآب؛ وذلك لا يكون إلا بحسن العمل.
والقرآن يحثنا كثيرا على حسن العمل لنيل حسن الثواب وحسن المآب؛ ففي الأقوال ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة:83] ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء:53] وفي الاستماع ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ﴾ [الزُّمر:18] وفي الإنفاق ﴿ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [المزمل:20] ولا يكون قرضا حسنا إن كان من حرام فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وفي الجهاد ﴿ وَلِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ﴾ [الأنفال:17] وفي بذل الجاه ﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ﴾ [النساء:85] وفي الدعاء ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ ﴾ [البقرة:201-202] وفي عموم العمل ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود:7].
وأهل العمل الصالح مبشرون بالأجر الحسن الدائم ﴿ وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 2-3].
وهم مبشرون بوعد حسن ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ ﴾ [القصص:61].
وأهل الهجرة والجهاد موعودون بالرزق الحسن، ويا له من رزق يرزقهم الله تعالى إياه ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [الحج:58-59] فا للهم ارزقنا رزقا حسنا، وأدخلنا مدخلا نرضاه يا رب العالمين.
ومن كرم الله تعالى وجوده على عباده المؤمنين أنه يزيد إحسانهم إحسانا، ويبارك ثوابه، ويعظم أجره، وينمي أثره؛ حتى يكون شيئا عظيما لا يخطر على بال صاحبه ﴿ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:40] وفي آية أخرى ﴿ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [الشُّورى:23].
ومن كرمه سبحانه أنه يعامل أهل الإيمان والعمل الصالح أحسن معاملة، فيجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون، مع أنهم عملوا مباحات وعملوا مكروهات، وربما وقعوا في شيء من المحرمات، لكن الله تعالى لم يجزهم بها، وإنما جزاهم بِحُسن عملهم بل بأحسنه ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97] وفي آية أخرى ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور:38] ولما كان عملهم الصالح غالبا عليهم فإنهم به وبإيمانهم كفرت عنهم سيئاتهم مع جزائهم بأحسن ما عملوا ﴿ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الزمر: 35].
فبالله عليكم من يفرط في الاعتقاد الحسن والقول الحسن والعمل الحسن، والخلق الحسن، وكل شيء حسن، والله تعالى يجزيه بأحسن ما عمل، فيعطيه أحسن الثواب، ويبلغه أحسن المآب؟! والله لو أن الناس فرغوا حياتهم كلها لتلمس العمل الحسن لما كان كثيرا في مقابل جزائهم، فكيف والله تعالى يريد منهم بعض أوقاتهم لا كلها، ليعملوا فيها عملا حسنا يبلغهم موعوده سبحانه وتعالى.
إن أهل الإيمان والعمل الصالح لما أحسنوا العمل وعدوا بالرزق الحسن ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقًا ﴾ [الطَّلاق:11].
ووعدوا بالثواب الحسن ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران:195].
وهو خير ثواب وخير أمل يؤمله الإنسان منذ ولد إلى أن يموت ويلقى الله تعالى ﴿ المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف:46].
ولما كان لهم حسن العمل وحسن الثواب كان لهم ولا بد حسن المرد والمآب ﴿ وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴾ [مريم:76] وذكر الله تعالى كل متع الدنيا وشهواتها وملذاتها ومحاسنها وأنفس شيء فيها، يختلف الناس لأجله، ويقتتلون عليه، وتفنى أعمارهم في تحصيله، ثم ذيل ذلك كله بأن حسن المآب عنده سبحانه، وأنه يرجح بكل ملذات الدنيا مهما عظمت وأزهرت وازدانت في أعين الناس، فاسمعوا عباد الله وتدبروا وتأملوا ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآَبِ ﴾ [آل عمران:14].
يا له من مآب عند الله تعالى قد وصف بالحسن في جوار الرحمن سبحانه، ومن حسنه ما جاء في الآية التالية ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ ﴾ [آل عمران:15] ومن هم المستحقون لهذا المآب الحسن؟!
إنهم ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقَانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 16-17].
إنهم يحظون بحسن الآخرة على إحسانهم في الدنيا ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِينَ ﴾ [النحل:30].
وليس ذلك فحسب بل يزيدهم الله تعالى فضلا منه وكرما النظر إلى وجه الكريم ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس:26].
وعلة ذلك في قول الله تعالى ﴿ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ ﴾ [الرَّحمن: 60] فإن للمحسنين منزلة خاصة عند الله تعالى، وهم من يأتون من الأقوال والأعمال أحسنها.. خذوا بعضا مما قال الله تعالى فيهم في آيات كثيرة جدا ﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 58] ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195] ﴿ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 148] ﴿ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 85] ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56] ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120] ﴿ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37] ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69] ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 34] ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المرسلات: 43-44]
فا للهم اهدنا لأحسن القصد وأحسن القول وأحسن العمل، ومُنَّ علينا بالحسنى وزيادة، واكتب لنا حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، واجعلنا من المحسنين. يا رب العالمين.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده فله الحمد في الآخرة والأُولى، ونستغفره لذنوبنا فمن يغفر الذنوب إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأحسنوا العمل في الدنيا لتنالوا حسنة الآخرة، فيكون لكم حسن الثواب وحسن المآب ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 30-31].
أيها المسلمون: لقد خصنا الله تعالى بأحسن دين ﴿ صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ﴾ [البقرة: 138] ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النساء: 125] واختصنا بأحسن كتاب ﴿ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزُّمر: 23] وضمن هذا الكتاب أحسن القصص للعبرة والعظة، والاقتداء بالمحسنين، ومجانبة طرق المسيئين ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3] واختصنا بأحسن شريعة يتحاكم الناس إليها ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].
فمن دان بأحسن دين، والتزم أحسن شريعة، وقرأ أحسن كتاب فتدبره وعمل بما فيه، واعتبر بأحسن القصص، وقبل أحسن حكم وهو حكم الله تعالى كان في الدنيا من المحسنين، فحظي بحسن الثواب وحسن المآب، وكان له في الجنة خيرات حسان.
وجماع ذلك أن يحسن ما بينه وبين الله تعالى ولو غضب الناس عليه؛ فإن رضا الله تعالى عنده فوق رضاهم، فيوالي أولياء الله تعالى، ويعادي أعداءه، ويحب فيه، ويبغض فيه. ويحسن لخلق الله تعالى، فيبتدرهم بالإحسان، ويقابل إساءتهم بالإحسان، مخلصا لله تعالى في إحسانه كله، متابعا هدي النبي عليه الصلاة والسلام، فمن فعل ذلك كان محسنا ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 16].
وصلوا وسلموا على نبيكم...
تم النشر يوم
الأربعاء، 21 أغسطس 2013 ' الساعة