حقوق الأبناء
الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم
وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
:
فسيكون حديثنا اليوم عن حقوق الأولاد
هذه النعمة العظيمة التي أمتن الله بها على عباده وهي نعمة الولد ؛ إنما تكون نعمة
حقيقية إذا قام الوالدان بحقها وحقوقها وأحسنا في رعايتها ، وقد جاءت نصوص كتاب
الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- تبين المنهج الأكمل والطريق الأمثل في تربية
الأولاد .
الأولاد ... نعمة من نعم الله- عز وجل - ، هذه النعمة رفعت الأكف
إلى الله بالضراعة أن يكرم أصحابها بها، فقال الله عن نبي من أنبيائه : { رَبِّ
هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ }
.
وقال الله عن عباده الأخيار : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } .
الأولاد والذرية تقر بهم العيون وتبتهج بهم النفوس وتطمئن إليهم
القلوب إذا طابوا وقام الوالدان على رعاية الأولاد والعناية بهم وأداء حقوقهم كاملة
على الوجه الذي يرضي الله- عز وجل - .
وحقوق الأولاد قسمها العلماء إلى
قسمين :
القسم الأول : ما يسبق وجود
الولد .
والقسم الثاني : ما يكون بعد وجوده .
فالله حمل الوالدين المسئولية عن
الولد قبل وجود الولد وحملهما المسئولية عن تربيته ورعايته والقيام بحقوقه بعد
وجوده .
فأما مسئولية الوالدين عن الولد قبل وجوده فإنه يجب على الوالد
ويجب على الوالدة أن يحسنا الإختيار ، فيختار الأب لأولاده أما صالحة ترعى حقوقهم
وتقوم على شئونهم ، أماً أمينة تحفظ ولا تضيع وعلى الأم أيضاً أن تختار زوجاً
صالحاً يحفظ أولادها ويقوم على ذريتها فاختيار الزوج والزوجة حق من حقوق الولد ،
ولذلك قال-صلى الله عليه وسلم-: (( تنكح المرأة لأربع ، لدينها وجمالها ومالها
وحسبها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .
اظفر بذات الدين حتى ترعى الذرية وتقوم على إصلاحها وتربيتا على
نهج ربها ، اظفر غنيمة وفوز .
وكذلك المرأة تختار الزوج الصالح
الذي ترضى دينه وأمانته وخلقه وإذا أساء الرجل في اختيار زوجته ونظر إلى حظه العاجل
من جمال ومال ونسي حقوق أولاده
فإن الله يحاسبه حتى ذكر بعض العلماء : أن الزوج لو أختار الزوجة وعلم أنها لا تحسن
إلى ذريته من بعده فإن الله يحمله الإثم والوزر لما يكون منها من إساءة إلى ولده ،
وكذلك المرأة إذا لم تحسن الاختيار لزوجها وعلمت أنه زوج يضيع حقوق أولاده
وفرطت وتساهلت وضيعت فإن الله يحاسبها عما يكون من إثم ذلك الزوج وأذيته لأولادها ،
حق على الوالدين أن يحسنا الإختيار وأن يكونا المنبت الطيب هو الذي يبعث عنه
الإنسان ، فالناس معادن كما أخبر سيد البشر- صلى الله عليه وسلم- فيهم المعدن
الكريم الذي طابت أصوله وإذا طابت الأصول طابت الفروع
.
إن الأصول الطيبات لها فروع زاكيه ، والله- عز وجل - يقول : {
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ } فإذا كان معدن المرأة كريماً من بيت علم أو دين
أو عرف بالصلاح والإستقامه فإنه نعم المعدن ونعم الأمينة التي ستحفظ الأولاد
والذرية في الغالب ، وكذلك الرجل إذا كان معدنه طيباً فإنه سيكون حافظاً لأولاده ،
ولا يعني هذا أن المرأة إذا ابتليت بزوج مقصر أنها تيأس بل ينبغي عليها أن تحاول
وأن تستعين بالله في إصلاح ذريتها وأولادها فإن الله- عز وجل - يقول : { يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ } فربما يكون الزوج غير صالح ؛ ولكن الله يخرج منه ذرية
صالحة وقد يكون الزوج صالحاً ويخرج الله منه ذرية غير صالحة
.
أخرج الله من أبي جهل عكرمة وهو من خيار أصحاب النبي- صلى الله
عليه وسلم- وقائد من قواد المسلمين وعظم بلاؤه في الدين وقد يخرج الميت من الحي كما
في ولد نوح- عليه الصلاة والسلام - .
فالمقصود أن الأصل والغالب أنه
إذا طاب معدن المرأة أن يطيب ما يكون منها من ذرية هذا هو الحق الأول ، وإذا أختار
الإنسان الزوجة فمن حقوق ولده أن
يسمي عند إصابة أهله ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر التسمية عند الجماع أنها
حرز وحفظ من الله للولد من الشيطان الرجيم قال العلماء : وهذا حق من حقوق الولد
على والده إذا أراد أن يصيب الأهل .
وإذا كتب الله بخروج الذرية فليكن أول ما يكون من الزوج والزوجة
شكر الله- عز وجل - من أراد أن يبارك الله له في نعمة من نعمه فليشكر الله حق شكره
؛ لأن النعم لا يتأذن بالمزيد فيها والبركة إلا إذا شكرت ، وإذا نظر الله إلى عبده
شاكراً لنعمه بارك له فيما وهب وأحسن له العاقبة فيما أسدى إليه من الخير
.
فأول ما ينبغي على الوالد والوالده إذا رأيا الولد أن يحمدا الله
على هذه النعمة وأن يتذكرا العقيم الذي لا ذريه له وأن يسأل الله خير هذا الولد
وخير ما فيه فكم من ولد أشقى والديه وكم من ولد أسعد والديه فيسأل الله خيره وخير
ما فيه ويستعيذ به من شره ويعوذ بالله من ذرية السوء
.
ثم إذا كتب الله ولادة الولد فهناك حقوق أجملها
العلماء منها حق التسمية أن يختار له أفضل الأسماء وأكرمها لأن الأسماء تشحذ الهمم
على التأسي بالقدوة ، ولذلك قال بعض العلماء : خير ما يختار الأسماء الصالحة وأسماء
الأنبياء والعلماء والفضلاء لأنها تشحذ همة المسمى إلى أن يقتدي وأن يأتسي قال-صلى
الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي
إبراهيم )) فسمي إبراهيم على اسم أبيه ، ولذلك قالوا : أنه يراعى في الاسم أن يكون
اسماً صالحاً ولا يجوز للوالدين أن يختارا الاسم المحرم وهو الاسم الذي يكون
بالعبودية لغير الله كعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء كعبد النبي وعبد الحسين ونحو
ذلك من الأسماء التي يعبد فيها البشر للبشر ؛ وإنما ينبغي أن يعبد العباد لله جلا
جلاله وهي الأسماء المحرمة .
كذلك ينبغي أن يجنب الولد الأسماء القبيحة والأسماء المذمومة
والممقوتة والمستوحش منها حتى لا يكون في ذلك اساءة من الوالدين للولد
.
قالوا : من حقه أن يختار له أفضل الأسماء وأحب الأسماء إلى الله ما
كان للعبودية لله كعبدالله ، وعبدالرحمن ونحو ذلك من الأسماء التي تكون مصدرة
بالعبودية لله- عز وجل - .
وينبغي أن يجنبه كذلك ما ذكره
العلماء من الأسماء المكروهة التي فيها شيء من الدلال والميوعة التي لا تتناسب مع
خشونة الرجل ، والعكس أيضاً فإن البنت يختار لها الإسم الذي يتناسب معها دون أن
يكون فيه تشبه بالرجال وقد جاء عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أنه سمى بنته
عاصية كما ذكر الإمام الحافظ أبو داود وغيره النبي-صلى الله عليه وسلم- اسمها إلى
جميلة فقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في أكثر من حديث أنه غير الأسماء القبيحة
فمن حق الولد على والديه إحسان الاسم ، والأسماء تكون للوالد ولا حرج أن تختار الأم
لابنها وابنتها لا حرج في ذلك ولا باس إذا اصطلحا بالمعروف ومن حقوق الولد ان
تكون التسمية في أول يوم من ولادته أو ثاني يوم أو ثالث يوم أو سابع يوم لا حرج
والأمر في ذلك واسع ، وقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في حديث الحسن عن سمرة أنه
ذكر العقيقة فقال : (( كل غلام مرهون بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى )) فقال بعض
العلماء : تستحب التسمية في السابع ولكن الجواز يجوز في أول يوم لحديث البخاري : ((
ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) . فهذا يدل على مشروعية التسمية في
أول يوم ولاحرج في ذلك والأمر واسع .
كذلك من حقه أن يختن الولد سواء كان ذكراً أو أنثي فالختان مشروع
للذكور ومشروع للإناث وهذه المسألة ليست محل نقاش حتى يسأل فيها غير العلماء أو
يرجع فيها إلى آراء الناس وأهوائهم ؛ وإنما ينظر فيها إلى الشرع يقول-صلى الله عليه
وسلم- : (( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )) فالذي يقول ليس في الشريعة دليل
يدل علي مشروعية ختان الإناث جاهل لا يعرف ما ورد في نصوص السنه عن رسول الله-صلى
الله عليه وسلم- فإنه قال : (( إذا التقى الختانان )) فبين-صلوات الله وسلامه عليه-
أن المرأة تختن كما يختن الرجل ، قال العلماء : إن هذا يخفف من حدة الشهوة من
المرأة وهذا من حقها أن تختن ويراعى ختانها ، وكذلك الذكر يختن هذا إذا كان في صغره
.
كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأجلها حسن التربية والرعاية للابن
والبنت ، ولقد رغب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح حتى ثبت في
الحديث الصحيح عنه أنه قال : (( من أبتلى بشيء من هذه البنات فرباهن فأحسن تربيتهن
وأدبهن فأحسن تأديبهن إلا كن له ستراً أو حجاباً من النار )) . فهذا يدل على فضيلة
تربية الابن وتربية البنت على الخصوص على طاعة الله ، قال العلماء : إنما ذكر البنت
لأنها هي المربية غداً لأبنائها وبناتها والقائمة على حقوق بعلها
وبيت زوجها فلذلك ذكر رعاية البنات وإلا فالفضيلة موجودة
.
أيضاً لمن رعى الأبناء وقام
عليهم وأدبهم فأحسن تأديبهم ، ومن هنا قال-عليه الصلاة والسلام- يبين حسن العاقبة
لمن أنعم الله عليه بهذه النعمة وهي تربية الولد تربية صالحة ذكر حسن العاقبة فقال
: (( إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقه جاريه وعلم ينتفع به وولد صالح
يدعو له )) . قال العلماء : إن الله- عز وجل - يحسن المكافأة لعبده على ما كان منه
من رعايته لولده فكما أحسن إلى ولده في الصغر يجعل الله له إحسانه نعمة عليه حتى
بعد موته ، بل إن الذي يربى في الصغر ويحسن تربيه أولاده يرى بأم عينيه قبل أن يموت
حسن العاقبة في ولده ، ولهذا تجد من ربى ابنه على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات
وعلى ما يرضي الله- عز وجل - ، إذا كبر فرق عظمه ووهن وأصابه المشيب والكبر وجد
أبنه بجواره يساعده ويقوم على شأنه ويحفظ أمواله أميناً راعياً حافظاً على أتم
الوجوه وأحسنها . وهذه هي ثمرة العمل الصالح وثمرة من ربى وتعب على تربية أبنائه ،
والعكس فمن ضيع ابناءه فإن الله يريه في الحياة قبل الموت شؤم ما كان منه من
التقصير فيصيبه الكبر فيهن عظمه ويرقد ويجد من تعب الحياة وشظفها فيأتي ابناءه
ليكيدوا له ويؤذوه ويذلوه ويروه سوط العذاب في الدنيا قبل الآخرة وهذه كله من عواقب
سوء التربية-نسأل الله السلامة والعافية- ، فلذلك رغب النبي- صلى الله عليه وسلم-
في هذا العمل الصالح وهو تربيه الأبناء ، رغب
فيه لعلمه بحب الله لهذا العمل وحبه-سبحانه- لمن قام به على أتم الوجوه وأكملها
وخير ما يربى علية الأبناء وأكد
وأوجب ما يرعى من تربية الأبناء
التربية الايمانية .
فأول ما يغرس الوالدان في قلب الولد الإيمان بالله- عز وجل - الذي
من أجله خلق الله خلقه وأوجدهم . { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ
لِيَعْبُدُونِ } فأول ما يعتني به غرس الإيمان وغرس العقيدة لا إله إلا الله تغرس
في قلب الصبي فيعتقدها جنانه ويقر بها وينطق بها وينطق بها لسانه وتعمل بها
وبلوازمها جوارحه وأركانه قال الله-تعالى- : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ
وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ } فأول ما ابتدأ به وأول ما قام ودله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه أن ذكره
بحق الله- عز وجل - وبين له أن ضياع هذا الحق هو الظلم العظيم ؛ لأن الظلم وضع
الشيء في غير موضعه وليس هناك أعظم من أن يصرف حق الله-جل وعلا- في عبادته لغيره
كائن من كان ذلك الغير ، ولهذا وعظ لقمان وابتدأ موعظته بهذا الأصل العظيم
.
فأول ما ينبغي على الوالدين أن يغرسا في قلب الصبي الإيمان بالله-
عز وجل - هو أطيب وأكمل وأعظم ما يكون من الأجر أن يغرس الأب وتغرس الأم في قلب
الولد الأيمان بالله- عز وجل - وهو فاتحة الخير واساس كل طاعة وبر لا ينظر الله إلى
عمل العامل أو قوله حتى يحقق هذا الأصل ويرعاه على أتم الوجوه وأكملها ، ولذلك لما
ركب عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- مع رسول الأمه- صلى الله عليه وسلم- وهو صغير
السن ركب وراء رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أختار-عليه الصلاة والسلام- أن يأخذ
بمجامع قلبه وهو في صغره إلى توحيد الله- عز وجل - : (( - يا غلام - ألا أعلمك
كلمات ينفعك الله بهن )) وأنظر إلى الأسلوب : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك
الله بهن ينفعك الله بها نفع الدين والدنيا والآخرة احفظ الله يحفظك ، احفظ الله
تجده تجاهك ، إذا سألت فسأل الله ، وإذا استعنت فأستعن بالله وأعلم أن الخلق لو
اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على
أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف )) .
ملأ قلبه بالله ملأ قلبه بالأيمان والعبودية والتوحيد وإخلاص التوجه لله - عز وجل -
. احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك فأخذ بكليته إلى الله واجعل الله نصب عينيك
كأنه يقول اجعل الله نصب عينيك ، إذا سألت فكنت في فاقه وضيق وشده فسأل الله وإذا
استعنت وألمت بك الأمور ونزلت بك الخطوب والشدائد فأستعن بالله ، ثم بعد ذلك ينفض
يديه من الخلق وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد
كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك
، ولذلك ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله
.
يقول بعض أهل العلم-رحمة الله عليهم- إن الوالد مع ولده يستطيع في
كل لحظه أن يغرس الإيمان فالمواقف التي تمر مع الوالد مع ولده ويكون الولد بجواره
يذكره فيها بالله ويذكره فيها بوحدانية الله وأن الله قائم على كل نفس بما كسبت
وأنه وحده بديع السموات والأرض خالق الكون ومدبر الوجود لا ملجأ ولا منجا منه إلا
إليه-سبحانه- ، فإذا نشأ هذا القلب على الفطرة ونشأ هذا القلب على التوحيد نشأ على
الأصل العظيم الذي فيه سعادته وصلاح دينه ودنياه وآخرته فطرة الله التي فطر الناس
عليها لا تبديل لخلق الله فتأتي هذه الكلمات النيرات والمواعظ المباركة إلى قلب ذلك
الصبي وهو على الفطرة وهو على الإيمان لا تشوبه شائبة كما قال-عليه الصلاة والسلام-
: (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه )) فيغرس هذا
الايمان علي تلك الفطرة فتكون نوراً على نور يهدي الله لنوره من يشاء وعلى هذا
ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله- عز وجل - ، من التربية الايمانية
الأمر بالصلاة قال-تعالى- : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } وقال-عليه الصلاة
والسلام- : (( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في
المضاجع )) فمن حق الولد على والديه الأمر بالصلاة أن يأمراه بالصلاة في مواقيتها ،
قال العلماء : يجب على الوالد وعلى الوالدة أن يعلما الولد كيفية الوضوء وكيفية
الطهارة ، واستقبال القبلة ، وصفة الصلاة ، والهدي الذي ينبغي أن تؤدي به هذه
العبادة .
والله ما علمت ابنك الوضوء فصب الماء على جسده إلا كان لك مثل أجره
ولا حفظته الفاتحة أو شيء من كتاب الله فلفظ لسانه بحرف مما علمته إلا كنت شريكا له
في الأجر حتى يتوفاه الله- عز وجل - ولو علم ذريته فأنت شريك له في الأجر فمن دعا
إلى الهدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً ،
وما علمته الصلاة فقام في ظلمة ليل أو ضياء نهار بين يدي الله إلا أجرت على قيامه
وكان لك مثل أجره وثوابه ، فخير كثير وفضل عظيم يتاجر فيه الوالد مع الله- عز وجل -
وما قيمة الأولاد إذا لم يقاموا على طاعة الله- عز وجل - ويقاموا على منهج الله
وتنشأ تلك النفوس على محبة الله ومرضاة الله والقيام بحقوق الله فلا خير في الولد
إذا تنكر لحق الله وإذا ضيع الولد حق الله فسيضيع حقوق من سواه
ممن باب أولى وأحرى ، فينشأه على اقامة الصلاة ويعوده إنه إذا أذن المؤذن ينطلق إلى
بيت الله- عز وجل - عامره بذكره ، ولذلك أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- للصلاة لسبع
عند نعومة الصبي وصغر سنه حتى إذا كبر ألف ذلك الشيء واعتاده ، كذلك - أيضاً - هذه
التربية الايمانية تستلزم التربية على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وما يكون من
الإنسان في معاملته مع الناس : { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ
ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ
فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ *
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } .
يقول بعض العلماء : هذه الآيات وصايا لقمان منهج في التربية على
أكمل شيء ، فهو يجمع بين حق الله وحق عباده ، بل حتى حظ النفس فقد أمره بما فيه
قوام النفس واستقامتها حتى في أخلاقها مع الناس ، ولذلك لا تصعر خدك للناس كبرياء
وخيلاء ولا تمشي في الأرض مرحاً فالانسان إذا أراد أن يربى ولده يربيه على مكارم
الأخلاق فكمال العبد في كمال خلقه كما قال-صلى الله عليه وسلم- : (( أكمل المؤمنين
إيماناً أحسنهم خلقاً )) يعوده الصدق في الحديث وينهاه عن الكذب يعوده حفظ اللسان
وينهاه عن أن يرتع لسانه بأعراض المسلمين بالغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن ،
ولذلك نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- المؤمن أن يعد فلوه صغيره ثم لا يفي له ، نهاه
لأن الابن إذا رأى من والديه التقصير بالكذب في الوعد نشأ كاذباً-والعياذ بالله-
فالولد يتأثر بوالديه فإن رأي منهما خيراً سار على ذلك الخير وأحبه وإن رأى منها
الشر سار على ذلك الشر وأحبه والتزمه حتى يصعب أن ينفك عنه عند الكبر-نسأل الله
السلامة والعافية- فلذلك ينبغي أن يعود على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات كما ذكر
العلماء في قوله وعمله وقلبه يقولون في قلبه يغرس الوالد في قلب الابن حب المسلمين
فلا يغرس في قلبه الحقد عليهم ولا يغرس في قلبه الحسد ولا يغرس في قلبه البغضاء
وإنما يغرس في قلبه حب المؤمنين صغاراً وكباراً ، حب المسلمين خاصة صالحيهم
وعلمائهم ودعاتهم ينشئه على حبهم ولو أخذه معه إلى مجالس الذكر حتى ينشأ على حب
العلماء والاتصال بهم والارتياح لهم كل ذلك من الأمور المطلوبه من الوالد حتى يقيم
قلب الصبي على طاعة الله .
كذلك ينشأه في لسانه على ما ذكرناه في صدق القول وحفظه عن أعراض
المسلمين فإذا جاء يتكلم الابن يعرف أين يضع لسانه وإذا جاء يتحدث يعرف ما الذي
يقول وما الذي يتكلم به وهذا يستلزم جانبين ذكرهما العلماء
:
الجانب الأول : الأدب الإسلامي ،
مِن توقي المحرمات في الألسن وتعويده على أصلح ما يكون في طاعة الله من ذكر الله-
عز وجل - كالتسبيح والاستغفار ونحو ذلك من الأذكار ويحبب إلى قلبه تلاوة القرآن هذا
بالنسبة للجانب الديني .
الجانب الثاني : الجانب الدنيوي
يعوده على الحياء والخجل فلا يكون صفيق الوجه سليط اللسان ويقولون جريء والدك على
الكلام هذا لا ينبغي إنما ينبغي أن يعود الحياء أولاً ثم إذا كان جريئاً يكون جرئته
منضبطه بالحياء كان-صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حياء من العذراء في خدرها
ويقولون الولد ما يصبح رجل إلا إذا كان جريئاً فتجده يترك الولد يتكلم أمام من هو
أكبر منه سناً وتجد الولد يتكلم حتى بقبائح الأمور فيتبسم الوالد ويقول هكذا الابن
وإلا فلا ، لا والله لا ينشأ الابن على السوء فيكون كاملاً مهما كان ولو كانت الناس
تظن أن هذا كمال فإنه نقص ، ولذلك لما جاء حويصه يتكلم قال له النبي-صلى الله عليه
وسلم- : (( كبر كبر )) فعلمه الأدب وهو كبير فقال له كبر كبر فإذا جلس بين الكبار
لا يتكلم ؛ وإنما يكف لسانه ويجلس حيياً مستحياً بالحياء الذي يتجمل به أمام عباد
الله- عز وجل - أما أن يعود الجرأة على الكلام والجرأة على الحديث فهذا مما لا تحمد
عقباه ، فإذا تعود الجرأة من صغره ألفها في كبره ؛ لكن يعود الحياء يعود السكوت
والإنصات لكبار السن ولا يتكلم بحضرتهم إلا بقدر فإذا كبر وعقل الأمور تكلم عند
موجب الكلام وصدر عن انضباط وحفظ لسانه ؛ لأنه أعتاد ذلك وألفه وربى عليه . هذه
بالنسبة للأمور الدنيوية أنه يعود على أجمل ما يكون عليه من الكلام الطيب والعبارات
الطيبه ، فإذا خاطب من هو أكبر منه أمر بأن يخاطبه بالإجلال والإكبار والتقدير فلا
يرضى الوالد لولده أن يخاطب كبير السن أمامه باسمه ؛ وإنما يقول له خاطبه بياعم أو
نحو ذلك من الكلمات التي فيها إجلال وتوقير حتى ينشأ الصغير علي توقير الكبير وتلك
سنة الإسلام قال-صلى الله عليه وسلم- : (( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولا يرحم
صغيرنا )) فلابد من تعويد الابن على توقير الكبير واحترامه وتقديره وإجلاله
.
وإذا وفق الله- عز وجل - الوالدين لحب التربية تربية الولد التربية
الصالحة فليعلما أن ذلك لا يكون إلا بأمور مهمة إذا أراد الوالد والوالدة أن يقوما
على تربية الولد فهناك أسباب تعين على التربية الصالحة
:
أولهما وأعظمها وأجلها : الدعاء فيكثر الوالدين من الدعاء للولد
يسأل الله- عز وجل - أن يكون الولد صالحاً كما قال الله-تعالى- : { وَأَصْلِحْ لِي
فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } تكثر من الدعاء لولدك فلعلك أن توافق
باباً في السماء مفتوحاً فيستجاب لك ، الله أعلم كم من أم وكم من أب دعا لولده دعوة
اسعدته في الدنيا والآخرة ، أم سليم-رضي الله تعالى عنها- جاءت بأنس إلى رسول
الله-صلى الله عليه وسلم- وقالت : - يا رسول الله - خويدمك أنس أدعو الله له فدعا
له النبي-صلى الله عليه وسلم- بخير الدنيا والآخرة فتسببت له في ذلك الخير-رضي الله
عنها وأرضاها- .
فيحرص الوالد على كثرة الدعاء أن الله يصلح ذريته والله-تعالى-
يقول : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ولا يسأم ولا يمل ولا ييأس من رحمة الله
ولا يقنط من روح الله وإنما عليه أن يحسن الظن بالله- عز وجل -
.
كذلك أيضاً الأمر الثاني : وهو من الأهمية بمكان مما يعين على
التربية الصالحة القدوة الحسنة الأولاد الأبناء
البنات لا ينتظرون الكلام بمثل العمل والتطبيق فإذا نشأ الابن وهو يرى أباه على
أكمل ما يكون عليه الأب ويرى أمه على أكمل ما تكون عليه الأم تأثر وأصبح متصلاً
بهذه الأخلاق الحميدة والآداب الكريمة حتى تصبح سجية له وفطرة لا يتكلفها ولا
يستطيع أن يتركها ، كذلك البنت إذا نشأت وقد رأت من أبيها الصلاح والاستقامة على
الخير ورأت من أمها الصلاح والاستقامة على الخير أحبت الخير وألفته كيف يكون الابن
صادقاً وهو ينشأ في بيت يسمع فيه أباه-والعياذ بالله- يكذب فلربما طرق عليه الضيف
فيقول : أذهب وقل له ليس بموجود ، كيف ينشأ الابن صادقاً في قوله إذا كان والده
يعلمه من خلال سلوكه وتصرفاته سيء العادات-والعياذ بالله- وكيف تكون البنت على صلاح
واستقامة وهي ترى من أمها التقصير في الصلوات والطاعات نائمة عن فرض الله- عز وجل -
أو مضيعة لحق الله في قولها وفعلها فأهم ما ينبغي قي التربية الصالحة القدوة وإذا
كان الإنسان قدوة للغير تأثر الغير بكلامه وجعل الله لمواعظه وكلماته وتوجيهاته
أثراً في النفوس وانتفع الناس وأنتفع أولاده بما يقول - نسأل العظيم أن يرزقنا
القول والعمل - .
كذلك أيضاً من الأمور المهمة : وهي من حقوق الأولاد
التي ينبغي رعايتها ونختم بها هذا المجلس حق العدل بين الأولاد ، وهذا الحق أشار
إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح : (( اتقوا الله واعدلوا بين
أولادكم )) فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث
كان أهل الجاهلية يفضلون الذكر على الأنثى وكانوا يقتلون الأنثى كما أخبر الله- عز
وجل - في كتابه وقال : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } . فإذا بشر بالإناث تمعر وجهه وتغير وكأنه يبشر
بسوء-نسأل الله السلامه والعافية- فلذلك أدب الله- عز وجل - المسلمين على الرضا
بقسمة الله- عز وجل - ، يرضى الإنسان بالولد ذكراً كان أو أنثى ولا يفضل الإناث عن
الذكور ولا الذكور على الإناث ؛ وإنما يعدل بين الجميع ، كان السلف-رحمهم الله-
يعدلون بين الأولاد حتى في القبلة فلو قبل هذا رجع وقبل هذا حتى لا ينشأ الأولاد
وبينهم الحقد ، ولذلك قالوا إن التفضيل يتسبب في مفاسد أولها يكون ضرره على الوالد
نفسه فإنه ينشأ الأولاد على حقده وكراهيته وقد أشار النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى
هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح للنعمان : (( أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟
)) قال : نعم . أي إذا كنت تريدهم في البر سواء فأعدل بينهم وكن منصفاً فيما تسدي
اليهم .
كذلك أيضاً من المفاسد التي تترتب على عدم العدل أنها توغر صدور
بعضهم على بعض ، ولذلك حصل ما حصل بين يوسف وإخوته لأنهم : { قَالُوا لَيُوسُفُ
وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } ، لذلك لا ينبغي أن يكون الوالد أو
الوالدة فى التصرفات والأعمال على تفضيل ولد على ولد وإنما يكون كل منهم على تقوى
الله- عز وجل - فيحسنوا إلى الجميع سواء كان ذلك التفضيل من الجانب المعنوى أو
الجانب الحسي المادي ، فإذا أعطى الإبن شيئاً يعطي الأنثى كذلك
.
واختلف العلماء في كيفية العدل بين الذكر والأنثى ولهم قولان
مشهوران :
القول الأول : قال بعض العلماء :
المال الذي يعطيه للذكر يعطي مثله قدراً للأنثى سواء بسواء فإن أعطى هذا ديناراً
يعطي هذه ديناراً .
القول الثاني : وقال جمع العلماء
: إن العدل بين الأولاد أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثثيين وهذا هو الصحيح ؛ لأنه قسمة
الله- عز وجل - من فوق سبع سموات وقال-تعالى- : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى }
فإن الولد تنتابه من المصارف ويحتك بالناس وتكون مصارفه أكثر من الأنثى ، ولذلك
قالوا : يجعل للذكر مثل حظ الإنثيين وهذا هو مذهب طائفة من أهل العلم وهو الصحيح ؛
لأنه قسمة الله- عز وجل - ولا أعدل من الله بين خلقه ، الله- عز وجل - عدل بين
عباده ففضل الذكر على الأنثى من هذا الوجه وليس في ذلك غضاضه على الأنثى ولا منقصه
.
كذلك أيضاً قد تكون هناك موجبات خاصه أستثناها بعض العلماء من
العدل فقالوا : إذا كان أحد الأولاد يتعلم أو يقوم على أمر من الأمور المختصه به
يختاجها لصلاح دينه أو دنياه فلا بأس أن يخص بالعطيه إذا كان عنده عمل ومحتاج اليه
قالوا ؛ لأنه من العدل أنه لما تفرغ للعلم أن يعان على تعلمه ، ولذلك يعطى حقه لما
تفرغ لهذا العلم الذي فيه نفعه ونفع العباد ، وهكذا إذا تفرغ لكي يتعلم حداده أو
صناعة أو نحو ذلك فإن والده إذا أراد أن يعطيه من أجل هذا التعلم ينفق عليه على قدر
حاجته ولا يلزم بإعطاء الأنثى مثل ما يعطيه أو نصف ما يعطيه ؛ لأن الأنثى لا تعمل
كعمله فلو أعطى الأنثى مثل ما يعطيه فإنه في هذه الحاله قد ظلم الذكر ؛ لأن الأنثى
أخذت من دون وجه ومن دون أستحقاق ، وعلى هذا فإن من حق الأولاد على الوالدين العدل
سواء كان ذلك في الجانب المعنوي أو الجانب المادي وكان بعض العلماء يقول : ينبغي
على الوالد أن يرى أحاسيسه ومشاعره ، وكذلك على الوالده يرعى كل منهما الأحاسيس
والمشاعر خاصة بحضور الأولاد فلا يحاول الوالد أن يميل إلى ولدٍ أكثر من الآخر
أثناء الحديث أو يمازحه أو يباسطه أكثر من الأخر ؛ وإنما يراعي العدل في جميع ما
يكون منه من التصرفات لمكان الغيرة .
- ونسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يعصمنا من الزلل ، وأن
يوفقنا في القول والعمل ، أنه المرجو والأمل - ، والله - تعالى - أعلم
.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَـْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ
وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
.
المصدر :موقع صيد الفوائد