السبت، 20 يوليو 2013

تفسير قوله تعالى

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا

 


أبو الحسن هشام المحجوبي و وديع الراضي


بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:
قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا [البقرة: 256]، أي من يجتنب عبادة غير الله ويحقق العبودية لله فقد عمل بلا إله إلا الله التي تعد حبل النجاة من النار. فالكفر بالطاغوت هو نفي استحقاق العبادة عن غير الله وجهاد وبُغض الكفر به والشرك به ومعصيته وأعدائه سبحانه. قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ [الزخرف: 26] وفي قراءة سبعية ﴿ إِنَّنِي بَريءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾. وقال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4]. ويَدخل في الكفر بالطاغوت دعوة الناس إلى التوحيد والإخلاص وترغيبهم فيه وتحذيرهم من مغبة الكفر والشرك والانحراف. ويدخل فيه أيضا جهاد الكفر وأوليائه إن توفرت الشروط الشرعية المبيّنَة في كتب العقيدة والفقه.

وأما الطاغوت فهو لغة المجاوز لحده، وشرعا هو كل من جاوز حده من معبود أو متبوع أو مطاع برضاه، وبمعنى آخر هو كل من شارك الله في حقه على العباد الذي هو العبادة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا". ولابد أن يتوفر في الطاغوت الرضى بصرف العبادة له. فالأنبياء والملائكة والصالحون عُبدوا مع الله بغير رضاهم، لذلك لا يدخلون في الطواغيت.

ورؤوس الطواغيت خمسة:
الرأس الأول: الشيطان: فهو الداعي الأول للكفر بالله والشرك به ومعصيته. وكل شر في الأرض فهو سببه، قال تعالى على لسان إبليس اللعين: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82، 83].

الرأس الثاني: كل من دعا الناس لعبادة نفسه: كفرعون والنمرود، قال سبحانه: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38].

الرأس الثالث: كل من عُبد مع الله ورضي وسكت: كبعض غلاة شيوخ الطرق الصوفية. فسكوتهم إقرار منهم بعبادتهم مع الله. قال بعض أهل العلم: "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

الرأس الرابع: كل من ادعى علم الغيب: كالسحرة والكهنة ومدعي النبوة، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".

الرأس الخامس: الحاكم الذي يستحل الحكم بغير ما أنزل الله، قال الله تعالى ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا [النساء: 60]، وقال سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ ﴾. وأما الحاكم الذي يعتقد أن شرع الله هو الحق وحكم بغير ما أنزل الله بسبب هوى في نفسه أو مصلحة دنيوية فهو عاص واقع في الكفر الأصغر ولا يعد طاغوتا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق، ليس بالكفر الذي تذهبون إليه".

وأما الإيمان بالله فهو "التصديق الجازم بوجوده والالتزام التام بتوحيده. ويعني توحيده[1] إفرادَه سبحانه وتعالى في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.

إن توحيد الله لا يتحقق إلا إذا قام على التصديق بأن الله ربٌّ وإلهٌ لا شريك له ولا مثيل. لقد أكد كل من كتاب الله وسنة رسوله على حقيقة التوحيد في صيغ متعددة ووِفْق تذكير متجدد. فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾[2].

وقوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾[3].

وقوله: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[4].

وفي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى..."[5].

وفي صحيح مسلم (16) عن ابن عمر رضي الله عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ"[6].

إنه ولما لتوحيد الله من أهمية بالغة فقد حرص علماء الإسلام على تبيان الأصول التي يقوم عليها وما يقتضيه الإيمان بكل واحد منها.

توحيد الله وأصوله:

يقوم توحيد الله تعالى على ثلاثة أصول هي:
1- توحيد الربوبية.
2- توحيد الألوهية.
3- توحيد أسماء الله وصفاته.

هذه الأصول هي حسبما اهتدى إليه العلماء متضمَّنة في الآية: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾[7]. فتوحيد الربوبية متضمن في شق الآية: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾، أما توحيد الألوهية فمتضمن في: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾. وأما توحيد أسماء الله وصفاته فمتضمن في: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾.

توحيد الربوبية:

يعني توحيد الله في الربوبية إفراده سبحانه بالخلق والملك والتدبير، أي الاعتقاد الجازم بأن لا خالق ولا مالك ولا مدبر في الكون إلا اللهُ سبحانه وتعالى.

لقد نص القرآن الكريم على ربوبية الله فذكر تفرده سبحانه بالخلق على غيره، قال تعالى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾[8]. كما أفرد الله نفسه بالملك فقال: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾[9].أما الدليل على إفراد الله ذاته بالتدبير فنجده في قوله تعالى: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾[10] والمراد بالامر هنا التدبير.

توحيد الألوهية:

يعني توحيد الألوهية إفرادَ العبد ربه بالعبادة. والعبادة كما عرَّفها ابن تيمية هي: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة"[11]، قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ﴾[12]. إن الإنسان لا يصير مُوحِّداً حتى تكون عبادته كلها موجهة لله دون غيره بحيث لا يدعو إلا الله ولا يتوكل إلا عليه ولا يستعين إلا به، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾[13]. فتوحيد الألوهية هو حق الله على العباد، لأنه خلقهم ورزقهم فاستحق بذلك عبادتهم، وقد وعد سبحانه وتعالى من أفرده بالعبادة بالجنة والنجاة من النار. قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ بن جبل: " يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ قال: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فقال (صلى الله عليه وسلم): "يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. ثم قال (صلى الله عليه وسلم): أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ ": فقال معاذ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فقَالَ (صلى الله عليه وسلم): " يُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ"[14].

لقد كان غالبية المشركين في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) يُقِرُّون بتوحيد الربوبية، وهو ما أكده القرآن في حديثه عنهم، حيث قال تعالى: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾[15] لكنهم كانوا يرفضون الإقرار بتوحيد الألوهية فمنعهم ذلك من الدخول في الإسلام لأن الدخول فيه لا يتم إلا إذا رافق توحيد الربوبية توحيد الألوهية.

توحيد أسماء الله تعالى وصفاته:

يعني توحيدُ أسماء الله تعالى وصفاتِه، إفراد الله تعالى بأسمائه التي سمى بها نفسه وصفاته التي وصف بها ذاته في كتابه والتي أخبر بها رسوله (صلى الله عليه وسلم). إن هذا الأصل في التوحيد ليبيّن للعبد سبيل التعرف على ربه والتأدب معه في الحدود التي ارتضاها سبحانه لمقامه. ويقتضي الإيمان به مراعاة القواعد التسع التالية:
أولها: لا تُستمد أسماء الله تعالى وصفاته إلا من كتاب الله وسنة رسوله لأنها غيب والغيب لا يُعلم إلاَّ من الوحي. قال الله تعالى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾[16].

ثانيها: التسليم بأن جميع أسماء الله تعالى حسنى في منتهى الحسن، وبأن صفاته كاملة في منتهى الكمال. قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾[17]. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال"[18].

ثالثها: يجب إثبات أسماء الله تعالى وصفاته كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله دون تحريف ولا تشبيه ولا نفي مع تفويض كيفيتها إلى الله. إن تفسير اليد في الآية: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء ﴾[19] بالنعمة هو تأويل لا يجوز، أما القول بأن لله يداً كيد أحسن البشر فهو تشبيه لا يجوز، وأما الزعم بأنه ليس لله يد فهو نفي وتعطيل لا يجوز. إن هذه التآويل تعارض قول الله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾[20]. ففي قوله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ نفي الشبيه عن الله، وفي قوله: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ إثبات لأسماء الله تعالى وصفاته. إن الفهم الصحيح للآية: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء ﴾[21] يقتضى التسليمَ بأن لله يدين كريمتين تليقان بعظمته وكماله، لكنهما ليستا كأيدي خلقه.

رابعها: لا يجوز اشتقاق أسماء الله تعالى من صفاته، بينما يجوز اشتقاق صفاته تعالى من أسمائه. قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾[22]؛ لا يجوز لنا هنا أن نشتق من صفة "الاستواء" اسم "المستوي". أما في قول الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾[23] فيجوز لنا إضفاء صفة الغنى إلى الله لأنها جاءت متضمنة في اسم الغني ولأن أسماءه سبحانه وتعالى أتت دالة على كماله.

خامسها: لا يجوز حصر أسماء الله عز وجل في تسعةٍ وتسعين اسماً لوجود دليل من السنة نَصَّ على أن هناك أسماء أخرى استأثر الله تعالى بعلمها وحده دون غيره. لقد دأب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على القول في دعائه: "أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك..." إن هذا الدعاء ليشير إلى وجود أسماء استأثر الله بعلمها وحده ولهذا يُحمل الحديث النبوي: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحدة، من أحصاها دخل الجنة"[24] على أن عدد هذه الأسماء جاء على سبيل الذكر لا الحصر.

سادسها: إن للهِ تعالى صفات ذاتية وأخرى فعلية. أما صفات الله الذاتية فهي الصفات اللازمة لذاته كصفة البركة والحياة والعلم.

وأما صفات الله الفعلية فهي صفات تابعة لمشيئته كصفة الاستواء على العرش وصفة الرضى وصفة الغضب، فهو يفعلها متى شاء ويدعها متى شاء.

سابعها: لا يجوز أن يفرد الله تعالى بصفات كالمكر والاستهزاء والخداع لما فيها من تنقيص به سبحانه بل يعمد إلى مقابلتها بأفعال المخلوقين. إنها لا تطلق على الله إلا في ما سيقت فيهمن الآيات كقوله تعالى: ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾[25]. وقوله: ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾[26]. وقوله: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾[27].

ثامنها: لا يجوز التفصيل في الصفات التي نفاها الله عن ذاته لما يحمله ذلك من قلة أدب في حق الله عز وجل، ويسمى كل ما نفاه الله عن ذاته صفاتاً سلبية لما فيها من نقص كنفي الولد والنوم؛ قال تعالى: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾[28] وقال سبحانه: ﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ﴾[29]. فمثلا إذا قال إنسان لملِك أنت لست فقيراً ولا ضعيفاً ولا ذليلاً ولو كنت ذلك لما صرت ملكاً. فلا شك أن مثل هذه الأوصاف لا تلاقى بالترحاب.

تاسعها: إذا أطلقنا على الله اسم "الصانع" و"المقصود" فإن ذلك يعد حقاً في ذاته سبحانه لأنه في حقيقة الأمر صانع للكون، ومقصود بالعبادة والرجاء؛ ولو لم يرد دليل مباشر في الكتاب والسنة على ذلك. لذا فقد سمى العلماء ما كان حقا في ذات الله ولم يرد به نصٌّ خبراً"[30].

فمن عمل بهذه المعاني فقد حقق لا إله إلا الله التي وصفها الله تعالى في هذه الاية بالعروة الوثقى التي لا تنقطع، أي الحبل المتين الذي يصعد به الإنسان إلى الجنة ولا ينقطع به في النار. قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "من كان اخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة"

جعلنا الله وإياكم من أهل لا إله إلا الله ومن الداعين لها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



[1] يعني التوحيد في اللغة الإفراد. أقول وحدت ربي في العبادة، أي إذا أفردته بها.
[2] سورة الإخلاص - سورة 112 -آية 1-4.
[3] البقرة/ 163.
[4] المائدة/ 73.
[5] أخرجه البخاري "1458" في الزكاة: باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، ومسلم "19" "31" في الإيمان: باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، وابن منده في "الإيمان" "214"، والطبراني في "الكبير" "12207".
[6] أخرجه الإمام مسلم في الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، رقم الحديث:19
[7] سورة مريم - سورة 19 - آية 65.
[8] سورة فاطر - سورة 35 - آية 3.
[9] سورة الملك - سورة 67 - آية 1.
[10] سورة الأعراف - سورة 7 - آية 54.
[11] انظر التعريف في كتاب "العبودية" للشيخ تقي الدين ابن تيمية (المتوفى: 728هـ).
[12] سورة النساء - سورة 4 - آية 36.
[13] سورة البقرة - سورة 2 - آية 21.
[14] متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ، باب مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، رقم:7373، ومسلم في الإيمان، باب مَنْ لَقِي اللهَ بِالْإِيمَانِ وَهُو غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحُرِّمَ عَلَى النَّار، رقم: 50ِ.
[15] سورة الزخرف - سورة 43 - آية 87.
[16] سورة النجم - سورة 53 - آية 2.
[17] سورة الأعراف - سورة 7 - آية 180.
[18] أخرجه مسلم في الإيمان، باب تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَبَيَانِه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، رقم الحديث: 147.
[19] سورة المائدة - سورة 5 - آية 64.
[20] سورة الشورى - سورة 42 - آية 11.
[21] سورة المائدة - سورة 5 - آية 64.
[22] سورة طه - سورة 20 - آية 5.
[23] سورة الحج - سورة 22 - آية 64.
[24] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين،كتاب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه، ج/1، ص/62.
[25] سورة آل عمران - سورة 3 - آية 54.
[26] سورة البقرة - سورة 2 - آية …14.
[27] سورة النساء - سورة 4 - آية 142.
[28]سورة الإخلاص - سورة 112 - آية 3.
[29]سورة البقرة - سورة 2 - آية 255.
[30] انظر كتاب تعلم دينك للشيخ أبي الحسن هشام المحجوبي والأستاذ فضل الله كْسكس (ص.12).


شبكة الألوكة
 تم النشر يوم  السبت، 20 يوليو 2013 ' الساعة  5:42 م


 
Toggle Footer