أعياد الكفار وموقف المسلم منها
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
إن كثيراً من المسلمين سيشاركون في تلك الاحتفالات على اعتبار أنها مناسبة عالمية تهم سكان الأرض كلهم، وما علم هؤلاء أن الاحتفال بها هو احتفال بشعائردين النصارى المحرف
الصراع بين الحق والباطل دائم ما دامت الدنيا،
واتباع فئام من الأمة المحمدية أهلَ الباطل في باطلهم من يهود ونصارى ومجوس وعباد
أوثان وغيرهم، وبقاء طائفة على الحق رغم الضغوط والمضايقات، كل ذلك سنن كونية مقدرة
مكتوبة، ولا يعني ذلك الاستسلام وسلوك سبيل الضالين؛ لأنّ الذي أخبرنا بوقوع ذلك لا
محالة حذَّرنا من هذا السبيل، وأمرنا بالثبات على الدين مهما كثر الزائغون، وقوي
المنحرفون، وأخبرنا أنّ السعيد من ثبت على الحق مهما كانت الصوارف عنه، في زمن
للعامل فيه مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمل الصحابة رضي الله عنهم كما ثبت ذلك
في حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه -[1].
ولسوف يكون من أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم -
أقوام ينحرفون عن الحق صوب الباطل يغيرون ويبدلون، وعقوبتهم أنّهم سيُحجزون عن
الحوض حينما يَرِده الذين استقاموا ويشربون منه كما قال عليه الصلاة والسلام: «أنا
فرطكم على الحوض؛ وليُرفعن إليَّ رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا
دوني فأقول: أي رب! أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». وفي رواية:
«فأقول: سحقاً لمن بدَّل بعدي»[2].
ومن أعظم مظاهر
التغيير والتبديل، والتنكر لدين محمد - صلى الله عليه وسلم - اتِّباع أعداء
الله تعالى في كل كبيرة وصغيرة، باسم الرقي والتقدم، والحضارة والتطور، وتحت شعارات
التعايش السلمي والأخوة الإنسانية، والنظام العالمي الجديد والعولمة والكونية،
وغيرها من الشعارات البراقة الخادعة. وإنّ المسلم الغيور ليلحظ هذا الداء الوبيل في
جماهير الأمة إلاّ من رحم الله تعالى حتى تبعوهم وقلدوهم في شعائر دينهم وأخص
عاداتهم وتقاليدهم كالأعياد التي هي من جملة الشرائع والمناهج. والله تعالى يقول: ﴿
وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ
الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾ [المائدة: 48]،
ويقول تعالى: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً
هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾ [الحج: 67] أي: عيداً يختصون به.
إنّ كثيرا من المسلمين قد اغتروا ببهرج أعداء الله
تعالى خاصة النصارى في أعيادهم الكبرى كعيد ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام
"الكريسمس" وعيد رأس السنة الميلادية، ويحضرون
احتفالات النصارى بها في بلادهم؛ بل نقلها بعضهم إلى بلاد المسلمين والعياذ بالله
إن كثيراً من المسلمين سيشاركون في تلك الاحتفالات على اعتبار أنّها مناسبة عالمية
تهم سكان الأرض كلهم، وما علم هؤلاء أنّ الاحتفال بها هو احتفال بشعائر دين النصارى
المحرف الملعون هو وأهله وأنّ المشاركة فيه مشاركة في شعيرة من شعائر دينهم، والفرح
به فرح بشعائر الكفر وظهوره وعلوه، وفي ذلك من الخطر على عقيدة المسلم وإيمانه ما
فيه؛ حيث أنّ «من تشبه بقوم فهو منهم»[3] كما
صح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف بمن شاركهم في شعائر دينهم؟!
وذلك يحتم علينا الوقوف على حكم الاحتفال بهذين العيدين، وما يجب على المسلم
تجاههما، وكيفية مخالفتهم التي هي أصل من أصول ديننا الحنيف، بَلْهَ التعرف على أصل
هذين العيدين وشعائرهم فيهما بقصد تجنبها والحذر والتحذير منها.
عيد ميلاد المسيح عليه السلام وعند الأوروبيين يسمى
عيد "الكريسمس" وهو يوم (25 ديسمبر) عند عامة النصارى، وعند الأقباط يوافق
يوم (29 كيهك) والاحتفال به قديم ومذكور في
كتب التاريخ. قال المقريزي: "وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر جليلاً
تباع فيه الشموع المزهرة وكانوا يسمونها الفوانيس"[4]. فالاحتفالات بهذا العيد تقام في يوم وليلة الخامس والعشرين
من شهر ديسمبر (كانون الأول) في المجتمعات
النصرانية الغربية، وبعد ذلك بحوالي أسبوعين عند النصارى الشرقيين... حيث تغلق جميع
الدوائر الرسمية وغير الرسمية أبوابها، وكذلك المستشفيات والمحلات التجارية وتتوقف
كثير من وسائل المواصلات كالحافلات والقطارات عن العمل. وفي العموم فإنّ حركة
الحياة تتوقف في ذلك اليوم كما لو كان النّاس قد نزلوا إلى ملاجئهم إثر غارة جوية
معادية!
لكن لعل المقيم في تلك البلاد أو الزائر في ذلك
اليوم والليلة يرى أنّ نوعين من المحلات لا تغلق أبوابها، بل يزدهر سوقها ويكثر
روادها، وهما: حانات الخمور والبارات التي يشرب فيها الخمر والمسكرات؛ حيث يفرط
النّاس بشربها إلى حد فقدان العقل وفقدان السيطرة على السلوك.
ومناسبة هذا العيد عند النصارى تجديد ذكرى مولد
المسيح عليه السلام كل عام، ولهم فيه شعائر وعبادات؛ حيث يذهبون إلى الكنيسة
ويقيمون الصلوات الخاصة. وقصة عيد الميلاد مذكورة في أناجيلهم "لوقا" و"متَّى"
وأول احتفال به كان عام 336م، وقد تأثر بالشعائر الوثنية؛ حيث كان الرومان يحتفلون
بإله الضوء وإله الحصاد، ولما أصبحت الديانة الرسمية للرومان النصرانية صار الميلاد
من أهم احتفالاتهم في أوروبا، وأصبح القديس "نيكولاس" رمزاً لتقديم الهدايا في العيد من دول
أوروبا، ثم حل "البابا نويل" محل القديس
"نيكولاس" رمزاً لتقديم الهدايا خاصة
للأطفال[5]. وقد تأثر كثير من المسلمين في
مختلف البلاد بتلك الشعائر والطقوس؛ حيث تنتشر هدايا "البابا نويل" المعروفة في المتاجر والمحلات التي
يملكها في كثير من الأحيان مسلمون، وكم من بيت دخلته تلك الهدايا، وكم من طفل مسلم
يعرف "البابا نويل" وهداياه! فلا حول ولا قوة
إلاّ بالله.
خرافة حول ما يسمى
"بابا نويل":
أصبح "البابا
نويل" عند الأمة الضالة أسطورة كبيرة يصدقها كثير من الأطفال (بل في استفتاء
أجرته إحدى شبكات التلفاز الأمريكية في عيد الميلاد سنة1986 قال 90% من الكبار
أيضاً إنّهم يؤمنون بوجود سانتا كلوز).
وتقول الأسطورة
الحالية: "إنّ سانتا كلوز يعيش في القطب الشمالي مع زوجته وأعوانه يديرون
مصنعاً كبيراً للُعب الأطفال، وفي ليلة الميلاد يسافران معاً على زحافة ثلجية يجرها
ثمانية غزلان، وتمر الزحافة على سطح كل منزل لينزل منها سانتا كلوز من خلال المدخنة
إلى غرفة الطعام ليضع الهدايا في جوارب خاصة يتركها للأطفال معلقة بجوار المدفأة..
وعادة ما يضع الأهل تلك الهدايا بدلاً من سانتا كلوز وقت نوم الأطفال، فإذا ما
استيقظوا تيقنوا أنّ سانتا كلوز حقيقة لامراء فيها". (الأهرام 3/1/1987م).
وللنصارى في هذا
العيد شعائر منها: أنّ نصارى فلسطين وما جاورها يجتمعون ليلة عيد الميلاد في
(بيت لحم) المدينة التي ولد فيها المسيح عليه
الصلاة والسلام لإقامة قداس منتصف الليل، ومن شعائرهم: احتفالهم بأقرب يوم أحد ليوم
(30 نوفمبر) وهو عيد القديس "أندراوس" وهو أول أيام القدوم قدوم عيسى عليه السلام
ويصل العيد ذروته بإحياء قداس منتصف الليل؛ حيث تزين الكنائس ويغني النّاس أغاني
عيد الميلاد وينتهي موسم العيد في (6 يناير).
وبعضهم يحرق كتلة من جذع شجرة عيد ميلاد المسيح، ثم يحتفظون بالجزء غير المحروق،
ويعتقدون أنّ ذلك الحرق يجلب الحظ، وهذا الاعتقاد سائد في بريطانيا وفرنسا والدول
الاسكندنافية[6].
أصل شجرة
الميلاد:
أول من استخدم الشجرة هم الفراعنة والصينيون
والعبرانيون كرمز للحياة السرمدية، ثم إنّ عبادتها قد شاعت بين الوثنيين الأوربيين
وظلوا على احترامها وتقديسها حتى بعد دخولهم في المسيحية، فأصبحوا يضعونها في
البيوت ويزينونها كي تطرد الشيطان أثناء عيد الميلاد. (دائرة المعارف البريطانية، ج3، ص284).
ولم يطلق عليها شجرة الميلاد ّفي القرن السادس عشر
الميلادي في ألمانيا الغربية حيث تحولت ممّا يسمى "بشجرة الجنة" في الاحتفال الديني
بذكرى آدم وحواء في 24 من ديسمبر إلى شجرة الميلاد، حيث أصبح النّاس يعلقون عليها
الشموع التي ترمز إلى المسيح بزعمهم ولم تدخل فكرة الشجرة إلى إنجلترا إلاّ في
القرن التاسع عشر (المرجع السابق).
هذه هي الجذور الوثنية لهذه الأعياد التي يحتفل بها
النصارى اليوم ويعتبرونها أكبر مظاهر دينهم، وينفقون فيها ملايين الدولارات.. وما
مثلهم إلاّ كمثل من وصفهم القرآن بقوله: ﴿ إِنَّهُمْ
أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى
آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ [الصافات: 6970]. على أنّك لو سألت كثيراً ممّن
يحتفلون بهذه المناسبة عن سبب احتفاله بها فإنّه لن يعرف أكثر من كونه لا يذهب
يومها إلى العمل، ويشرب فيها الخمر بشراهة، ويتناول ليلتها الديك الرومي.
هل حقاً يحتفل
النصارى بعيد ميلاد المسيح؟!
يقول المؤرخون: "إنّ المسيح عليه السلام لم يولد في
هذا الموعد الذي يحتفل به اليوم في البلاد النصرانية.. حيث يؤكد آباء الكنيسة في
القرنين الثاني والثالث الميلاديين أنّ ما يسمى بعيد ميلاد المسيح ما هو إلاّ صورة
طبق الأصل لما كان يحتفل به الوثنيون في أوربا قبل ميلاد المسيح بوقت طويل. (دائرة المعارف البريطانية ج16، ص364 Britannica Encyclopedia).
وتقويم الأعياد المسيحية مأخوذ من (تقويم يوليوس الشمسي) وهو التقويم الذي أدخله "يوليوس قيصر" إلى روما عام 46 قبل الميلاد.. والذي
جعل أيّام السنة 365 يوماً (المرجع السابق)..
حيث كان الوثنيون يحتفلون (يوم 25 من ديسمبر)
بما يسمونه "عيد ميلاد الشمس التي لا تقهر" أو
ما يسمى "بيوم الانقلاب الشتوي الصيفي
الروماني" (المرجع السابق)، ولقد أقيم
أول احتفال بعيد ميلاد المسيح كما يزعمون سنة 336 ميلادية في روما وذلك في اليوم
السادس من شهر يناير.. ثم ثبَّتت الكنائس الغربية في نهاية القرن الرابع الميلادي
الاحتفال بميلاد المسيح في يوم (25 من ديسمبر)
إلاّ أنّ الكنيسة في أرمينيا لم تعترف بهذا التغيير واستمر الاحتفال به في السادس
من شهر يناير (دائرة المعارف البريطانية ج4
ص283).. كما هو الحال الآن في معظم الدول الشرقية.. إلاّ أنّ المؤرخين
يؤكدون أنّ المسيح عليه السلام لم يولد في أي من هذين الموعدين!!
عيد رأس السنة
الميلادية:
وللاحتفال به شأن عظيم في هذه الأزمنة؛ اذ تحتفل به
الدول النصرانية وبعض الدول الإسلامية، وتنقل تلك الاحتفالات بالصوت والصورة الحية
من شتى بقاع الأرض، وتتصدر احتفالاته الصفحات الأولى من الصحف والمجلات، وتستحوذ
على معظم نشرات الأخبار والبرامج التي تبث في الفضائيات، وصار من الظواهر الملحوظة
سفر كثير من المسلمين الذين لا تقام تلك الاحتفالات النصرانية في بلادهم إلى بلاد
النصارى لحضورها والاستمتاع بما فيها من شهوات محرمة غافلين عن إثم الارتكاس في
شعائر الذين كفروا.
وللنصارى في ليلة رأس السنة (31 ديسمبر) اعتقادات باطلة، وخرافات كسائر أعيادهم
المليئة بذلك، وهذه الاعتقادات تصدر عن صُنّاع الحضارة الحديثة وممّن يوصفون بأنّهم
متحضرون ممّن يريد المنافقون من بني قومنا اتباعهم حذو القذة بالقذة حتى في شعائرهم
وخرافاتهم لكي نضمن مواقعنا في مصافِّ أهل التقدم والحضارة، وحتى يرضى عنها أصحاب
البشرة البيضاء والعيون الزرقاء!!
ومن اعتقاداتهم تلك: أنّ الذي يحتسي آخر كأس من
قنينة الخمر بعد منتصف تلك الليلة سيكون سعيد الحظ، وإذا كان عازباً فسيكون أول من
يتزوج من بين رفاقه في تلك السهرة، ومن الشؤم دخول منزل ما يوم عيد رأس السنة دون
أن يحمل المرء هدية، وكنسُ الغبار إلى الخارج يوم رأس السنة يُكنس معه الحظ السعيد،
وغسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من الشؤم، والحرص على بقاء النّار مشتعلة طوال
ليلة رأس السنة يحمل الحظ السعيد.... إلخ تلك الخرافات[7].
حكم التشبه بالكفار
في أعيادهم:
إنّ من الأصول العظيمة التي هي من أصول ديننا
الولاء للإسلام وأهله، والبراءة من الكفر وأهله، ومن مُحتِّمات تلك البراءة من
الكفر وأهله تميز المسلم عن أهل الكفر، واعتزازه بدينه وفخره بإسلامه مهما كانت
أحوال الكفار قوة وتقدماً وحضارة، ومهما كانت أحوال المسلمين ضعفاً وتخلفاً
وتفرقاً، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تتخذ قوة الكفار وضعف المسلمين ذريعة
لتقليدهم ومسوغاً للتشبه بهم كما يدعو إلى ذلك المنافقون والمنهزمون؛ ذلك أنّ
النصوص التي حرمت التشبه بالكفار ونهت عن تقليدهم لم تفرق بين حال الضعف والقوة؛
لأنّ المسلم باستطاعته التميز بدينه والفخر بإسلامه حتى في حال ضعفه وتأخره.
والاعتزاز بالإسلام والفخر به دعا إليه ربّنا تبارك
وتعالى واعتبره من أحسن القول وأحسن الفخر؛ حيث قال: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
ولأهمية تميز المسلم عن الكافر أُمر المسلم أن يدعو
الله تعالى في كل يوم على الأقل سبع عشرة مرة أن يجنبه طريق الكافرين ويهديه الصراط
المستقيم: ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ
المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6 7]، وجاءت النصوص
الكثيرة جداً من الكتاب والسنة تنهى عن التشبه بهم، وتبين أنّهم في ضلال؛ فمن قلدهم
فقد قلدهم في ضلالهم. قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ
جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ
الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ ﴾ [الرعد: 37] وقال
تعالى: ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ
وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [آل عمران: 105]
ويدعو الله تعالى المؤمنين إلى الخشوع عند ذكره سبحانه وتلاوة آياته، ثم يقول:
﴿ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن
قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ
فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].
وما من شك في أنّ مشابهتهم من أعظم الدلائل على
مودتهم ومحبتهم، وهذا يناقض البراءة من الكفر وأهله، والله تعالى نهى المؤمنين عن
مودتهم وموالاتهم، وجعل موالاتهم سبباً لأن يكون المرء والعياذ بالله منهم؛ يقول
الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة:51]، وقال
تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾
[المجادلة: 22].
يقول شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله تعالى: "المشابهة تورث المودة والمحبة والموالاة في الباطن،
كما أنّ المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر"[8].
وقال أيضاً تعليقاً
على آية المجادلة: "فأخبر سبحانه ّلا يوجد مؤمن يواد كافراً؛ فمن واد الكفار
فليس بمؤمن؛ والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة"[9]. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «من تشبه
بقوم فهو منهم»[10].
قال شيخ
الإسلام: "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره
يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَن
يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]"[11].
وقال
الصنعاني: "فإذا تشبه بالكافر في زيٍّ واعتقد أن يكون بذلك مثله كَفَر، فإن
لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال:
لا يكفر؛ ولكن يؤدب"[12].
ويذكر شيخ
الإسلام: "أنّ من أصل دروس دين الله وشرائعه وظهور الكفر والمعاصي التشبه
بالكافرين، كما أنّ أصل كل خير المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم"[13].
والحديث عن التشبه بالكفار يطول؛ ولعل فيما سبق
إيراده من نصوص ونُقُول يفي بالغرض المقصود.
من صور التشبه
بالكفار في أعيادهم:
للكفار على اختلاف مللهم ونحلهم أعياد متنوعة: منها
ما هو ديني من أساس دينهم أو مما أحدثوه فيه وكثير من أعيادهم ما هو إلاّ من قبيل
العادات والمناسبات التي أحدثوا الأعياد من أجلها، كالأعياد القومية ونحوها،ويهمنا
هنا عيد الميلاد وعيد رأس السنة، ومشابهة المسلم لهم فيهما تكون من وجهين:
1- مشاركتهم
في تلك الأعياد، كما لو احتفلت بعض الطوائف والأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين
بعيدها فشاركهم فيها بعض المسلمين، كما حدث في وقت شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ
الذهبي، وهو ما يحدث الآن في كثير من بلاد المسلمين، وأقبح منه ما يفعله بعض
المسلمين من السفر إلى بلاد الكفار بقصد حضور تلك الأعياد والمشاركة في احتفالاتها،
سواء أكانت دوافع هذا الحضور شهوانية أم كانت من قبيل إجابة دعوة بعض الكفار كما
يفعله بعض المسلمين الحالِّين في بلاد الكفار من إجابة تلك الدعوات الاحتفالية
بأعيادهم، وكما يفعله بعض أصحاب رؤوس الأموال ومُلاك بعض الشركات الكبرى من إجابة
تلك الدعوات مجاملة لأصحاب الدعوة أو لمصلحة دنيوية؛ كعقد صفقات تجارية، ونحو ذلك؛
فهذا كله محرم ويخشى أن يؤدي إلى الكفر لحديث «من تشبه بقوم فهو منهم» وفاعل ذلك
قصد المشاركة فيما هو من شعائر دينهم. ولاشك أنّ عيد الكريسمس هو من شعائر دينهم
ومن أكبر أعيادهم.
2- نقل
احتفالاتهم إلى بلاد المسلمين؛ فمن حضر أعياد الكفار في بلادهم وأعجبته احتفالاتهم
مع جهله وضعف إيمانه وقلة علمه، فقد يجعله ذلك ينقل شيئاً من تلك الأعياد والشعائر
إلى بلاد المسلمين كما يحصل الآن في أكثر بلاد المسلمين من الاحتفال بعيد الميلاد و
برأس السنة الميلادية، وهذا الصنف أقبح من الصنف السابق من وجه وهو نقل هذه الأعياد
إلى بلاد المسلمين؛ اذ لم يكتف أصحابه بمشاركة الكفار في شعائرهم؛ بل يريدون نقلها
إلى بلاد المسلمين.
وجوب اجتناب أعياد
الكفار:
أ- اجتناب
حضورها:
اتفق أهل العلم على
تحريم حضور أعياد الكفار والتشبه بهم فيها؛ لأدلة كثيرة جداً منها:
1- جميع
الأدلة الواردة في النهي عن التشبه بالكفار وقد سبق ذكر طرف منها.
2- الإجماع
المنعقد في عهد الصحابة والتابعين على عدم حضورها؛ ودليل الإجماع من وجهين:
أنّ اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار
المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي لهم والمقتضي لبعض ما يفعلونه قائم في كثير
من النفوس، ثم لم يكن على عهد السابقين من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك، فلولا
قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهياً عن ذلك لوقع ذلك كثيراً؛ إذ الفعل مع وجود
مقتضيه وعدم منافيه واقعٌ لا محالة، والمقتضي واقع، فعلم وجود المانع؛ والمانع هنا
هو الدين، فعلم أنّ الدين دين الإسلام هو المانع من الموافقة وهو المطلوب[14].
ما جاء في شروط عمر - رضي الله عنه - التي اتفق
عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم
في دار الإسلام: فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ
للمسلمين فعلها؛ أوَ ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهراً لها؟[15].
3- قول عمر -
رضي الله عنه -: "لا تَعَلَّموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم
يوم عيدهم؛ فإنّ السخطة تنزل عليهم"[16].
4- قول عبد
الله بن عمرو رضي الله عنهما: "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه
بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة"[17].
قال شيخ
الإسلام: "وهذا عمر نهى عن تعلم لسانهم وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم
عيدهم؛ فكيف بفعل بعض أفعالهم، أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم؟ أليست موافقتهم في
العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟ أوَ ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول
عليهم في عيدهم؟ وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في
العمل أو بعضه؛ أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟"[18].
وعلق شيخ الاسلام على قول عبد الله بن عمرو: (حشر معهم) فقال: "وهذا يقتضي أنه جعله كافراً
بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار وإن كان الأول
ظاهر لفظه"[19].
ب- اجتناب موافقتهم
في أفعالهم:
قد لا يتسنى لبعض المسلمين حضور أعياد الكفار لكنه
يفعل مثل ما يفعلون فيها، وهذا من التشبه المذموم المحرم. قال شيخ الإسلام: "لا يحل
للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال
ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك، ولا يحل فعل وليمة
ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم
من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة. وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء
من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام"[20].
وقال الذهبي:
"فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم، كما لا
يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم"[21].
وذكر ابن التركماني الحنفي جملة مما يفعله بعض
المسلمين في أعياد النصارى من توسع النفقة وإخراج العيال، ثم قال عقب ذلك: "قال بعض
علماء الحنفية: من فعل ما تقدم ذكره ولم يتب فهو كافر مثلهم، وقال بعض أصحاب مالك:
من كسر يوم النيروز بطيخة فكأنّما ذبح خنزيراً"[22].
ج- اجتناب المراكب
التي يركبونها لحضور أعيادهم:
قال مالك:
"يكره الركوب معهم في السفن التي يركبونها لأجل أعيادهم لنزول السخطة واللعنة
عليهم"[23].
وسئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها
النصارى إلى أعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخطة عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه[24].
د - عدم الإهداء لهم
أو إعانتهم على عيدهم ببيع أو شراء:
قال أبو حفص الحنفي: "من أهدى فيه بيضة إلى مشرك
تعظيماً لليوم فقد كفر بالله تعالى"[25].
وقال شيخ الإسلام ابن
تيمية: "وكره ابن القاسم للمسلم يهدي للنصارى شيئاً في عيدهم مكافأة لهم،
ورآه من تعظيم عيدهم وعوناً لهم على مصلحة كفرهم؛ ألا ترى أنّه لا يحل للمسلمين أن
يبيعوا من النصارى شيئاً من مصلحة عيدهم؟ لا لحماً ولا إداماً ولا ثوباً ولا يعارون
دابة ولا يعاونون على شيءٍ من عيدهم؛ لأنّ ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم،
وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره: لم أعلمه اختلف
فيه"[26].
وقال ابن
التركماني: "فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابة
يركبونها لمواسمهم وأعيادهم"[27].
هـ- عدم إعانة المسلم
المتشبه بهم في عيدهم على تشبهه:
قال شيخ الإسلام:
"وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك؛ بل
ينهى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من
المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل
هديته؛ خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع
المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك؛
لأنّ في ذلك إعانة على المنكر"[28].
د- عدم تهنئتهم
بعيدهم:
قال ابن القيم رحمه
الله تعالى: "وأمّا التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن
يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه؛ فهذا إن
سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب؛ بل ذلك
أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرْج
الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، وهو لا يدري قبح ما فعل.
فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع
من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس
والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه". أ. هـ[29].
وإنّما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً
وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأنّ فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر
الكفر، ورضى به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه؛ لكن يحرم على المسلم أن
يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره؛ لأنّ الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال تعالى:
﴿ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ
وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾
[الزمر: 7] وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِيناً ﴾ [المائدة: 3] وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في
العمل أم لا، وإذا هنؤونا بأعيادهم فإنّنا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنّها ليست بأعياد
لنا ولأنّها أعياد لا يرضاها الله تعالى لأنّها إمّا مبتدعة في دينهم وإمّا مشروعة؛
لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع
الخلق، وقال فيه: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ
دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
[آل عمران: 85]، وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأنّ هذا أعظم من
تهنئتهم به لما في ذلك من مشاركتهم فيها، ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله
مجاملة أو تودداً أو حياءاً أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنّه من المداهنة في دين الله
ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم[30].
مسألة: لو
أراد المسلم أن يحتفل مثل احتفالهم لكنه قدّم ذلك أو أخره عن أيّام عيدهم فراراً من
المشابهة؟
فهذا نوع من التشبه وهو حرام؛ لأنّ حريم الشيء يدخل
فيه، وحريم العيد ما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله أو ما
حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله، أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال
حكمها حكمه فلا يفعل شيء من ذلك؛ فإنّ بعض الناس قد يمتنع من إحداث أشياء في أيام
عيدهم كيوم الخميس[31] والميلاد، ويقول
لعياله: إنّما أصنع لكم هذا في الأسبوع أو الشهر الآخر وإنما المحرك على إحداث ذلك
وجود عيدهم ولولا هو لم يقتضوا ذلك، فهذا أيضاً من مقتضيات المشابهة[32].
هـ- اجتناب استعمال
تسمياتهم ومصطلحاتهم التعبدية:
إذا كانت الرطانة لغير حاجة مما يُنهى عنه لعلة
التشبه بهم فاستخدام تسميات أعيادهم أو مصطلحات شعائرهم مما هو أوْلى في النهي عنه،
وذلك مثل استخدام لفظ (المهرجان) على كل تجمع
كبير وهو اسم لعيد ديني عند الفرس، أو استخدام لفظ "كريسمس" لمناسبة الفرح والسرور كالعيد ونحوه مما
يفعله بعض المسلمين العاملين مع بعض الكفار لإفهامهم أنّ هذه المناسبة السارة عند
المسلمين هي مثل عيد الكفار.
وضابط مخالفتهم في
أعيادهم: أن لا يُحدِث فيها أمراً أصلاً، بل يجعل أيّام أعيادهم كسائر
الأيام [33]، فلا يعطل فيها عن العمل، ولا
يفرح بها ولا يخصها بصيام أو حزن أو غير ذلك.
وذكر شيخ الإسلام ما يمكن أن يضبط به التشبه فقال
رحمه الله تعالى: "والتشبه: يعم مَن فعل الشيء لأجل أنّهم فعلوه، وهو نادر، ومن تبع
غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير، فأمّا من فعل
الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه؛ ففي كون هذا تشبهاً
نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة"[34].
وبناءاً على ما ذكره
شيخ الإسلام فإنّ موافقتهم فيما يفعلون على قسمين:
1- تشبه بهم
وهو ما كان للمتشبه فيه قصد التشبه لأي غرض كان وهو المحرم.
2- مشابهة لهم
وهي ما تكون بلا قصد، لكن يُبين لصاحبها وينكر عليه، فإن انتهى وإلاّ وقع في التشبه
المحرم،قال عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: رأى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - عليّ ثوبين معصفرين فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» وفي
رواية فقال: «أأمك أمرتك بهذا؟». قلت: أغسلهما؟ قال: «بل احرقهما»[35].
قال القرطبي:
"يدل على أن علة النهي عن لبسهما التشبه بالكفار"[36].
فظاهر الحديث أنّ عبد الله - رضي الله عنه - لم
يعلم بأنّه يشبه لباس الكفار، ومع ذلك أنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -
وبيّن له الحكم الشرعي في ذلك.
المنافقون وأعياد
الكفار:
1- طالب حزب
البعث الاشتراكي في إحدى الدول العربية بإلغاء الأضحية بحجة الجوع والجفاف، ووضع
دعاته لافتة كبيرة مكتوباً عليها: "من أجل الجوعى
والفقراء والعراة تبرع بقيمة خروف الأضحية"[37]، ومضى عيد الأضحى بسلام وضحى المسلمون في ذلك البلد، ثم
لما أزف عيد الميلاد وعيد رأس السنة بدأت الاستعدادات للاحتفالات، ثم جاء الميلاد
ورأس السنة فكانت العطلات الرسمية في ذلك البلد والحفلات الباهظة والسهرات الماجنة،
وفي مقدمة المحتفلين قادة حزب البعث الاشتراكي الذين أنستهم الفرحة بأعياد النصارى
ومجونها حال الجوعى والفقراء والعراة؛ فهم لا يتذكرون أحوالهم إلا في أعياد
المسلمين!!
2- كتب أحدهم
في زاويته الأسبوعية تحت عنوان (تسامح)[38] كلاماً ينبئ عن مرض قلبه وضعف دينه، وهذا
التسامح الذي يريده كان بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة النصرانييْن فكان ممّا قال
هذا المتفيقه المتحذلق: "فهذه الأخوة الإنسانية تعم البشر جميعاً ولا تكون التفرقة
والمعاداة إلاّ عند الاقتتال وحين يناوئ جماعة المسلمين جماعة أخرى عندئذ تكون
المقاتلة والعداوة للدفاع المشروع عن النفس رغم أنّ بعض المتشددين والجماعات
الإرهابية تحاول إطفاء هذا الوهج بإشاعة تفاسير وآراء تحض على الكراهية بين البشر
ومقاطعة العالم، يضجون بها في المناسبات العامة التي يحتفي بها العالم جميعه
ويعتبرون تهنئة الآخرين بها جنوحاً عن الإسلام؛ والصواب لعمري هو إشاعة المحبة لا
البغض والتقريب لا التنفير".
ويمضي الكاتب في سلسلته التسامحية المتميعة
المنهزمة والتي امتدت على ثلاث حلقات لتغطي جميع أيّام العيدين النصرانيين الذي
أشرب قلبه حبهما فيقول في الثانية منهما: "فالأصل هو البر أي التسامح والعدل؛ أمّا
العداوة فهي على الذين أعلنوا القتال علينا. أمّا الاختلاف في الأديان فالأمر فيه
لعدل الله ورحمته يوم القيامة، والقول بأنّ ذلك التسامح موالاة لغير المسلمين فقد
ردّ عليه العلماء بقولهم: إنّ الممنوع هو موالاة المحاربين للمسلمين في حرب معلنة
فيكون حينئذ خيانة عظمى، ولا يحل للمسلم حينذاك مناصرتهم واتخاذهم بطانة يفضي إليهم
بالأسرار".
فهل هذا الكلام إلاّ عين الضلال، والشك في الإسلام،
وتصحيح كفر الكفار؟! والعياذ بالله من ذلك.
ثم في حلقته الثالثة يكيل التهم الرخيصة المستهلكة
من الإرهاب والتطرف وسفك الدماء على كل من لم يوافقه على فقهه الصحفي، كما هي عادة
هذه الذئاب المتفرنجة في افتتاحيات مقالاتهم وخاتمتها.
وما كنت أظن أنّ الحال بالأمة سيصل إلى هذا الحد
المخزي، ولا أنّ التبعية والانهزام سيصير إلى هذا الأثر المخجل، ولكن ماذا كنا
نتوقع ما دام أن كثيراً من المنابر الإعلامية والصحفية يتربع عليها أمثال هؤلاء
الموتورين المهووسين، وإلى الله المشتكى من أمة يقرر ولاءَها وبراءها ويرسم طريقها
ومنهجها عبر الإعلام والصحافة أناسٌ ما تخرجوا إلاّ من الملاحق الفنية والرياضية،
جلُّ ثقافتهم أسماء الممثلات والمغنيات والراقصات والرياضيين.
ماذا تراهم فاعلون
وأعياد الكفار يقترب موعدها؟؟
إنهم وكالمعتاد سيدعون جماهير المسلمين إلى
المشاركة فيها حتى لا يتهم الإسلام بالرجعية والظلامية، ولكي يثبتوا للعالم أنّهم
متحضرون بما فيه الكفاية حتى يرضى عنهم عباد الصليب، والويل ثم الويل لمن أنكر
مشاركة المسلمين في تلك الاحتفالات التي يعتبرونها عالمية، إنّه سيتهم بالأصولية
والتطرف والإرهاب وسفك الدماء.
ولن تعدم من منهزمي المنتسبين الى العلم فتاوى
معممة جاهزة بجواز المشاركة في تلك الأعياد الكفرية، يتلقفها صحفيون يكذبون عليها
ألف كذبة لإقناع المسلمين أنّ الإسلام بلغ من تسامحه وأريحيته إجازة المشاركة في
شعائر الكفر؛ حتى لا نجرح مشاعر الكفار، ونكدر عليهم صفو احتفالاتهم التي تتزامن مع
أحداث كبرى يسفك فيها عباد الصليب وعباد العجل دماءً إسلامية غزيرة في كثير من
أرجاء المعمورة في حروب عقائدية دينية غير متكافئة، وما أنباء أفغانستان وفلسطين عن
تلك الاحتفالات ببعيدة؛ إذ في خضم بهجة عباد الصليب وفرحهم بعيدهم تبكي نساء رملت،
وأطفال يتمت، وأسرشردت،في أفغانستان وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين المنكوبة.
[1] أخرجه أبو
داود (4341)، والترمذي (3060) وابن ماجه (4014).
[2] أخرجه
البخاري (6576) ومسلم (2297).
[3] أخرجه أحمد
2/50 وأبو داود 4021.
[4] الخطط
1/495.
[5] الموسوعة
العربية العالمية 16/711.
[6] السابق
16/712.
[7] مجلة
الاستجابة 4 29.
[8] اقتضاء
الصراط المستقيم (1/488).
[9] المصدر
السابق (1/490).
[10] أخرجه
أبو داود في اللباس (4021) وأحمد (2/50) وجود إسناده شيخ الإسلام في الاقتضاء
(1/240)، وانظر الفتاوى (25/331) وعضده الحافظ في الفتح بمرسل حسن الإسناد (6/98)
وحسنه السيوطي وصححه الألباني في صحيح الجامع (6025).
[11] الاقتضاء
(1/237).
[12] سبل
السلام (8/248).
[13] الاقتضاء
(1/314) دروس الدين: اختفاء معالمه.
[14] انظر
الاقتضاء (2/524) وأحكام أهل الذمة لابن القيم (3/ 1245).
[15] الاقتضاء
(1/454).
[16] مصنف عبد
الرازق (1609) والسنن الكبرى للبيهقي (9/234).
[17] السنن
الكبرى (9/234) وصححه ابن تيمية في الاقتضاء (1/457).
[18] الاقتضاء
(1/458).
[19] الاقتضاء
(1/459).
[20] مجموع
الفتاوى (25/329).
[21] تشبيه
الخسيس بأهل الخميس، ضمن مجلة الحكمة، عدد (4)، ص 193.
[22] اللمع في
الحوادث والبدع (1/294).
[23]
السابق.
[24] الاقتضاء
(2/526).
[25] فتح
الباري بابن حجر العسقلاني (2/513).
[26] الاقتضاء
(2/526527).
[27] اللمع في
الحوادث (1/294).
[28] الاقتضاء
(2/519 520).
[29] أحكام أهل
الذمة (1/441442).
[30] مجموع
فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين جمع وترتيب فهد السلمان (3/4546).
[31] المقصود
بالخميس هنا خميس العهد أو الصعود وهو من ضمن شعائر عيد القيامة (الفصح) عند
النصارى ويسمونه الخميس الكبير.
[32] انظر:
الاقتضاء (2/513).
[33] انظر:
الاقتضاء (1/459).
[34] الاقتضاء
(1/242).
[35] أخرج
الروايتين مسلم في اللباس والزينة (2077).
[36] المفهم
لما أشكل من تلخيص مسلم (5/399).
[37] انظر
مجلة الاستجابة عدد (4) ربيع الثاني 1406هـ.
[38] انظر
صحيفة عكاظ [(28/8/1418هـ)، (5/9/1418هـ)، (12/9/1418هـ)].
المصدر : شبكة الألوكة
تم النشر يوم
الثلاثاء، 19 مارس 2013 ' الساعة