لمثل هذا فليعمل
العاملون
د. هاني درغام
إلى كلِّ مَن كثرت سيئاتُه ومعاصيه، وطالت هفواته وزلاّته، وضعفت
عن الخير عزيمتُه، وقلَّت حسناته.
إلى كل مَن يشْكو مِن غَلَبة الهوى، وسكرات الغفْلة، واستِحْواذ
الشَّيطان، وطُغْيان الدُّنيا.
إلى الَّذين عصَوا الله بعد رمضان، إلى الَّذين أرادوا الثبات بعد
رمضان.
إلى المشتاقين إلى نفحات ربِّهم
ورحماته.
إلى كل هؤلاء وغيرهم، هلمُّوا إلى
ربِّكم، استعدُّوا لاستقبال أعظم الهدايا الربَّانيَّة، استعدُّوا لاستِقْبال
العشْر الأوائل من ذي الحجَّة، تلك الأيَّام العظيمة التي قال عنْها النبيُّ -
عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((ما من أيَّام العمل الصَّالح فيها أحبّ إلى الله من
هذه الأيَّام، قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجِهاد في
سبيل الله، إلاَّ رجل خرجَ بنفسه ومالِه ثمَّ لَم يرْجِع من ذلك
بشيء)).
وفي هذه الرسالة القصيرة أقدِّم لكم برنامجًا لاغتنام هذه الأيَّام
المباركة، في مزيد من الطاعات، وفعل الخيرات.
وتوبوا إلى الله جميعًا أيُّها المؤمنون لعلَّكم
تفلحون:
هل تشكو مثلي من كثرة ذنوبك، وتقصيرك
في حق مولاك، ووقوعك فيما عنه نهاك؟ هل تشتاق إلى فتْح صفحة بيضاء نقيَّة مع
ربك؟ هيَّا أعلن توبتَك
وابكِ على ذنوبك وغفلتك، واعترف بضعفِك وتقصيرك.
أما سمعت نداءه لك: يا ابن آدم، إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك
على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السَّماء ثم استغفرتني
غفرت لك.
أخي الحبيب، الباب مفتوح، والفرصة
متاحة، والله - عزَّ وجلَّ - يبسط يدَه باللَّيل ليتوبَ مُسيء النَّهار، ويبسط يده
بالنَّهار ليتوب مسيء اللَّيل، وذلك حتَّى تطلع الشَّمس من
مغْرِبها.
هيَّا ندقُّ باب الريَّان:
احرص على صيام التِّسع الأوائل من ذى الحجَّة ما استطعت؛ يقول
النبيُّ - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((مَن صام يومًا في سبيل الله باعَدَ الله
بذلك اليومِ وجْهَه عن النَّار سبعين خريفًا)).
أخي الحبيب، كم تدفع لتنقِذ نفسك من نار حامية، حرُّها شديد وقعرها بعيد، ولها
مقامع من حديد، تصهر ما في البطون والجلود، يهوي بها الحجَر سبعين خريفًا وما يدرك
قعرها، أهْون أهلِها عذابًا مَن توضع في بطن قَدَميْه جمرتان تغلي منهما
دماغه؟
أخي الحبيب، لا تدَعْ هذه الأيَّام
تفوتك، حتَّى تكون من الَّذين يدخُلون من باب الريَّان يوم القيامة؛ لقوله - عليْه
الصَّلاة والسَّلام -: ((إنَّ في الجنَّة بابًا يُقال له الريَّان، يدْخُل منه
الصَّائمون يوم القيامة لا يدْخُل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصَّائمون؟ فيدخلون
منه، فإذا دخل آخِرُهم أغلق فلا يدخل منه أحد)).
ولا تنس صيام يوم عرفة الذي قال عنه النبيُّ - عليْه الصَّلاة
والسَّلام -: ((صيام يوم عرفة أحتسِب على الله أن يكفِّر السَّنة التي قبله والتي
بعده)).
فماذا تحتاج أكثر من ذلك؟
على مائدة القرآن:
لا أدري لماذا هجَر الكثير منَّا القرآن بعد رمضان؟! لماذا هذه
الجفْوة والقطيعة مع كتاب الله؟!
ألم تسمع قولَ الحبيب - عليْه الصَّلاة
والسَّلام -: ((اقرؤوا القُرآن؛ فإنه يأتي شفيعًا لأصْحابِه يوم
القيامة))؟!فالقُرآن هو
حبْل الله المتين، منِ استمسك به ارْتَفع إلى السَّماء، واقترب من مولاه، ومَن سار
على نَهْجِه فقدِ التزم صراط الله المستقيم، ولكن يجب أن نتعامل مع القُرآن على
أنَّه منهج حياة، مصدر للهِداية، مصدر للشِّفاء من أمْراض القلوب، مصدر لتغْيير
كلِّ ما لا يحبُّه الله؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾[يونس:
57].
لذلك؛ لا ينبغي أن نتعامل معه على
أنَّه مصدر للبركة والأجر والثَّواب فقط، والتَّسابق في عدد ختماته بلا تدبُّر
لآياته أو تفكُّر في معانيه، فلا بدَّ أن تشْعر وأنت تقرأ القُرآن بأنَّك مُخاطَب
بالآيات، وقد وجَّهتْ إليْك التَّكليفات، فتقف طويلاً أمام الآية لتعرف ما تطلبُه
منك.
واجب عملي: استخرِج من القرآن نداءات الرَّحمن لأهل الإيمان بصيغة:
"يا أيُّها الذين آمنوا"، واحرص على فهمِها وتدبّرها والعمل بها، وكتابتها وتوزيعها
على أقاربِك وأصدقائك لينتفِعوا بها، وستجِدُها في السُّور التَّالية: ( البقرة -
آل عمران - النساء - المائدة - الأنفال - التوبة - الحج - النور - الأحزاب - محمَّد
- الحجرات - الحديد ) الجزء 28.
واذكروا الله في أيَّام معدودات:
لا تجعل لسانَك يفتُر في هذه الأيَّام عن ذكر الله، أكثِرْ من
التَّهليل والتَّسبيح والتَّحميد والاستغفار، لا تنس أذْكار الصَّباح والمساء؛
﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 35].
أخي الحبيب،اجْعَل هذه الأوْقات
محطَّات إرسال حسنات، اذْكُر الله في بيتِك، في عملك، في المواصلات، قبل النَّوم،
في كل وقت وحين.
تصدَّق ولو بشقِّ تمرة:
اعلم أنَّ الإنفاق في سبيل الله يطهِّر النَّفس من الشُّحِّ
والبخل، ويَمحو الخطايا؛ فالصَّدقة تقي مصارع السُّوء، وتطفئ غضَبَ الرَّبِّ، وهي
حجاب من النَّار.
أخي الحبيب، تصدَّق ثمَّ أبْشِر
بالمضاعفة اللامَحدودة لثوابك؛ لقوله - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((من تصدَّق
بعدْل تمرة من كسْب طيِّب، ولا يقبل الله إلاَّ الطَّيِّب، فإنَّ الله يقبلها
بيمينِه ثمَّ يربِّيها لصاحبه كما يربِّي أحدكم فلوَّه، حتَّى يكون مثل الجبَل))،
الفلو: ولد الفرس.
تصدَّق لتكون من السَّبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ
إلاَّ ظلُّه؛ ((ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخْفاها، فلا تعلم شِماله ما أنفقت
يَمينُه)).
وقال ربُّكم ادعوني أستجب لكم:
هل جرَّبت يومًا أن تطرح نفسَك بين
يدَي مولاك، تتذلَّل له وتنكسر لعظمتِه، وتدْعوه - سبحانه - بقلب خاشعٍ خاضع، تشْكو
إليه ضعفك وعجزَك، تبثُّ إليْه أحزانك، تطلب منه تفريج همومك، أليْس هو القائل:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي
لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]؟!
أخي الحبيب، ارفع يديْك في ذلٍّ وخضوع،
ونكِّس رأْسَك في خشوع وانْكِسار، واهتف مِن أعماق قلبك: يا ربّ، وتحرَّ أوْقات
الإجابة: قبل الإفطار - في السجود - بين الأذان والإقامة - الثلث الأخير من
الليل.
دقائق اللَّيل غالية:
ما أروعَ أن تستيقِظ من نومِك لتقوم اللَّيل والنَّاس نيام، تناجي
ربَّك، تتلقَّى كرَمَه ورحْمته، ترْجو مغفرته وجنَّته! ما أحْلاها من لحظات
تستشْعِر فيها قُرْبَك من مولاك، وتسْتَنْشِق فيها نسيم
الأسْحار!
يقول النبيُّ - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((يتنزَّل الله -
تعالى - إلى السَّماء الدُّنيا في الثُّلُث الأخير من الليل، فيقول: هل من تائبٍ
فأتوبَ عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ وذلك كل
ليلة)).
أخي الحبيب، دع النَّوم والكسل، ولا
تترك ليلةً من هذه اللَّيالى تفوتك دون قيام، ولو بصلاة ركعتين قبل
النَّوم.
نصائِح على الطَّريق:
احْرِص على صِلَة رحِمِك وزيارة أقاربك، احرِصْ على أداء الصَّلوات
الخمس في جَماعة بالمسجد، احذر من آفات اللِّسان: الكذب - الغيبة - النميمة -
السخرية والاستهزاء.
إيَّاك وضياعَ صلاة الفجْر؛فإنَّ أثقل
صلاة على المنافقين صلاةُ الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبْوًا؛
كما قال النَّبيُّ - عليْه الصَّلاة والسَّلام.
إخواني في الله، ما زالت الفرصة سانحة، وأبواب المغفرة واسعة،
والأمل في الفوز بجنَّة عرضها السماوات والأرض يتجدَّد في العشر الأوائل من ذي
الحجَّة.
فستذكرون ما أقولُ لكم، وأفوِّض أمري إلى الله، إنَّ الله بصير
بالعباد.
وصلِّ اللَّهُمَّ على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلِّم
.
المصدر : موقع شبكة
الألوكة