الخميس، 18 أبريل 2013

 الخوف من الله


أحمد محمد مخترش

الحمد لله ذي الملك والملكوت، والعزة والجبروت، والكبرياء والعظمة، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، بيده القسط يخفضه ويرفعه، الكبرياء رداؤه، والعظمة إزاره. والصلاة والسلام على خير الأنام، من زكى الله بصره فقال: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17]، وزكّى عقله فقال: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2]، وزكّى فؤاده فقال: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]، وزكّى لسانه فقال: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3]، وزكّاه كله فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي التقى والنهى، وسلم تسليمًا.


أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وخافوه واخشوه وحده ولا تخشوا أحدا غيره وكما قال الفضيل: من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد قال تعالى: ﴿ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾ [المائدة: 44]، ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 176].



أيها الإخوة:

لقد بعد كثيراً من الناس عن الله, وتجرؤ عليه بأنواع المعاصي والذنوب التي ما ارتكبها هؤلاء الناس إلا بسبب ضعف جانب الخوف من الله في قلوبهم وبسبب غفلتهم عن الله ونسيان الدار الآخرة، فالخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة وقلّ أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى والشهوة والغفلة فالخوف هو الذي يهيج في القلب نار الخشية التي تدفع الإنسان المسلم إلى عمل الطاعة والابتعاد عن المعصية.



فيا أيها الناس:

اتقوا الله ربكم، فإن عذابه أليم، وأخذه شديد، إنه سوط الله يقوّم به الشاردين عن بابه، ويردهم به إلى رحابه، كم فك الله به من أسير شهوة ملكت عليه نفسه وأبعدته عن ربه، كم أطلق من سجينِ لذَّاتٍ أطبقت عليه سُرادقها، وكم كسر من قيود مستعبِدٍ لهواه متألِّهٍ له من دون الله، كم أعان على خلق كريم، وكم كف عن خلق ذميم، كم أطفأ من نار حسد وحقد، وكم منع من إساءة وتعدٍّ وظلم، كم أيقظ من غافل عاش طول عمره في الشهوات معرضًا عن الله - تعالى - والدار الآخرة، كم به من زانية عفَّت، وغانية تنسَّكَت. إنه سمة المؤمنين وآية المتقين، وهو طريق الأمن في الآخرة.



إنه - أيها المؤمنون - الخوف من الله، إنه هو المانع للذنب، العاصم من الخطأ، الحافظ من الزلل، المبعد عن الخلل؛ وأنى لقلب لم يُزرع فيه خوف الله أن يرتدع عن الهوى؟! وكيف لفؤاد لم تسكنه خشية الله، والهيبة لجلاله، والوجل من بطشه، والإشفاق من وعيده، كيف له أن يعمر بالطاعة ويتجافى عن المعصية، ويستوحش من الذنب؟! وما كثرت الذنوب، وأظلمت القلوب، إلا لقلة الخوف من علام الغيوب؛ تحيط بنا العبر، وتكثر الحوادث، وتعظم الكوارث، وتفتت الأمم، وتحل النقم، والأنفس لاهية، والأفكار ساهية، وحبال التقوى واهية.



لو خشيت الأمة ربها وخافت وعيده لما تخلفت عن الصلوات واتبعت الشهوات، حينما قل خوف الله رأينا ما رأينا من مشاهد الاستخفاف بالأخلاق والقيم في احتفالات ما يسمى باليوم الوطني، يوم أن ضعف خوف الله عند بعض نسائنا تساهلنا بالحجاب، وتعرينا من الحياء بعد أن تعرينا من اللباس!



أتخمت البيوت بالمعاصي، ومُلئت العقول بالشبهات، وأُترعت النفوس بالشهوات، تُسمَع المعصية وقلّ من ينكرها، ويشاهد المنكر وكأنه المعروف، يُجالَس صاحب المعصية، ويؤاكَل ويشارَب مرتكب الكبيرة دون حرج في النفس من فعله، أو إنكار في القلب لسلوكه. هذه - أيها المسلمون - حالنا يوم أن ضعف خوف الله من قلوبنا، وقلت هيبة الله في نفوسنا.



لم لا نخشَى الله؟! أليس هو الله الذي خلق فسوى وقدّر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى؟! أليس هو الإله العظيم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟! لم لا نخاف الله؟! أليس كل ما في هذا الكون شاهدًا على عظمته وقدرته؟! كله ساجد عابد ذاكر شاكر ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44]، لماذا لا نخاف من الله وهو العظيم الذي قهر بعظمته كل شيء؟! العظيم في صفاته، العظيم في قدرته وعلمه.



إنه الله الذي يطوي السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟! أين المتكبرون؟! ثم يطوي الأرضين، ثم يأخذهن ويقول: أنا الملك، أين الجبارون؟! أين المتكبرون؟! إنه الله الذي خلق السماوات والأرض، وما بينهما مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله على العرش استوى، جل جلاله.



إنه الله، ما موضع كرسيه من العرش إلا مثل حلقة في أرض فلاة، إنه الله الذي له عباد مكرمون يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.



إنه الله، رب جبريل، ذاك القوي المكين، له ستمائة جناح، بطرف جناح واحد اقتلع قرى قوم لوط من أسافلها ورفعهم إلى السماء ثم خسف بهم، وبجناحه سد الأفق، جبريل هذا رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به وكأنه حلس بالٍ بجانب عظمة الخالق - جل جلاله -.



إنه الله القوي الذي تتصاغر أمام قوته كل قوة، وتتضاءل عند ذكر عظمته كل عظمة، جاء حبر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، أو: يا أبا القاسم: إن الله - تعالى - يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعجبًا مما قال الحبر، وتصديقًا له، ثم قرأ: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزُّمر: 67]. إنه الله -جل جلاله-؛ فلماذا لا نخاف الله؟!



لماذا لا نخاف من الله مثلهم؟! ﴿ إِنّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، وخافه سيد الورى وخير من وطئ الثرى فقال: "والله إني لأعلمكم بالله، وأشدكم له خشية!"، وخافه الصالحون من عباده ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال: 2]، ﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة: 83]، ﴿ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58].



بكى يومًا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، فبكت فاطمة زوجه، فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلت عنهم العبرة قالت له فاطمة: يا أمير المؤمنين: ما الذي أبكاك؟! قال: ذكرت منصرف الناس من بين يدي الله -عز وجل- فريق في الجنة وفريق في السعير.



لماذا لا نخاف من الله؟! أليس هو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويقبض ويبسط؟! بيده الملك وله الخلق والأمر، وكل يوم هو في شأن، يعز ويذل، يغني ويفقر، يُمرض ويشفي؟!



إنه الله الذي هو على كل شيء قدير، ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَر وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].



إنه الله الذي إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، ﴿ فَبِأَيّ آَلَاءِ رَبكَ تَتَمَارَى ﴾ [النّجم: 55]؟!



لماذا نخشى المخلوق وننسى الخالق، لماذا نستخفي من الناس ولا نستخفي من الله وهو الذي أحاط بكل شيء علمًا؟! لماذا لا نخاف من الله وقد علمنا في كتابه كيف عذب المعاندين من عباده؟! إنه الله الذي أهلك عادًا بالريح العقيم، وثمود بالصيحة، وفرعون وقومه بالغرق، وقوم سبأ بالسيل العرم، وقوم نوح بالطوفان، وقوم لوط بحجارة من سجيل؛ وللظالمين أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد.



فما أهون العباد على الله إذا هم عصوه! فبينما هم أمم قاهرة ودول ظاهرة إذ عصوا الله فغشيهم من العذاب ما غشيهم، و﴿ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].



أيها المسلمون:

إن الخوف المحمود هو ما أورث قربًا من الله وبعدًا عن معاصيه، والخوف إذا باشر قلب العبد فاض أثره على جوارحه ولابد، فكفت عن المعاصي، والتزمت بالطاعات؛ استدراكًا لما فات، واستعدادًا لما يستقبل.



ومن صدق خوفه من الله - تعالى - هرب إليه من كل ما يسخطه ويبغضه، وكان متيقظًا لرقابة الله -تعالى- عليه في خواطر قلبه، ولفظات لسانه، وأعمال جوارحه.



ومن صدق خوفه لم يترك نفسه دون مراقبة ومحاسبة، وكلما قوي خوفه قويت مراقبته لله ومحاسبته لنفسه.



ومن لم يترك المعاصي فليس بخائف، كما قيل: ليس الخائف من يبكي ويمسح عينيه، بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه.



الخائف من الله يبادر بالخيرات قبل الممات، ويغتنم الأيام والساعات، الخائف من الله ذاكر للهِ سبحانه، وخاشع متذلل منكسر بين يديه، وبالجملة؛ فإن الخائف من الله - تعالى - ملتزم تقواه ظاهرًا وباطنًا، مبادرًا إليه بجميع الخيرات التي تبلّغه مأمنه، كما في الحديث: "مَن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة، ألا إن سلعة الله غالية! ألا إن سلعة الله الجنة!".



وقد قال ربنا: ﴿ وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِن الجَنّةَ هِيَ المَأْوَى ﴾ [النّازعات: 40-41]. فالذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصيته، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة فَظلّ في دائرة الطاعة.



الخوف من الله - أيها المسلمون - هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة، وقلّ أن يثبُت حاجزٌ غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى! والله -تعالى- لم يكلف الإنسان أن لا يشتجر في نفسه الهوى، فهو - سبحانه - يعلم أن هذا خارج عن طاقته، ولكنه كلفه أن ينهاها، ويكبحها، ويمسك بزمامها؛ وأن يستعين في هذا بالخوف، الخوف من مقام ربه الجليل العظيم.



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية


الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.



أما بعد:

أيها المسلمون: الخوف من الله - عز وجل- عبادة قلبية لا يجوز أن تصرف لغير الله، فالله – عز وجل - يقول لنبيه: ﴿ وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَق أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37]، ويقول لعباده: ﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَق أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 13].



وإنَّ من أسباب إفراد الله - عز وجل - بالخوف علمَ العبد أن الله - عز وجل - وحده هو الذي يملك الضر والنفع، ولا تتحرك مثقال ذرة ولا أصغر منها ولا أكبر إلا بمشيئته - سبحانه - وعلمه وحوله وقوته، وفي وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام، وجفَّت الصحُف"؛ بل قال الله - تعالى - لأعظم خلقه: ﴿ قُلْ إِنّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا ﴾ [الجن: 21].



وبقدر خوفك من الله يهابك الخلق؛ فعن عبد الله البعمري الزاهد قال: "إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه ولا تأمر ولا تنهى عن المنكر خوفًا ممن لا يملك لك ضرًّا ولا نفعًا، مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة المخلوقين نُزِعَت منه الهيبة، فلو أمر بعض ولده لاستخف به". فإن من خاف اللهَ خاف منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.



إن ربكم - أيها المسلمون - يناديكم من فوق عرشه بكلمات في كتابه نصها: ﴿ فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾ [المائدة: 44]، ﴿ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51]، ﴿ يَا أَيّهَا النّاسُ اتَقُوا رَبّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ [لقمان: 33].



فمَن منا - يا عباد الله - استجاب لنداء الله؟! مَن منا إذا دعته نفسه إلى مخالفة أمر الله قال: ﴿ إِنّي أَخَافُ اللهَ رَب العَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28]؟! مَن منا إذا دعته امرأة ذات منصب وجمال قال: ﴿ إِنّي أَخَافُ اللهَ ﴾، مَن منا إذا سولت له نفسه تضييع الصلوات وترك الجماعات واتباع الشهوات عصاها وقال: ﴿ إِني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام: 15]؟!



أخي أيها العاصي المذنب - وكلنا كذلك -: إني أحذرك ونفسي مقامًا عنت فيه الوجوه، وخشعت فيه الأصوات، وذل فيه الجبارون، وتضعضع فيه المتكبرون، واستسلم فيه الأولون والآخرون بالذل والمسكنة والخضوع لرب العالمين، وقد جمعهم الواحد القهار الذي لا ثاني له في الهيبة، ولا مشارك في حكمه، جمعهم بعد طول البلى للفصل والقضاء في يوم آلى فيه على نفسه أن لا يترك فيه عبدًا أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله في سره وعلانيته. فانظر وقوفك بين يديه، وأعد للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا، حيث لا يصدق إلا الصادقون.



فليكن أول ما تبدأ به من العدة لذلك المقام تقوى الله - عز وجل- في السر والعلانية؛ ليأمن قلبك في ذلك المقام مع قلوب المتقين، حين ينجز الله لهم ما وعدهم من الأمن والغبطة والسرور.



أسأل الله - تعالى - أن يجعلنا ممن يخافه ويتقيه، ويطيعه ولا يعصيه.



هذا؛ وصلوا وسلموا على مَن أمركم ربكم بالصلاة عليه فقال تعالى قولاً كريماً ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صلي وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه, وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد.



اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين يا رب العالمين، اللهم أذِلَّ الشركَ والمُشركين. اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيّك يا رب العالمين، اللهم يسِّر أمرَ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ، اللهم اشرَح صُدورَنا، ويسِّر أمورَنا يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لموتانا وموتى المُسلمين، اللهم نوِّر عليهم قبورَهم، اللهم ضاعِف حسناتِهم، وتجاوَز عن سيِّئاتِهم يا أرحم الراحمين.



اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاةَ أمورنا. اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، ولما فيه الخيرُ للإسلام والمُسلمين، وما فيه الخيرُ لشعبه ووطنه يا رب العالمين، اللهم ألبِسه ثوبَ الصحة إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم احفَظ بلادَنا من كل شرٍّ ومكروهٍ، واحفَظ بلادَ المُسلمين يا رب العالمين، اللهم الطُف بإخواننا المُسلمين في الشام، اللهم هيِّئ لهم من أمرِهم رشَدًا واكفِهم شِرارَهم يا رب العالمين. اللهم احفَظ الإسلامَ وأهلَه في كل مكانٍ، اللهم أصلِح أحوالَنا يا رب العالمين ما ظهرَ منها وما بطَنَ، إنك على كل شيءٍ قدير.


عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



شبكة الألوكة
 تم النشر يوم  الخميس، 18 أبريل 2013 ' الساعة  2:23 م


 
Toggle Footer