الاثنين، 18 مارس 2013

المسؤولية وخطر تبعتها


الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر


بسم الله، والحمد لله رب العالمين.

أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله ربكم وقوموا بمسؤولياتكم تجاه أنفسكم وتجاه غيركم، فإن مسؤولياتكم من أمانتكم التي أمرتم بحفظها وأدائها ونهيتم عن التفريط فيها وخيانتها قال تعالى ﴿ والَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾[1] الآيات إلى قوله تعالى ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[2] وقال سبحانه ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾[3] وقال سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[4]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"، فأدوا أماناتكم وقوموا بمسئولياتكم عبادة لربكم تفلحوا وتربحوا وتؤجرا وتنصروا.
عباد الله:
المسئولية هي كون المرء مكلفا "أي مستعملا من غيره" بأن يقوم ببعض الأمور لغيره فيما يتعلق بنفسه وما يتعلق بسواه مما يكلف به بحيث يكون محتملًا لتبعات مسئوليته فيكون أهلًا للثواب على الإخلاص والإحسان في وظيفته ومحلًا للعقاب على تفريطه وإضاعته؛ أي: صالحًا للثناء والشكر، وحسن الجزاء، أو الذم والمؤاخذة، وسوء الجزاء على أعماله، وما لزِم بتبعاتها المختلفة؛ قال تعالى ﴿ فَوَرَبِكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[5] وقال سبحانه ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾[6] وقال سبحانه ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾[7]، وقال سبحانه ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾[8].
أيها المسلمون:
جماع هذه المسئولية أن يسأل المكلف في قبره ويوم حشره ونشره عن ثلاثة أمور:
الأول: عن ربه تبارك وتعالى وأداء حقه إليه فيقال: من ربك أو ماذا كنت تعبد، سؤال عن علمه واعتقاده وقوله بإفراد الله تعالى بالإلهية ومستحقات العبادة وحده وإخلاص العبادة له وجوابه الحق أن يقول ربي الله أو أعبد الله وحده أو يقول لا إله إلا الله.
أيها المسلمون:
أما السؤال الثاني فهو عن الدين الحق وعن الاستقامة عليه في الحياة حتى الممات فيقال للمكلف ما دينك أو ما كنت تعمل وجوابه الحق أن يقول ديني الإسلام.
وأما الأمر الثالث "عباد الله" الذي يسأل عنه فهو عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أي عن الاعتقاد بنبوته ورسالته ووجوب محبته واتباعه وطاعته والتمسك بسنته.
فيقال: من نبيك أو ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم أو ماذا أجبتم المرسلين وجوابه الحق أن يقول المسئول هو محمد عبد الله ورسوله أو أشهد أن محمد عبده ورسوله.
معشر المسلمين:
وإنما يكون التثبيت والإضلال عند هذا السؤال بعد الممات على حسب ما كان عليه المرء من العلم والاعتقاد والقول والعمل حال الحياة كما قال تعالى ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾[9].
معشر المؤمنين:
وهناك مسئوليات جزئية يسأل عنها المكلف فيما يتعلق بولايته على غيره وحق غيره وعمله بهذه الولاية هو كسبه فما أحسن فيه فله خيره وما أساء فيه فعليه وزره فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كلكم راعي وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، قال وسيدته، قال والرجل راعٍ في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته" متفق عليه.
وفي الصحيحين عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"، وفي السنن بإسناد حسن عن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره"، وفي صحيح مسلم رحمه الله عن عدي بن عميرة الكندي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد استعملناه منكم على عمل فَكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة".
أيها المؤمنون: ومما وردت المسئولية عنه بخصوصه ما ورد في السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن ثوبه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه". ومن السؤال عن العمر قوله تعالى ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ﴾[10] وكم من نعمة يسأل عنها الجاحد المعاند حتى يقال له ألم نصح لك جسمك ونسقك من الماء البارد، ولما أكل النبي صلى الله عليه وسلم هو وبعض أصحابه عند أحد الأنصار رطبًا ولحمًا وشربوا ماءا ًقال - صلى الله عليه وسلم - هذا من النعيم الذي ستسألون عنه يشير إلى قوله تعالى ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾[11].
ألا فأعدوا "عباد الله" للسؤال جوابًا وليكن الجواب صوابًا.





[1] (المؤمنون: 8).
[2] (المؤمنون: 10 - 11).
[3] (النساء: من الآية 58).
[4] (الأنفال: 27).
[5] (الحجر: 92 - 93).
[6] (الأعراف: 6 - 7).
[7] (الزلزلة: 7 - 8).
[8] (آل عمران: من الآية 30).
[9] (إبراهيم: 27).
[10] (فاطر: من الآية 37).
[11] (التكاثر: 8).
المصدر : شبكة الألوكة

 تم النشر يوم  الاثنين، 18 مارس 2013 ' الساعة  11:32 ص


 
Toggle Footer