الاثنين، 18 مارس 2013

في حقوق الأخوة من النسب
الشيخ سليمان السلامة
 نسمع كثيرًا من يتحدث عن حقوق الوالدين أو حقوق الزوجين أو حقوق الأولاد أو حقوق الجيران أو المرضى أو العمال والخدم وهذا شيء حسن؛ لكن يقل أو ينعدم الحديث عن حقوق الأخوة.. والأخوة لها روابط كثيرة، وقد ورددت الأخوة في القرآن على أوجه متعددة فوردت أخوة (الإيمان): ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..﴾ [الحجرات: 10]؛ ولست عن هذه الأخوة أتحدث.
أخوة الكفر: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ... ﴾ [آل عمران: 156] ولست عن هذه الأخوة أتحدث.
أخوة الشياطين: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾ [الإسراء: 27] ولست عن هذه الأخوة أتحدث.
أخوة المنافقين للكفار: ﴿ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ ﴾ [الحشر: 11] ولست عن هذه الأخوة أتحدث.
أخوة أهل الجنة: ﴿ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47] ولست عن هذه الأخوة أتحدث.
إذا الحديث عن أي أخوة؟!
إنها أخوة النسب نعم أعني أخاك الشقيق وأختك الشقيقة وأعني أخاك أو أختك من الأب أو من الأم.
ما حالنا مع إخوتنا وأخواتنا من النسب؟ هل أدى كل أخ وأخت حق كل أخ وأخت؟ هل العلاقة بين الأخوة تعبدية أم عصبية للعائلة والقبيلة؟
أخوة النسب لها شأن عظيم في الإسلام فأوجب لها حقوقا وشرع لها آدابًا...
فمن إكرام الله للإنسان أن جعل له نسبًا يعرف به أهله وإخوته: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ [الفرقان: 54].
إن القيام بحق الأخوة والأخوات من النسب عبادة وليست عادة ولا مجاملة ولا لمطمع دنيوي بل دين ندين الله به، روى الإمام أحمد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( بر أمك وأباك، وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك)
ومن قارن بين الإسلام والكفر في حقوق الأخوة! فلن يجد هذه المقاصد العظيمة في الرابطة بين الأخوة من النسب فالحمد لله الذي هدانا للإسلام.
ولعل سائلاً يسأل ويقول ما هي حقوق الأخ والأخت من النسب؟
فيقال الحقوق كثيرة ومنها:
1- الإحسان إليه والتلطف في التعامل معه ولنا قدوة في رسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قصته مع أخته من الرضاع الشيماء بنت الحارث رضي الله عنها حينما قدمت إليه بعد انقطاع طويل فماذا فعل رسول الله؟ بسط لها رداءه وأجلسها عليه وخيرها فقال لها: إن أحببت الإقامة فعندي محببة مكرمة وإن أحببت أمتعك فترجعي إلى قومك؟ قالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فأعطاها رسول الله ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء.
2- الدعاء: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ﴾ [الأعراف: 151]
﴿ وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفصَحُ مِنِّى لِسَانًا فَأَرسِلهُ مَعِىَ رِدًا يُصَدِّقُنِى إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34].
قال الله له ﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 36] قال بعض السلف: ((ليس أحد أعظم منة على أخيه، من موسى على هارون عليهما السلام، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا )).
فهل جعلت نصيبا من دعائك لإخوانك وأخواتك؟؟
3- التغافر والتسامح والتماس العذر عند وقوع الخطأ من الأخ على أخيه أو أخته فالحياة تعتريها مصاعب ومنعطفات غالبا ما تتباين فيها وجهات النظر فلا يكن ذلك مدخلا للشيطان في التحريش والتفريق وتضخيم القضية الخلافية ولنا عبرة بقصة نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته مع ما حصل منهم من حسد واعتداء عرض يوسف للموت وللسجن وللفتنة وللابتلاء الشديد إلا أنه صبر وقال لهم: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92].
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7]
فهل نعفو كما عفى يوسف؟
ويخطئ الأخ والأخت عندما يظن أن الحياة تصفو دون كدر واختلاف لكن الموفق من يعرف كيف يتصرف أمام مواقف الاختلاف وكيف يكسب إخوته وأخواته، أما الهجر والزعل فإنه يزيد المشكلة.
إن الواصل لرحم إخوته أخواته من يقابل الإساءة بالإحسان والقطيعة بالصلة قال عليه الصلاة والسلام: (( ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها )) البخاري.
إن من المؤسف أن من الإخوة من تمر عليه الأيام والشهور بل والسنين وهو لم يسلم على أخيه أو أخته إما تهاونا وعدم مبالاة.
أو لاختلاف على مال أو لسوء فهم كلام، ألا ليتذكر كل هاجر وقاطع أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم.
تأملوا قصة ابني آدم هابيل وقابيل أخوان شقيقان وقع بينهما الحسد، إذ حسد قابيل هابيل لأن الله تقبل منه، فما نتيجة ذلك الحسد؟؟ القتل!! أخ يقتل أخاه.
روى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن ابني آدم عليه السلام ضربا لهذه الأمة مثلا فخذوا بالخير منهما)).
إن من الأمور التي قد تفسد الود بين الأخوة والأخوات هو المال والمال جبلت النفوس على حبه فليكن المال سببا لاجتماعك وقوة علاقتك مع إخوتك وأخواتك لا يغلب حب المال على حب أخواتك وإخوانك... يندى الجبين ألما حينما يتنازع إخوة على إرث أو شركة في مال وقد يصل الحال بهم إلى المحاكم... لذا لابد أن يكون هناك وضوح شديد في الأمور المالية المشتركة ما الذي لكل واحد وإن كان هناك شريك للوالد أو الوالدة في مال وتجارة فلا بد من كتابتها والإشهاد عليها.
أيضا: لا بد من المبادرة بقسمة التركة.
إن علاقتك بإخوتك وأخواتك ممتدة إلى أبنائكم وبناتكم فلا تكن سببا في القطيعة وكن خير قدوة لأبنائك في توثيق الصلة وحسن التواصل
إن كانت الوصية عموما بتقوية الصلة مع الإخوة فإنها تتأكد مع أخواتك فأختك أشد حاجة إلى أن تتواصل معها وتكون قريبا منها بارا بها محسنا إليها متلمسا حاجتها ساعيا في قضائها.
ليكن كل أخ مع إخوته وأخواته عونا لهم على الطاعة والاستقامة والعمل الصالح وقد ضرب القرآن لنا مثلا حسنا بتعاون موسى وهارون عليهما السلام على الدعوة وتبليغ دين الله.. ومثلا آخر بتعاون سيء على البخل ومنع الصدقة كما في قصة أصحاب الجنة في سورة القلم.
لدينا نماذج كثيرة مشرقة في العلاقة بين الأخوة والأخوات من النسب فلقاءات عائلية وزيارات ودية وتعاون على البر والتقوى توقير للكبير ورأفة بالصغير وهدايا متبادلة وسعي على المحتاجين ألا فلنحافظ على تلك النعمة.
ومن كان مقصرًا فليتدارك تقصيره وليعد النظر في تعامله مع إخوته وأخواته.
من كان له أخ أو أخت ميت فالبر باقي وهم أحوج ما يكونون لدعائك واستغفارك لهم وبذل الصدقة عنهم ووقف الأوقاف عليهم.
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر : موقع شبكة الألوكة
 تم النشر يوم  الاثنين، 18 مارس 2013 ' الساعة  12:56 م


 
Toggle Footer