تمهيد: اعتَنَى الإسلام باليتيم عنايةً خاصَّة،
وأَوْلاَه من الاهتِمام ما يكفل حقَّه في العيش الكريم، ويستَعِيضُ به عن فقدان
سنَد الأبوَّة وحنانها، حتى إنَّه أنزَل في شأنه سورةً كاملةً سمَّاها بعض
العُلَماء: "سورة اليتيم"، وهي المشهورة بسورة
"الماعون": ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1
- 2].
ومن هذه العِناية الكبيرة ما رُتِّب على كفالة اليتيم من
الأجر العظيم، يرفع مرتبة الكافل إلى درجةٍ تُقارِب درجة الأنبياء في
الجنَّة؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضِي
الله عنه -: ((أنا وكافِل اليتيم في
الجنة هكذا))، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرج بينهما شيئًا[2]، وإنَّما فرَّج بين
أصبعَيْه؛ لبيان مِقدار التفاوُت بينه وبين الأنبياء، قال ابن بطال: "حقٌّ على كلِّ
مؤمن يسمع هذا الحديث أن يرغب في العمل به؛ ليكون في الجنة رفيقًا للنبي - عليه
الصلاة والسلام - ولجماعة النبيِّين والمرسَلِين - صلوات الله عليهم أجمعين - ولا
منزلة عند الله في الآخرة أفضل من مُرافَقة
الأنبياء"[3].
لكن ما يجعل مُعالَجة هذا الموضوع مُلِحَّة في هذه اللحظة بالذات، هذا
التفاوُت العجيب بين ما شرَعَه الإسلام في ضَمان حقوق اليَتِيم، وبين حالة الأيتام
في هذا العصر الذي يضجُّ بالمشاكل والمشاغل، أنسَتِ الناس أنَّ هُناك فئةً
اجتماعيَّةً تَئِنُّ تحت وطأة الفقر والإهمال، هي فئة الأيتام والأرامِل، فقريبٌ
مِنَّا حرب غزة خلَّفت 1346 طفلاً في دائرة اليُتْمِ والحِرمان؛ منهم مَن فقَد
أباه، ومنهم مَن فقَد أمَّه، ومنهم مَن فقَد أبويه معًا، وخلَّفَت الحرب في العِراق
خمسة ملايين يتيم، ومليار طفل في العالم تنقُصه واحدةٌ أو أكثر من الخدمات
الأساسيَّة للبَقاء والنموِّ، وفي كلِّ يومٍ يَتزايَد أعداد الأطفال الأيتام بنحو
5760 طفلاً؛ أي: أزيد من مليونَيْن كلَّ عام، وتُشِير منظَّمة الأمم المتَّحِدة
للطفولة "اليونيسيف" إلى أنَّ هناك أكثر من 210 ملايين
طفل يتيم في جميع أنحاء العالم، وحسب منظَّمة الأغذية والزِّراعة وفي سنة 2007
يُوجَد في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر من 40 مليون طفل يتيم، من بينهم نحو
11,4 مليون يتيم؛ بسبب مرض السيدا تحديدًا.
ونظَرًا لقلَّة
العِناية بهذه الشَّرِيحة، فإنَّ 10 % من الأيتام الذين يُغادِرون المَلاجِئ
يُقدِمون على الانتِحار، ويتحوَّل أَزْيَدُ من 60 % من الفتيات إلى مُمارَسة
البغاء، وينضمُّ 70 % من الأطفال الذُّكور إلي عالَم الجريمة، بالإضافة إلى
استِغلال العديد منهم في مِهَنٍ غير آدميَّة، لا لشيءٍ إلا لأنهم أصبحوا أيتامًا،
لا كافِل لهم ولا مُؤوي، ولقد كان من دعاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا
أوَى إلى فِراشه: ((الحمد لله الذي أطعَمَنا وسَقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممَّن لا
كافي له ولا مُؤوي!))[4].
يقول الشيخ عبدالله ناصح علوان[5]: "ومن
العَوامِل الأساسيَّة في انحِراف الولد: مصيبة اليُتْمِ، التي تعتَرِي الصِّغار وهم
في زهرة العمر، هذا اليتيم الذي
مات أبوه وهو صغيرٌ إذا لم يجد اليد الحانية التي تحنو إليه، والقلب الرحيم الذي
يعطِف عليه، وإذا لم يجد من الأوصياء المعامَلة الحسنة، والرعاية الكاملة - فلا
شكَّ أن هذا اليتيم سيدرج
نحو الانحراف، ويخطو شيئًا فشيئًا نحو الإجرام".
من هنا كانت كفالة الأيتام
مُسيَّجة بعنصرين اثنين، يحفَظان الرعاية المطلوبة
لهم: • تحصين المجتمع عن طريق محاربة الرذيلة، والتمكين للأخلاق
الفاضلة. • مُداوَمة الرِّعاية المادية والتربوية للأيتام إلى سن
البلوغ - على الأقل - يقول ابن القيم - رحمه الله -: "أفضل الصدقة ما صادفت حاجة من
المتصدَّق عليه، وكانت دائمة مستمرَّة"[6].
عن أبي بكر بن حفص: "أن عبدالله بن عمر كان لا يأكل
طعامًا إلا وعلى خِوانه يتيم"[7].
وممَّا يضع البلسم على
جِراح الأيتام في المجتمع المسلم، أنَّ نبيَّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أرادَه
ربه - عزَّ وجلَّ - أن ينشأ يتيمًا، غير أنه حاز الكَمال في التربية برِعاية
ربِّه له، والذي خاطَبَه - سبحانه - في معرض المنِّ والتَّذكير بالنِّعمة في قوله -
تعالى -: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى:
6]، متنقِّلاً بين حَنان الأم الذي لم يدُم سوى ستِّ سنوات من عمره المبارَك، وبين
رِعاية الجد عبدالمطلب، التي لم تَدُم بعدُ سِوى عامَيْن، ثم كفالة عَمِّه
أبي طالب، حتَّى شبَّ عن الطوق، ودخَل في سن الشباب - صلَّى الله عليه وسلَّم -
وكان كلُّ ذلك بتدبيرٍ من العليم الحكيم، ليُعْلِمه حقَّ اليتيم، وكذلك كان - صلَّى
الله عليه وسلَّم - يقول فيه أبو طالب:
اليتيم تأصيلاً: في القرآن
الكريم: ذكَر القرآن الكريم لفظ اليُتْمِ في ثلاثةٍ وعشرين
مَوضِعًا، بأربعة استِعمالات: • اليتيم: خمس
مرات. • يتيمًا: ثلاث مرات. • يتيمين:
مرَّة واحدة. • اليتامى: أربع عشرة مرة.
ولعلَّ في مجيء اللفظ
بالإفراد والتثنية والجمع، ما يدلُّ على ضرورة الإحاطة بحاجات الأيتام، نوعًا
وعددًا، وأكثر هذه الاستِعمالات ورَد في سورة النساء؛ حيث ذكَر اليتامى بلفظ
الجمع ثماني مرات، ولعلَّ في ذلك بيانَ العلاقة الوطيدة التي تربط الآباء
والأمَّهات بالأبناء مِن جهة، ومقدار ما تتحمَّله النساء من تعبٍ وشدَّة في هذه
الرعاية بعد وفاة الزوج، والله أعلم.
ولقد استنتَج محمد الأمين الشنقيطي[9] أنَّ
هذه الآيات دارَتْ حول دفْع المضارِّ عن اليتيم في
ماله وفي نفسه، وجلب المصالح له في ماله وفي نفسه، فهذه أربعةٌ، وفي حالة الزوجيَّة
وهي الخامسة.
في السنَّة النبويَّة: أمَّا السنَّة النبويَّة فليس من السهل
الضبْط الدقيق لما ورد فيها متعلِّقًا باليتيم، لكن من أشهر الأحاديث حديث سهل بن
سعد الساعدي - رضِي الله عنه - الآنِف الذكر: ((أنا وكافِل اليتيم في
الجنَّة هكذا))، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرج بينهما
شيئًا[10].
قال
الحافظ ابن حجر: "وفيه إشارةٌ إلى أنَّ بين درجة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
وكافل اليتيم، قدرَ تفاوُت ما بين السبَّابة والوسطى، وهو نَظِير الحديث الآخَر:
((بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين))[11]"[12]، وقال أيضًا: "قال شيخنا في "شرح الترمذي": لعلَّ الحكمة في كوْن كافِل اليتيم
شُبِّهت منزلته في الجنة بالقرْب من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكون النبي -
صلَّى الله عليه وسلَّم - شأنه أن يُبعَث إلى قومٍ لا يَعقِلون أمر دينهم، فيكون
كافلاً لهم، ومعلِّمًا ومرشِدًا، وكذلك كافِل اليتيم، يقوم بكفالة مَن لا يعقل أمر
دينه، بل ولا دنياه، ويرشده ويعلمه، ويُحسِن أدبه، فظهرت مناسبة
ذلك"[13].
ومنها حديث أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ رجلاً شكَا إلى رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - قسوةَ قلبه، فقال: ((امسَح رأس اليتيم، وأطعِم
المسكين))[14].
وقريبٌ منه قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حديث أبي الدرداء - رضِي
الله عنه -: ((أتحبُّ أن يَلِين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحَم اليتيم، وامسَح رأسه،
وأطعِمه من طعامك، يلنْ قلبك، وتدركْ حاجتك))[15].
وعن زُرارة بن أبي أوفى عن رجلٍ من قومه
يُقال له: مالك، أو: ابن مالك، سمع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن
ضمَّ يتيمًا بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه، وجبت له الجنَّة
البتَّة))[16].
وقال بشر بن غزية: "استُشهِد أبي مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في
بعض غزواته، فمرَّ بي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنا أبكي، فقال لي:
((اسكت، أمَا ترضى أن أكون أنا أبوك، وعائشة أمَّك؟))، قلت: بلى، بأبي أنت وأمي يا
رسول الله"[17].
وممَّا يُعتَبر أصلاً في الاعتِناء بالضعفاء بعامَّة، وباليتيم وأمه
بخاصَّة، قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الساعي على الأرملة والمسكين
كالمجاهد في سبيل الله))، وأحسبه قال: ((وكالقائم الذي لا يَفْتُرُ، وكالصائم لا
يُفْطِرُ))[18].
اليتيم لغةً واصطلاحًا: في "المخصص"؛
لابن سيده: "وقال الطوسي: اليَتَم: الغَفْلة، ومنه اليتيم، كأنه أُغْفِل فضاعَ،
والإجماع أن اليَتيمَ الفَرْد، ويَتِمَ: إذا انْفَرَد، ومنه "الدُّرَّة اليتيمة""[19]، ولذلك كان اليتيم محلَّ
العطف والرحمة، قال الحطيئة:
أي: بعين التأمُّل
والاستِرحام. وذكَر
في "تاج العروس" أن: "اليُتْم بالضم: الانفِراد، وهذا
هو أصل المعنى، كما أشار إليه الراغب، أو هو فقدان الأب ويُحَرَّك، واقتَصَر
الجوهري على الضمِّ، وقال الحرالي: اليتم: فقدان الأب حين الحاجة، ولذلك أثبَتَه في
الذَّكَر إلى البلوغ، والأنثى إلى الثيوبة، لبَقاء حاجتها بعد
البلوغ.
واليُتم في البهائم: فقدان الأم[20]، وزاد ابن السِّكِّيت: ولا يُقال لِمَن
فقَد الأم من الناس: يتيم، ولكن: مُنقَطِع، وقال ابن بري: اليتيم: الذي يموت أبوه،
والعجي: الذي تموت أمه، واللطيم: الذي يموت أبواه، قال الليث: هو يتيمٌ ما لم يبلغ
الحلم، فإذا بلغ زال عنه اسم اليتم، وقال أبو سعيد: يُقال للمرأة: يتيمة، لا يزول
عنها اسم اليتم أبدًا، وأنشدوا:
وَيَنْكِحُ
الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى[21]
وقال أبو عبيدة:
تُدعَى يتيمةً ما لَم تتزوَّج، فإذا تزوَّجت زال عنها اسم اليتم، وكان المفضل
ينشد:
واليتيم في الأصل: الضعيف، يُقَال: يَتَِمَ - كضَرَبَ وعَلِمَ
- الرجل: إذا ضَعُف، وفي الحديث: ((اللهم إني أُحَرِّجُ حقَّ الضعيفَيْن: اليتيم
والمرأة))[23]؛ أي: أضيِّق على الناس في تضْييع حقهما، وأشدد عليهم في
ذلك.
وقال الليث: "اليَتيمُ: الذي مات أَبوه، فهو يَتيمٌ حتى يبلغَ، فإِذا بلَغ زال عنه
اسمُ اليتيم"[25].
قال في "اللسان": "وأصلُ اليُتْم - بالضم والفتح - الانفِرادُ، وقيل:
الغفْلةُ، والأُنثى يَتيمةٌ، وإذا بَلَغا زال عنهما اسمُ اليُتْم حقيقةً، وقد
يُطلَق عليهما مجازًا بعد البلوغ، كما كانوا يُسَمُّون النبي - صلَّى الله عليه
وسلَّم - وهو كبيرٌ: يَتيم أَبي طالب؛ لأَنَّه رَبَّاه بعد موتِ أَبيه، وفي الحديث:
((تُسْتأْمَرُ اليتيمة في نَفْسها، فإِن سكتَتْ فهو إِذْنُها))[26]، أَراد
باليتيمة: البِكْرَ البالغةَ، التي مات أَبوها قبل بلوغِها، فلَزِمَها اسم
اليُتْمِ، فدُعِيت به وهي بالغةٌ مجازًا"[27].
واليتيم عند الفقهاء
هو: مَن فقَد أباه ما لم يبلغ الحُلُم، فإذا بلَغ الحُلُم زال عنه اليُتم؛
قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُتْمَ بعدَ احتلامٍ، ولا صُماتَ يومٍ
إلى الليل))[28]، وعند الطبراني يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُتمَ
بعد احتِلام، ولا يُتمَ على جارية إذا هي حاضَتْ))[29].
قال في "عون
المعبود": " قال ابن رسلان: إذا بلغ اليتيم أو
اليتيمة زمن البلوغ الذي يحتَلِم غالب الناس، زال عنهما اسم اليتيم
حقيقةً، وجرى عليهما حكم البالغين، سواء احتَلَما أو لم
يحتلِمَا"[30].
وقال الشيخ عبدالمحسن العبَّاد في "شرح سنن أبي
داود"[31]: "والبلوغ يكون بالاحتِلام، ويكون بنبات الشعر الخشن حولَ
القُبُل، ويكون بإتمام خمس عشرة سنة، ولو لم يكن احتِلام ولا نَبات شعر، هذا هو
الذي يكون به البلوغ، وعند ذهاب اليتم وحصول البلوغ يكون الإنسان
مُكلَّفًا".
ومنهم مَن يرى استِمرار اليتم إلى حين الرشد التام، ولو بلَغ
الحلم.
ففي
"صحيح مسلم": أن نجدة كتَب إلى ابن عباس يسأله عن خمس
خِلال، فكتَب إليه ابن عباس: "كتبتَ تسألني: متى ينقضي يتم اليتيم؟ ولعمري إن الرجل
لتنبت لحيته، وإنه لضعيف الأخْذ لنفسه، ضعيف الإعطاء منها، فإن أخذ لنفسه من صالح
ما يأخذ الناس، فقد انقطع عنه اليتم"[32].
قال الإمام النووي: "وفي هذا دليلٌ للشافعي
ومالك وجماهير العلماء أنَّ حكم اليتم لا ينقَطِع بمجرَّد البلوغ، ولا بعلوِّ السن،
بل لا بُدَّ أن يظهر منه الرشد في دينه وماله، وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسًا
وعشرين سنة، زال عنه وصار رشيدًا يتصرَّف في ماله"[33].
وقال الزمخشري في "الكشَّاف": "وحقُّ هذا الاسم (اليتم) أن يقع على الصِّغار والكِبار؛ لبَقاء معنى الانفِراد
عن الآباء، إلا أنَّه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلُغوا مبلغ الرِّجال، فإذا
استغنوا بأنفسهم عن كافِل وقائم عليهم، وانتَصَبوا كفاة يكفلون غيرهم ويقومون
عليهم، زال عنهم هذا الاسم... وأمَّا قوله - عليه الصلاة السلام -: ((لا يتم بعد
الحلم))، فما هو إلا تعليمٌ، شريعةً لا لغةً؛ يعني: أنه إذا احتلم لم تجرِ عليه
أحكام الصِّغار"[34].
اليتيم تنْزيلاً: لليتيم
حالتان: 1 - أن يموتَ أبوه ويترك له مالاً، فتتكفَّل به
أمُّه وترعاه أو جدُّه أو عمُّه أو أحد من أقاربه، فيحفظ له ماله، ويُحسِن
استثماره، وهو في هذه الحال لا يكون محلاًّ للصَّدَقَة، ولكن يكون محلاًّ للرعاية
وحسن التربية والتوجيه. 2 - أن يموت أبوه ولَم يترك له من المال شيئًا،
وهذا تُنفِق عليه أمُّه أو أقاربه بالحسنى، فإن لم يكن له مَن يَكفُله، تولَّى أحد
المحسنين - أو أكثر - أمْرَه، إمَّا بمباشرة الكفالة، أو بإعطاء المال لإحدى
الجمعيات الخيرية الموثوقة لتَنُوب عنه في ذلك.
ولا يُشتَرط أن يكون
المكفول قريبًا أو بعيدًا؛ يقول النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حديث
أبي هريرة - رضِي الله عنه -: ((كافل اليتيم له أو
لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة))، وأشار مالك بالسبابة
والوُسْطى[35].
قال النووي: "وأمَّا قوله: ((له أو لغيره))، فالذي له: أن يكون قريبًا له؛
كجده، وأمه، وجدته، وأخيه، وأخته، وعمه، وخاله، وعمته، وخالته، وغيرهم من أقاربه،
والذي لغيره: أن يكون أجنبيًّا"[36].
ويبدو - والله أعلم - أنَّ هناك حالات
يستمرُّ معها اليتم، وتبقَى أحكامه سارية؛ من نفقة، ورعاية، وتربية... ولو بعد
البلوغ.
من هذه الحالات: أ - البنت
تظلُّ في الكفالة حتى تتزوَّج؛ لقوله تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا
الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء:
6].
ب - الأيتام من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، الذين لا يستطيعون
القيام بأنفسهم بتحصيل مورد للرزق؛ لمانع الإعاقة البدنيَّة أو
الذهنيَّة.
ج - أباح بعض أهل العلم الإبقاء على كفالة طالب
العلم الشرعي[37]، الذي لا يجد ما يُنفِقه لإنهاء دراسته الجامعية، إذا كان
يُتَوخَّى منه نفع الأمة.
د - وكذلك اليتيم الذي
يبلغ فقيرًا محتاجًا لا عمل له، يقول الأستاذ الدكتور سعود بن عبدالله
الفنيسان[38]: "كفالة اليتيم
المرتَّب لها هذا الأجر العظيم غير البالغ، باعتِبار الحقيقة اللغوية، واليتيم
البالغ إذا لم يكن له مال يكفيه، ولا ولي يقوم برعايته، فهما حينئذٍ يستحقَّان
الكفالة لفقرهما (حقيقةً)، أو ليتمهما (مجازًا)، باعتبار ما كانوا عليه قبل بُلُوغهم؛ ولهذا فإنِّي
أرى أن تحرص جمعيات كفالة الأيتام
على اليتيم الصغير
(الذي لم يبلغ)، أو البالغ الفقير، ومتى ما وجَدَا ما
يكفيهما من مال أو صنعة تدرُّ عليهما، فلتُقطَع عنهما الكفالة، وتُصرَف إلى يتيمٍ
آخر أحوج منهما"[39].
هـ - ومجهولو النَّسَب لهم أحكام اليتامى، بل هم
أَوْلَى بالعناية؛ لعدم وجود أحدٍ من والديهم وأهلهم، واليتيم قد تكون أمُّه
بجانبه، وقد يزوره خاله وعمه، وخالته وعمته، أمَّا مجهول النسب فإنه مُنقَطِع عن
كلِّ أحد؛ ولذا كانت العناية به أوجب من اليتيم معروف
النسب.
ولقد جاء في أجوبة "اللجنة الدائمة
للإفتاء"[40]: "مجهولو النَّسَب في حكم اليتيم؛ لفقْدهم لوالديهم، بل هم أشد حاجةً للعناية
والرعاية من معروفي النسب؛ لعدم معرفة قريبٍ لهم يلجؤون إليه عند الضرورة؛ وعلى ذلك
فإنَّ مَن يكفل طفلاً من مجهولي النسب، فإنه يدخل في الأجْر المترتِّب على كفالة اليتيم؛
لعموم قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا وكافِل اليتيم في
الجنة هكذا))، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما
شيئًا".
ويُلحَق باليتيم اللقيطُ، جاء في أجوبة اللجنة آنفة
الذكر[41]: "من أبواب الإحسان في شريعة الإسلام حضانةُ اللقيط المجهول النسب، والإحسانُ
إليه في كفالته، وتربيته تربية إسلامية صالحة، وتعليمه فرائض الدين، وآداب الشرع
وأحكامه، وفي هذا أجرٌ عظيم وثوابٌ جزيل، ويدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم؛
لعموم قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا وكافل اليتيم في
الجنة هكذا))"، ويؤيِّد هذا المذهب من الفتوى قولُه - تعالى - في الآية الكريمة: ﴿
فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي
الدِّينِ ﴾ [الأحزاب: 5].
والطفل الذي غابَ أبوه
منذ أكثر من عام، إمَّا لاعتِقال، أو حرب، أو فقدان، لا يُعتَبَر يتيمًا على
الحقيقة، إلا إذا حكم القاضي بموت أبيه، ولكن يُلحَق باليتيم في جواز كفالته، إذا
لم يكن له عائلٌ له يتولَّى شؤونه.
ولا بأسَ أن نشير إلى يتيمٍ من نوعٍ آخر،
يصدق عليه لفظ اليتم معنًى لا حقيقة، وهو مَن له أبوان، لكنَّه لا يشعر معهما
بالرِّعاية والمحبَّة؛ لحرمان الشعور بالترابُط الأسري وأثره؛ إمَّا لفسادٍ في
الأخلاق، أو حب في حياة الحرية والانطِلاق من قُيُود التربية وتحمُّل المسؤولية،
وإمَّا بسبب التفريق بالطلاق، وإمَّا لكثْرة الخلافات والمشاجرات بين الأبوين، وما
أكثَر هذه الحالات! ولذلك نبَّه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه الفئة بقوله:
((كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع مَن يقوت))[42]، وفي "صحيح مسلم"[43]، يقول النبي -
صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمَّن يملك
قوته)).
يقول النبي - صلَّى
الله عليه وسلَّم -: ((ما من عبدٍ يستَرعِيه الله رعيَّة، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ
لرعيَّته، إلا حرَّم الله عليه الجنة))[44].
الكفالة
تأصيلاً: في القرآن الكريم: وردَتْ مُشتقَّات فعل
"كفل" في القرآن الكريم عشر مرَّات،
وهي: 1 - الآية الأولى، وهي التي تُعتَبر مستندًا في مشروعيَّة
الكفالة، وأنها شأن الأنبياء قبل رسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وذلك قوله -
تعالى - عن مريم: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ
وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران:
37].
قال ابن
كثير: "أي: جعَلَه كافِلاً لها، قال ابن إسحاق: وما ذلك إلا أنها كانت يتيمة"، ثم
قال - أي: ابن كثير -: "وإنما قدَّر الله كون زكريا كفلها لسعادتها؛ لتقتَبِس منه
علمًا جَمًّا نافِعًا، وعملاً صالحًا... ولأنه كان زوج خالتها - على ما ذكَرَه ابن
إسحاق وابن جرير وغيرهما - وقيل: زوج أختها - كما ورد في الصحيح -: ((فإذا بِيحيى
وعِيسَى، وهُمَا ابنَا الخالَة))[45]"[46].
2 - ونجد في
الآية الأخرى في السورة نفسها، وفي السياق نفسه، صورة رائعة لمجموعةٍ من أهل الخير،
يَتسابَقون فيما بينهم على كفالة يتيمتهم
مريم بنت عمران؛ يقول - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾
[آل عمران: 44]، فقد كان كلُّ واحدٍ منهم يطمَع في أن يفوز برعايتها، ولم يجدوا
بُدًّا من الاقتِراع فيما بينهم، وإلقاء أقلامهم في نهر الأردن أيهم يفوز بهذا
الشرَف العظيم؛ ألا وهو كفالة
اليتيمة، حتَّى فاز بذلك نبي الله زكرياء - عليه
السلام.
3 - قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ تَمْشِي
أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ﴾ [طه: 40]، في
سياق الحديث عن موسى - عليه السلام - والرُّجوع به إلى أمِّه لتكفله؛ أي: لتكمل
رضاعه.
4 - وفي السِّياق نفسه نجد قوله - تعالى -: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ
نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12].
5 - قوله -
تعالى - في قصة المختصمَيْن عند داود - عليه السلام -: ﴿ فَقَالَ
أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ [ص: 23]؛ أي: اجعلني كافلها،
قال البغوي في "معالم التنزيل"[47]: "وحقيقته: ضُمَّها إليَّ فاجعلني
كافلها".
7 - قوله - تعالى -: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 85] قال
الشيخ الشعراوي: "ذو الكفل: ابن أيوب - عليه السلام - ويظهر أنَّ أولاد أيوب كانوا
كثيرين، إنما اختصَّ الله ذا الكفل بالرسالة، وكان هذا حظَّه دون غيره من أبناء
أيوب، لذلك سُمِّي (ذا
الكفل)"[48].
8 - وذُكِر مرَّة أخرى في قوله - تعالى -: ﴿
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ
مِنَ الأَخْيَارِ ﴾ [ص: 48].
ويدلُّ على الكفالة بالتلميح آياتٌ كثيرة؛ منها قوله - تعالى -: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً
ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً
سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]، قال ابن كثير في تفسير الآية: "كما تحبُّ أن تعامَل ذريتَك من بعدك، فعامِل الناس في ذرياتهم إذا
وليتهم"[49]، وقال داود - عليه السلام -: "كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم
أنك كما تزرع كذلك تحصد، ما أقبح الفقر بعد
الغِنَى!"[50].
في السنة النبوية: لقد مضى معنا - عند تأصيل الكلام على اليتيم -
مجموعةٌ من النصوص التي تنصُّ على كفالة اليتيم،
وتبيَّن عظيم فضْلها؛ كقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا وكافل اليتيم في
الجنة هكذا))[51]، وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كافل اليتيم له أو
لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة))، وأشار مالك بالسبابة
والوسطى[52].
وثبَت في الصحيحين[53] - أيضًا - عن زينب امرأة ابن مسعود - رضِي الله عنهما
- أنها سألت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أيجزئ عنِّي أن أنفق على زوجي
وأيتام في حجري من الصدقة؟ قال: ((نعم، يكون لها أجران: أجر القرابة، وأجر
الصدقة)).
وفي
حديث أبي هريرة: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أنا أوَّل مَن
يُفتَح له باب الجنَّة، إلا أنه تأتي امرأةٌ تُبادِرني فأقول لها: ما لك؟ مَن أنت؟
فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي))[54].
وعن عمارة بن عمير، عن عمَّته، أنها سألتْ
عائشة - رضي الله عنها -: "في حجري يتيمٌ، أفآكُل من ماله؟ فقالت: قال رسول - صلَّى
الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه))[55]،
قال العظيم آبادي في "عون المعبود"[56]: "أي: من جملته؛
لأنه حصَل بواسطة تزوُّجه، فيجوز له أن يأكل من كسب
ولده".
وقال -
صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَدْنِ اليتيم، وامسَح برأسه، وأطعمه من طعامك، فإن
ذلك يلين قلبك، ويدرك حاجتك))[57].
وهكذا نجد القرآن الكريم والسنَّة النبوية
تضافَرَا في بيان فضلِ مَن يكفل اليتيم، والأجرِ العظيم الذي يُحرِزه في الدنيا
والآخرة.
الكفالة لغةً واصطلاحًا: قال في "مختار
الصحاح"[58]: "الكَفَافُ من الرزق: القوت، وهو ما كَفَّ
عن الناس؛ أي: أغنى"، وفي الحديث: ((اللهم اجعل رزق آل محمد كفافًا))،
والكَفِيلُ: الضامن، وقد كَفَلَ به يَكفُل بالضم كَفَالَةً... وأكْفَلَهُ المالَ:
ضمنه إياه... وتَكَفَّلَ بدَيْنه، والكافِلُ: الذي يكفل إنسانًا يَعولُه، ومنه قوله
- تعالى -: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37]،
وقُرئ: ﴿ وكَفِلَها ﴾ - بكسر
الفاء".
وقال
في "تاج العروس"[59]: "وقال ابن الأعرابي: كفيل وكافل،
وضمين وضامن، بمعنى واحد، جمع كُفَّل كَرُكَّع هو جمع كافل، وكُفَلاء هو جمع كفيل،
والأنثى كفيل أيضًا، يُقال في الجمع: كفيل أيضًا".
وقال أبو حيَّان في "البحر المحيط"[60]: "الكفالة: الضمان، يقال: كَفَلَ يكفل، فهو
كافل وكفيل، هذا أصله، ثم يُستَعار للضمِّ والقيام على
الشيء".
وأمَّا
الكفالة اصطِلاحًا - كما ذكر الذهبي في "الكبائر"[61] -
هي: "القيام بأموره، والسعي في مصالحه، من طعامه، وكسوته، وتنمية ماله إن كان له
مال، وإن كان لا مال له أَنفق عليه، وكساه ابتِغاء وجه الله -
تعالى".
فتكون
كفالة اليتيم بضمِّه
إلى حجر كافله؛ أي: ضمه إلى أسرته؛ فينفق عليه، ويقوم على تربيته، وتأديبه حتى
يبلغ، وهذه أعلى درجات كفالة اليتيم؛
حيث إن الكافل يُعامِله معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية... وغير
ذلك.
وتكون كفالة اليتيم أيضًا
بالإنفاق عليه، مع عدم ضمِّه إلى الكافل، كما هو حال كثيرٍ من أهل الخير،
الذين يدفعون مبلغًا من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيريَّة، أو يعيش مع أمِّه
أو نحو ذلك، فهذه الكفالة أدنى درجةً من الأُولَى، ومَن يدفع المال للجمعيات
الخيرية التي تُعنَى بالأيتام، يُعتَبَر حقيقةً كافلاً لليتيم، وهو داخِلٌ - إن شاء
الله تعالى - في قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا وكافل اليتيم في
الجنَّة هكذا)).
الكفالة تنْزيلاً: سبَق أن عرَفنا في قصَّة كفالة زكريا
لمريم - عليهما السلام - أنَّ كفالة الأيتام
لا زالت في بني البشر منذ القِدَم، ومَثَّلها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
خيرَ تَمثِيل؛ لأنه هو نفسه كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكفولاً من طرف جده، ثم
عمه، تقول خديجة - رضي الله عنها - في بيان ما جُبِل عليه الرسول - صلَّى الله عليه
وسلَّم - من الصفات قبل البعثة: "كلا والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتَصِل الرحم،
وتحمل الكَلَّ، وتَكسب المعدوم[62]، وتَقري الضيف[63]، وتعين على نوائب
الحق[64]"[65]، ومعنى "تحمل الكل": تكفل
اليتيم.
ولقد
رَغِب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الزواج من أم سلمة، فاعتَذرت بكونها
امرأة مصبية، فقال لها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فستُكْفَيْنَ
صِبيانَك))[66].
وأخرج البخاري في "صحيحه"[67] عن زيد بن أسلم عن
أبيه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى السوق، فلحقت عمر امرأة
شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صبية صغارًا، والله ما ينضجون
كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء
الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقف معها عمر ولم
يمضِ، ثم قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير[68] كان مربوطًا في الدار،
فحمل عليه غرارتين[69] ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه
ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين،
أكثرت لها! قال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبَا هذه وأخاها قد حاصَرَا
حصنًا[70] زمانًا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستَفِيء سهمانهما
فيه[71]".
وما
زال المسلمون يكفلون الأيتام بالطعام والشراب، واللباس والمساكن، ودور التعليم،
وإجراء الأموال للمعلِّمين والمربِّين، حتى ذكروا أن كُتَّابَ أبي القاسم البلخي
كان يتعلَّم فيه 3000 تلميذ، وتدلُّ رواية ياقوت الحموي على أن هذا الكتاب - بجانب
استِقلاله عن المسجد - كان فسيحًا ليتَّسِع لهذا العدد الكبير، ولهذا كان يحتاج
البلخي أن يركب حمارًا، ليتردَّد بين هؤلاء وأولئك، وليشرف على جميع
تلاميذه[72].
وسواء كانت الكفالة مباشرة، أو عن طريق وساطة - كما هو الحال في الجمعيات
الخيرية - لأنَّ المباشرة في الكفالة ليستْ مقصودة لذاتها، ولذلك يتحقَّق الأجر
سواء بالمباشرة أو بالإنابة.
ومن فتاوى اللجنة
الدائمة[73]: "مَن يكفل يتيمًا عن طريق المؤسَّسات
الخيريَّة، والهيئات الإغاثيَّة الخيريَّة الموثوقة، التي تقوم برعاية اليتامى
والعناية بهم، من كسوة، وسُكْنى، ونفقة، وما يتعلَّق بذلك - فإنَّه يدخل تحت مسمَّى
كافل اليتيم - إن
شاء الله - ويحصُل على الأجْرِ العظيم، والثَّواب الجزيل، المسبِّب لدخول الجنة،
لكن كلَّما كان اليتيم أشدَّ
حاجة، وقام مَن يكفُلُه برعايته، والعناية به بنفسِه في بيتِه، فإنَّه يكون أعظمَ
أجرًا، وأكثر ثوابًا ممَّن يكفله بِماله فقط".
وأمَّا مقدار ما
تتحقَّق به الكفالة، فيُمكِن التأصيل له من خلال سورة الضحى؛ حيث قال - تعالى - في
أربع آيات مُتوالِيات: أمَّا الآية
الأولى فقوله - تعالى -: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا
فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، ويُفهَم منها الحاجة إلى الإيواء؛ أي: المسكن الذي
يلجأ إليه، ومن تمام نعمة الإيواء أن يُوضَع اليتيم في كنف
أسرة، إمَّا قريبة - وهذا هو الأصل؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَتِيمًا
ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 15] - أو بعيدة.
وأمَّا الآية
الثانية فقوله - تعالى -: ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالًّا
فَهَدَى ﴾ [الضحى: 7]، ويُفهَم منها الحاجة إلى التربية والتعليم المفضيين
إلى معرفة الله، واتِّباع منهج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال ابن
تيميَّة - رحمه الله -: "ومَن كان عنده صغيرٌ مملوك، أو يتيم، أو ولد، فلم يأمرْه
بالصلاة - فإنه يُعاقَب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويُعَزَّرُ الكبير على ذلك
تعزيرًا بليغًا؛ لأنَّه عصى الله ورسوله"[74]، فالتربية - إذًا - جزء متأصِّل في
باب كفالة اليتيم،
وليست اقتصارًا على الجانب المادي وحسب.
ولقد فَطِن المسلِمون
الأوائل إلى ذلك، فكَثُرت عندهم مدارس خاصَّة بالأيتام، حتى كان بجانب كلِّ
مسجد دار أو محضرة لتعليمهم وتربيتهم، "ولقد استرعت هذه
الظاهرة الرحالة (ابن جبير)، فعدَّها من أغرب ما يُحَدث به من مَفاخِر البلاد
الشرقية من العالم الإسلامي"[75].
"ولقد بلَغ حِرص الواقِفين على العناية
بالأيتام أن اشتَرَطوا مواصفات محدَّدة في المؤدِّب الذي يتولَّى تعليمهم وتربيتهم،
ومن ذلك أن يكون من أهل الخير والدين والأمانة، والعفة والصيانة، حافظًا لكتاب
الله، عالمًا بالقِراءات السبع وروايتها وأحكامها، وأن يُعامِل الأيتام بالإحسان
والتلطُّف والاستِعطاف... وأن يكونَ متَزَوِّجًا زوجةً تُعِفُّه، صالحًا لتعليم
القرآن والخط والأدب"[76].
وأمَّا الآية
الثالثة فقوله - تعالى -: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً
فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 8]، حيث تأتي العناية المالية؛ أي: ما يمكنه من تحقيق
العيش الكريم.
4 - وبعد ذلك يأتي قوله - تعالى -: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9]؛ أي: رعاية
حاله وضعفه، وعدم زجْره وتعنيفه، إلا ما تقتَضِيه تربيته بالحسنى؛ قال - تعالى -: ﴿
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي
يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1 - 2]؛ أي: يدفعه بعنف، ويقهره
ويزجره.
قال الليث:
المُدَفَّع: الرجل المَحقُور الذي لا يُقرَى إن ضِيفَ، ولا يجدى إن
اجتَدَى"[77].
وتُقدَّر حاجيَّاته حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم
المكفول، بحيث تشمل الأساسيَّات دون الكماليَّات.
وهذه الكفالة
مُرتَبِطة باليتم، واليتيم هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال، فإذا
بلَغ الصبي الرشد لَم يعدْ يَتِيمًا، إلا إذا كان في عقْله سفهٌ أو جنونٌ؛ فيظل في
حكم اليتيم
وتستمرُّ كفالته، مع ملاحظة ما سبَق بيانه ممَّن يلحقون
به.
ومَن أنفق على يتيمٍ شهرًا أو شهرين، ثم استغنى اليتيم عن
النفقة بالبلوغ أو الغنى، أو ما أشبه ذلك - حصَل له أجْر كفالة اليتيم،
وأمَّا إن كان اليتيم ما زال
في حاجة إلى نفقة، فلا يأخذ الكافل حينئذٍ الأجر كاملاً؛ لظاهر حديث: ((مَن ضمَّ
يتيمًا بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه، وجبت له الجنة البتَّة))[78]،
إلاَّ أن تكون النفقة قد قصرت به ولا يجد ما يُنفِقه على اليتيم، مع حرْصه على
النفقة، فيكتب له الأجر كاملاً - إن شاء الله تعالى - لقوله - صلَّى الله عليه
وسلَّم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئ ما
نوى))[79].
• ويجوز أن يشتَرِك أكثر من شخص في كفالة اليتيم
الواحد. • وتحصل الفضيلة، سواء أنفق الكافل من ماله الخاص، أو أنفق
عليه من ماله هو، وقام الكافل بتدبيره والسهر على استثماره، قال النووي في "شرح مسلم"[80]: "وهذه الفضيلة تحصل لِمَن كفل اليتيم من مال
نفسه، أو مال اليتيم بولاية
شرعية". • كما يجوز دفْع حاجيَّاته من مال الزكاة، إذا كان اليتيم واحدًا
من الأصناف الثمانية، الذين تُصرَف لهم الزكاة؛ كأن يكون فقيرًا أو مسكينًا؛ بدليل
حديث زينب السابق[81]؛ حيث سألت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيجزئ عني أن
أنفق على زوجي وأيتام في حجري من الصدقة؟ قال: ((نعم، يكون لها أجران: أجر القرابة،
وأجر الصدقة))[82]، أمَّا إذا كان غنيًّا فلا تحلُّ له، ولا يحلُّ لوليِّه أن
يأخذها، أمَّا الصدقة عليه فجائزة ولو كان غنيًّا؛ لملاحظة صفة
اليتم. • ولقد ذهبَتْ شريعتنا السمحة إلى أبعد من ذلك، حين أباحت كفالة غير
المسلمين - أيضًا - لجواز إطعامهم في قوله - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾ [المائدة:
5]. وفي "كتاب الأموال"[83]؛ لأبى عُبيد: أن عمر بن عبدالعزيز - رضِي
الله عنه - كتَب إلى عامله على البصرة كتابًا، وممَّا جاء فيه: "وانظر مَن قِبَلَك من أهل الذمَّة، قد كبرت سنُّه، وضعفت قوَّته،
وخلَتْ عنه المكاسب، فَأَجْرِ عليه من بيت مال المسلمين ما
يصلحه".
ملحقات:
1- نموذج واقعي على رعاية
الأيتام[84]: "جمعية المسجد الأقصى المبارك، نموذج حي لرعاية الأيتام في مدينة القدس،
تأسست عام 1989م، وكان لها عدَّة أهداف منها: أولاً: خيرية، وثانيًا: تعليمية، وثالثًا:
نشاطات رياضية، وما زالت إلى اليوم تعمَل على تحقيق الهدفين الأولَيْن، فمدرسة
الهدى بفروعها في مدينة القدس تُعَدُّ من أفضل المدارس الخاصَّة، والتي تهتمُّ
بموضوع التربية والتعليم الديني، ورعاية الأيتام، فيها عمل جليل خيِّر، يقوم عليه
ثُلَّة قليلة العدد، كبيرة الآمال، من أبناء القدس.
وقد زرتُ هذه الجمعية في مقرِّها الكائن في
البلدة القديمة يوم الأحد (6/ 8/ 2006م)، وأجرَيْت مع المسؤول عنها الشيخ حسن
البراغيثي - حفظه الله - لقاء، اطَّلَعت من خلاله على مُجرَيات الأمور في هذه
الجمعية، وكيف تَسِير في ظلِّ هذه الظروف الصعبة، ومصادر تمويلها، والمشكلات التي
تُواجِهها، وقد أطلعني - حفظه الله - على مستندات ووثائق رسميَّة، يُشبِه العمل
فيها إلى حدٍّ كبير العمل المؤسَّسي، الذي يُدِيره مجموعة كبيرة من الموظَّفين، من
مُدَقِّقي حِسابات ومعاونين، وعاملين على جمع المعلومات، ودِراسة الحالات دراسة
اجتماعيَّة وافية، إلا أنَّ الغريب أنَّ العاملين فيها رسميًّا لا يَتجاوَز عدد
أصابع اليد الواحدة، ولا يَتقاضون راتبًا شهريًّا، ولا حتى سهم ﴿ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾ [التوبة: 60] المعروف في مَصارِف
الزكاة، يُعطَى بعضهم إكراميَّة بسيطة، وهم فرحون بهذا العمل، يحتَسِبون خُطاهم في
سبيل الله.
أمَّا عن العمل مع الأيتام فأفاد الشيخ حسن أنه بدَأ
عام 1990م؛ أي: بعد عامٍ تقريبًا من افتِتاح الجمعية، وبدأ بتقديم الرعاية
لعشرة أيتام، وأمَّا الآن (2006) فالعمل يتمُّ ضمن حدود (100) عائلة فيها أيتام،
بعض هذه العائلات يزيد عدد الأيتام فيها على خمسة أفراد، وقد رأيت كشفًا لعائلة
مُكَوَّنة من عشرة أفراد.
وأمَّا مصادر هذه المساعدات المقدَّمة فهي
داخلية تمامًا، فلا تَتقاضَى الجمعية أيَّة مساعدات خارجية مُطلقًا، فهناك الكثير
من الناس من أهل الخير مَن يتقدَّم بصدقاته وزكواته وأضاحيه إلى هذه الجمعية، بل
إنَّ بعضهم يدفع مبلغًا شهريًّا وهو (100) شيكل (220 درهمًا
تقريبًا) باسم كفالة
يتيم.
والجمعيَّة تقوم بكفالة الأيتام في مناطق الضفَّة الغربيَّة خاصَّة، مع أنها
مقدسية العاملين، مقدسية المنشأ والوجود؛ وذلك لأن أهل القدس في الغالب يتقاضون
مخصَّصات شهريَّة من التأمين الوطني، تدفع للأرامل والأيتام والمسنين، فهم ليسوا
بحاجةٍ إلى هذه الرعاية، وقد لاحظت من خلال اطِّلاعي على الكشف أن العائلات
المقدسيَّة لا تساوي نسبة 5 % تقريبًا من مجموع
العائلات.
والجمعية تنفق - فوق ما تدفعه لكلِّ يتيمٍ من مخصص شهري
يَتراوَح بين (100) شيكل و(300) شيكل، أو أحيانًا أكثر إذا تطلَّب الوضع ذلك -
تُنفق على ما يُعرَف بالمساعدات الموسمية وهي: 1 - كسوة اليتيم (مشروع كسوة عيد الفطر)، وتقوم الجمعية بدراسة مقاسات ملابس
العيد لكلِّ يتيم، وتشمل (الحذاء، الجاكيت، القميص، البنطلون،
الملابس الداخلية)، ثم تقدر الثمن، وتقوم بتغطية
الموضوع.
2 - المونة: (وهي في عيد الأضحى)،
وتصرف لكلِّ عائلة المبلغ الذي يَتناسَب مع حالة فقرها، لتؤمن لها المواد اللازمة،
وقد رأيت في الكشوفات وصولاً من مؤسسة فتيحة في العيزرية، أفاد الشيخ حسن أن
صاحِبَها رجل فاضِل، يقوم بصرف ما تحتاجه كلُّ أسرة، وما يحدِّد لها بأسعار
مخفَّضة، فيُعطَى اليتيم بطاقة
بقيمة (150) شيكلاً مثلاً، ويذهب إلى المؤسسة المذكورة، ويأخذ ما يحتاجه، بشرط أن
تكون من الحاجات الأساسية، ثم تقوم الجمعيَّة في هذا العيد بتوزيع لحوم الأضاحي،
فبعض المحسنين يُقدِّم أضحيته إلى الجمعيَّة لتقوم هي بتوزيعها، ويتمُّ التوزيع
فعلاً على العائلات، ثم إذا حصل نقصٌ في هذا الموضوع تقوم الجمعية بمواردها المالية
الموجودة بذبح ما تيسَّر لتكملة التوزيع.
3 - مشروع
الحقائب المدرسية، حيث يُهدَى لكلِّ يتيمٍ حقيبة مدرسية مع بداية العام الدراسي،
ليبدأ عامه فرحًا مسرورًا بحقيبته الجديدة كباقي
الأطفال.
هذه هي المشاريع الأساسية التي تقوم بها الجمعيَّة باستمرار لرعاية
اليتيم، بالإضافة - كما أشرت سابقًا - إلى مبلغ شهري، يُصرَف لكلِّ يتيم حسب
ما تقتضيه حالته.
ولكن هناك أمورًا أخرى قد يحتاجها اليتيم
أحيانًا؛ مثل: أن يُصاب بمرض، ويحتاج إلى رعاية صحيَّة، فهنا تقوم الجمعيَّة
بواجبها تجاهه، وتَصرِف له بعض ما يحتاجه لهذا الأمر حسب
الإمكانات.
أمَّا السن التي تتمُّ فيها الرعاية، فهي من عمر يوم واحد إلى خمس عشرة سنة،
ثم بعد ذلك يتولَّى شؤون نفسه؛ فبإمكانه أن يعمل ويُساعِد إخوته وأمه، أو يدرس إن
أراد، وقد تصرف الجمعية لبعض الطلاب مساعدة باسم (مساعدة لطالب
علم)، ولكن هذا الباب لم يُفتَح على مصراعيه؛ لأنه يحتاج إلى إمكانات كبيرة
لا تستَطِيعها الجمعية، وبخاصَّة في المرحلة الجامعيَّة؛ وبالتالي يمكن أن يتوجه
إلى بعض المؤسسات المعنيَّة الأخرى؛ كاتِّحاد الجمعيَّات
الخيريَّة.
الجمعية - وضمن نشاطها - لا تقِف عند هذا الحدِّ مع الأيتام، بل قد تزيد من
الأعداد في مواسم الخير - كرمضان مثلاً - لكثْرة ما يتدفَّق عليها من معونات
ومساعدات، وهؤلاء لا يتمُّ إدراجهم ضمن أيتام الجمعيَّة المسجَّلين رسميًّا فيها؛
لأنَّ الإمكانات محدودة، والمصاريف كثيرة، تحتاج بالوضع الطبيعي إلى (15 - 16) ألف
شيكل شهريًّا.
وبما أنَّ المسؤول عن الجمعيَّة من أهل العلم الشرعي، فقد أفاد أنَّ رعاية
الأيتام تدخل ضمن مصرف الفقراء والمساكين من مصارف الزكاة، وأشار إلى أنَّه لا يقدم
الرعاية إلا للأيتام الفقراء في آنٍ واحد.
وقد اطَّلعت في
الجمعيَّة على طريقة العمل المنظَّمة: فلكلِّ عائلة ملفٌّ يحفظ فيه الأوراق
الثبوتية اللازمة؛ كشهادة الوفاة، وشهادات ميلاد الأيتام، ووضع العائلة المعيشي، ثم
ملاحظات خاصَّة عن العائلة، تُسَجَّل ضمن زيارة خاصَّة للعائلة، يطَّلع فيها الموظف
على الحاجات الضرورية التي تحتاجها العائلة، وبالإضافة إلى ما تقدَّم ذكره، فقد
تحتاج عائلة إلى ثلاجة، أو غاز، أو غير ذلك من الأساسيات، وبالتالي تقوم الجمعية
بتوفير ذلك لها.
ثم إن هناك وصولاً رسميَّة تُعطَى للمتبرِّعين،
وبطاقات للمونة، وأخرى للحوم الأضاحي باسم الأيتام، تُصرَف في أوقاتها ومن
مصادر الجمعية، وقد تَمَّ تقسيم الملفَّات في الجمعيَّة إلى ثلاث مراتب، فمرتبة
أولى يرمز إليها برمز (أ)، فهؤلاء الذين لا يملكون شيئًا حقيقةً، ويقدَّمون في كلِّ
شيء على غيرهم، ومرتبة ثانية متوسِّطة، ويرمز لها برمز (ب)، ومرتبة ثالثة لا تحتاج
الكثير، بل قد تكتَفِي بما هو متوفِّر لديها، فيرمز لها برمز
(ج).
وبما أنَّ العمل تطوُّعي، فإن للجمعية مندوبين في مناطق عِدَّة؛
مثل: نابلس وغيرها من الأماكن البعيدة، ففيها يكون العمل ضمن وسائل
الاتِّصالات، وبعد الانتهاء ترسل المعونات لتوزيعها، وهؤلاء المندوبون لا يتقاضون
أيَّ راتب".
2 - هذه إحدى القصائد[85] التي قرَّرت وزارة
التربية الوطنية التشادية تدريسَها لطلاب الشهادة الثانوية بشقَّيْها: العلمي
والأدبي، وهي تُعَبِّر عن حالة الحزن والمُعانَاة التي يعيشها الأيتام وأمهاتهم حين
كانوا يعيشون في حالة اليأس والحرمان، ثم تصويرًا لمشاعر الفرحة والسرور التي
ترتَسِم على وجوههم عند وصول مبالغ الكفالات المقدَّمة إليهم من أهل الخير والإحسان
بدُوَل المشرق، عبر إدارة الأيتام بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية تشاد،
أو قسم رعاية الأيتام بالجمعية الخيرية للتنمية الثقافية
والاجتماعية:
[1] بحث
مقدَّم ضمن اليومَيْن الدراسيَّين المنظمَيْن من طرف "الجمعية المغربية لكفالة
اليتيم" (8 و9 مايو 2010)، تحت شِعار: "كفالة اليتيم واجب
شرعي وضرورة اجتماعية". [2] رواه البخاري برقم: 4998.
[3] "شرح البخاري"؛ لابن بطال، ج: 17 - ص:
260.
[4] رواه
مسلم برقم: 2715.
[5] "تربية الأولاد في الإسلام"، القاهرة، دار السلام للطباعة والنشر، ج: 1،
ص: 122.
[20] وذلك لأن الكفالة في الإنسان مَنُوطةٌ
بالأب، فكان فاقِد الأب يتيمًا دون مَن فقَد أمَّه، وعلى العكس في البهائم، فإن
الكفالة مَنُوطة بالأم؛ لذلك كان مَن فقَد أمَّه
يتيمًا.
[21]
ولعله محمول على معنى الضعف.
[22] "تاج العروس"؛ للزبيدي، ج: 1 - ص:
7945.
[23]
"صحيح سنن ابن ماجه" برقم: 2967.
[24] "اللسان":
يتم.
[25]
"تهذيب اللغة"، ج: 5 - ص: 29.
[26] "صحيح سنن أبي داود" برقم:
1825.
[27]
"اللسان": يتم.
[28] "صحيح سنن أبي داود" برقم: 2873.
[29] "السلسلة الصحيحة" برقم:
3180.
[30] ج:
8 - ص: 54.
[31] ج: 15 - ص: 339.
[32] "صحيح مسلم" برقم:
4787.
[33]
"شرح صحيح مسلم"، ج: 12 - ص: 191.
[34] ج: 1 - ص:
371.
[35]
"صحيح مسلم" برقم: 7660.
[36] "شرح مسلم" 18/
113.
[37] وهو
كل علم تنتَفِع به الأمة الإسلامية، سواء كان فقهًا أم تفسيرًا أم أصولاً... أم
رياضيات أم هندسة أم معلوميات...
[38] عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد
بن سعود الإسلامية - سابقًا.
[54] الحديث في "مسند أبي يعلى" برقم: 6651، وعلَّق عليه حسين سليم أسد
بقوله: "إسناده جيد"، وقال ابن حجر في "الفتح" - ج: ، ص: 436: "رواته لا بأس بهم"،
ومن المتأخِّرين من ضعَّف الحديث، انظر: "ضعيف الترغيب والترهيب"، رقم:
1512.
[55]
"صحيح سنن أبي داود" برقم: 3528.
[56] ج: 9 - ص:
323.
[57] رواه
الخرائطي في "مكارم الأخلاق"، وابن عساكر، عن أبي الدرداء - رضِي الله عنه - وهو في
"صحيح الجامع" برقم: 250.
[58] مادة
"كفف".
[59]
مادة "كفف".
[60] ج: 3 - ص: 209.
[61] ج: 1 - ص:
65.
[62] تتبرع
بالمال لِمَن عدمه.
[63] تُهَيِّئ له القِرَى؛ وهو ما يُقَدَّم للضيف من طعام
وشراب.
[64]
النوائب جمع نائبة؛ وهي ما ينزل بالإنسان من المهمَّات، وأُضِيفت إلى الحق لأنها
تكون في الحق والباطل.
[84] ملخَّص من بحث حول حلِّ مشكلة الأيتام
ضمن تعاليم الإسلام - إعداد الطالبة: فايزة أحمد يوسف صيام - إشراف الدكتور: شفيق
عياش جامعة القدس - كلية الدراسات العليا - دراسات إسلامية معاصرة - 1427هـ -
2006م.
[85]
القصيدة للشاعر "حسب الله مهدي فضله"، تنظر في موقع
الألوكة - حضارة الكلمة.