الاثنين، 15 أبريل 2013


الشيخ عبدالكريم بن صالح الحميد حفظه الله




علماء السلف وأهل الوقت

الحمد لله رب العالمين، هذه رسالة مجملة لبيان الفرقان بين حال السلف في شأن العلم والتعليم والعمل وحال أهل الوقت، وليس كلّ الفروق ذكرت لئلا يُفهم حصرها في ذلك، كما أن كلّ واحد من هذه الفروق يحتمل في شرحه كلام كثير .

فهذه رؤوس أقلام تكشف ما ورائها، والله الموفق .

1-
( علماء السلف ) : لا يتعلمون إلاَّ علوم الدين ويذمّون من يتعلم غيره .

( أهل الوقت ) : يتعلمون علوماً مخلوطة من علوم الدين وعلوم صحيحة غير نافعة لا يضر الجهل بها تُزاحم علم الدين وتُضْعفه وعلوم باطلة في نفسها تُفسد الاعتقاد، ويمدحون من يتصف بذلك ويُعَدِّلونه ويُشرّفونه .

2-
( علماء السلف ) : لو كان الرسول حيّ لما امْتَنَعوا ولا خافوا مِنْ عَرْض كتبهم وعلومهم عليه .

( أهل الوقت ) : لايُمْكنهم ذلك لعلمهم بما حصل منهم بعده من التغيير والتبديل .

3-
( علماء السلف ) : يتعبّدون الله بطلب العلم وتعليمه .

( أهل الوقت ) : يطلبون به المال والرياسة فهو مصدر رزق وشهرة، ويُنكرون على من يذمّ ذلك .

4-
( علماء السلف ) : يذمون من يريد بعلمه المال والرياسة ويبغضونه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة.

( أهل الوقت ) : يمدحون من يتعلم لنيل المناصب والشرف .

5-
( علماء السلف ) : لا يطلبون العلم إلاَّ مَمن يَرْضَوْنه ويختارونه.

( أهل الوقت ) : تُفرض عليهم المشايخ والمعلمين ولا اختيار لهم بذلك مهما تكن حالهم .

6-
( علماء السلف ) : لا يُفرض ويُوَجَّب عليهم علم لا يُريدونه.

( أهل الوقت ) : يُفرض ويوَجّب عليهم علم الدين والضلال معاً ولا يُوجِّب غير الله ورسوله .

7- ( علماء السلف ) : يعتقدون الكمال في تحصيل علوم الدين مع العمل بها كما دلّ على ذلك الكتاب والسنة .

( أهل الوقت ) : الكمال عندهم في الإكثار من هذه العلوم المخلوطة مهما تكن .

8-
( علماء السلف ) : يتعلمون ويُعلّمون في المساجد ولَوْ تعلّموا وعلّموا في مواضع أخرى فعلى كيفية التعليم في المساجد .

( أهل الوقت ) : لا يكفيهم التعليم في المساجد لعدم حصول الشهادات فيها التي هي مفاتيح المال والرياسة .

9-
( السلف ) : يُؤثِّر فيهم العلم التجافي عن الدنيا والرغبة في الآخرة.

( أهل الوقت ) : يؤثّر فيهم العلم شدّة الحرص على المال والرياسة ويتسابقون إلى ذلك كما هو ظاهر جلي .

10-
( السلف ) : لا يرضون بل يُنكرون أن يُخلط لهم العلم بالصور لأنَّ الصورة محرمة والمواضع التي توجد فيها تحلّها الشياطين وتبتعد عنها الملائكة .

( أهل الوقت ) : علومهم مخلوطة بالصور، فتجد آيات القرآن والحديث بين الصور وهم يصوّرون ولا يبالون .

{ وتحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم } .

11-
( السلف ) : لا يطلبون العلم في مواضع يرون فيها المنكرات إلاَّ بالإنكار وأن يتغيّر المنكر أو يُفارقون .

( أهل الوقت ) : لا تخلو مواضع طَلَبهم من المنكرات وهي غير قابلة للتغيير .

12- ( السلف ) : لا يُقَيِّمون الشخص ويشهدون له بالعلم بمجموع حصيلته من الحق والباطل .

( أهل الوقت ) : يقيّمون الشخص ويشهدون له بالعلم بمجموع حصيلته من الحق والباطل وبذلك يحْصُل على الشارات والرُّتب .

13-
( السلف ) : لا تُصرف هممهم وإرادتهم لمجرد تحصيل علوم مخلوطة وشهادات يعلمون أنَّها وسائل للمال والرياسة .

( أهل الوقت ) : تُصرف هممهم وإرادتهم لتحصيل الشهادات وهي مفاتيح المال والرياسة ويسمونه المستقبل .

14-
( السلف ) : لا يطلبون بالعلم أموال السلاطين ولا أعمالهم، بل يَحذرون ذلك ويُحذرون عنه .

( أهل الوقت ) : يتسابقون على أموال السلاطين وأعمالهم ويحضّون على ذلك ويدعون إليه .

15-
( السلف ) : لا يدخلون بشيء من الباطل للدعوة .

( أهل الوقت ) : يدخلون مداخل أهل الباطل بدعوى الدعوة .

16- (السلف) : يعظمون الحق فقط عِلماً وعملاً ويعظمون أهله.

( أهل الوقت ) : يُعظمون الحق والباطل وأربابهما ويُهينون مَن عارضهم مُقتصراً على الحق المجرد والسنة المحضة في العلم والتعليم وكيفية ذلك الإخلاص فيه والمتابعة.

17- ( السلف ) : لا يسمون الحق والباطل جميعاً علماً، ولا أرباب ذلك علماء مطلقاً .

( أهل الوقت ) : يسمون الحق والباطل جميعاً علماً وأرباب ذلك علماء، ويستدلون بالآيات والأحاديث التي فيها مدح علم الوحي على علومهم .

18- ( السلف ) : لا يأمنون على الأحداث من هبّ ودبّ لا في التعليم ولا الزمالة .

( أهل الوقت ) : المطلوب في التربية من يحمل شهادة مهما تكن حاله.

19- ( السلف ) : ليس عندهم مستقبل في علمهم وعملهم إلاَّ طلب الجنة والهرب من النار .

( أهل الوقت ) : الذي يُسمونه المستقبل من أعظم القواطع لهم عن الجنة وطلبها وتذكر النار والهرب منها حيث يشغل ذلك قلوبهم .

20-
( السلف ) : لا يتشبهون بأهل الكتاب والأعاجم .

( أهل الوقت ) : مناهجهم في جميع مراحل علمهم وعملهم مغمور بالتشبه بأهل الكتاب والأعاجم .

21- ( السلف ) :لا يتعلمون غير لغة القرآن الكريم لغة محمد صلى الله عليه وسلم.

( أهل الوقت ) : لغات الأعاجم ملازمة لهم ويبالغون في أهميتها.

22-
( السلف ) : يأمرون بمطالعة كتب العلوم الدينية الصحيحة واقتنائها وينهون عن غيرها واقتنائها .

( أهل الوقت ) : يحضون على القراءة والمطالعة واقتناء الكتب مطلقاً، وهذا عندهم صفة كمال .

23- ( السلف ) : لا يُقيمون الشخص ويمدحونه بمجرد كثرة علومه، بل بقدر عمله بهذا العلم .

( أهل الوقت ) : يُقيّمون الشخص ويُزكّونه ويمدحونه بمجرد العلم النظري بأن يجيب على أسئلة توجه إليه من غير نظر للعمل .

24- ( السلف ) : من أعرض عن الباطل وذمّه يمدحونه ويثنون عليه.

( أهل الوقت ) : من لم يمهر بالعلوم الباطلة يلقبونه بألقاب سوء مثل : ساقط غبي جاهل ونحو ذلك .

25- ( السلف ) : أعظم ما يستدلون به في منازعاتهم الكتاب والسنة.

( أهل الوقت ) : أعظم ما يستدلون به على ما هم عليه بمتبوعيهم لأنَّها لا تقوم لهم حجة من الكتاب والسنة تؤيد ما هم عليه بل تكشف حالهم، وهذا من المشابهة بأهل الكتاب .

26- ( السلف ) : يستجهلون فقط من لا يعلم علم الدين .

( أهل الوقت ) : يستجهلون من لم يشاركهم في علومهم وأعمالهم وهذا شبه من الفلاسفة ولو كان إيمانه أحسن منهم .

27- ( السلف ) : الذي يتعلم منهم شيئاً من الباطل فإنما يتعلمه ليردّ على أهله وليس يُوجّب عليه ولا يساوى له بالحق ولا يختبر به كما تعلّم ابن تيمية المنطق ليردّ على أهله وشتّان بين مشرِّق ومغرّب .

( أهل الوقت ) : يتعلمون الباطل موجَّب عليهم ويختبرون به وينالون به ما يسمونه ( درجات ) كما ينالون ما يسمونه درجات بالحق ويوزنون بالمجموع، ويُقَيَّم بالمجموع ويزكى بالمجموع .

28- ( السلف ) : يعظمون الحق ويحبونه ولم يحصل لهم ذلك إلاَّ بإهانة الباطل وبغضه وهكذا ملة إبراهيم .

( أهل الوقت ) : يبقى الحق عندهم فنّ من جملة الفنون فيسقط تعظيمه من القلوب بتأثير المزاحم وفساد النية وغير ذلك من الموانع والقواطع .

29- ( السلف ) : الحق في قلوبهم أجَلّ من أن يشوبوه بما لا يصلح له ممَّا يدنسه .

( أهل الوقت ) : يخلطون الحق بالهزليات والمضحكات واللعب والصور، وهذا ظاهر جلي في مناهجهم وصحفهم ومجتمعاتهم يتخللها ذلك.

30- ( السلف ) : لا يُعلمون من يتصف بهذه الأوصاف فيكونون عوناً له على هواه ورئاسته ودنياه لأنَّ من جهّز غازياً فد غزى ولا يوادّونهم .

( أهل الوقت ) : الذين يعلمون هؤلاء ولو لم ينتظموا في سلكهم فهم يعينونهم على مطالبهم بالعلوم الدينية مع مايحصل من الصحبة والمودة وهذا سببه زوال الفرقان وحب الرياسة ولو لم يكن من أضرار ذلك إلاّ قدوة السوء وتحسين أحوال هؤلاء .




ميزان الإرادة في طلب العلم الشرعي


إذاُ عُلم ما تقدم فإنَّه قد ورد النهي والتحذير من طلب العلم الديني لغير وجه الله كإرادة المال والجاه والرئاسة وصرف وجوه الناس ونحو ذلك ممَّا يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وهديْهم ممَّا أصبح في وقتنا لا يعاب بل فيه يتنافس المتنافسون، حيث صار علم الدين كسلعة وبضاعة تُطلب للمعاوضات المالية والمقاصد السفليّة الدّنيّة .

قال تعالى : ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ .(1)

وقال تعالى : ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا .(2)

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تعلم علماً ممَّا يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلاَّ ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة ) يعني ريحها.(3)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه ( ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها فقال : ما عملت فيها ؟ قال : تعلمتُ العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن، قال : كذبت ولكنك تعلمت ليُقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : هو قاريء فقد قيل ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار ...) الحديث.(4)

وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار ).(5) والمماراة هي الجدال .

وأثر علي رضي الله عنه لما ذكر الفتن التي تكون في آخر الزمان، فذكر أمارات وقتها فقال : ( إذا تُفقّه لغير الدين، وتُعلّم العلم لغير العمل، والتمست الدنيا بعمل الآخرة ).(6)

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويَهْرم فيها الكبير وتُتخذ سنة فإن غُيَّرت يوماً قيل : هذا منكر . قيل : ومتى ذلك ؟ قال : إذا قلّت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم وقلّت فقهاؤكم وكثرت قراؤكم وتُفُقّه لغير الدين والتمست الدنيا بعمل الآخرة).(7)

بعــض الآثـــار

قال بشر بن الحارث : طلب العلم إنَّما يدل على الهرب من الدنيا ليس على حبها .(8)

قال الأوزاعي : العلم ما جاء عن أصحاب محمد وما لم يجيء عنهم فليس بعلم .

وحيث أن العلم هو كما قال الأوزاعي رحمه الله هو ما جاء عن أصحاب محمد ولذلك فإنَّه لم يأت عنهم سوى ميراث نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وقد حرّق عمر رضي الله عنه الكتب العجمية، ذكر ذلك شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم .(9)

والعلم يطلب لوجه الله ويبذل لوجهه لا بالمعاوضات المالية، وكم ذكر الله في القرآن قول الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم : { ما نسألكم عليه من أجر } .

وهكذا أتباعهم على الحقيقة، قال أبو العالية : علّم مجّاناً كما عُلِّمت مجاناً .

وسُئل إسحاق بن راهويه رحمه الله عمّن يحدّث بالأجر ؟ قال : لا تكتب عنه .(10)

كذلك يقول الإمام أحمد بن حنبل : لا تكتبوا العلم عمن يأخذ عليه عرضاً من الدنيا .(11)

وقال أبو زكريا العنبري : العالم المختار أن يرجع إلى حسن حال، فيأكل الطيب الحلال ولا يكسب بعلمه المال ويكون علمه له جمال وماله من الله منّ عليه وإفضال .(12)

كان بعض المشايخ عند الشيخ عبد الباقي بن يوسف المراغي حين دخل عليه عبد الصمد ومعه المنشور بقضاء همذان فقام الشيخ المراغي وصلى ركعتين ثم أقبل عليهم وقال : أنا في انتظار المنشور من الله على يد عبده ملك الموت، أنا بذلك أليق من منشور القضاء، ثم قال : قعودي في هذا المسجد ساعة على فراغ القلب أحب إليًّ من مُلك العراقين ومسألة في العلم يستفيدها مني طالب علم أحب إليَّ من عمل الثقلين، والله لا أفلح قلب تعلّق بالدنيا وأهلها لم يحصل على طائل من العلم ولو علم ما علم فإنَّما ذلك ظاهر من العلم والعلم النافع وراء ذلك .

والله لو قطعت يدي ورجلي وقلعت عيني أحبّ إليَّ من ولاية فيها انقطاع عن الله والدار الآخرة وما هو سبب فوز المتقين وسعادة المؤمنين.(13)

وقال سُحنون : أكلٌ بالمسكنة ولا أكلٌ بالعلم محب الدنيا أعمى لم ينوّره العلم .(14)

قال حبيب بن عبيد الرحبي : تعلموا العلم واعقلوه وتفقهوا به ولا تعلموه لتتجملوا به فإنَّه يوشك إن طال بكم عمر أن يُتجمل بالعلم كما يتجمل ذو البزّ ببزّه .(15)

وقال كعب الأحبار : يوشك أن تروْا جهال الناس يتباهون بالعلم ويتغايرون على التقدم به عند الأمراء كما يتغاير النساء على الرجال، وذلك حظهم من علمهم .

ذكر العاصمي أن أول مدرسة نظامية بنيت ببغداد وطلب لها العلماء وأُجري لهم ولطلاب العلم مرتبات، والتحق بها كثير .

ولما عَلِمَ علماء بخارى بكوْا بكاءً شديداً متأسفين على العلوم الإسلامية، فقيل لهم : ما هذا البكاء وما هذا الجزع ؟ ما هي إلاَّ مدرسة دينية للعلم كالتفسير والحديث والفقه وغيرها، فقال العلماء : إن العلم شريف في نفسه سامٍ لا يحمله إلاَّ النفوس السامية الزكية الشريفة ويشرفون بشرف العلم .

أمَّا إذا أُجريت المرتبات لطلابه أقبل إليه من لا خير فيه من السقطة والأراذل الذين يريدون بتعلمهم العلم لنيل المناصب والوظائف وأخذ المرتبات فيزول العلم ويسقط بسقوط وإزالة حملته فيصبح العلم الشريف لا قيمة له .

ثم قال العاصمي : أمَّا اليوم فلا طالب ولا مطلوب ولا راغب فيه ولا مرغوب لفساد الزمان . انتهى .(16)

بعض ماقيل عن علوم الوقت

يقول بعض الغربيين عن علومهم :

إن ما نسميه اليوم علماً ويجدر بنا أن نتواضع أكثر ونطلق عليه اسم العلم الغربي هو من نتاج عقل مشوَّه .

ويقول بعضهم : إن التعليم هو الحامض الذي يُذيب شخصية الكائن الحي ثم يكوّنها كيف يشاء، إن هذا الحامض هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيميائية هو الذي يستطيع أن يحوّل جبلاً شامخاً إلى تراب، وقال : إياك أن تكون آمناً من العلم الذي تدرسه فإنَّه يستطيع أن يقتل روح أمة بأسرها .

قال : ( كرومر البريطاني ) : إن الحقيقة أن الشباب المصري الذي قد دخل في طاحونة التعليم الغربي ومرّ بعملية الطحن يفقد إسلاميته وعلى الأقل أقوى عناصرها وأفضل أجزائها إنه يتجرد عن عقيدة دينه الأساسية .

ويقول هوكر الأمريكي : إنه لا تزال تحدث في المدارس والكليات حوادث تسافح الولدان من الجنس الواحد فيما بينهما، وقد تلاشى أوكاد ميلهم إلى الجنس المخالف .

ويقول الغربي ( شاتلي ) : إذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتكسروا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كلّ العقائد السابقة واللاحقة لها والتي كانت السبب الأول والرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم، إذا أردتم غزو هذا الإسلام فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القرآن وتحويلهم عن كلّ ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم ونشر روح الإباحية .




ميزان الاصطلاحات الحادثة

في المدح والذم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالأسماء التي تُعلّق بها الشريعة المدح والذم والحب والبغض والموالاة والمعاداة والطاعة والمعصية والبر والفجور والعدالة والفسق والإيمان والكفر هي الأسماء الموجودة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة . انتهى .(17)

تأمل هذا وانظر مخالفة ما أُحدث في هذا الزمان من أسماء يُعَلَّق بها المدح والذم وعليها تدور أفلاك القلوب من نجاح وسقوط ونحو ذلك ممَّا لم تعلق بها الشريعة مدحاً ولا ذماً .

وقال رحمه الله : ( الذم والمدح من الأحكام الشرعية ) بما أنه من الأحكام الشرعية فلا يؤخذ إلاَّ من الرسول بالأسماء الواردة في الكتاب والسنة بخلاف ما أحدثه أهل الوقت من أسماء علقوا بها الذم والمدح وليست في الكتاب والسنة كما تقدم بيانه .

وقال : الحمد والذم والحب والبغض والوعد والوعيد والموالاة والمعادات ونحو ذلك من أحكام الدين لا يصلح إلاَّ بالأسماء التي أنزل الله بها  سلطانه، فأمَّا تعليق ذلك بأسماء مبتدعة فلا يجوز بل ذلك من باب شرع دين لم يأذن به الله ، وأنه لابدّ من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله . انتهى .(18)

تأمله فإنَّه بالغ الأهمية في وقتنا خاصة ولتعلّق ذلك بالرغبة والرهبة وشدة الطلب وشدة النّفرة، وهذا كله محسوس ملموس وهو مزاحم مضعف للسير مُعوّق أو قاطع بالكلية .

هل ما ظهر بعد الصحابة فضيلة ؟

قال ابن تيمية : لكن المقصود أن يعرف أن الصحابة خير القرون وأفضل الخلق بعد الأنبياء .

فما ظهر فيمن بعدهم ممَّا يُظَنَّ أنَّها فضيلة للمتأخرين ولم تكن فيهم فإنها من الشيطان وهي نقيصة لا فضيلة، سواء كانت من جنس العلوم أو من جنس العبادات، أو من جنس الخوارق والآيات أو من جنس السياسة والملك، بل خير الناس بعدهم أتبعهم لهم .(19)

هذا الكلام قاعدة عامة في كلّ شيء وهو إنما ذكره الشيخ رحمه الله كتفسير للآيات والأحاديث الواردة في فضل الرعيل الأول، فقد ظهر بعد الصحابة رضي الله عنهم من العلوم وغيرها ما يصعب حصره ولم يكن ذلك فيهم بل أحدث بعدهم وكل يدعي أن ما أحدثه فضيلة ولولا هذا الزعم الفاسد لاكتفي بالإتباع عن الإحداث والمراد أن ما أحدث فهو من الشيطان وهو نقيصة لا فضيلة، والموفق يزن نفسه بهذه الموازين، كما قال الأوزاعي رحمه الله : عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وأقوال الرجال وإن زخرفوها وحسّنوها فإن الأمر ينجلي وأنت منه على صراط مستقيم .(20)

اعتياد سماع الباطل

ذكر ابن القيم رحمه الله : أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفاً للحق عن مواضعه .

فإنَّه إذا قَبِل الباطل أحبّه ورضيه فإذا جاء الحق بخلافه ردّه وكذّبه إن قَدِر على ذلك وإلا حرّفه .(21)

هذا خطير جداً وهو في هذا الزمان كثير جداً في التعاليم والإذاعات والجرائد والمجلات وغيرها، ومن فهمه عرف سر تحريف كثير من الخلق للحق وسرّ رده والتكذيب به .

رطانــة الأعاجــم

1- التكلم بغير العربية منهي عنه . قال عمر رضي الله عنه : ( لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم ).(22)

قال ابن تيمية في كتابه : ( اقتضاء الصراط المستقيم ص199 : رواه البيهقي بإسناد صحيح وذكر في ص204 ( أن الإمام أحمد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم ) .

ونقل ابن تيمية عن مالك رحمه الله أنَّه قال : ونهى عمر رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم وقال : إنها خِبٌّ ( والخِب بكسر الخاء : الانطواء على اللؤم الفساد والخَب بفتح الخاء : الرجل المفسد ).(23)

2-
الذي يتعلم لغات الأعاجم يتعلمها بكتب كلها صور والصور محرمة .

3- الذي يتعلمها توجَّب عليه مثل العلوم الدينية ولا يوجّب غير الله ورسوله .

4- يختبر فيها كما يختبر بالعلوم الدينية فيمدح بمعرفتها ويشهد له بذلك كما يمدح ويشهد له بالعلوم الدينية وليس في الدين تعليق المدح بلغات الأعاجم بل هي مذمومة كما تقدم .

5- يُذمّ بعدم معرفتها كما يذم بعدم معرفة العلوم الدينية، وليس في الدين تعليق الذم بعدم معرفة لغات العجم بل بمعرفتها .

6- يُعطى فيها درجات كما يعطى بالعلوم الدينية فقد تساوت في التقويم والوزن بالقرآن والحديث من وجوه وهو القياس المنطقي الشمولي.

7-
النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن حارثة أن يتعلم السريانية لغة يهود لأجل مكاتباته لهم للدعوة فهو لا يأمنهم فأمر واحداً فقط وكان ذكياً رضي الله عنه تعلمها بأقل من شهر، وهذه ضرورة شرعية اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم فيها بواحد .

فَلَوْ سُلم أن تعلم لغات الأعاجم للدعوة ففاعل هذا حقيق أن يتفرغ لدعوة نفسه ممَّا ألَمَّ به لو لم يكن فيه إلا هذا فقط كيف وهذا أنموذج وراءه ما وراءه .

قال تعالى عن نبيه شعيب عليه السلام : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } وقال تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } .

وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون مالا تفعلون }. فدعوةٌ هذا مفتاحها كيف تكون حالها ؟ ودعوة هذه حال صاحبها كيف تكون .

8-
الخلفاء الراشدون وكانت في زمانهم الدعوة والفتوحات على أوجها لا سيما في خلافة عمر والاتصال بالأعاجم حاصل باستمرار والحاجة ملحة ومع هذا انقرض عصر الخلفاء الراشدين ولم يأمروا بتعلم قليل ولا كثير من لغات العجم ولو كان هذا حاصلاً لأُثِر كيف وقد نهى عمر عن ذلك، ورُسل عمر إلى ملوك العجم مثل المغيرة بن شعبة معروفة حالهم، كانت العجم في أعينهم أحقر من أن يتكلموا بلسانهم ومع هذا كانت الدعوة على التمام والكمال .

9-
يلزم من دعوى هؤلاء أن الدعوة كانت وقت النبي والصحابة ناقصة وهم كمّلوها بتعلم اللغات وأنهم أعظم اهتماماً بالدعوة منهم .

10- استعمال لسان العجم تشبه باللسان، ذكره ابن تيمية والنهي عن التشبه بهم معلوم، ذكر ذلك في اقتضاء الصراط المستقيم .

وقال ابن تيمية : اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخُلق والدين تأثيراً قوياً بيناً بحسب تلك اللغة .(24)

وقال رحمه الله : لما فتحت الأسكندرية وجد فيها كتب كثيرة من كتب الروم فكتبوا فيها إلى عمر فأمر بها أن تحرق وقال : حسبنا كتاب الله.(25)

ومثل ذلك لما فتحت فارس فكتب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى عمر أنهم وجدوا فيها مكتبة فأمر بتحريقها .

وأهل الوقت يحتجون بحجج واهِية كغيرها . كقولهم : ( من تعلم لغة قوم أمِنَ مكرهم ) وليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

والحقيقة أن الذين تعلموا لغة الأعاجم هم الذين وقعوا في مكرهم، فقد تعلموا علومهم وتشرّبتها قلوبهم وفيها الشيء العظيم من فساد الاعتقاد ومِن جعْل الدنيا هي الغاية ومن مدح الكفار ومودّتهم ومن الصّوَر المحرمة وغير ذلك من المحذور فأيْن الأمان من مكرهم ؟!! .

 -----------------------------------------------------------               

(1) الشورى، آية : 20 .

(2) الإسراء، آية : 17،18 .

(3) رواه ابن ماجه وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه .

(4) رواه مسلم وغيره .

(5) رواه الترمذي والبيهقي وغيره .

(6) رواه عبد الرزاق .

(7) أخرجه الدرامي والحاكم .

(8) الحلية 8/347 .

(9) ص128 .

(10) سير أعلام النبلاء 11/369 .

(11) طبقات الصوفية .

(12) سير أعلام النبلاء 15/534 .

(13) سير أعلام النبلاء 19/171 .

(14) سير أعلام النبلاء 12/65 .

(15) سير أعلام النبلاء 13/241 .

(16) الدرر السنية 16/9 .

(17) نقض تأسيس الجهمية 1/109 .

(18) مجموعة الفتاوى 4/154 .

(19) مجموعة الفتاوى 27/390 .

(20) البداية والنهاية 10/117 .

(21) إغاثة اللهفان 1/55 .

(22) اقتضاء الصراط المستقيم، ص199 .

(23) اقتضاء الصراط المستقيم، ص135 .

(24) طريق الوصول إلى العلم المأمول، ص : 135 .

(25) الفتاوى 17/41 .




لتحميل الملف > هٌنا <
 تم النشر يوم  الاثنين، 15 أبريل 2013 ' الساعة  7:21 ص


 
Toggle Footer