الأحد، 28 يوليو 2013

الإيمان درجات والنفاق دركات 


خميس النقيب



خلَق الله المؤمنَ ليكون في المرتبة الأعلى وفي المكانة الأعلى، ولا يكون في المرتبة التالية، أو المكانة الدونيَّة، لا يكون تابعًا؛ وإنما يكون متبوعًا، يكون قائدًا ولا يكون مَقودًا، لماذا؟ إنه ينتمي إلى أمة عريضة، أمة الأفضلية، ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]، وأمة الخيرية ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، وأمة الفوقية؛ ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141]، نعم؛ لن يجعل الله الغلبةَ والقهرَ للكافرين على المؤمنين، إنه وعْد مِن الله قاطعٌ، وحُكْم من الله جامع، متى استقرَّت حقيقة الإيمان في نفوس المؤمنين، وتمثَّلت في واقع حياتهم، تجردًا لله، ومنهجًا للحياة، ونظامًا للحكم، وزادًا للآخرة، في القوة والضعف، في الفقر والغنى، في العسر واليسر، ارتقَت الأمة إلى مكانتِها المستحقَّة؛ ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، أنتم الأعْلَون فلا تحزنوا، وأنتم الأعلون فلا تَهِنوا، أنتم الأعلون إذا حقَّقتم شروط الإيمان، والمسلم يتقلَّب بين الخوف والرجاء، والترهيب والترغيب، والوعد والوعيد؛ لذلك عليه أن يجعل دنياه مزرعةً لآخرته، فيعمل لمعاده كما يَعمل لمعاشِه، ويعمل لغدِه كما يعمل ليومه، ويعمل لآخرته كما يعمل لدنياه، هكذا يوجِّه الله عبادَه في القرآن الذي نزل مِن عَلُ! مِن فوق سبعِ سموات!

والمؤمن في الجنة يرجو كذلك الفردوس الأعلى (أعلى الدرجات)، ثبَت عن أنس بن مالك أن حارثة بن سراقة قُتِل يوم بدر، وكان في النظارة أصابه سهمٌ طائش فقتله، فجاءت أمه فقالت: يا رسول الله، إن كان في الجنة صبرتُ، وإلا فليرينَّ الله ما أصنع - تعني من النياحة - وكانت لم تُحرَّم بعد! فقال لها الرسول الكريم: ((ويحك أَهَبِلْتِ؟، إنها جنان ثَمانٍ، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)).

وفي قصة موسى - عليه السلام -: ﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ﴾ [طه: 68]، لا تخفْ إنك أنت الأعلى؛ فمعك الحق ومعهم الباطل، معك العقيدة ومعهم الحرفة، معك الإيمان بصدق ما أنتَ عليه، ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة، أنت مُتَّصِل بالقوة الكبرى، وهم يخدُمون مخلوقًا بشريًّا فانيًا، مهما يكن طاغية جبارًا لا تخَف.

طريق القمة ليس مفروشًا بالورود، لكنه يَصِل بالسالكين إلى أجمل الورود، وأزكى الرياحين، وأنضج البساتين، على جَنَباته أنوار، وفي طيَّاته إيمان وأسرار، طريق إلى السموِّ والعُلو، على مرتاديه أن يُغيِّروا ما بأنفسهم؛ حتى يُغيِّر الله ما بهم، ويَحفظوا ربهم فيحفظهم، ويدعوه فيستجيب لهم، ويسألوه فيُعطيهم، أن يَصبروا ويُصابروا ويُرابطوا فيصلوا إلى بغيتهم، إنه طريق الواثقين المتقين: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

أما المنافقون، فهم في الدنيا مُتسلِّقون ومُخادِعون: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142]، حيثيات الخداع: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]، وعوامل الفسق: التسفُّل والانحطاط ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67]، لا يتقدَّمون المؤمنين أبدًا، ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13]، إنهم في الآخرة سافلون، لهم في جهنم دركات، ليست كدرجات المؤمنين في الجنة، كيف؟ ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 145].

عزيزي القارئ، اخترْ طريقَك من الآن: درجات أم دركات؟! اللهم نسألك الإسلام والإيمان والإحسان، ونعوذ بك من النفاقِ والشِّقاق وسوء الأخلاق.


شبكة الألوكة
 تم النشر يوم  الأحد، 28 يوليو 2013 ' الساعة  12:40 م


 
Toggle Footer