الثلاثاء، 9 أبريل 2013


الشيخ محمد صالح المنجد


النبذة : إن الميزات العظيمة لهذا الدين أنه جاء بالتعامل الحسن، والخلق الحسن، إنه يكفل السعادة للمنتسبين إليه، إنه دين فيه أخذ وعطاء، واجتماعية، وتعايش، إنه دين قائم على الاحترام، وإعطاء الحقوق، وهذه قضية غفل عنها كثير من المسلمين، فصار تعامل بعضهم مع بعض فضاً أجوف غليظاً، حتى صار كثير منهم يقطع بعضاً، وكثير منهم يظلم بعضاً، وكثير منهم يهجر بعضاً، ولا يوجد في كثير من الأحيان أخلاق إسلامية في التعامل، حقوق ضائعة.


عناصر المادة :
 

1- ميزات هذا الدين.
2- الحث على التعامل مع الخلق.
3- التعامل مع الوالدين.
4- التعامل مع الأرحام.
5- التعامل مع الأولاد.
6- التعامل مع الجيران.
7- التعامل مع الأيتام والعبيد.
8- التعامل مع الأصدقاء.
9- التعامل مع الأصحاب.
10- التعامل مع الحيوانات.
الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران :102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:
1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب : 70-71]

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


ميزات هذا الدين.

عباد الله: إن الميزات العظيمة لهذا الدين أنه جاء بالتعامل الحسن، والخلق الحسن، إنه يكفل السعادة للمنتسبين إليه، إنه دين فيه أخذ وعطاء، واجتماعية، وتعايش، إنه دين قائم على الاحترام، وإعطاء الحقوق، وهذه قضية غفل عنها كثير من المسلمين، فصار تعامل بعضهم مع بعض فضاً أجوف غليظاً، حتى صار كثير منهم يقطع بعضاً، وكثير منهم يظلم بعضاً، وكثير منهم يهجر بعضاً، ولا يوجد في كثير من الأحيان أخلاق إسلامية في التعامل، حقوق ضائعة، وعلاقات متقطعة، وصار الواحد همه في حاله وماله وشأنه، لا يهمه الآخرون. 


 عباد الله:  إن حسن التعامل مع الناس ميزة عظيمة في هذا الدين، فقد جاء هذا الدين بحسن التعامل مع الوالدين، ومع الأقرباء، ومع الأولاد، ومع الجيران، ومع الأيتام، ومع الخدم، ومع الإخوان والأصدقاء، والسائلين والمحتاجين، والجلساء، وكبار السن، والعمال، وحتى الحيوانات والبهائم. فما أعظمه من دين جاء بهذا الخلق العظيم، حسن التعامل مع الناس.


الحث على التعامل مع الخلق.

عباد الله: إن ربنا جل وعلا قد ندبنا في كتابه الكريم إلى الاهتمام بالتعامل مع الخلق، وقال الله تعالى عن القريب إذا سأله أقرباؤه نفقة، أو صدقة، أو معونة، ولم يجد شيئاً يساعدهم به فلا أقل من كلمة طيبة، واعتذار حسن، قال ربنا: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} تعرض عن الأقرباء، ليس عندك ما تعطيهم، وتنتظر غنىً من الله، {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} [سورة الإسراء:28] ولاً حسناً، وعدهم وعداً حسناً، إن أيسرت أعطيتك وبذلت لك، وسددت حاجتك ونحو ذلك. وقال الله عز وجل: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} [سورة البقرة :
83]،  هذه عبارة قرآنية من كلام الرب جل وعلا، "وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً" [سورة البقرة :83] كم من الناس يمتثلها اليوم؟ كم من الناس يتعاملون بالقول الحسن فيما بينهم؟ ولننتقل يا عباد الله إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم لنذهب وإياكم في جولة تشهد لهذا الأصل العظيم حسن التعامل مع الخلق في هذه الشريعة.


التعامل مع الوالدين.

أما حق الوالدين فمعلوم ومعروف، والأمر ببرهما مشتهر ومألوف في هذه النصوص الشرعية، لقد حدثنا أبو بردة أنه شهد ابن عمر ورجل يماني يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره وهو يقول:

إني لها بعيرها المذلل *** إن أذعرت ركابها لم أذعر

ثم قال: يا ابن عمر، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة، اذكر آلام الطلق لما حملت أمك بك وعند وضعها لك، قال: لا، ولا بزفرة واحدة. ثم طاف ابن عمر فأتى المقام فصلى لركعتين، ثم قال: يا ابن أبي موسى إن كل ركعتين تكفران ما أمامهما. وعن أبي مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب: أنه ركب مع أبي هريرة وما أدراك ما أبو هريرة في بر الوالدة، أبو هريرة شأنه عظيم في بر الوالدة حتى توسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو ربه لهدايتها فهداها الله من أجل ذلك. ركب هذا الراوي مع أبي هريرة إلى أرضه بالعقيق، فإذا دخل أبو هريرة أرضه صاح بأعلى صوته: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أمتاه، فتقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. يقول: يرحمكِ الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: يا بني وأنت فجزاك الله خيراً ورضي عنك كما بررتني كبيراً. إحسان متبادل، وعاطفة منسجمة بين الوالدة وولدها. والأب حقه عظيم وكان أبو هريرة يوصي بالوالد أيضاً، فعن عروة أو غيره أن أبا هريرة أبصر رجلين فقال لأحدهما ما هذا منك؟ ما علاقته بك وما علاقتك به؟ فقال: أبي، فقال: لا تسمه باسمه ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله. لا بد أن يظهر عليك حتى في مشيتك أنه أبوك.

التعامل مع الأرحام.

وأما الأرحام فحسن التعامل معهم هو صلتهم والصلة أعلى من المعاملة بالمكافأة، فإن صلة من قطع أعلى درجة من مكافأة يظهرها من عومل بمثلها. عن أبي هريرة قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، ويجهلون وأحلم عنهم، هذه معاملتي وهذه معاملتهم، هذا أذاهم وهذا إحساني، وهذا ما أقابلهم به حتى اشتد ذلك على الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن كان كما تقول) لئن كان الأمر كما تقول(كأنما تسفهم المل) أي تطعمهم الرماد الحار، وهو تعبير ينبئ عن علو كعبه، وارتفاع أمره عليهم، وأن له الحجة فوقهم، وأنه قد أدانهم (ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)[رواه مسلم2558]، المعونة من الله.

التعامل مع الأولاد.

وأما الأولاد فإحسان التعامل معهم بالرحمة بهم، والشفقة عليهم، عن أنس بن مالك قال: جاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، امرأة فقيرة، فأعطت كل صبي لها تمرة، الأم التفت إلى الصبيين فأعطت كل صبي تمرة، وأمسكت لنفسها تمرة، فأكل الصبيان التمرتين، ونظرا إلى أمهما فعمدت إلى التمرة المتبقية، فعمدت إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة وبقيت هي بلا شيء، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة فقال: (وما يعجبك من ذلك؟ لقد رحمها الله برحمتها صبييها)[رواه البخاري في الأدب المفرد89]، الإحسان إلى الأولاد والأطفال بملاطفتهم وتقبيلهم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبلون صبيانكم، فوالله ما نقبلهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة)[رواه البخاري5998]. فدل ذلك أن عدم تقبيل الصبيان من علامات نزع الرحمة من القلب.  وذلك الرجل الذي تباها بأن له عشرة من الولد ما قبلهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحم)[رواه البخاري5997]. وكان فضله وملاطفته وبشاشته صلى الله عليه وسلم متعدية إلى أحفاده، فعن أبي هريرة قال: ما رأيت حسناً قط إلا فاضت عيناي دموعاً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فوجدني في المسجد فأخذ بيدي، فانطلقت معه، فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع، فطاف فيه ونظر، ثم انصرف وأنا معه حتى جئنا المسجد، فجلس فاحتبى، ثم قال: (أين لكاع؟ ادعوا لي لكاعاً)، فجاء حسن يشتد، جاء الولد الصغير المدعو، فجاء حسن يشتد فوقع في حجره صلى الله عليه وسلم ثم أدخل يده في لحيته، الولد متعود على الملاطفة والملاعبة، أدخل يده في لحية جده صلى الله عليه وسلم، ثم جعل النبي صلى الله عليه وسلم يفتح فاه فيدخل فاه في فيه ثم قال: (اللهم إني أحبه فأحببه وأحب من يحبه)[رواه البخاري10510]. وعن يعلى بن مرة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام، فإذا حسين يلعب في الطريق فأسرع النبي أمام القوم ثم بسط يديه، فجعل الغلام يفر هاهنا وهاهنا، ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه ثم اعتنقه ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، الحسين سبط من الأسباط)[رواه الترمذي3775].

التعامل مع الجيران.

أما الجيران وما أدراك ما الجيران، وما حق الجار، فإن الشأن عظيم والتقصير والتفريط كبير. عن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان أو قال: حين وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، كله إيثار لا أحد يرى أنه أحق بماله من أخيه، المال للجميع، "ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم"، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول: يا رب هذا أغلق بابه دوني، فمنع معروفه)[رواه البخاري في الأدب المفرد111]، والله تعالى يمنع عنه المعروف يوم القيامة بما منع المعروف عن جاره، وأوصى أبا ذر، قال: أوصاني خليلي بثلاث، فمنها: (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك أو اقسم في جيرانك)[رواه مسلم2625]، فبمن يبدأ؟ تقول عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: (إلى أقربهم منك باباً)[رواه البخاري2259]. وعن الحسن أنه سئل عن الجار، من هم الجيران، إلى أين ينبغي أن يكون الفضل ويسير إلى كم من الجيران؟ فقال الحسن رحمه الله: "أربعين داراً أمامه، وأربعين خلفه، وأربعين عن يمينه، وأربعين عن يساره". وأما إيذاؤه فشنيع وعظيم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا خير فيها هي من أهل النار)[رواه البخاري في الأدب المفرد119]. وعن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله إن لي جاراً يؤذيني، فقال: (انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق) فانطلق فأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه، فقالوا: ما شأنك؟ قال: لي جار يؤذيني، أي: أنه ما أطاق البقاء في بيته وأخرج المتاع إلى الشارع وجلس، قال: لي جار يؤذيني فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق)، فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم اخزه، يدعون على جاره، اللهم اخزه، فبلغ الجار ما يفعل الناس، فأتاه فقال: ارجع إلى منزلك فوالله لا أؤذيك.[رواه أبو داود5153]اتعظ وارتدع ورجع إلى الإحسان. وكان ثوبان يقول: ما من جار يظلم جاره ويقهره حتى يحمله ذلك على أن يخرج من منزله إلا هلك. وكم من الناس اليوم غيروا سكنهم وخرجوا من بيوتهم بسبب جيرانهم، فكان أذى الجار حاملاً لهم على الخروج من المسكن، وتغيير البيت من أجل أذى الجار، كم؟ وكم؟ وربما انتقل إلى بيت إيجاره أعلى، أو بيت أضيق شكاية من جاره، من أجل أذى الجار.

التعامل مع الأيتام والعبيد.

وأما الأيتام فالإحسان إليهم ومعاملتهم باللطف والإنفاق عليهم من هذه الشريعة، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل)[رواه البخاري5353]. ولذلك كان عبد الله كما يقول أبو بكر بن حفص: لا يأكل طعاماً إلا وعلى خوانه يتيم، لا بد أن يدعو يتيماً في كل وجبة من وجبات طعامه ليأكل معه، إحساناً إلى اليتامى.
وأما العبيد والخدم فالإحسان إليهم بالرفق بهم، والتخفيف عنهم، وترك إيذائهم ماذا فيه؟ ماذا ورد فيه؟ عن أبي أمامة قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم مع غلامان فوهب أحدهما لعلي صلوات الله عليه وقال: (لا تضربه فإني نهيت عن ضرب أهل الصلاة، وإني رأيته يصلي منذ أقبلنا)، وأعطى أبا ذر غلاماً وقال: (استوص به معروفاً)، فأعتقه، فقال:(ما فعل؟) يسأل أبا ذر بعد ذلك، ماذا فعلت بالغلام؟ قال: أمرتني أن أستوصي به خيراً فأعتقته.[رواه أحمد21650]. وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً: (اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه)، فالتفتُ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله فهو حر لوجه الله، فقال: (أما لو لم تفعل لمستك النار أو للفحتك النار)[رواه مسلم1659]. وعن عمار بن ياسر قال: لا يضرب أحد عبداً له وهو ظالم له إلا أقيد منه يوم القيامة، هذا في العبد الذي يملكه صاحبه، اشتراه بماله، يملكه يملك رقبته، فكيف إذا كان خادماً لا يملكه، ولم يشتره بماله، وإنما هو حر، أو حرة من الأحرار، ومع ذلك يضربونهم، ويجرحونهم، ويكسرونهم، ويذهبون إلى المستشفيات، حال بعض الناس مع الخدم في الإهانة والإيذاء والشدة لا يعلمه إلا الله، مع أنهم لا يملكونهم، وهذا الذي يملكه يقول عمار: لا يضرب أحد عبداً له وهو ظالم له إلا أقيد منه يوم القيامة. فماذا سيفعل بعض الخدم ببعض المخدومين يوم القيامة؟ وعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبا اليَسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا معه حال غلامه وحسن لباسه مع سيده، فكلموا أبا اليَسر في حال هذا الغلام، في هذه اللبسة الجميلة الجيدة، فقال: يا ابن أخي، بَصُرَ عيني هاتين وسمع أذني هاتين ووعاه قلبي، وأشار إلى مناط قلبه، النبي يقول: (أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون)[رواه مسلم3014]، وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون عليَّ من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة. وعن أبي ذر قال: إني ساببت رجلاً فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي - يعني عليه الصلاة والسلام-:(أعيرته بأمه؟) قلت: نعم، قال: (إن إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم)[رواه البخاري30]. وأما الإحسان إلى من صنع إليك معروفاً فمكافأته على معروفه، وكم من الناس يجحد المعروف ويتنكر لمن صنع إليه معروفاً حتى إذا رآه كأنه لم يقابله من قبل، جاحدي المعروف، جاحدو المعروف في هذه الدنيا كثير. عن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليه معروف فليجزئه فإن لم يجد ما يجزئه فليثن عليه فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره وإن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بما لم يعط فكأنما لبس ثوبي زور)[رواه البخاري في الأدب المفرد215]، إذن إذا لم تستطع مكافأته فاذكر معروفه بين الناس، واثن عليه، فإذا كتمت ذلك فقد كفرت بمعروفه. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى يعلموا أن قد كافأتموه))[رواه النسائي2567].

التعامل مع الأصدقاء.

وأما الإحسان إلى الأصدقاء وصديقات الزوجة وأصدقاء الأبوين فإنه من حسن التعامل مع الخلق. فعن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالشيء يقول: (اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة خديجة)، (اذهبوا إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة)[رواه البخاري في الأدب المفرد232]صلى الله عليه وسلم يتذكر الغابر، يتذكر الدهر الماضي، يتذكر العلاقات القديمة، حسن العهد من الإيمان. أما الإخوان أما الأصدقاء فإنه لا بد أن يكون الإنسان على صلة ورحمة بهم، وهذا ما سنعرف بعض أمثلته بعد قليل. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهب لنا من أمرنا رشداً، وأن يعيننا على حسن التعامل مع الخلق، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ويشركون، نحمدك اللهم ونثني عليك، ونشكرك، ونوحدك، ولا نكفرك، ونخلع كل من يكفرك. وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، هو رسول الله الرحمة المهداة والبشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وذريته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين.

التعامل مع الأصحاب.

عباد الله: قال صلى الله عليه وسلم: (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه)[رواه الترمذي1944]، وقال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن مرآة أخيه والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه)[رواه أبو داود4918]، فيحفظه في ماله ويتعاهد حاله، ويصلح شأنه ويرعى مصلحته. ولذلك لا يجوز أبداً المصارمة بين الإخوان، القطيعة والهجران من المحرمات، عن هشام بن عامر الأنصاري ابن عم أنس بن مالك، وكان قتل أبوه يوم أحد: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمسلم أن يصارم مسلماً فوق ثلاث، فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما، وإن أولهما فيئاً يكون كفارته عند سبقه بالفيء). إذا سبق بالرجوع إلى صاحبه كان ذلك الرجوع كفارة لما حصل. (وإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً أبداً، وإن سلم عليه فأبى أن يقبل تسليمه وسلامه رد عليه الملك ورد على الآخر الشيطان)[رواه البخاري في الأدب المفرد402]، رد الملك على المسلم البادئ، ورد على الآخر الشيطان، قاله عليه الصلاة والسلام، فانظر الآن في أحوالنا الاجتماعية وتقاطع بعضنا مع بعض، وهذا لم يدخل بيت قريبه منذ كذا سنة، وآخر يمر بالمجلس فيتعدى واحدهم لا يسلم عليه لما بينه وبينه من القطيعة.

حقوق الأخوة عظيمة، والإعداد للقاء الإخوان من الدين، فعن ثابت البناني قال: أن أنساً كان إذا أصبح دهن يده بدهن طيب لمصافحة إخوانه، أنس إذا أصبح وضع الطيب في يده؛ لأنه سيمشي ويشاهد ويقابل إخوانه وسيصافحهم، فليكن ما ينتقل من كفه إلى كف أخيه طيب.
 
حتى توزيع النظر في الجلسات مع الإخوان، عن حبيب بن أبي ثابت قال: كانوا يحبون إذا حدث الرجل أن لا يقبل على الرجل الواحد ولكن ليعمهم بنظره، يوزع عليهم النظرات، اشتراك الجميع وإشراك الجميع.

ولا يجوز ترويع الأخ المسلم أبداً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعباً ولا جاداً، فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه)[رواه البخاري في الأدب المفرد241].

وأما كبار السن فإن إحسان التعامل معهم باحترامهم وتوقيرهم، فعن أبي موسى الأشعري قال: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم. إذا أردت أن تجل الرب عز وجل فأكرم ذي الشيبة المسلم، أكرم ذا الشيبة المسلم، أكرمه. وأما قضاء حوائج الناس ووعدهم خيراً فقد كان صفة من صفات نبينا صلى الله عليه وسلم، فعن أنس قال: كان النبي رحيماً، وكان لا يأتيه أحد إلا وعده. يعده خيراً، وأنجز له إن كان عنده، وأقيمت الصلاة وجاءه أعرابي، بعد إقامة الصلاة، فأخذ بثوبه، فقال: إنما بقي من حاجتي يسيره، باقي مطلب، بقي سؤال، وأخاف أنساها، فقام معه حتى فرغ من حاجته ثم أقبل فصلى. والتجاوز عن المحتاجين، والمساكين، والمدينين أصحاب الديون أمر عظيم من إحسان التعامل إلى الخلق، عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه قد كان رجلاً يخالط الناس وكان موسراً، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه)، يقول للملائكة: (تجاوزوا عنه) بعد أن لقي الله كان موحداً ليس له من الخير إلا ذلك، قال: (تجاوزوا عنه)[رواه مسلم1561]. المواساة مواساة الناس في السنة والمجاعة، في القحط، في الشدة، تنزل بالناس ظروف صعبة، يحتاجون تضيق أحوالهم، ما هو حسن التعامل مع الخلق في هذه الحالة؟ المواساة، البذل لهم، ولذلك قال الأنصار: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، مع أن المهاجرين ما تعبوا في شيء، قال: (لا، لا يعرفون الزراعة)، لا يعرفون الزراعة، فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا.[رواه البخاري2325] وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام عام الرمادة، وكانت سنة شديدة ملمة، بعد ما اجتهد عمر في إمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلها مما جهدها ذلك، فقام عمر يدعو، فقال: اللهم اجعل رزقهم على رؤوس الجبال. فاستجاب الله له وللمسلمين، فقال حين نزل به الغيث: الحمد لله، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم. إذا كانوا خمسة أدخل معهم خمسة، إذا كان أهل بيت ميسورين أربعة أدخل معهم أربعة، إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء، فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم الواحد، يعني: طعام الواحد يكفي الاثنين. قال محمد بن زياد: أدركت السلف، انظروا إلى الأخلاق، التعامل بين الجيران، بين الناس في ذلك الوقت، رحمة الله على أهل ذلك الوقت، "أدركت السلف وإنهم ليكونون في المنزل الواحد بأهاليهم، فربما نزل على بعضهم الضيف وقدر أحدهم على النار، واحد قدره على النار والثاني نزل عنده ضيوف، فيأخذها صاحب الضيف لضيفه، يأتي صاحب الضيف إلى القدر التي لصاحبه ويأخذها لضيفه، فيفقد القدر صاحبها فيقول: من أخذ القدر؟ فيقول صاحب الضيف: نحن أخذناها لضيفنا، فيقول صاحب القدر: بارك الله لكم فيها. قال بقية: قال محمد: والخبز إذا خبزوا مثل ذلك، وليس بينهم إلا جدر من قصب، الحدود جدار من قصب، فالواحد لا يجد حرجاً أن يأخذ من أخيه وأخوه يفرح إذا أخذ منه؛ لأن الأول يأخذ برضا الثاني وهو يعلم أنه راضي. أين هذه الأخلاق؟ أين هذه الأخلاق؟ وكان الضيوف من التعامل مع صاحب البيت أن لا يحرجوه، فقد قال صلى الله عليه وسلم لما ذكر (جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه)[رواه البخاري6135]. لا يحل له أن يقيم عنده حتى يحرجه ويضيق عليه. وأما مشاركة العمال والموظفين فاسمع ما قال نافع بن عاصم: أنه سمع عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من الوهط بستان وأرض كانت لابن عمرو: أيعمل عمالك؟ قال: لا أدري، قال: أما لو كنت ثقفياً لعلمت ما يعمل عمالك، ثم التفت إلينا فقال: "إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره". وقال أبو عاصم مرة: في ماله، في الشركة في المؤسسة في الدكان في البيت، "كان عاملاً من عمال الله عز وجل"، كأنما يعمل لله، من عمال الله عز وجل، مشاركتهم في العمل، من عمال الله عز وجل. 

التعامل مع الحيوانات.

حتى حسن التعامل يصل إلى البهائم والحيوانات وليس إلى الآدميين فقط، فعن قرة:قال رجل: يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها، أو إني: لأرحم الشاة أن أذبحها، قال: (والشاة إن رحمتها رحمك الله) مرتين [رواه أحمد15165]. وعن عبد الله بن مسعود قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً، في مشوار في طريق نزل منزلاً فأخذ رجل بيض حمّرة – نوع من الطيور، تسلق أخذ بيضها من عشها- فجاءت الحمّرة ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحوم وتحف بجناحيها، فقال عليه الصلاة والسلام: (أيكم فجع هذه بيضتها؟ أيكم فجع هذه بيضتها؟)، فقال رجل: يا رسول الله أنا أخذت بيضتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اردده رحمة لها، اردده رحمة لها)[رواه أحمد3825]. حتى البهائم والحيوانات. هذا جانب من حسن التعامل مع الخلق، استفدنا كل ما ورد من الأحاديث والآثار الصحيحة من كتاب الإمام العظيم أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، فالله يغفر له ويرحمه على ما نفعنا به من هذه العلوم. في كتابه العظيم (الأدب المفرد)، وفيه خير كبير، وهذا الجانب منتقى منه فقط في قضية الإحسان إلى الخلق، في التعامل مع الناس. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الأخيار، اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنبنا، وتلم شعثنا، وتثبت أمننا، اللهم اقض ديوننا واكبت عدونا وارحم ميتنا، اللهم سد جوعتنا، اللهم استر عيوبنا يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام وأهله بسوء في هذه البلد وسائر بلدان المسلمين فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، يا رب العالمين، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأرشد الأئمة وولاة الأمور، اللهم ارحمنا برحمتك يا عزيز يا غفور، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى...



 
 تم النشر يوم  الثلاثاء، 9 أبريل 2013 ' الساعة  10:17 ص


 
Toggle Footer