الخميس، 27 ديسمبر 2012


اللُّمعة في بيان صفات السبعة الذين يظلهم الله في ظله


الشيخ عبدالله بن حمود الفريح


الحمد لله الذي منَّ على عباده بكثير من العطايا والهبات، فلا زال - سبحانه - بمنِّه وكرمه يعطي عطاءه الذي لا ينفد عطاءً غير مَجْذُوذ، والصلاة والسلام على خير من فسَّر تلك العطايا وحثَّ عليها، محمد بن عبدالله - عليه أفضل صلاة وأتم تسليم.

وبعد:
فيا أخي القارئ، حينما تقلِّب ناظريك في ربوع سُنة محمد صلى الله عليه وسلم تجد فيها كنوزًا وعطايا عظيمة، والنفسُ تشتهي، لكن لا ينال الخيرَ كلُّ مدَّعٍ؛ لأن المدَّعي لا بد له من بيِّنة، فمن ادَّعى محبته للسنة، وإرادته لنيل العطايا، لا بد له من بيِّنة الاتباع، ومن أكثر الأحاديث شهرةً في هذا المجال، وأعظمِها ثمرةً - كما ذكر ابن عبدالبر - حديثُ السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلُّه، انتقيتُه مما أطالعه وأنظر في شروحه أثناء شرح صحيح مسلم، فإليك الحديثَ - أخي المبارك - بما يسَّر الله لي فيه من توضيح وبيان، وإني أرجو الله - تعالى - أن يجعلني وإياك من أهل هذا الحديث، إنه جواد كريم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ، قَالَ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)).

وفي رواية البخاري: ((حتى لا تَعلمَ شِمالُهُ ما تُنفِقُ يمينُهُ)).
وفي رواية لمسلم: ((وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالمَسْجِدِ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ)).

تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم في (كتاب الزكاة)، (باب فضل إخفاء الصدقة)، حديث (1031)، وأخرجه البخاري في (كتاب الأذان)، (باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد)، حديث (660)، وأخرجه الترمذي في (كتاب الزهد)، (باب ما جاء في الحب في الله)، حديث (2391).

شرح ألفاظ الحديث:
((سبعةٌ يظلهم الله))؛ أي: سبعة أصناف، وليس سبعةَ أشخاص، وأيضًا حصرُهم بهذا العدد ليس مرادًا؛ بل ورد غير الأصناف الواردة في الحديث ممن يظلهم الله بظله، وسيأتي بيان ذلك - بإذن الله تعالى.

((يظلهم الله في ظله)): الظل: فلان في ظل فلان، أو في ظل الملك؛ أي: في كرامته وحمايته، وأما الظل في الأحاديث، فإنه على ضربين، سيأتي بيانهما - بإذن الله تعالى - وأما إضافة الظل لله - تعالى - في حديث الباب، فهي إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله، وهو ظل يكون لمن منَّ الله عليهم من الأصناف الداخلة تحت هذا الفضل، فيقيهم من حَرِّ الشمس ووهجها، في يوم لا يملك أحدٌ الظلَّ إلا الله - جل في علاه - وهو ظل حقيقي لا معنوي كمن يقول: في ظله؛ أي: في حمايته وكنفه؛ بل هو حقيقي، وجاء في "سنن سعيد بن منصور" من حديث سلمان تقييدًا لهذا الظل الوارد في الحديث بظل العرش: ((يظلهم الله في ظل عرشه)).

قال ابن حجر: إسناده حسن، وسيأتي بيان ذلك.

من فوائد الحديث:
والكلام على هذا الحديث من عدة وجوه:
أولاً: أهمية هذا الحديث:
لهذا الحديث أهميةٌ عظيمة، جعلت العلماءَ يفردونه بالتأليف والشرح والبيان؛ بل لو أفرد كل واحد من هؤلاء السبعة برسالة مستقلة، لكان حريًّا بذلك كما قال ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى.

وممن ألف في ذلك ابن حجر - رحمه الله - وأسماه: "معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال"، وللسيوطي كتاب اسمه: "تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش"، حقَّقه الشيخ مشهور حسن، وللسخاوي "الاحتفال بجمع أولي الظلال"، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (23/144) مؤلفًا لم ينسبه لأحد، أو أنه سقطت نسبته، اسمه: "اللمعة في أوصاف السبعة"، ولمحمد مصطفى ماء العينين ابن محمد فاضل كتاب، اسمه: "منيل البش فيمن يظلهم الله في ظل العرش"، وللدكتور سيد عفاني كتاب، اسمه: "ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله"، وهذه المصنفات من أشهر ما صنف، و هناك غيرها، وما ذاك إلا لأهمية هذا الحديث؛ ولذا يقول الآجري في كتابه "الأربعين حديثًا" بعد أن ذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب، قال: "وقد رسمت جزءًا واحدًا في صفة واحد من هؤلاء وفقههم على الانفراد، من أراده وجده - إن شاء الله - فإنه حديث شريف يتأدب به جميع من يعبد الله - تعالى - لا يتعب في عمله إلا عاقلٌ، ولا يستغني عنه إلا جاهل".

وقبل ذلك قال ابن عبدالبر (في "التمهيد" 2/282): "هذا أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال، وأعمُّها وأصحُّها - إن شاء الله - وحسبك به فضلاً؛ لأن العلم محيط بأن من كان في ظل الله يوم القيامة، لم ينلْه هول الموقف".

ثانيًا: هل العدد محصور بهؤلاء السبعة؟

حديث الباب فيه ذكر سبعة أصناف من الذين يظلهم الله - تعالى - بظله يوم لا ظل إلا ظله، واختلف: هل ذكر العدد سبعة في هذا الحديث له مفهوم، فيفيد الحصر، أو أنه لا مفهوم له؟

القول الأول:إن العدد في حديث الباب لا مفهوم له، فلا ينحصر عددهم بهؤلاء السبعة؛ ولذا جمع العلماءُ من ورد فيه هذا الفضل أن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، حتى أوصلوا عددهم إلى السبعين، ولكن من هؤلاء السبعين من ورد بأحاديث ضعيفة، وما صحتْ به الروايات أقلُّ من هذا العدد بكثير، كما هو ظاهر كلام ابن حجر - رحمه الله.

والقول الثاني:إن العدد في الحديث له مفهوم، والفضل مقصور على هؤلاء السبعة، وأما غيرهم مما ذكر في الأحاديث الأخرى، فيندرج تحت صنف من هذه الأصناف السبعة.

والخلاف هنا لا يضر؛ فالقولان متقاربان في الجملة، وأهم شيء معرفة أن هناك ممن يظلهم الله - تعالى - يوم القيامة غيرَ هؤلاء السبعة في الحديث، ومن ذلك حديث أبي اليسر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أنظر معسرًا أو وضع له، أظلَّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))؛ رواه مسلم.

وإنظارُ المعسر والوضع عنه لم يُذكَر في الحديث السابق مع الأصناف السبعة، وهذا يدل على وجود أصناف يظلهم الله - تعالى - في ظله في غير هذا الحديث، وقد نظم السبعةَ العلامة أبو شامة عبدالرحمن بن إسماعيل، فقال:
وَقَالَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى إِنَّ سَبْعَةً *** يُظِلُّهُمُ اللُّهُ الكَرِيمُ بِظِلِّهِ

مُحِبٌّ عَفِيفٌ نَاشِئٌ مُتَصِدِّقٌ *** وَبَاكٍ مُصَلٍّ وَالإِمَامُ بِعَدْلِهِ

قال ابن حجر- رحمه الله -: "ثم تتبعتُ بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك، فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد، ونظمتها في بيتين تذييلاً على بيتي أبي شامة، وهما:
وَزِدْ سَبْعَةً: إِظْلاَلُ غَازٍ وَعَوْنُهُ *** وَإِنْظَارُ ذِي عُسْرٍ وَتَخْفِيفُ حِمْلِهِ

وَإِرْفَادُ ذِي غُرْمٍ وَعَوْنُ مُكَاتِبٍ *** وَتَاجِرُ صِدْقٍ فِي المَقَالِ وَفِعْلِهِ

فأما إظلال الغازي، فرواه ابن حبان وغيره من حديث عمر - رضي الله عنه - وأما عون المجاهد، فرواه أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - وأما إنظار المعسر والوضيعة عنه، ففي صحيح مسلم كما ذكرنا، وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب، فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - المذكور، وأما التاجر الصدوق، فرواه البغوي في "شرح السنة" من حديث سلمان... ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى، ونظمتها في بيتين آخرين، وهما:
وَزِدْ سَبْعَةً: حُزْنٌ وَمَشْيٌ لِمَسْجِدٍ *** وَكُرْهُ وُضُوءٍ ثُمَّ مُطْعِمُ فَضْلِهِ

وَآخِذُ حَقٍّ بَاذِلٌ ثُمُّ كَافِلٌ *** وَتَاجِرُ صِدْقٍ فِي المَقَالِ وَفِعْلِهِ

ثم تتبعت ذلك، فجمعت سبعة أخرى؛ ولكن أحاديثها ضعيفة، وقلت في آخر بيت:
ترَبَّع بِهِ السَّبْعَات مِنْ فَيْضِ فَضْلِهِ

وقد أوردت الجميع في "الأمالي"، وقد أفردته في جزء سميته: "معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال"؛ (انظر: "الفتح"، حديث (660)).

ثالثًا: معنى الظل:
اختلف أهل العلم في معنى الظل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يظلهم الله في ظله)) على أقوال، وقبل ذكر الأقوال، لا بد من معرفة أن الظل في الأحاديث جاء على ضربين:
تارة يأتي مضافًا إلى الله - تعالى.
مثال ذلك:حديث أبي هريرة في شرحنا، وحديث أبي اليسر - رضي الله عنه - الذي تقدم في إنظار المعسر والتخفيف عنه، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله - تعالى - يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي))؛ رواه مسلم.

وتارة يأتي مضافًا إلى العرش.
مثال ذلك: حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله))؛ (رواه أحمد والحاكم وابن حبان وصححه، وأورده الألباني في "صحيح الجامع" (1937) بلفظ: ((إن المتحابين)).

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أنظر معسرًا أو وضع له، أظلَّه الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله))؛ رواه أحمد والترمذي وصححه.

واختلف أهل العلم في معنى الظل على أقوال، أشهرها:
القول الأول: إن المراد به ظل العرش:
وهذا قولٌ أُثِرَ عن جماعة من السلف - رحمهم الله - وقالوا: نحمل المطلَق في الأحاديث على المقيَّد، فكل حديث فيه إضافة الظل إلى الله - تعالى - فالمقصود به ما قيد في الأحاديث الأخرى بظل العرش.

وهذا القول هو اختيار الحافظ ابن منده (في كتاب "التوحيد" 3/190)، والطحاوي (في "مشكل الآثار" 15/73)، وابن عبدالبر (في "التمهيد" 2/ 282)، والبغوي (في "شرح السنة" 2/355)، وابن القيم (في أكثر من موضع، منها "طريق الهجرتين" ص525)، وابن رجب (في كتابه "فتح الباري" 6/51)، والسيوطي (في كتابه "تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش") وغيرهم - رحمهم الله.

والقول الثاني: إنه ظلٌّ يخلقه - تعالى - في ذلك اليوم، يظلل به من يستحق هذا الفضل:
وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - حيث قال: "لكن الله - عز وجل - يخلق شيئًا يظلل به من يشاء من عباده، يوم لا ظل إلا ظله، هذا هو معنى الحديث، ولا يجوز أن يكون له معنى سوى هذا"؛ (انظر: "شرح رياض الصالحين"، 1/735).

وقال (في صفحة 783): "حتى الرواية التي وردت في ظل عرشه، فيها نظر؛ لأن المعروف أن العرش أكبر من السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم... لو صح الحديث، لقلنا: ربما يكون طرف العرش مثلاً، والله - عز وجل - على كل شيء قدير، لكن هذه اللفظة في صحتها نظر، والصواب أنه ظل يخلقه الله في ذلك اليوم، إما من الغمام أو من غير ذلك، فالله أعلم به"، وأيضًا ذكر نحو ذلك في صفحة (950) (انظر: "شرح رياض الصالحين"، في مجلدين، طبعة دار السلام)، وقال في "شرحه للعقيدة الواسطية" (ص497): "((لا ظل إلا ظله)): يعني: إلا الظل الذي يخلقه، وليس كما توهم بعض الناس أنه ظل ذات الرب - جل وعلا - فإن هذا باطل؛ لأنه يستلزم حينئذٍ أن تكون الشمس فوق الله - عز وجل".

والقول الثالث: إنه ظلٌّ اللهُ أعلمُ بكيفيته، يمر كما جاء في النصوص، ونثبته من غير تأويل وتفسير وتكييف له:
وهو اختيار الشيخ ابن باز - رحمه الله - فقد سئل (في شريط "فتاوى متنوعة" - الطائف - منتصف الوجه الأول) بما هذا نصه: قال السائل: ذكر أحد العلماء عند حديثه عن ظل الله قوله: "الله - عز وجل - يخلق شيئًا يظلل به من شاء من عباده"، فهل يستقيم هذا المعنى؟

فأجاب: هذا من التأويل لا يجوز هذا من التأويل؛ بل يجب إمرار الحديث على ظاهره، ويقول الله أعلم بكيفيته، يظلهم الله بظله على الكيفية التي يعلمها - سبحانه وتعالى".

وبيَّن في موضع آخر أنه لا حاجة لحمل المطلق على المقيد، وأن ظل الله - تعالى - ورد في أحاديث، وظل العرش في أحاديث أخرى.

هذا هو ملخص الكلام على هذه المسألة، وتقدم أن القول الأول هو قول جماعة من الأئمة المتقدمين، وأما حديث الباب فقد جاء تقييده بظل العرش، وهي رواية في "سنن سعيد بن منصور" من حديث سلمان - رضي الله عنه - بلفظ: ((سبعة يظلهم الله في ظل عرشه...)) وذكر الحديث، وهي رواية حسَّن إسنادَها ابنُ حجر (في "فتح الباري"، حديث660)، وجزم بها القرطبي (في "المفهم"، حديث 899)، وكذلك النووي (في "شرحه لمسلم"، حديث (1031))، واستشهد بها شيخ الإسلام ابن تيمية (في "الفتاوى"، 17/25) ونسبها للصحيحين، واستدل بها ابن القيم (في "طريق الهجرتين"، 525)، وكذلك الشيخ السعدي في تفسيره وذكره لقصة يوسف ص (409) - رحم الله جميع علمائنا، وأثابهم على التماسهم للصواب، والله أعلم.

رابعًا: بيان فضل هؤلاء السبعة:
في الحديث بيان فضل هؤلاء السبعة يوم القيامة، وهو ظل الله - تعالى - لهم في ذلك اليوم، يوم لا ظل إلا ظله، فليس للناس ما يستظلون به من حرِّ الشمس وكربِ ذلك اليوم، إلا من ييسِّر الله له ذلك، فيسعد بنيل صفة من هذه الصفات لحاجته لهذا الظل؛ ففي ذلك اليوم الطويلِ قدرُه؛ قال الله - تعالى - عنه: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]، العظيمِ هولُه؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]، الشديدِ كربُه؛ {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل: 17] - تدنو الشمس فيه من الخلائق؛ فعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تُدنَى الشمس من الخلائق، حتى تكون منهم بمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق؛ فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يُلجمه العرقُ إلجامًا))؛ رواه مسلم، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((يعرق الناس يوم القيامة، حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا))، فيا سعادة من نال الظل في ذلك اليوم!

خامسًا: الكلام على الأصناف الواردة في الحديث:
الأول: (الإمام العادل):
الإمام العادل: الإمام المراد به الحاكم أو السلطان، ويدخل فيه القاضي أيضًا، وكل من له ولاية على غيره.

قال ابن حجر - رحمه الله -: "ويلحق به كلُّ من وَلِيَ شيئًا من أمور المسلمين فعَدَلَ فيه، ويؤيِّده رواية مسلم من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - ورفعه: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين يَعدِلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا))، وأحسن ما فسِّر به العادل: أنه الذي يتبع أمر الله - تعالى - بوضع كل شيء في موضعه، من غير إفراط ولا تفريط"؛ (انظر: "الفتح"، حديث (660)).

قدِّم الإمام العادل في الذِّكر؛ لعموم النفع به، فنفعه متعدٍّ، فإن عَدَلَ، عدل من تحته وصلحت أحوال الناس، والعادل يحكم بين الناس بالعدل، فلا يميل مع الهوى، ولا يرتشي بمال، ولا يضيع ما أمره الله به.

الثاني: وشاب نشأ بعبادة الله:
نشأ: نبت وابتدأ، والباء في (بعبادة) هي باء المصاحبة، كقولنا: جاء زيد بمتاعه؛ أي: مصاحبًا له، وقد تكون الباء بمعنى (في)، وهي الموافقة لرواية البخاري: ((وشاب نشأ في عبادة الله)).

خص الله - تعالى - الشاب دون الصغير أو الكبير في السن؛ لأن الشباب مظِنةُ غلبة الشهوة، فباعث الهوى والشهوة والانحراف فيه قويٌّ، فإذا لازم العبادة مع ذلك، كان أدلَّ على غلبة التقوى.

من المقرر عند أهل العلم أنه لا عصمة إلا للأنبياء - عليهم الصلوات والسلام - فلا يمكن أن يوجد مسلم بلا ذنوب، شابًّا كان أو غير ذلك؛ لأن بني آدم خطَّاؤون لا محالة؛ ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه، من حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((كل ابن آدم خطاء، وخيرُ الخطائين التوابون))، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم))، ولكن الخلاف فيمن يَصدُق عليه فضلُ الشاب الناشئ في عبادة الله.

فقيل: هو الشاب الذي منذ صغره وهو في عبادة الله - تعالى - لأن (نشأ) معناها: ابتدأ ونما وتربَّى.

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "والثاني شاب نشأ في عبادة ربه، (نشأ) منذ الصغر وهو في العبادة، فهذا صارت العبادة كأنها غريزة له، فألِفها وأحبَّها،حتى إنه إذا انقطع يومًا من الأيام عن عبادة تأثر"؛ (انظر: شرح البخاري لشيخنا، 3/79).

وقيل: هو أفنى شبابه ووقت قوَّتِه في عبادة الله، لا في معصية، فحبس نفسه عن مخالفة ربه.

قال المباركفوري - رحمه الله -: "(نشأ)؛ أي: نما وتربى، (بعبادة الله)؛ أي :لا في معصية، فجُوزِيَ بظل العرش؛ لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه"؛ (انظر: "تحفة الأحوذي").

قال ابن حجر - رحمه الله -: زاد حماد بن زيد عن عبيدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: ((حتى توفي على ذلك))؛ أخرجه الجوزقي، وفي حديث سلمان - رضي الله عنه -: ((أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله))؛ (انظر: "الفتح"، حديث (660)).

وقيل: من كان في شبابه حسناتُه أكثرُ، وذنوبه أقل ممن عَبَدَ الله - تعالى - في آخر عمره.

قال الباجي - رحمه الله -: "((وشاب نشأ في عبادة الله - تعالى)): يحتمل - والله أعلم - أن يريد به أقل ذنوبًا، وأكثر حسنات ممن نشأ في غير عبادة الله - عز وجل - ثم عَبَدَه في آخر عمره وفي شيخوخته"؛ (انظر: "المنتقى")، وقيل غير ذلك.

إيراد هذا الصنف ضمن السبعة الذين يظلهم الله - تعالى - أعظمُ دلالة على أهمية تربية الأبناء على عبادة الله، وحثهم على ما يعينه على ذلك، كحلقات تحفيظ القرآن، والتردد على المساجد، وطلب العلم الشرعي، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والارتباط بالرفقة الصالحة التي تعينه على ذلك؛ فإن من شبَّ على شيء، شاب عليه.

الثالث: ((ورجلٌ قلبه معلقٌ في المساجد)):
((معلقٌ في المساجد))؛ أي: محب للمساجد حبًّا شديدًا، ومن شدة حبِّه تعلَّق قلبُه بها وإن كان جسده خارجًا عنها، فالمقصود طول الملازمة بالقلب حتى يعود إليها، ويتردد إلى صلاة الجماعة والقراءة والذِّكر فيها، ويشهد لذلك رواية مسلم الأخرى: ((ورجل معلق في المسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه)).
قال النووي - رحمه الله -: "(معلقٌ في المساجد): وفي بعضها ((متعلق)) بالتاء، وكلاهما صحيح، ومعناها شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد"؛ (انظر: "شرح مسلم"، حديث (1031)).

من كانت هذه صفته، فهي دليل على قوة صلته بربه - عز وجل - لأن المساجد بُنيت لتؤدَّى فيها الفريضة جماعة، والصلاة صلة بين العبد وربه، فإذا أحبَّها العبد، وتعلَّق قلبُه بها، كانت دليلاً على أنه يحب الصلة التي بينه وبين الله تعالى - نسأل الله تعالى من فضله.

الرابع: ((ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه)):
((اجتمعا عليه، وتفرقا عليه)): الضمير يعود إلى الحب في الله، والمقصود أنهما داما على الحب في الله ولم يقطعاه أبدًا، سواء اجتمعت أجسادهم أو لم تجتمع في الدنيا، حتى فرَّق بينهما الموت.

المقصود أن يكون الحب في الله حقيقيًّا يحرِّكه القلب، فلا يكفي أن يكون ظاهريًّا فقط، أو باللفظ فقط، وأن يكون الحب في الله، لا في مال، أو جاهٍ، أو نسب، أو قرابة، ونحو ذلك.

عُدَّتْ هذه خصلة واحدة مع أن متعاطيَها اثنان، والمقصود عدُّ الخصال، لا عدُّ مَن اتصف بها.

ليس معنى هذه الخصلة أن يرى المحب في الله حبيبَه فيه على خطأ أو تقصير فلا يصوبه؛ بل من تمام المحبة أن يأخذ على يده إلى الحق؛ لأنه إنما أحبه لله، فيرشده إلى ما يقرِّبه إلى الله - تعالى.

إيراد هذه الخصلة مع السبعة فيه بيان فضل الله - تعالى - على عباده، حتى عدها البعض من أيسر الخصال تحقُّقًا، وهذا - بحمد الله تعالى - مشاهَدٌ كثيرًا بين من يستشعرون هذه العبادة.

إيراد هذه الخصلة في الحديث دليلٌ على عظم منزلة المتحابين في الله - تعالى - والأحاديث في فضل ذلك كثيرة، سيأتي بيانها في موضعها - بإذن الله.

الخامس: ((ورجلٌ دعتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخاف الله)):
((دعته))؛ أي: طلبتْه لفعل الفاحشة والزنا بها، وهذه أول الدواعي في هذه الخصلة، فالطلب جاء منها، وثاني الدواعي: أنها ذات منصب؛ أي: أصل وشرف ومال، وثالثها: أنها ذات جمال، ولا يمتنع عن ذلك مع وجود هذه الدواعي إلا قلبٌ عظُم فيه الخوفُ من الله.

خص المنصب والجمال؛ لشدة رغبة الناس فيهما، وحرصهم عليهما وندرة اجتماعهما في واحد.

قال القرطبي - رحمه الله -: معنى "دعته": عرضت نفسها عليه؛ أي: للفاحشة، وقول المدعو في مثل هذا الحال: إني أخاف الله، وامتناعه لذلك دليلٌ على عظيم معرفته بالله - تعالى - وشدة خوفه من عقابه، ومتين تقواه، وحيائه من الله - تعالى - وهذا هو المقام اليوسفي"؛ (انظر: "المفهم"، حديث (899)).
((إني أخاف الله)): الخوف من الله: هو الرهبة من عذابه، فالذي مَنَعَه من فعل الفاحشة هو الخوف من الله، لا سبب آخر، وقال: (إني أخاف الله)، يحتمل أنه قالها بقلبه؛ ليزجر نفسه، ويحتمل أنه قالها بلسانه؛ ليزجرها - أي: المرأة الطالبة - ليزجرها عن الفاحشة بتذكيرها بالله - تعالى - أو ليعتذر إليها، وقوله ذلك فيه دلالة على شدة خوفه من الله - تعالى - كما تقدم بيانه.

السادس: ((ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها؛ حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)):
((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)): هكذا في رواية مسلم، ورواية البخاري: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، وهي الصواب؛ لأن المعروف في النفقة أنها تكون باليمين، وأما رواية مسلم ففيها قلب.

قال القاضي عياض - رحمه الله -: "كذا روي عن مسلم هنا في جميع النسخ الواصلة إلينا، والمعروف الصحيح: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، وكذا وقع في الموطأ والبخاري، وهو وجه الكلام؛ لأن النفقة المعهود فيها اليمين، ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم، بدليل إدخاله بعده حديث مالك..."؛ (انظر: "كمال المعلم"، 3/563، وانظر: "شرح النووي لمسلم"، حديث (1031)، وانظر: "الفتح"، حديث (660)).

المقصود من ذلك: هو المبالغة في الإخفاء والاستتار بالصدقة عند بذلها، بحيث لا تعلم الشمال بما تصدَّقت اليمينُ مع قربها وملازمتها له، فضرب المثال هنا لبيان المبالغة في الإخفاء وطلب الإخلاص، وليس المراد ظاهر المثال بأن يخفي شماله عند بذل يمينه للصدقة - والله تعالى أعلم.

قوله: ((تصدق بصدقةٍ)): صدقة نكرة، والتنكير يفيد العموم، فيشمل كلَّ ما يتصدق به من قليل أو كثير، وظاهر الحديث: أن الصدقة الأفضلُ فيها الإخفاءُ، سواء كانت صدقة واجبة كالزكاة، أو صدقة تطوع؛ لأن اللفظ عام يشمل ذلك، ونقل النووي أن أكثر العلماء على أن الصدقة الواجبة الإعلانُ بها أفضل، وليس في المسألة نصٌّ يفصل ذلك؛ ولذلك جرى الخلاف في هذه المسألة، والأظهر - والله أعلم - أن الأفضل في الصدقة - واجبةً أو مستحبةً

الإخفاء، إلا إذا وجدتْ مصلحة للإعلان، فالإعلان أفضل، ويدل على ذلك النص والنظر.

فمن النص: قوله - تعالى -: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].

واختلف أهل العلم في المراد بالصدقة في الآية، فقيل: صدقة الفرض، وقيل: صدقة التطوع.

وأيضًا حديث الباب عام يشمل صدقة الفرض والنفل.

ومن حيث النظر: فإن في صدقة السرِّ تحقُّقَ ثلاثة أمور، بخلاف صدقة العلانية، فأمر واحد، ففي صدقة السر:
أ- إيصال الخير والنفع للفقير وسد حاجته، وهذا يتحقق في صدقة العلن أيضًا.
ب- أن صدقة السر أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء.
ج- في صدقة السر مراعاةٌ لحال الفقير، واحترام لشعوره، لا سيما المتعفِّف منهم، فهو يرغب في ذلك؛ خشية احتقار الناس له، أو نسبته إلى أنه يأخذ الصدقات ونحو ذلك، وقد امتدحهم الله - عز وجل - بقوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273].

فالأفضل - والله أعلم - صدقة السر، ولكن صدقة العلن أفضل في أحيان تقتضيها المصلحة، كأنْ يكون المتصدق ممن يُقتدَى به، وتنبعث الهمم على الإنفاق إذا رأتْه ينفق، كما يحصل في بعض المشاريع الخيرية حينما يعلن من يقتدى به الصدقة، فيقتدي به غيرُه؛ لما رواه مسلم في صحيحه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرُها، وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة))، وكذا من أمِنَ على نفسه الرياء، أما من خاف ذلك، فالسر أفضل، ومن المصلحة في الإعلان أن يُتَّهم الإنسان بأنه لا يخرج زكاة ماله، ويساء به الظن، فيُظهرها حينئذٍ، ونحو ذلك من المصلحة الراجحة في الإعلان، فالسرُّ والعلن في الصدقة يختلف باختلاف الأحوال - والله تعالى أعلم.

السابع: ((ورجلٌ ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه)):
((ففاضت عيناه))؛ أي: فاضت وسالت دموعُ عينيه؛ لأن العين لا تفيض، والذي يفيض هو الدمع، وأسند الفيض للعين مبالغة كأنها هي التي فاضت، وهذا يسمى مجازًا مرسلاً.

((ذكر الله خاليًا)): إما بالتذكُّر بالقلب والفكر، وإما بالذِّكر باللسان، و(خاليًا)؛ أي: في موضع خالٍ ليس فيه أحد من الناس؛ ليكون أبعدَ عن الرياء، وأقربَ إلى الإخلاص، وخاليًا من الالتفات لغير الله - تعالى.

قال القرطبي - رحمه الله -: "فيض العين: بكاؤها، وهو على حسب حال الذكر، وبحسب ما ينكشف له من أوصافه - تعالى - فإن انكشف له غضبُه، فبكاؤه عن خوف، وإن انكشف له جماله وجلاله، فبكاؤه عن محبة وشوق، وهكذا يتلوَّن الذاكر بحسب ما يذكر من الأسماء والصفات"؛ (انظر: "المفهم"، حديث (899)).

في إيراد هذه الخصلة فضلُ البكاء من خشية الله - تعالى - أو شوقًا لما عند الله، وأعظمه النظر إلى وجهه الكريم - نسأل الله تعالى من فضله.

هذا ما تيسر بيانه بإيجاز عن هؤلاء السبعة، والحق أن الحديث عن كل واحد منهم يطول؛ فهي صفات عظيمة توحي بكمال كل خصلة ذُكرت.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "فذكر صلى الله عليه وسلم هؤلاء السبعة، إذ كل واحد منهم كمل العبادة التي يقوم بها، فالإمام العادل كمل ما يجب من الإمارة، والشاب الناشئ في عبادة الله كمل ما يجب من عبادة الله، والذي قلبُه معلق بالمساجد كمل عمارة المسجد بالصلوات الخمس؛ لقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]، والعفيف كمل الخوف من الله، والمتصدق كمل الصدقة، والباكي كمل الإخلاص"؛ (انظر: "مجموع الفتاوى"، 23/144).

سادسًا: ذكر الرجل في الحديث لا مفهوم له، فليس المراد أنه لا يدخل في الفضل إلا الرجالُ؛ بل تشترك النساءُ معهم فيما ذُكر، ويستثنى من ذلك (الإمام العادل) إن كان المراد به الإمامة العظمى، وإلا فإن المرأة يمكن أن تدخل، بحيث تكون ذات عيال فتعدل بينهم، وكذلك يستثنى خدمة ملازمة المسجد؛ لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل، على أنه يحتمل أيضًا دخولها في هذا الفضل، وذلك حين يكون قلبها معلقًا بالصلاة؛ لأن فضل تعلق قلب المرء بالمساجد إنما هو من أجل ما عمرت به من المساجد، وأعظمها الصلاة، فإذا تعلق قلب المرأة بالصلاة، كان ذلك محتملاً لدخولها في هذا الفضل، وفضل الله - تعالى - واسع، والله أعلم.


قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "فهل مثله من لا يحضر المساجد؛ لكن قلبه معلق بالصلاة؟ يعنى: امرأة مثلاً في بيتها قلبُها معلَّقٌ بالصلاة، أو إنسان مريض لا يستطيع الصلاة في المسجد؛ لكن قلبه معلق بالعبادة من باب أولى؛ لأن المساجد أماكن العبادة... الذي يظهر لي: أن الذي قلبه معلق بالصلاة، سواء كان يؤديها في البيت لعذر، أو لكونه ليس من أهل الجماعة - يدخل في الحديث"؛ (انظر: "شرح البخاري"، لشيخنا ابن عثيمين، 3/84).


وأما الصفات الأخرى الواردة في الحديث، فمشاركة النساء للرجال فيهن حاصلة لهن، والله أعلم.

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
صيد الفوائد
 تم النشر يوم  الخميس، 27 ديسمبر 2012 ' الساعة  12:43 م


 
Toggle Footer