الأربعاء، 1 مايو 2013

الصدقة 

مراد باخريصة 

إن رمضان هو الشهر الذي يتنافس فيه المتنافسون ويتسابق فيه المتسابقون وقد كان من تنافسه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان أنه كان جواداً كريماً رحيماً وكان أجود ما يكون في رمضان فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.



إن من أعظم أنواع البر في هذا الشهر المبارك التقرب إلى الله عز وجل بإخراج شيء من أموالنا طيبة به نفوسنا كريمة به أيدينا فالصدقة تطفئ غضب الرب كما يطفئ الماء النار.



الصدقة ترفع العبد عند الله درجات ويظل الله المتصدق في ظله يوم لا ظل إلا ظله يقول النبي صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمٌْ ﴾.



الصدقة تعين العبد على الطاعة وتذلل له سبل السعادة وتهيئ له طرق الخير والرشاد يقول الله جل جلاله ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾، ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾.



الصدقة بركة المال وطهرته وزيادته وزكاته فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الإمام مسلم أنه: "ما نقص مال من صدقة"، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن المتصدِّق يدعو له ملك من الملائكة فيقول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأما الممسك الشحيح فإن الملك يدعو عليه فيقول: اللهم أعطي ممسكاً تلفاً.



الصدقة من أفضل الأعمال وأحب القربات إلى الله عز وجل يقول النبي صلى الله عليه وسلم" أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن تكشف عنه كربا أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً.



الصدقة تقي صاحبها من البلايا وتحفظه من الكروب والرزايا يقول النبي صلى الله عليه وسلم " صنائع المعروف تقي مصارع السوء" رواه الحاكم وصححه الألباني ولهذا لما انكسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إن هذه الآيات يرسلها الله تعالى يخوف بها عباده فإذا رأيتم منها شيئاً فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا.



الصدقة سبب من أسباب دخول الجنة وسبب من أسباب النجاة من النار يقول النبي عليه الصلاة والسلام " اجعلوا بينكم وبين النار حجاباً ولو بشق تمرة" ويقول " فاتقوا النار ولو بشق تمرة" أي ولو أن تتصدقوا بنصف تمرة قال تعالى ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾.



يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته للنساء: ((يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)).



الصدقة تزكي النفس وتهذب الأخلاق وتربي الروح وتطهر النفوس، قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.



ومن فضائل الصدقة عباد الله أن صاحبها يدرك أجر العامل ويحصل على مثل أجر الفاعل للعمل الصالح يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من فطر صائما كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء" ويقول صلى الله عليه وسلم " من جهز حاجاً أو جهز غازياً أو خلفه في أهله أو فطر صائما فله مثل أجره لا ينقص من أجره شيء" ويقول عليه الصلاة والسلام " من ستر مسلماً ستره الله ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة" بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أجر الصدقة يبقى حتى بعد موت الإنسان فقال " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها " صدقة جارية".



الصدقة فيها انتصار للعبد على الشيطان فإن الشيطان كما قال الله ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.



الصدقة تقي المسلم من الفتنة في أهله وماله ونفسه وولده يقول النبي صلى الله عليه وسلم" فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".



فالبدار البدار أيها الصائمون أدخلوا السرور على أرحامكم وإخوانكم وأقربائكم وأنفقوا من أموالكم فإن الله يخلف عليكم بخير مما أنفقتم قال تعالى ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾.



الخطبة الثانية

عباد الله:

اعلموا أن إمساك المال والشح به والبخل عليه لا يزيده بل يمحقه ويذهب بركته وينزل الغضب على صاحبه كما قال تعالى ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ ويقول ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾.



أيها الصائمون:

اعلموا أن الصدقة من ذوي الدخل المحدود أعظم أجراً وأكثر بركة من صدقة الأغنياء الميسورين يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى".



واعلموا أن خير من توجهون إليه صدقاتكم هم أرحامكم وأقرباؤكم فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة" فالبدار البدار قبل أن يأتي أحدنا الموت ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.



إن المجتمع - وخاصة في ظل هذه الأزمات والارتفاع المتصاعد للأسعار - بحاجة إلى تآلف وتعاون وتآزر فمن يرضى أن يشبع وأخوه جوعان ومن يرضى أن ينام مسروراً قرير العين وجاره حزين تعبان.



كم في المجتمع من أسر مهمومة وبيوت مغمومة كم في المجتمع من أرملة يتلوى صغارها ويتقطع خمارها وتشتكي إلى الله حاجتها وفقرها.



كم في المجتمع من أيتام وفقراء فقدوا آبائهم أو من يعولهم فليس لهم إلا ربهم.



كم من بيت بات خالياً وكم من آيسة استهواها الشيطان بسبب الفقر والحاجة فهولاء جميعاً بحاجة إلى أن ينظر إليهم وأن يعينهم إخوانهم.



يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾، ويقول سبحانه وتعالى عن المتقين: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾.


شبكة الألوكة


 تم النشر يوم  الأربعاء، 1 مايو 2013 ' الساعة  12:45 م


 
Toggle Footer