الخميس، 25 أبريل 2013

الوصية بالأهل والأولاد


الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر  


الحمد لله الذي مَنَّ على عباده بالأولاد، وجعل ذلك امتحانًا لهم يتبيَّن به مَن يتَّقيه فيهم ويصونهم عن الفساد، ممَّن يضيعهم ويتركهم هملاً فيستحق أنْ يكونوا شقاءً له في الدنيا وحسرةً وخزيًا يوم التناد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب العالمين وإله الأولين والآخِرين، الذي لا يَخفَى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو العزيز الحكيم، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله النبي الكريم، والرسول العظيم، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أئمَّة التُّقى، وأعلام الهُدَى.

أمَّا بعد:
فيا أيها الناس، اتَّقوا الله - تعالى - واشكُرُوه على ما وهَب لكم من الأزواج والأموال والذريَّة، وأطيعوه فيهم تفوزوا بالعاقِبة المرضيَّة، ولا تعصوه فتحل بكم الرزيَّة، فإنَّكم لها راعون، وعليهم مؤتمنون، وعنهم مسؤولون، وبأعمالكم مجزيُّون، وعلى تفريطكم نادِمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

أيها المسلمون:
يُوصِيكم الله في أولادكم الذكور والإناث في تربيتهم، وما تترُكون لهم من ميراث، فاستَوصُوا بهم خيرًا؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].

فعلِّموهم، وأدِّبوهم، وربُّوهم، وأحسِنُوا تربيتَهم بالعلم النافع، والاعتِقاد الصحيح، والعمل الصالح، وترك القبيح، لقِّنوهم أصولَ الإيمان وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وألزِمُوهم بأركان الإسلام ومَبانِيه العِظام، وهي: شهادة أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وشهادة أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، فلا معبود بحقٍّ إلاَّ الله، فمَن أشرَك ممَّن عبَد مع الله غيرَه، فقد أفسَد اعتقادَه وأبطَلَ عملَه، فلا صَلاةَ له ولا زكاة له، ولا يصحُّ منه صومٌ ولا حجٌّ إلى بيت الله الحرام، فإنَّ مَن أشرَكَ بالله في عبادته ومات على ذلك فقد حبط عملُه، فلا نصيبَ له في مغفرته، فإنَّه نقَض إيمانه، وهدَم إسلامه؛ يقول الله - عز وجل -:﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة: 72].

أيُّها المسلمون:
حبِّبوا اللهَ إلى أهليكم وذريَّاتكم، بتذكيرهم بآلائه الجسيمة، ومِنَحِه الكريمة، وما حبَاكم به من نعمِه الكثيرة الوافرة، الباطنة منها والظاهرة، وأشعروهم أنَّه - سبحانه - يحبُّ التوَّابين، ويحبُّ المتطهِّرين، ويجزي الشاكِرين، ولا يُضِيع أجرَ المصلحين، وأنَّ رحمته سبقَتْ أو تغلب غضبَه، ولا يَتعاظَمه ذنبٌ أنْ يغفرَه؛ فإنَّه - سبحانه - هو العفوُّ الحليم، الغفور الرحيم، يتوب على مَن تاب إليه، ويَقبَل مَن أناب عليه، ويبدِّل السيِّئات بالتوبة النَّصوح حسنات، ويُورِث المتَّقين المنازِل العالية من الجنَّات.

أيُّها المسلمون:
اغرِسُوا في قلوب أولادكم وأهليكم الإيمانَ بالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومحبَّته وتعظيمه، وإجلاله وتكريمه، وأنَّه نبيُّ الله حقًّا، ورسول الله صدقًا، حقُّه أنْ يُطاع فيما أمَر، وأنْ يُصدَّق فيما أخبَر، وأنْ يُجتَنب ما نهَى عنه وزجَر، وألاَّ يُعبَد اللهُ إلاَّ بما شرَع، فما خالَف هديه فإنَّه من شرِّ البِدَع.

وبيِّنوا لهم أنَّ الله شرَّف به هذه الأمَّة، فجعَلَها باتِّباعه خيرًا وأكرم عليه من سبعين أمَّة، وذكِّروهم بما اختصَّت به هذه الأمَّة ببركة رسالته، وبيُمنِ سفارته، من الخير العَمِيم، وأسباب الفوز العظيم، بعَثَه الله بالحنيفيَّة السمحة المبنيَّة على اليُسر في الأحكام، وكثْرة الأسباب المكفِّرة للذنوب والآثام، وتنوع خصال الخير الموصلة إلى الجنَّة دار السلام، فهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - أسوةُ المؤمنين، وإمام المتَّقين؛ فالخير كلُّه في طاعته ومتابعته، والشرُّ كلُّه في مخالَفته ومشاقته.

أيُّها المسلمون:
نشِّئوا أهليكم وذَوِيكم على محبَّة آل بيت النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الطيِّبين الطاهِرين، وصحابته الأئمَّة المهديِّين، وبيِّنوا لهم ما كانوا عليه - رضوان الله عليهم - من العبادة العظيمة، والأخلاق الكريمة، والعلم الغزير، والجد والتشمير، وما كانوا عليه من الجهاد العظيم لنصرة النبي الكريم، والدين القويم، حتى فتَح الله بهم القلوب والأسماع والأبصار والممالك والأمصار، وأذاق الله بهم أهلَ الكتاب والمشركين والمنافقين أنواع الذلَّة والصغار، فهم - رضي الله عنهم - حقًّا أئمَّة الأئمَّة، وهداة الأمَّة، بوحْي الله من الكتاب والسنَّة، وأوَّل مَن يدخُل الجنَّة، فالسعيد مَن اتَّبَعهم واقتَفَى آثارهم، والشقيُّ مَن تنقَّصهم وسلَك غير سبيلهم؛ ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

أيُّها المسلمون:
مُرُوا أولادَكم بالصلاة لسبع سنين، ومُرُوا الذكور أنْ يؤدُّوها في المساجد مع جماعة المسلمين؛ عملاً بقوله - تعالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، لتشمَلهم دعوة المسلمين، ويبتَعِدوا عن أخلاق المنافقين.

وفرِّقوا بين الذكور والإناث في المضاجِع، وجنِّبوهم قُرَناء السُّوء ومجتمعات الفضول والشوارع، وسهر الليالي على التلفاز وسيِّئ الأفلام، وغيرهما مما يُضعِف الإيمان ويهدم الإسلام، فكم جلبَتْ من الآثام، وأوقعَتْ في الحرام! وكم من شخصٍ بسبب سوء القَرِين ترَك ما يزينه، وارتَكب ما يشينه، واتَّصَف بالجفاء وغلظ الطبع، وصارَ على محارِمه وأهلِ بيته أخطر من السبع!

أيُّها المسلمون:
ذكِّروا أولادَكم وذَوِيكم بنِعَم الله السابغة، وآلائه المتكاثِرَة، وأنَّه - سبحانه - يُثِيب ويزيد مَن شكَر، وينتَقِم ممَّن جحَد وكفَر، فيسلبه نِعَمَه، ويحل عليه نِقَمَه؛ ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

فإنَّه - سبحانه - كما أنَّه ذو الرحمة الواسِعة، فهو ذو القوَّة القاهِرة، وكم في القرآن المبين من قصص الكافِرين الجاحِدين، والمتجبِّرين الظالِمين، الذين منَحَهم الله مُهلَة، ثم أخذَهُم بَغتة؛ أخذَهُم أخْذَ عزيزٍ مقتدر، وكذلك يَجزِي مَن كفَر، فصاروا عِظةً للمتَّعِظين، وعبرةً للمُعتَبِرين، وما أصابهم ليس ببعيدٍ عمَّن تشبَّه بهم من الغابِرين.

أيُّها المسلمون:
نشِّئُوا أولادَكم على أخْلاق أهلِ الإيمان؛ من برِّ الوالدين، وصلة القَرابات، وحُسن صُحبَة الإخوان، وبذْل الصدقة ولو بالكلمة الطيِّبة، وفعْل المعروف والإحسان، وإكرام الجار والضَّيف، وكف الأذَى عن الخلْق، وتحمُّل الأذَى في سبيل الحقِّ، ومُقابَلة المُسِيء في الغالب بكظْم الغَيْظ والعفْو عن الزلَّة، والصَّفح والإحسان، وقبول المعذِرة؛ فإنَّ ذلكم من مُوجِبات المغفرة ومحبَّة الرحمن، والفوز بفسيح الجنان؛قال - تعالى -:﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران: 134- 136].

وعَلِّموهم الإيمان بالقدر والقضاء، ومُقابَلة ذلك بالتَّسلِيم لله، وأنَّ له ما أخَذ وله ما أعطَى، وكل شيء له أجل مسمى، والرضا والاعتِراف لله بأنهم ممالِيكه وعبيده، وأنَّ مَرجِعهم إليه، وغدًا سيَقِفون بين يدَيْه؛ فالسعيد مَن آمَن به وتوكَّلَ عليه، واتَّقاه وابتَغَى الوسيلة إليه، والشقيُّ مَن خالَفَه وعصَى أمرَه، وجحَدَه وكفَرَه، وسخط قضاءَه واعترض قدره.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].

بارَك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهدى والبيان، وأستَغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين من كلِّ ذنب، إنَّه هو الغفور الرحيم.
شبكة الألوكة
 تم النشر يوم  الخميس، 25 أبريل 2013 ' الساعة  7:22 م


 
Toggle Footer