في إخلاص النية
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه،
ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من
يهدِه الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا
الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى
آله وصحابته وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ، فيا عباد الله:
اتّقوا الله - تعالى - وأخلصوا أعمالكم
لله، واحذروا مما يبطلها، فإنَّ العمل لا يكون مقبولًا عند الله إلا إذا
كان خالصًا لوجهه - سبحانه وتعالى.
قال جلَّ وعلا: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5].
وعن أبي أمامة - رضِي الله عنه - قال: جاء
رجل إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: أرأيت رجلًا غزا
يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((لا شيء له))، فأعادها ثلاث مرات، ويقول رسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم -: ((لا شيء له)). ثم قال: ((إن الله - عزَّ وجلَّ - لا يقبل من
العمل إلّا ما كان خالصًا وابتغي به وجه الله))[1].
فينبغي للعبدِ أن يُخلِص أعمالَه لله مِن
ذكر وصلاة وزكاة وصوم وحجّ وجهاد بالنفس والمال وإنفاق في طرق الخير وغير
ذلك مما يُدّخر للعبد في آخرته، حتى يجده خالصًا نقيًّا أحوج ما يكون إليه،
والنية قصد القلب فلا تحتاج إلى التلفظ باللسان كما يفعله البعضُ عند
صلاته مثلًا يقول: نويت أن أصلي كذا لله، فالتلفظ بالنية بدعة، فلا حاجة
إلى التلفظ بالنية، بل ينوي ويقصد بقلبه العمل الصالح لله - سبحانه وتعالى -
ويستحضر عظمته جلّ وعلا وأنه مطَّلع عليه في جميع أحواله وحركاته وسكناته.
في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضِي الله
عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما الأعمال بالنيّات،
وإنّما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله
ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما
هاجر إليه))[2].
فينبغي أن يكون عمل العبد خالصًا لله لا ينظر فيه إلى أحد من خلقه، قال الفضيل: ((ترك
العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك
الله منهما)). فلا بُدَّ - يا عباد الله - من إخلاص العمل لله، والعبد في
هذه الحياة لا بُدَّ له من عمل يستفيد منه بما يستعين به على طاعة الله
ويكفّ به وجهه عمّا في أيدي الناس وينفقه على من تلزمه مؤنته، ولكن يبقى أن
تكون النية في ذلك صالحةً وخالصة لله.
فالموظف مثلًا يعمل العمل ويتقاضى عليه
أجرًا، فينبغي أن يعمل بإخلاص ونية صالحة، ويعرف أنه مؤاخذ على التقصير فيه
وأن ما يأخذه من أجر لا يحل له إلّا بالعمل، والتاجر يصدُق في معاملاته
ولا يغش ولا يدلس، ويعرف أنَّ ما يأخذه من ثمن هو مقابل سلعة صالحة سليمة
يتفق مع قيمتها، والصانع يُتقِن صنعتَه، والعامل يخلص في عمله ويعرف كل
واحد منهم أنَّ ما يتقاضاه من أجر هو مقابل ما يعمله من عمل متقَن، والفلاح
ينوي بزرْعه وغرْسه الأشجارَ النفعَ العام، فما أكل منه طير أو حيوان أو
إنسان كان له به أجْر، فمن استحضر النية الصالحة في أعماله أُثيب على ذلك،
فيجمع الله له بين ثواب الدنيا والآخرة، وفضل الله واسع، ولكن لا بُدَّ من
النية الصالحة والإِخلاص لله في العمل، فمن غلب عليه حبّ الله وحبّ الدار
الآخرة واستحضر عظمته ومراقبته له في أعماله ولم يبق في قلبه لحب الدنيا
قرار، فإن عمله يكون خالصًا لله ويسعد في دنياه وفي أخراه.
والذي ينشغل بدنياه ويتعالى بعمله ويغترّ
بجاهه لا تسلم عباداته من صلاة وصوم وحج وغير ذلك من أعمال الخير من النقص.
فإخلاص العمل مطلوبٌ، والموفّق من وفّقه الله.
قال أيوب: تخليص النيات على العمال أشد من جميع الأعمال.
وقيل لسهيل: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإِخلاص أوليس لها فيه نصيب.
فلا بُدَّ من الاحتساب في الأعمال، ومن
أراد أن تهون عليه الدنيا فليتذكّر أنها دار ممر، ومزرعة للدار الباقية،
والعمل لله لا يمنع من أعمال الدنيا فيعمل العبد في الدنيا ويحتسب العملَ
عند الله ويتقوَّى بعمل الدنيا على أعمال الآخرة، فيجمع بين سعادة الدنيا
وراحتِها وسعادة الآخرة والفوز بنعيمها.
فاتقوا الله يا عباد الله وتعلّموا ما
يسعدكم في دنياكم وأخراكم، واعلموا أن أعمال الآخرة لا تلهي عن أعمال
الدنيا، وإن كان الأصل والمقصود هو أعمال الآخرة، ولكن مع هذا فإن أعمال
الآخرة تُعين على أعمال الدنيا. فإذا صلحتِ النية في أعمال الدنيا انقلبت
أعمالَ آخرة، فأخلصوا النية وأصلحوها تُوفقوا لسعادة الدارين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله العظيم: ﴿ وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب عليّ وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
واعلموا أن الأصل في الأعمال النية فلا
يكون العمل صالحًا إلا بالنية الصالحة، كما قال نبينا صلوات الله وسلامه
عليه: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت
هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يَنْكحُها فهجرته إلى ما هاجر إليه))[3].
فلا بُدَّ من إخلاص النية لله الذي خلق
العباد لعبادته وتكفّل بأرزاقهم، فقد ينام العبدُ وينوي بنومه التقوّي على
العبادة فيكون عبادة، وقد ينوي العبادة فلا يتمكن منها لمرض أو نوم فيكتب
له ما كان ينوي، وهذا من فضل الله ومنّه على العبد، فعليه أن يصدق في نيته،
ويخلص النية والعمل فيكتب الله له الخير الجزيل، فاتقوا الله يا عباد
الله.
[1] أخرجه النسائي (6/25) في الجهاد، وقال الأرناؤوط: سنده حسن، انظر: جامع الأصول (2/584).
[2] سبق تخريجه في ص(12).
[3] سبق تخريجه في ص(12).
المصدر : شبكة الألوكة
تم النشر يوم
السبت، 30 مارس 2013 ' الساعة