الخميس، 27 ديسمبر 2012


غض البصر ونعمة الوقت

د. أحمد فريد



الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزِّز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلّبها وأحوالها، المانّ عليهم بتواتُر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وأنشأ البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، وألهمهم حسن الإطلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قُضِيَ وقُدِّر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون.

وأشهد أن لا إله إلا الله، خالق السماوات العلا، ومنشئ الأرضين والثرى، لا راد لقضائه، ولا معقِّب لحكمه، لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون.


وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضي، والأمر المرضي، على حين فترة من الرسل، ودروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأظهر به الإيمان، ورفع دينه على سائر الأديان، فصلى الله عليه وسلم وبارك ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وسلم تسليمًا.


 أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله عزَّ وجلَّ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وما قلَّ وكفى خير مِمَّا كثر وألْهى {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام: 134].



ثم أما بعد أيضًا:

فأريد أن أنبه عباد الله إلى أمرين في هذا الصيف:

الأمر الأول: نعمة الوقت، ونعمة العمر، كيف تنفق الأوقات على البلاجات؟ وكيف تنفق الأوقات على المقاهي؟ وكيف تنفق الأوقات على نواصي السكك، يتفرجون برؤية الغاديات والرائحات؟ بل كيف تنفق الأوقات أمام العجل الفضي، وأمام الشاشة الفضية شاشات التلفاز والفيديو واستقبال البث المباشر؟ هل ليعلم العباد نعمة العمر، ونعمة الوقت؟

والنصيحة الثانية عباد الله في هذا الصيف كذلك: نصيحة بغض البصر، فكم تكشف في الصيف من عورات، وكم تنتهك من حرمات.
أما الوصية الأولى - عباد الله - التي أنصح نفسي وإياكم بها: أن نعلم قدر الموت، وقدر العمر، وأن عمر العبد خطاه إلى قبره.

يَا مَنْ  بِدُنْيَاهُ  انْشَغَلْ        وَغَرَّهُ   طُولُ   الأَمَلْ
المَوْتُ    يَأْتِي    بَغْتَةً        وَالقَبْرُ صُنْدُوقُ العَمَلْ


يعرف الناس نعمة الطعام ونعمة الشراب، ونعمة الملابس والزينة والمراكب والمنازل، هل علموا أن نعمة الوقت أعظم من هذه النعم بأسرها؟

فامتنَّ الله – عزَّ وجلَّ - علينا بنعمة العمر، وبنعمة الأوقات، وبنعمة اللحظات، وبنعمة الليل والنهار، فقال عزَّ وجلَّ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 33، 34].
 

كما سخر الدوابّ سخر لنا الليل والنهار؛ من أجل أن نسابق الأوقات بالطاعات، ومن أجل ذلك نعمر ساعات الليل والنهار بطاعة العزيز الغفار، وقال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].
 

قال بعض السلف: "من فاته طاعة الله - عزَّ وجلَّ - بالليل، كان له من النهار مستعتَب، ومن فاته طاعة الله - عزَّ وجلَّ - بالنهار كان له من الليل مستعتب".
 

أقسم الله - عزَّ وجلَّ - بالفجر، وليال عشر، والشفع والوتر، وأقسم الله - عزَّ وجلَّ - بالضحى، والليل إذا سجى، وأقسم الله - عزَّ وجلَّ - بالعصر، وأقسم الله - عزَّ وجلَّ - بالليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى، وكل هذا قسَم بالزمن، والله - عزَّ وجلَّ - رب كل شيء، وخالق كل شيء، يقسم بما شاء من خلقه، من أجل أن يلفت أنظارنا إلى خطر المقصود المُقْسَم به، أمَّا العبد إذا أراد أن يقسم فلا يجوز له أن يقسم إلا بالله عز وجل، ومن حلف بغير الله فقد أشرك، فمن كان حالِفًا فليحلف بالله عز وجل.


أقسم الله عز وجل بالفجر، فقال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 1 - 4]؛ وقالوا: الفجر هنا: هو فجر يوم النحر، أشرف فجر في السنة، والليالي العشر هي الأول من ذي الحجة، والشفع: قيل: هو يوم النحر العاشر من ذي الحجة، والوتر هو يوم عرفة، والليل إذا يسر.


كما أقسم الله عز وجل بالضحى، والليل إذا سجى، فقال عز وجل: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3].
 

كما أقسم الله عز وجل بالعصر، فقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].
وقال عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 1 - 3].

 

دلَّت السُّنَّة المشرفة على ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات من خطر العمر، ومن خطر الوقت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزول قدمَا ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به))[1]؛ فيُسأل العبدُ سؤالين: سؤال عن العمر عامة، وسؤال عن وقت القوة والفتوة والحركة والنشاط، وهو وقت الشباب، فيسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))[2].

فأكثر الناس لا يعرف قدر هاتين النعمتين، أكثر الناس يضيع صِحَّته في غير طاعة الله عز وجل، وفي غير ما يقرّبه إلى الله عز وجل.

كما أنَّ أكثر النَّاس يضيع وقت الفراغ في غير طاعة الله عزَّ وجلَّ، فكم من أوقات تنفق في المباحات؛ بل كم من أوقات تنفق في المعاصي ويبارز بها رب الأرض والسماوات، وكما يقولون: إضاعة الوقت من علامة المَقْتِ؛ أي من علامة مَقْتِ الله عز وجل للعبد، أن يضيع العبد أوقاته.


يقولون: نقتل الوقت، هل الوقت عدو عباد الله؟ الوقت نعمة من أعظم نِعَم الله عز وجل علينا، من عرف هذه النعمة، واستعمل هذه النعمة في طاعة الله عز وجل؛ أدرك جنَّة الله عز وجل، ونال رحمة الله عز وجل.


((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس))، والمغبون: من باع شيئًا بأقلَّ من ثمنه، أو اشترى شيئًا بأكثر من ثمنه، فهو مغبون لأنه أضاع حظه. وأكثر الناس مغبون في شيئين: الصحة والفراغ. ويوم القيامة، يوم التغابن، من أسماء يوم القيامة أنه يوم التغابن؛ لكثرة المغبونين يوم القيامة، ولم يكن هذا الغبن يوم القيامة، وإنما كان الغبن في الدنيا.

 

أكثر الناس - عباد الله - يضيعون أعمارهم في غير طاعة الله عز وجل، وفي غير ما يعود عليهم بالخير في الدنيا والآخرة، ومن علامة خذلان الله عز وجل للعبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، ومن حسن إسلام المرء شغله فيما يعنيه؛ أي فيما يعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة.
 

فأكثر الناس يبيعون أعمارهم، ويبيعون أوقاتهم، ويبيعون أنفسهم بثمن بخس دراهم معدودة، وهم فيها من الزاهدين، إما في تحصيل العرض الزائل وهو عرض الدنيا، وإما في إنفاق نفائس الأنفاس في طلب المال الذي لا يأتي إلا ما قدر له منه، أو ينفق عمره في المعاصي أو في المباحات، ولا يتقرب بذلك إلى رب الأرض والسماوات، وقليل من الناس الموفق الذي يعرف قيمة الوقت، ويعرف قيمة العمر، وينفق ذلك في طاعة الله عز وجل، من بذل عمره في غير طاعة الله عز وجل، تقول له الملائكة يوم القيامة: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 75، 76].
 

والذي ينفق وقته في طاعة الله عز وجل، تقول له الملائكة: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24].
 

مَنْ ضيَّع عمره في غير طاعة الله عز وجل يندم حين لا ينفع الندم، فإن من عجائب الأمور إفاقة المحتَضَر، فإنه يفيق عند احتضاره إفاقة عجيبة، ويتذكر كل ما مضى من جناياته، وكل ما مضى من مخالفاته، ويكاد أن يموت حسرة على نفسه قبل أن تخرج روحه؛ لأنه لم يضيع وقته في طاعة الله، وإنما ضيع وقته في معصية الله عز وجل. يفيق إفاقة عجيبة عند الموت وعند احتضاره، ويتمنى لو أنه أُرجئ ساعة واحدة، فيقول لملك الموت: يا ملك الموت، أخرني شهرًا! فيقول: فنيت الشهور فلا شهر، فيقول: يا ملك الموت، أخرني يومًا! فيقول: فنيت الأيام فلا يوم، فيقول: يا ملك الموت، أخرني ساعة! فيقول: فنيت الساعات فلا ساعة، ثم يغرغر بروحه.
قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99، 100].

 

فيطلبون الكرَّة، ويطلبون الرجعة عند معاينة ملك الموت، وعند معاينة أمور الآخرة، كما يطلبون الرجعة إلى الدنيا كذلك عباد الله إذا وُقِفوا على النار، وإذا عُرِضوا على النار: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 27].
 

يطلبون الرجعة كذلك - عباد الله - إذا عرضوا على الملك الجبار: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12].


ويطلبون الرجعة وهم بين طبقات النيران، وهم يصطرخون فيها: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37].
 

يذكرهم الله عز وجل بعد ذلك بنعمة العمر، وهم يصرخون بين طبقات النيران، لم يعرفوا قدر عمرهم، ولم يعْرِفُوا قَدْرَ زمانِهم، ولم يعرفوا قدر اللَّحظات والساعات والأيام التي عاشوها في الدنيا، عاشوا خمسين سنةً أو مائةَ سنة، لم يُدْرَ كم هذه المدة، لم يعرف قيمة العمر، لم يقف مع نفسه وقفة صادقة، لم يحاسب نفسه لله عز وجل، لم يستقم على طريق الله عز وجل، لم يصدق ربه عز وجل، ما بذل عمره في طاعة الله عز وجل، فهو يصرح بين طبقات النيران، ويقول: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37].
 

أين الأوقات التي كانت على البلاجات؟ أين الأوقات التي كانت أمام الشبكة العنقودية في المواقع الإباحية؟ أين الأوقات التي أنفقت أمام استقبال البث المباشر؟ أين الأوقات التي بذلت أمام لوحة النرد أو الشطرنج؟ أين الأوقات التي بذلت في ناصية الشارع؟ أين الأوقات التي أنفقت في الصد عن سبيل الله، وفي تزيين الشهوات والشبهات؟ {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37]. قيل: هو الشيب، وجاءكم النذير، وقيل: هو المرض، وجاءكم النذير، وقيل: هو من يُذكِّر بالله عز وجل ومن يدعو بدعوة الرسل {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37].
 
وإنما تكمن قيمة الزمن وقيمة العمر في ثلاثة أشياء - عباد الله -:

الأمر الأول: أن كل نَفَس من أنفاس العمر جوهرة ثمينة، تستطيع أن تشتري بها كنزًا لا يفنى أبد الآباد، كل يوم تعيشه فهو غنيمة؛ بل كل لحظة من لحظات عمرك فهي غنيمة عباد الله؛ لأنك لو تاجرت بها مع الله عز وجل لربحت على الله عز وجل أعظم الأرباح.
 

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول ألم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر))[3].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] حتى يختمها عشر مرات بني له قصر في الجنة))[4].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لغدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب))[5].


وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها))[6].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له بها نخلة في الجنة))[7].
 

فانظر إلى مضيع الساعات، فانظر إلى مضيع الساعات كم يفوته من النخيل!!
 
الأمر الثاني - عباد الله -: مما يدل على خطر العمر وخطر الوقت، أنَّ الأوقات الَّتي قدرها الله عز وجل لنا مغيبة عنا، وأنَّ عدد الأنفاس التي قدرها الله عز وجل لنا مغيبة عنا، فالعبد قد يملك مالاً بالمليارات، فإذا أنفق بالآلاف أو بالملايين، فهو يعلم أنَّ هذا لا يؤثر كثيرًا في رأس المال، فإذا كان العبد لا يعلم رأس المال، فكل وقت ينفقه في غير طاعة الكبير المتعال، نوع من المخاطرة.
 

قال الحسن البصري: "المبادرة المبادرة - أي: بادروا بطاعة الله عز وجل وبالأعمال الصالحة - فإنما هي الأنفاس، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل. رحم الله امرأ نظر في نفسه، ثم بكى على عدد ذنوبه"، ثم قرأ: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84]؛ يعني الأنفاس.
 

آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك؛ أي أن الله عز وجل قدر لنا عددًا معينًا من الأنفاس، فما تنفس العبد نفسًا إلا سجل عليه حتى يصل إلى آخر العدد، عد تنازلي لكل عبد منا عباد الله، ولا يدري متى يكون آخر العدد؟
 

آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك، ينقلب العبد من دار العمل ولا حساب، إلى دار الحساب ولا عمل، وبعد أن كان يتحرك على ظهر الأرض بطاعة الله عز وجل أو بمعصية الله، يكون محبوسًا في باطن الأرض في برزخ إلى يوم يبعثون.
 
الأمر الثالث - عباد الله -: مما يدل على خطر الوقت وخطر النَّفَس: أن آخر نفس تتنفسه، وآخر عمل تعمله، تتعلق العاقبة، فكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات))[8]؛ أي: مهما كانت الأعمال موافقة لشرع النبي – عليه الصلاة والسلام – فإنها لا تكون مفضولة، ولا ينتفع العبد بها في الآخرة، حتى تتوفر النيات الصالحة، كذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالخواتيم))[9]؛ أي مهما كان عمل العبد، أي: من ختم له بعمل من أعمال أهل الجنة دخل الجنة، ومن ختم له بعمل من أعمال أهل النار دخل النار، ألا تخشى أن النفس الذي تتنفسه في غير طاعة الله عز وجل يكون آخر الأنفاس وتتعلق به العاقبة؟
ما أصعب العمى بعد البصيرة، وأصعب منه الضلالة بعد الهدى، والمعصية بعد التقى، كم من وجوه خاشعة، وقع على قصص أعمالها عاملة ناصبة، كم من راكب مركبة ساحل النجاة، فلما هم أن يلتقي به لعب به موج فغرق، كل العباد تحت هذا الخطر، قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ليس العجب ممن هلك كيف هلك؟ إنما العجب ممن نجا كيف نجا؟

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكونُ بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها))[10].
 

 الأعمال بالخواتيم - عباد الله - وتقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: "إن الرجل ليعمل زمانًا بعمل أهل الجنة وهو من أهل النار".
كان السلف - رضي الله عنهم - أحرص الناس على أوقاتهم، وكانوا يبخلون بالوقت والنفس أن ينفق في غير طاعة الله عز وجل أكثر مما يبخل البخيل في إنفاق ماله. قيل لأحدهم: قِفْ أكلمك، قال: أوقف الشمس.

 

وكان أحد العلماء إذا ذهب عنده الناس وجلسوا وأطالوا الجلوس، يقول: أما تريدون أن تقوموا؟ إنَّ ملك الشمس يجرها لا يفتر، أما تريدون أن تقوموا؟ إنَّ ملك الشمس يجرها لا يفتر.
 

كانوا يعدون خصال الخير، ويبكون على أنفسهم إن فاتهم شيء منها!
دخلوا على عابد مريض، فنظر إلى قدميه وبكى، وقال: "ما اغبرَّتا في سبيل الله"، وقال بعضهم: "أعد الثلاثين خصلة من خصال الخير ليس فيَّ شيء منها"!!

ملؤوا الحياة طاعة وعبادة لله عز وجل، وتمنوا لو أنهم واصلوا العبادة بعد الموت!!

فكان ثابت البناني يقول: "رب إن أذنت لأحد يصلي في قبره فأذن لي، يا رب إن أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي"! ودخلوا على الجنيد - وكان في النزع، وكان يصلي - فقالوا له: الآن؟ قال: "الآن تطوى صحيفتي"، ودخلوا عند أبي بكر النهشلي - وكان في النزع، وكان صائمًا - فقالوا له: اشرب قليلاً من الماء، قال: "حتى تغرب الشمس"!!
 

بكى أحد السلف عند موته؛ فسئل عن سبب بكائه، فقال: "أبكي لأن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم:؛ فهو يبكي لأنَّه يفارق الدنيا، فيصوم الصائمون وليس هو فيهم، ويصلي المصلون وهو ليس فيهم، ونحن في الدنيا عباد الله يصوم الصائمون ولسنا فيهم، ويصلي المصلون ولسنا فيهم، ولا نبكي على أنفسنا!!
كان يزيد الرقَّاشي يبكي ويقول: "يا يزيد، مَنْ يبكي بعدك لك، من يترضى ربك عنك؟".

 

بكى أحد السلف عند موته، فسئل عن سبب بكائه، فقال: إنما يتقبَّل الله من المتقين، ولمَّا نزل الموتُ بِمحمَّد بن المنكدر، بكى بكاء شديدًا، فأحضروا له أبا حازم من أجل أن يخفف عنه، فسأله أبو حازم عن سبب بكائه، فقال: "سمعت الله عز وجل يقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]، فأخاف أن يبدو لي من الله عز وجل ما لم أكن أحتسب"؛ فأخذ أبو حازم يبكي معه، فقالوا: أتينا بك من أجل أن تخفف عنه فزدت في بكائه.
 

قرئ عند الإمام أحمد وهو في مرض الوفاة أن طاوسًا كان يكره الأنين؛ فما أنَّ حتى مات.
 

أين وصفك من هذه الأوصاف؟ أين شجرة الزيتون من شجر الصفصاف؟ لقد قام القوم وقعدت، وجدوا في الجد وهزلت، ما بيننا وبين القوم إلا كما بين اليقظة والنوم.

لاَ تَعْرِضَنَّ بِذِكْرِنَا فِي ذِكْرِهِمْ        لَيْسَ السَّلِيمُ إِذَا مَشَى كَالمُقْعَدِ


يا ديار الأحباب أين السكان؟ يا منازل العارفين أين القطان؟ يا أطلال الوجد أين البنيان؟ أماكن تعبُّدهم باكية، ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية، زال التعب وبقي الأجر، ذهب ليل النصب وطلع الفجر.

إِنْ كُنْتَ تَنُوحُ يَا حَمَامَ البَانِ        لِلبَيْنِ  فَأَيْنَ  شَاهِدُ  الأَحْزَانِ
أَجْفَانُكَ لِلدُّمُوعِ أَمْ  أَجْفَانِي        لاَ  يُقْبَلُ  مُدَّعٍ   بِلاَ   بُرْهَانِ

إنما ينطبق علينا عباد الله قول القائل: يا من إذا تشبه بالصالحين فهو عنهم متباعد، وإذا تشبه بالمذنبين فحاله وحالهم واحد، يا من يسمع ما يلين الجوامد وطرفه جامد، وقلبه أقسى من الجلامد، إلى متى تدفع التقوى عن قلبك، وهل ينفع الطرق في حديد بارد؟!

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، ثم أما بعد:
 
فالنصيحة الثانية في هذا الصيف - عباد الله - هي غض البصر؛ لكثرة العورات المكشوفات في هذا الوقت، فالواجب على المسلمين أن يلجؤوا إلى الله عز وجل، وأن يستعينوا بالله عز وجل، كما استعان يوسف - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - لما كثر عليه الكيد من النساء، استعان بالله عز وجل عليهن، وقال: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} [يوسف 33، 34].
 

فعلى المؤمن - عباد الله - أن يلجأ إلى العبادات التي شرعها الله عز وجل؛ من أجل أن تزكو نفسه في الدنيا، ومن أجل أن يسعد بمجاورة الله عز وجل في الآخرة، قال الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
 

وقوله عز وجل {يَغُضُّوا}: فعل مضارع لم يسبقه جازم، فلماذا حذفت النون؟

قالوا: هنا أداة شرط مقدرة، وهي: إن قلت للمؤمنين: غضوا، يغضوا؛ لأن هذا مقتضى الإيمان؛ أن المؤمن يلتزم أمر الله عز وجل، فإن قلت للمؤمنين: غضوا، يغضوا، أما غير المؤمنين عباد الله فإنهم يستمرون في إطلاق البصر؛ لأنهم ليس في قلوبهم من الإيمان ما يدفعهم إلى طاعة الرحمن، وإن وجد إيمان فإيمان ضعيف لا يحجز صاحبه عن معصية الله عز وجل، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن))؛ أي عنده إيمان ضعيف لا يحجزه عن معصية الله عز وجل، فأمر الله عز وجل بغض البصر، وقرن الله عز وجل بين الأمر بغض البصر وحفظ الفرج؛ لأن غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج.

أَلاَ إِنَّمَا  العَيْنَانِ  لِلقَلْبِ  رَائِدٌ        فَمَا تَأْلَفُ العَيْنَانِ فَالقَلْبُ آلَفُ


فالعين رائد القلب، فإذا ألفت العين ألف القلب.
ونفَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من إطلاق البصر، وسمي إطلاق البصر زنا، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، فهو مدرك ذلك لا محالة، العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واليدان تزنينان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدِّق ذلك الفرج أو يكذبه))[11]، فهو زنا وإن كان دون زنا الفرج، ولكن نفَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من إطلاق البصر، فسماه زنا العينين.

وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة؛ أي عندما يقع نظر العبد على عورة مكشوفة، وعلى موضع يحرم النظر إليه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اصرف بصرك))[12].

 
وقالوا في فوائد غض البصر - عباد الله -: إن غض البصر استجابة لأمر الله عز وجل، وتنفيذ لأمر الله عز وجل، وما استجلب العبد خيرًا في الدنيا والآخرة بمثل امتثال أمر الله عز وجل.
 
قالوا كذلك: إطلاق البصر - عباد الله - يضعف القلب ويحزنه، وغض البصر لله عز وجل، يقوي القلب ويفرحه، قالوا كذلك: إطلاق البصر يشتت القلب، ويجلب له الحزن، وهذا مشاهد معروف عباد الله، يشتت القلب؛ لأن القلب يكون مشغولاً بما يَرِدُ عليه من الصور المحرمة، فلا يتقرب بطاعة الله عز وجل، ومحبة الله عز وجل، وعبادة الله عز وجل، يصير القلب كالمزبلة، فكيف يصلح لمحبة الله عز وجل!
 
قالوا كذلك: إطلاق البصر عباد الله يقسي القلب، ويسد عليه أبواب العلم، فيصعب على العبد مع إطلاق البصر أن يحفظ في القرآن أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
 
قالوا كذلك: إطلاق البصر ظلمة على القلب، وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب الشر والبلاء من كل جانب، فما شئت من بدعة وضلالة، واتباع هوى واجتناب هدى، فإذا أظلم القلب عباد الله، صار عباد الله موئلاً لكل شر، ولكل ما يغضب الله عز وجل، وإذا غض العبد بصره لله عز وجل استنار قلبه؛ ولذلك ذَكَر الله عز وجل بعد آية غض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 30، 31].
 

قال عز وجل بعد عدة آيات: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35]؛ قالوا: مثل نوره في قلب المؤمن الذي امتثل أوامره، واجتنب ما نهى الله – عزَّ وجلَّ - عنه.
 

الناظر - عباد الله - يرمي بسهامٍ غرضُها قلبُه، فالعبد إذا نظر نظرة محرمة، فكأنما رمى قلب نفسه بسهم:

يَا رَامِيًا بِسِهَامِ اللَّحْظِ  مُجْتَهِدًا        أَنْتَ القَتِيلُ بِمَا تَرْمِي فَلاَ تُصِبِ
وَبَاعِثَ الطَّرْفِ تَرْتَادُ الشِّفَاءَ لَهُ        تَوَقَّهُ    إنَّهُ     يَرْتَدُّ     بِالْعَطَبِ


وكل نظرة هي جرح لقلب العبد، والنظرة تستدعي غيرها:

مَا   زِلْتَ   تُتْبِعُ   نَظْرَةً    فِي    نَظْرَةٍ        فِي    وَجْهِ    كُلِّ    مَلِيحَةٍ     وَمَلِيحِ
وَتَظُنُّ ذَاكَ دَوَاءَ جُرْحِكَ وَهْوَ فِي التَّ        حْقِيقِ     تَجْرِيحٌ     عَلَى      تَجْرِيحِ
فَقَتَلْتَ    قَلْبَكَ    بِاللِّحَاظِ     وَبِالْبُكَا        فَالقَلْبُ    مِنْكَ    ذَبِيحٌ    ايُّ    ذَبِيحِ


النظرة - عباد الله - هي سم للقلب، وهي شرارة في الهشيم اليابس، إما أن تحرقه كله، أو تحرق بعضه: 

كُلُّ  الحَوَادِثِ  مَبْدَؤُهَا  مِنَ  النَّظَرِ        وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ  مُسْتَصْغَرِ  الشَّرَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا        فِعْلَ  السِّهَامِ  بِلاَ  قَوْسٍ  وَلاَ   وَتَرِ
وَالمَرْءُ  مَا  دَامَ   ذَا   عَيْنٍ   يُقَلِّبُهَا        فِي أَعْيُنِ الغِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ
يَسُرُّ   مُقْلَتَهُ    مَا    ضَرَّ    مُهْجَتَهُ        لاَ  مَرْحَبًا  بِسُرُورٍ   عَادَ   بِالضَّرَرِ


النظر المحرم - عباد الله - يورث الحسرات والزفرات، فيرى العبد ما لا يقدر عليه ولا يصبر عليه:

وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا        لِقَلْبِكَ   يَوْمًا   أَتْعَبَتْكَ    الْمَنَاظِرُ
رَأَيْتَ الَّذِي  لاَ  كُلَّهُ  أَنْتَ  قَادِرٌ        عَلَيْهِ وَلاَ  عَنْ  بَعْضِهِ  أَنْتَ  صَابِرُ


النظرة توقع في أسر الهوى والشهوة، والعبد إذا وقع أسيرًا للهوى والشهوة صار:

كَعُصْفُورَةٍ فِي كَفِّ  طِفْلٍ  يَسُومُهَا        حِيَاضَ الرَّدَى وَالطِّفْلُ يَلْهُو وَيَلْعَبُ


غض البصر يورث العبد فراسة، ويطلق نور بصيرته، كما قال شاه بن شجاع الكرماني:

"مَن عمَّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، واغتنى من حلال، واجتنب المحرمات، وغض بصره - لا تخطئ له فراسة"، وكان شاه هذا لا تخطئ له فراسة.
إطلاق البصر - عباد الله - يجعل العبد يقع في اتباع الهوى، ويقع في الغفلة والإعراض عن شرع الله عز وجل، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].

 

النظرة - عباد الله - هي كأس من الخمر، مَن شرب منه وقع في سكر الهوى، وقد يصاب عباد الله بداء بلا عوض، وهو داء العشق، وهو داء بلا عوض، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:

وَمَا فِي الأَرْضِ أَشْقَى مِنْ مُحِبٍّ        وَإِنْ  وَجَدَ  الهَوَى  حُلْوَ   المَذَاقِ
تَرَاهُ   بَاكِيًا   فِي    كُلِّ    حَالٍ        مَخَافَةَ    فُرْقَةٍ    أَوْ     لاشْتِيَاقِ
فَيَبْكِي  إِنْ   نَأَوْا   شَوْقًا   إِلَيْهِمْ        وَيَبْكِي إِنْ  دَنَوْا  خَوْفَ  الفِرَاقِ
فَتَسْخُنُ   عَيْنُهُ    عِنْدَ    التَّلاَقِي        وَتَسْخُنُ   عَيْنُهُ    عِنْدَ    الفِرَاقِ



فنسأل الله عز وجل أن يستر عورات المؤمنين، ونسأله تعالى أن يرزقنا غض البصر له عز وجل، ونسأله تعالى أن يبارك في أوقاتنا وفي أعمالنا.


اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا، وقواتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأعل راية الحق والدين، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعلْ عِزَّ الإسلام على يديه، ومَنْ أرادنا والإسلام والمسلمين بِكَيْدٍ فَكِدْه يا رب العالمين، ورد كيده إلى نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه، اللهم أعزَّنا بالإسلام قائمين، وأعزنا بالإسلام قاعدين، ولا تشمت بنا الأعداء والحاسدين.
 

اللهم عليك باليهود الغاصبين، والأمريكان الحاقدين، ومَن والاهم من العلمانيين والمنافقين، والذين يشيعون الفواحش في بلاد المسلمين، الله أحْصِهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تُغادِرْ منهم أحدًا، اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية، واجعلهم لسائر خلقك عبرة وآية، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وانصرنا على من بغى علينا.
 

اللهم ارفع عن بلاد المسمين الغلاء والوباء والربا والزنا، وردهم إليك ردًّا جميلاً.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا



[1]  الدارمي (538)، و"صحيح الجامع" (7300). 

[2]  البخاري (5933)، (ص 574). 

[3]  سبق تخريجه. 

[4]  الدارمي (3295)، وحسنه الألباني في ؛الصحيحة" (589). 

[5]  البخاري (2583)، ومسلم (3492). 

[6]  مسلم (1193). 

[7]  صحيح: الترمذي (3386)، "الصحيحة" (64). 

[8]  البخاري (1)، ومسلم (3530). 

[9]  البخاري (6117). 

[10]  البخاري (2969)، ومسلم (4781). 

[11]  مسلم (4802). 

[12]  أبو داود (1836)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".



المصدر : شبكة الألوكة

 تم النشر يوم  الخميس، 27 ديسمبر 2012 ' الساعة  1:48 م


 
Toggle Footer