الثلاثاء، 23 أبريل 2013

الصبر وأثره في حياة المسلم

تأليف الفقير إلى الله تعالى

  الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي وعد الصابرين أجرهم بغير حساب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام الصابرين وسيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فقد قال الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ([1])، قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلَّم وقال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ([2])، وقال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ([3])، وفي الحديث الصحيح: «والصبر ضياء» رواه أحمد ومسلم، وللبخاري ومسلم مرفوعًا: «وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر». وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «خير عيش أدركناه بالصبر» رواه البخاري.


والصبر: حبس النفس عن الجزع والتسخط وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن التشويش كخمش الوجوه وشق الثياب عند المصيبة، والصبر يكون بالله ولله ومع الله، فالصبر بالله هو الاستعانة به سبحانه فهو وحده المعين على الصبر كما قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ([4]) والصبر لله هو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله وإرادة وجهه والتقرب إليه كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ ربّهم([5])، والصبر مع الله. هو دوران العبد مع مراد الله الدينى منه ومع أحكامه الدينية صابرًا نفسه معها، سائرًا بسيرها، مقيمًا بإقامتها، يتوجه معها أين توجهت، فهذا معنى كونه صابرًا مع الله أي قد جعل نفسه وقفًا على أوامر الله ومحابه، والصبر نصف الإيمان فإنه مركب من صبر وشكر، كما قال بعض السلف: الإيمان نصفان: فنصف صبر ونصف شكر.([6]).

وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فكما أنه لا حياة لمن لا رأس له، فلا إيمان لمن لا صبر له. وهو ثلاثة أنواع: صبر على فرائض الله فلا يضيعها، وصبر على محارمه فلا يرتكبها، وصبر على أقضيته وأقداره فلا يتسخطها، ومن استكمل هذه المراتب الثلاث فقد استكمل الصبر والإيمان، ولذة الدنيا والآخرة ونعيمهما، والفوز والظفر فيهما لا يوصل إليه إلا على جسر الصبر، كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط، فلا ينال دينًا ولا دنيا إلا بالصبر، وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، كما قال تعالى: ﴿أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ([7]).

وإذا تأملت مراتب الكمال المكتسب في العالم رأيتها كلها منوطة بالصبر، وإذا تأملت النقصان الذي يذم صاحبه عليه ويدخل تحت قدرته رأيته كله من عدم الصبر، فالشجاعة والعفة والجود والإيثار كلها صبر ساعة، وأكثر أسقام البدن والقلب إنما تنشأ عن عدم الصبر، فما حفظت صحة القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر، ولو لم يكن في الصبر إلا معية الله مع أهله فإن الله مع الصابرين، ومحبته لهم فإن الله يحب الصابرين، ونصره لأهله فإن النصر مع الصبر، وأنه خير لأهله: ﴿ولَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، وأنه سبب الفلاح والفوز كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [سورة آل عمران: آية 200]([8]).

وقال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ([9])، وقال صلى الله عليه وسلم : «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني فى مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرًا منها» رواه مسلم. 

أيها المسلم الكريم: العبد في تنقلاته في هذه الحياة وأطواره فيها لا يخلو من حالتين إما أن يحصل له ما يحب ويندفع عنه ما يكره، فوظيفته في هذه الحالة الشكر والاعتراف بأن ذلك من نعم الله عليه، فيعترف بها باطنًا، ويتحدث بها ظاهرًا، ويستعين بها على طاعة الله وهذا هو الشاكر حقًّا. الحالة الثانية: أن يحصل للعبد المكروه أو يفقد المحبوب فيحدث له همًّا وحزنًا وقلقًا فوظيفته الصبر لله، فلا يتسخط ولا يضجر ولا يشكو للمخلوق ما نزل به بل تكون شكواه لخالقه سبحانه وتعالى، ومن كان في الضراء صابرًا وفي السراء شاكرًا فحياته كلها خير وبذلك يحصل على الثواب الجزيل ويكتسب الذكر الجميل قال صلى الله عليه وسلم «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» رواه مسلم.
والخير الحاصل للشاكرين هو الزيادة ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ([10]) والخير الحاصل للصابرين هو الأجر والثواب والمغفرة والرحمة.

أيها المسلم الكريم: متى أصابك مكروه في بدنك أو مالك أو حبيبك، فاعلم أن الذي قدَّره حكيم عليم، لا يفعل شيئًا عبثا يُقَدِّرُ شيئًا سدى، وأنه تعالى رحيم قد تنوعت رحمته على عبده يرحمه فيعطيه، ثم يرحمه فيوفقه للشكر ويرحمه فيبتليه، ثم يرحمه فيوفقه للصبر. فرحمة الله متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها، ويرحمه أيضًا بأن يجعل ذلك البلاء مكفرًا لذنوبه وآثامه، ومنميًا لحسناته، ورافعًا لدرجاته، ومن استكمل مراتب الصبر والشكر فهو الكامل في كل أحواله، وإذا أصيب العبد بمصيبة فآمن بالقدر ولجأ إلى الصبر والاحتساب خفت وطأتها وهانت مشقتها، وتم له أجرها وكان من الفضلاء الكرام، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم([11]).

روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة ومعه عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فقال: «ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا (وأشار إلى رأسه) أو يرحم»، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه ابن ابنته وهو في الموت ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد ما هذا يا رسول الله قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء»، وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! قال: «يا ابن عوف إنها رحمة» ثم أتبعها بأخرى فقال: «إن العين لتدمع، والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون».

أما الذي منعه الشرع عند المصائب فهو التسخط والجزع والندب - وهو تعداد محاسن الميت- والنياحة -وهي رفع الصوت بذلك- كما نهى عن لكم الخدود، وشق الجيوب، وحلق الشعور عند المصيبة وهو من كبائر الذنوب، حيث تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فاعله فقد قال صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» رواه البخاري في صحيحه.

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (برئ من الصالقة والحالقة والشاقة) فالصالقة: هي التى ترفع صوتها بالنياحة عند المصيبة، والحالقة: هي التى تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: هي التى تشق ثيابها عند المصيبة، وكل هذا حرام باتفاق العلماء.

وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: أرسلت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم للرسول تدعوه وتخبره أن ابنًا لها في الموت، فقال عليه الصلاة والسلام للرسول: «ارجع إليها فأخبرها: أن لله ما أخذ، وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب».

قال النووي رحمه الله: فهذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والأدب، والصبر عند النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : «إن لله ما أخذ» أن العالم كله ملك لله لم يأخذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


أصول نافعة جامعة في مسائل المصائب والمحن

1- أن ما يصيب المؤمنين من الشرور دون ما يصيب الكافرين.

2- أن ما يصيب المؤمنين مقرون بالرضا والاحتساب فإن فاتهم ما يريدون فمعولهم على الصبر والاحتساب، وذلك يخفف البلاء بلا ريب.

3- أن المؤمن محمول عنه بحسب طاعته وإخلاصه، ووجود حقائق الإيمان في قلبه، بحيث لو كان شيء منه

على غيره لعجز عن حمله وهذا من دفع الله عن عبده المؤمن.

4- أن محبة الله إذا تمكنت في القلب كان أذى المحب في رضا محبوبه مُسْتحلى غير مسخوط.

5- أن ما يصيب الكافر والفاجر من العز وتوابعه مقرون بضده.

6- أن ابتلاء الله لعبده المؤمن كالدواء يستخرج منه الأدواء التى لو بقيت أهلكته أو نقصت ثوابه.

7- أن ذلك من الأمور اللازمة للبشر.

8- أن لله في ذلك حكمًا عظيمةً معروفةً.

9- أن ذلك من الابتلاء والامتحان الذي يظهر به الصادق من الكاذب.

10- أن الإنسان مدني بالطبع، ولا بد من الاختلاط واختلاف التصورات والإرادات التي تنشأ عنها كثير من الأكدار، والمؤمن مأمور أن يقوم بوظيفته فيها، وذلك مما يهون المصيبة.

11- أن البلاء الذي يصيب العبد لا يخرج عن أربعة أقسام.

إما أن يكون في نفسه، أو في ماله، أو في عرضه، أو في أهله ومن يحب، والناس مشتركون في حصولها. فغير المؤمن التقي يلقى منها أعظم مما يلقى المؤمن كما هو مشاهد([12]).

والحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.


منزلة الصبر

ومن منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ منزلة الصبر.

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعًا.

وهو واجب بإجماع الأمة. وهو نصف الإيمان. فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر. وهو مذكور في القرآن على ستة عشر نوعًا.

الأول: الأمر به. نحو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: 2] وقوله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: 45] وقوله: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران: 200] وقوله ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ [النحل: 127].

الثاني: النهي عن ضده كقوله ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ۚ [الأحقاف: 35] وقوله: ﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال: 15] فإن تولية الأدبار. ترك للصبر والمصابرة وقوله ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33] فإن إبطالها ترك الصبر على إتمامها. وقوله ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا [آل عمران: 139] فإن الوهن من عدم الصبر.
الثالث: الثناء على أهله، كقوله تعالى: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ [آل عمران: 17] وقوله ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 176] وهو كثير في القرآن.
الرابع: إيجابه سبحانه وتعالى محبته لهم. كقوله: ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [البقرة: 146].

الخامس: إيجاب معيته لهم. وهي معية خاصة. تتضمن حفظهم ونصرهم، وتأييدهم. ليست معية عامة. وهي معية العلم، والإحاطة. كقوله ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 47] وقوله: ﴿ وَاللهُ مع الصَّابِرِينَ [البقرة: 249، والأنفال: 66].

السادس: إخباره بأن الصبر خير لأصحابه. كقوله ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: 126] وقوله ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء: 24].
السابع: إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم. كقوله تعالى ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 96].
الثامن: إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغير حساب. كقوله تعالى ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [يونس: 39].
التاسع: إطلاق البشرى لأهل الصبر. كقوله تعالى ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155].
العاشر: ضمان النصر والمدد لهم. كقوله تعالى ﴿بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران: 125]، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «واعلم أن النصر مع الصبر».

الحادي عشر: الإخبار منه تعالى أن أهل الصبر هم أهل العزائم. كقوله تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى: 43].
الثاني عشر: الإخبار أنه ما يُلَقَّى الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ العظيمة إلا أهل الصبر، كقوله تعالى ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ [القصص: 80] وقوله ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 35].
الثالث عشر: الإخبار أنه إنما ينتفع بالآيات والعبر أهل الصبر كقوله لموسى ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5] وقوله في أهل سبأ ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ: 19] وقوله في سورة الشورى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [الشورى: 33].
الرابع عشر: الإخبار بأن الفوز المطلوب المحبوب، والنجاة من المكروه المرهوب، ودخول الجنة، إنما نالوه بالصبر. كقوله تعالى ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 26].
الخامس عشر: أنه يورث صاحبه درجة الإمامة. سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: بالصبر واليقين تنال الامامة في الدين. ثم تلا قوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24].
السادس عشر: اقترانه بمقامات الإسلام، والإيمان، كما قرنه سبحانه باليقين وبالإيمان والتوكل. وبالشكر والعمل الصالح والرحمة([13]).


خلق الصبر واحتمال الأذى


من محاسن أخلاق المسلم التى يتحلى بها: الصبر، واحتمال الأذى فى ذات الله تعالى. أما الصبر فهوحبس النفس على ما تكره، أو احتمال المكروه بنوع من الرضا والتسليم.
فالمسلم يحبس نفسه على ما تكره من عبادة الله وطاعته، ويلزمها بذلك إلزامًا، ويحبسها دون معاصي الله عز وجل فلا يسمح لها باقترابها، ولا يأذن لها في فعلها مهما تاقت لذلك بطبعها، وهشت له، ويحبسها على البلاء إذا نزل بها فلا يتركها تجزع، ولا تسخط، إذ الجزع، كما قال الحكماء على الفائت آفة، وعلى المتوقع سخافة، والسخط على الأقدار معاتبة لله الواحد القهار، وهو في كل ذلك مستعين بذكر الله تعالى بالجزاء الحسن على الطاعات، وما أعد لأهلها من جزيل الأجر وعظيم المثوبات، وبذكر وعيده تعالى لأهل بغضته وأصحاب معصيته، من أليم العذاب، وشديد العقاب ويتذكر أن أقدار الله جارية، وأن قضاءه تعالى عدل، وأن حكمه نافذ، صبر العبد أم جزع، غير أنه مع الصبر الأجر ومع الجزع الوزر. ولما كان الصبر وعدم الجزع من الأخلاق التي تكتسب وتنال بنوع من الرياضة والمجاهدة، فالمسلم بعد افتقاره إلى الله تعالى أن يرزقه الصبر، فإنه يستلهم الصبر بذكر ما ورد فيه من أمر، وما وعد عليه من أجر، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ([14]) وقوله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ([15]) وقوله ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ([16]) وقوله ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ([17]) وقوله تعالى ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ([18]) وقوله ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ([19]) وقوله ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ([20]) وقوله ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ([21]) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الصبر ضياء»([22]) وقوله: «ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر»([23]) وقوله: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»([24]).
وقوله عليه الصلاة والسلام لابنته وقد أرسلت إليه تطلب حضوره، إذ ولدها قد احتضر فقال لرسولها: «أقرأها السلام، وقل لها: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب»([25])، وقوله: «يقول الله عز وجل: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر عوضته منهما الجنة»([26])، وقوله: «من يرد الله به خيرًا يصب منه»([27]). وقوله: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»([28]) وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة»([29])
وأما احتمال الأذى فهو الصبر ولكنه أشق، وهو بضاعة الصديقين، وشعار الصالحين، وحقيقته أن يؤذى المسلم في ذات الله تعالى فيصبر ويتحمل، فلا يرد السيئة بغير الحسنة، ولا ينتقم لذاته، ولا يتأثر لشخصيته ما دام ذلك في سبيل الله، ومؤديًا إلى مرضات الله، وأسوته في ذلك المرسلون الصالحون إذ يندر من لم يؤذ منهم في ذات الله، ولم يبتل في طريقه إلى الوصول إلى الله، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»([30]) هذه صورة من صور احتمال الأذى كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصورة أخرى له: «قسم يومًا مالاً، فقال أحد الأعراب: قسمة ما أريد بها وجه الله، فبلغ ذلك رسول الله فاحمرت وجنتاه، ثم قال: يرحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر»([31]).
وقال خباب بن الأرت رضي الله عنه : (شكونا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تنتصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دين الله)([32]) وقص الله لنا عن المرسلين وحكى عنهم قولهم وهم يتحملون الأذى فقال: ﴿وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ([33]) وكان عيسى بن مريم عليه السلام يقول لبني إسرائيل: (لقد قيل لكم من قبل: إن السن بالسن والأنف بالأنف، وأنا أقول لكم لا تقاوموا الشر، بالشر بل من ضرب خدك الأيمن فحول إليه الخد الأيسر، ومن أخذ منك رداءك فأعطه إزارك)([34])
وكان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: ما كنا نعد إيمان الرجل إيمانًا إذا لم يصبر على الأذى!.
على ضوء هذه الصور الناطقة، والأمثلة الحية من الصبر والتحمل يعيش المسلم صابرًا محتسبًا متحملاً، لا يشكو ولا يتسخط، ولا يدفع المكروه بالمكروه، ولكن يدفع السيئة بالحسنة ويعفو ويصبر ويغفر: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ([35]).




أسباب الصبر
قاعدة: الصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة:

1- أحدها:
علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءتها، وأن الله إنما حرَّمها ونهى عنها صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل، كما يحمي الوالد الشفيق ولده عما يضره. وهذا السبب يحمل العاقل على تركها ولو لم يعلق عليها وعيد بالعذاب.


2- السبب الثاني:
 الحياء من الله سبحانه، فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى منه ومسمع وكان حييًّا استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه.

3- السبب الثالث:
مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولابد، فما أذنب عبد ذنبًا إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها، وإن أصرلم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة نعمة حتى تسلب النعم كلها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وأعظم النعم الإيمان، وذنب الزنا والسرقة وشرب الخمر وانتهاب النهبة يزيلها ويسلبها. وقال بعض السلف: أذنبت ذنبًا فحرمت من قيام الليل سنة. وقال آخر أذنبت ذنبًا فحرمت فهم القرآن. وفي مثل هذا قيل:


إذا كنت في نعمة فارعها == فإن المعاصي تزيل النعم

وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها كما تأكل النار الحطب، عياذا بالله من زوال نعمته وتحول عافيته.


4- السبب الرابع:
خوف الله وخشية عقابه، وهذا إنما يثبت بتصديقه في وعده ووعيده والإيمان به وبكتابه وبرسوله. وهذا السبب يقوى بالعلم واليقين، ويضعف بضعفهما. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وقال بعض السلف: كفى بخشية الله علمًا، وبالاغترار بالله جهلاً.


5- السبب الخامس:
محبة الله، وهي من أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفتة ومعاصيه، فإن المحب لمن يحب مطيع.

6- السبب السادس:
شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها وحميتها أن تختار الأسباب التى تحطها وتضع قدرها، وتخفض منزلتها وتحقرها، وتسوى بينها وبين السفله.

7- السبب السابع:
قوة العلم بسوء عاقبة المعصية، وقبح أثرها، والضرر الناشئ منها، من سواد الوجه وظلمة القلب، وضيقه وغمه، وحزنه وألمه، وانحصاره وشدة قلقه واضطرابه، وتمزق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، فإن الذنوب تميت القلوب، والعبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب منها صقل قلبه، وإن أذنب ذنبًا آخر نكت نكتة أخرى ولا تزال حتى تعلو قلبه، فذلك هو الران قال تعالى: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14].

وبالجملة: فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علمًا، وآثار الطاعة الحسنه أكثر من أن يحيط بها علمًا فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره في معصيته، وفي بعض الآثار يقول الله سبحانه وتعالى: «من ذا الذي أطاعني فشقى بطاعتي؟ ومن ذا الذي عصاني فسعد بمعصيتي؟».

8- السبب الثامن:
قصر الأمل، وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية وهو مزمع الخروج منها، أو كراكب قال في ظل شجرة ثم سار وتركها فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حريص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل ولا أضر من التسويف وطول الأمل.


9- السبب التاسع:
مجانبة الفضول في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس، فإن قوة الداعي إلى المعاصي إنما تنشأ من هذه القضلات، فإنها تطلب لها مصرفًا فيضيق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام وأعظم الأشياء ضررًا على العبد بطالته وفراغه، فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولابد.



10- السبب العاشر:

وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: ثبات شجرة الإيمان في القلب، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم، وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر. والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.


فصل:

والصبر على الطاعة ينشأ من معرفة هذه الأسباب ومن معرفة ما تجلبه الطاعة من العواقب الحميدة والآثار الجميلة، ومن أقوى أسبابها الايمان والمحبة، فكلما قوي داعى الإيمان والمحبة في القلب كانت استجابته للطاعة بحسبه.


فصل: والصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة:


1- أحدها:
معرفة جزائها وثوابها.

2- الثاني:
العلم بتكفيرها للسيئات ومحوها لها.

3- الثالث:
الإيمان بالقدر السابق الجاري بها، وأنها مقدرة في أم الكتاب قبل أن تخلق فلا بد منها، فجزعه لا يزيده إلا بلاء.

4- الرابع:
معرفة حق الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبر بلا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين، فهو مأمور بأداء حق الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بد له منه وإلا تضاعفت عليه.


5- الخامس:
العلم بترتبها عليه بذنبه،كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ سورة الشورى آية (30).


فهذا عام في كل مصيبة دقيقة وجليلة، فشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في دفع تلك المصيبة.


قال علي بن أبي طالب: (ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة).

6- السادس:
أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه، فإن لم يوف قدر المقام حقه فهو لضعفه، فلينزل إلى مقام الصبر عليها، فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدي الحق.

7- السابع:
 أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواء نافع ساقه اليه الطبيب العليم بمصلحتة الرحيم به، فليصبر على تجرعه، ولا يتقيأه بتسخطه وشكواه فيذهب نفعه باطلا.

8- الثامن:
أن يعلم أن في عقبى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه، فإذا طالعت نفسه كراهة هذا الدواء ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره. قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [سورة البقرة آية 216].

9- التاسع:
أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبين حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

10- العاشر:
أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال. فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال وقال: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).



فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر. نسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه بمنه وكرمه([36]).

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.






مراجع رسالة

(الصبر وأثره في حياة المسلم)



1- مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله.
2- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان له.
3- طريق الهجرتين وباب السعادتين له.
4- زاد المعاد في هدي خير العباد (صلى الله عليه وسلم) له.
5- الرياض الناضرة للشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله.
6- منهاج المسلم للشيخ أبو بكر الجزائري.
7- بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين للمؤلف.


فهرس الرسالة
 
المقدمة............................................... 4

أصول نافعة جامعة في مسائل المصائب والمحن............. 6
منزلة الصبر........................................... 6
خلق الصبر واحتمال الأذى............................ 6
أسباب الصبر......................................... 6
مراجع رسالة (الصبر وأثره في حياة المسلم)............... 6
فهرس الرسالة........................................ 6






([1]) سورة التغابن آية 11.
([2]) سورة التوبة آية 51.
([3]) سورة الحديد آية 22-23.
([4]) سورة النحل آية 127.
([5]) سورة الرعد آية 22.
([6]) انظر مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله ص157جـ2.
([7]) سورة السجدة آية 24.
([8]) انظر زاد المعاد لابن القيم جـ 4 ص333 بتحقيق الأرنؤوط.
([9]) سورة البقرة آية 155-157.
([10]) سورة إبراهيم آية 7.
([11]) انظر الرياض الناضرة لابن سعدي ص57-59.
([12]) انظر إغاثة اللهفان لابن القيم جـ2 ص187-193.
([13]) مدارج السالكين لابن القيم 2/252.
([14]) آل عمران آية 200.
([15]) سورة البقرة آية 45.
([16]) سورة النحل آية 127.
([17]) سورة لقمان آية 17.
([18]) سورة البقرة آية 155-157.
([19]) سورة النحل آية 96.
([20]) سورة السجدة آية 24.
([21]) سورة الزمر آية 10.
([22]) رواه مسلم.
([23]) متفق عليه.
([24]) رواه مسلم.
([25]) متفق عليه.
([26]) رواه البخاري.
([27]) رواه البخاري.
([28]) رواه الترمذي وحسنه.
([29]) رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح.
([30]) متفق عليه.
([31]) متفق عليه.
([32]) البخاري .
([33]) سورة إبراهيم 12.
([34]) الغزالي في الإحياء.
([35]) منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري ص153.
([36]) انظر كتاب "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن القيم ص484-496 طبعة قطر.



 تم النشر يوم  الثلاثاء، 23 أبريل 2013 ' الساعة  4:57 م


 
Toggle Footer